يومًا تلو الآخر تتكشف فصول المذبحة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في مجمع الشفاء الطبي ومحيطه غرب غزة بما يدلل على جريمة مكتملة الأركان.
المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان بيّن -في بيان له- أن فريقه الميداني الذي كان متواجدًا داخل مجمع الشفاء الطبي أثناء اقتحام جيش الاحتلال ولاحقا أثناء انتشال عشرات الجثامين بعد انتهاء العملية العسكرية بنحو أسبوع، وثق مشاهد مروّعة لأشلاء وجثامين متناثرة في ساحات المستشفى التي حَوَت كذلك حفرة كان الجيش حفرها ووضع فيها عددًا من جثامين الضحايا بعد إعدامهم ميدانيًّا.
تفاصيل الاقتحام
وحول تفاصيل اقتحام مجمع الشفاء فجر 18 مارس الماضي، يقول باحث ميداني لدى المرصد كان متواجدًا داخل المجمع: «سمعنا فجأة صوت إطلاق نار كثيف ومتواصل استمر لوقت طويل.. بعد مدة، وصل شاب وأخبرنا أن الجيش الإسرائيلي أرسله لإبلاغنا بأن يخلع الرجال ملابسهم ويبقون بجهة، فيما على النساء الانتظار بالخلف».
وأضاف: خلعنا ملابسنا ماعدا «البوكسر» وكان معنا مسنون داخل الغرفة، دخلت طائرة كوادكابتر مسيّرة وأخذت تدور حولنا وتقوم بتصويرنا. بعد الفجر أجلسونا مقسمين مجموعات في كل مجموعة خمسة أشخاص والأيدي مكبلة خلف الرقبة. حين طلب بعض كبار السن الذهاب إلى دورة المياه أو تناول المياه، قال جندي: إنهم يجب أن يقضوا حاجتهم جالسين، وأننا (الفلسطينيون) أعداء فلا يجب عليهم توفير أي غذاء أو علاج لنا. كان الجنود يأخذون بعض الأشخاص من الغرفة ثم نسمع صرخات تعذيبهم بالخارج، قبل أن يعيدوهم في حالات يرثى لها».
وأجبر الاحتلال جانب مئات المدنيين داخل المستشفى، على النزوح عراة وحفاة ما عدا من الملابس الداخلية السفلية، ومشوا مسافات كبيرة، قبل أن يصلوا إلى منطقة مستشفى المعمداني شرق غزة، ويعطيهم السكان بعض الملابس والأحذية.
إعدامات
وتقدم «هبة رأفت أبو حصيرة»، شهادة مرعبة لإعدام الاحتلال عددًا من أفراد أسرتها أمامها، بمن في ذلك والدتها وشقيقتاها وشقيقها، وتقول: «صباح يوم 18 مارس، اقتحمت القوات الإسرائيلية منزلنا الواقع خلف مجمع الشفاء الطبي وسط إطلاق نار. داهم أحد الجنود الغرفة التي نحتمي بداخلها، أنا ووالدتي «بشرى سعيد أبو حصيرة» (55 عامًا)، وشقيقاتي «روزان» (25 عامًا)، و»رانيا» (19 عامًا)، و»سيف» (21 عامًا)، وكنا جميعا نجلس في زاوية واحدة وعلينا غطاء شتوي. صوب الجندي سلاحه تجاهنا واستمر بإطلاق النار، وكل حركة تصدر منا يطلق النار تجاهنا مرة أخرى.
وأضافت: استشهدت أمي وأشقائي وبقيت أنا، كنت أصرخ وأخبره أننا مدنيون. أوقف إطلاق النار، واقترب الجندي مني ورفع السلاح تجاه رأسي ثم أنزله، وبعدها سحبني خارج الغرفة. طلبت البقاء مع عائلتي فقال لي: «اخرسي»، وبعد ذلك حضر جندي آخر وأخرجني من المنزل وطلب أن أغادر المنزل فخرجت إلى الشارع حافية، وكانت الدبابات تحاصر المكان وتتمركز في بداية الشارع ونهايته، أطلق الجنود النار نحوي فأصبت بعيار ناري باليد اليسرى، وعلى إثرها ركضت وأنا حافية على الزجاج والحجارة المتناثرة بالشوارع».
حكيمة تبحث عن زوجها المسعف
شهادة أخرى تقدمها «مها سويلم»، وهي حكيمة بمستشفى الشفاء، عن اختفاء زوجها المسعف «عبد العزيز مصطفى سلمان» بعد اعتقاله من الاحتلال في المستشفى وتقول: «أنا وزوجي نعمل متطوعين في المستشفى، فبعد أن تم قصف بيتنا نزحنا إلى مستشفى الشفاء وبقينا فيه، وفي يوم الاقتحام (18 مارس) كنت أعمل في مبنى الجراحات في قسم العناية المركزة الخاصة بالصدرية، أمر الجيش الإسرائيلي الكادر الطبي بالنزول من المبنى، وكنا ما يقارب 50 شخصًا، وأخبرونا أننا سنرجع مرة أخرى بعد أن جمعونا في ساحة المستشفى، ولكن أخذوا 35 شخصاً منّا دون أن نعرف إلى أين، فيما أفرجوا عن الـ15 المتبقين. ولكن بعد أن أخبروهم أن يخرجوا وأفرجوا عنهم أطلقوا النار على أربعة أشخاص أمام عيني، منهم طبيبان نُقلوا للعلاج في المستشفى المعمداني».
وأضافت: «زوجي أخذوه إلى الساحة وأجبروه على خلع ملابسه واعتقلوه، وإلى الآن لا أعرف عنه شيئًا. زوجي ليس متهمًا بشيء، إلا إذا كان [الجيش] يعتبر التطوع لخدمة المصابين والجرحى وإسعافهم تهمة».
جثث شهداء متحللة
وقال «غسان رياض قنيطة» حول ملابسات العثور على جثة والده «رياض قنيطة» يوم الإثنين 8 أبريل الجاري وقد بدأت بالتحلل: «نحن نسكن في محيط مستشفى الشفاء مقابل المقبرة التي تم حفرها حديثًا. اقتحم الاحتلال البيت في اليوم التالي لاقتحام المستشفى (19 مارس) الساعة 10 صباحًا تقريبًا. كان والدي نائمًا على السرير لأنه مسن وظهره مكسور ولا يستطيع الوقوف على قدميه».
وأضاف: «أثناء الاقتحام جمعوا جميع من كان في البيت وفصلوا النساء والأطفال عن الرجال وأجبروا الرجال على خلع ملابسهم وتم تعذيبهم، ولكن والدي لم يجبروه على ذلك لأنه كبير في السن. وعندما أخرجوا النساء لينزحوا إلى الجنوب أخرجوه معهنّ ومعه زوج شقيقة زوجتي وزوج شقيقتي، وكلاهما يبلغان ما يقرب من 65 عامًا. خرجوا وكان الجو ماطرًا ويصعب المشي في الشوارع. ومع كبر سنهم وتعبهم زاد الأمر صعوبة عليه فلم يستطيعا المشي، وعندما توقف زوج شقيقة زوجتي أخبرهم الجندي أن يكملوا المشي ويتركوه وهددهم إن لم يكملوا سيتم إطلاق النار عليهم، فتركوه خوفًا، ومنذ ذلك الوقت نبحث عنه في كل مكان. واليوم (8 أبريل) وجدنا جثته ملقاة على سور مبنى الجراحة في مستشفى الشفاء من الداخل».
تجميع أشلاء الضحايا
الطبيب «خليل أحمد حمادة»، مدير عام الطب الشرعي والأدلة الجنائية، يؤكد أن الطواقم الطبية والأدلة الجنائية تواجه صعوبات كبيرة في مجمع الشفاء الطبي ومحيطه في محاولة «تجميع أشلاء الضحايا» وحصرها والتعرف على هويات أصحابها، خاصة وأن العديد منها «مشوه» أو «بدأ بالتحلل بالفعل».
وأضاف: «نحاول التعرف على جثامين الضحايا المقطعة والتي بدأت بالتحلل بشكل كبير ودفنت بجرافات. الجثث مقطعة وغير كاملة والبقايا والأشلاء منتشرة في أماكن مختلفة، ولكن نعمل قدر المستطاع».
حصر المفقودين
أما الطبيب «جاد الله الشافعي»، مدير عام التمريض بمستشفى الشفاء فأوضح أنه بعد انتهاء الحصار تم حصر الطواقم الطبية والتمريضية والإدارية التي كانت متواجدة في مستشفى الشفاء ولم نعرف مصيرها حتى الآن فكان إجمالي المفقودين 47 شخصًا منهم 4 ضحايا.
وبيّن أن من الطواقم الطبية التي كانت على رأس عملها 15 طبيبًا منهم “أحمد المقادمة»، وفني تخدير، و17 من طاقم التمريض، ومدير دائرة الصيدلة “محمد زاهر النونو»، و5 من فنيي المختبر أحدهم قتله الاحتلال، ورئيس دائرة الهندسة والصيانة «بهاء الكيلاني»، إضافة إلى 7 من الإداريين والكتبة، هذا ما تم حصره إلى الآن».
وأشار إلى أن الطواقم الطبية مع البلديات تبحث في تلال الجثث وبقايا الضحايا وإحصاء الجثث، مبيناً أن أغلبها متحللة وصعب التعرف عليها ومجهولة، والأهالي لا يستطيعون التعرف عليها ولا يوجد إمكانيات فحص الجثث للتعرف إليها.
ويخلص الأورومتوسطي إلى أن تدمير مجمع الشفاء الطبي، وفي إطار رمزيته الطبية والمجتمعية لدى الفلسطينيين في قطاع غزة، يأتي في إطار جريمة الإبادة الجماعية التي تنفذها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، وفي مقدمة الخطة المنهجية والمنظمة وواسعة النطاق التي تنفذها إسرائيل لتدمير حياة الفلسطينيين في القطاع، وتحويله إلى مكان غير قابل للسكن ويفتقد لأبسط مقومات الحياة والخدمات الأساسية، من خلال جملة جرائم متكاملة.
*غزة – المركز الفلسطيني للإعلام