علماء الاجتماع: العنف أسلوب بالغ الخطورة لأنه يولد شهور الكراهية لدى الطفل
تربويون: الازدحام في الفصول وعدم التأهيل والتواصل الأسري يعمق المشكلة
أوشكنا على الانتهاء من الفصل الدراسي لهذا العام وما هي إلا أسابيع وتبدأ الامتحانات ولكن المؤسف أن هناك طلاباٍ أضاعوا جهد الفصل الدراسي الأول وعدم التقدم للامتحانات بسبب الكلمات التي تتردد في الفصول الدراسية وتنطلق من ألسنة بعض المعلمين لتعنيف الطلاب وقد يرونها (الألفاظ) عابرة بيد أنها تستقر في نفس الطالب الطفل مما قد يولد داخلهم شعورا سلبيا تجاه الدراسة وحب التعليم وربما كان ذلك هو الدافع الأساسي الأول لتسرب العديد من طلبة المدارس. وزارة التربية والتعليم من جهتها أصدرت القرار رقم 426 الذي ينص في مادته الأولى على منع استخدام العقوبات الجسدية والنفسية بحق التلاميذ في كافة مدارس الجمهورية ورياض الأطفال الحكومية والأهلية وإحالة كل من ثبت مخالفته لنص المادة من هذا القرار لكن لم يلق القرار استجابة لتنفيذه من قبل كثير من التربويين. وهناك نطرح المشكلة بحثا عن أسباب غياب تطبيق القرار والآثار المترتبة على ذلك.. بالنسبة للطلبة والحلول المقترحة.
كثير من الطلاب- ذكورا وإناثا- يقعون في خلاف دائم مع المعلمين في المدرسة وقد تكبر المشاكل حتى مع أولياء الأمور ولن تقود إلى حلول ولكل معلم أسلوبه فنجد شتى الألفاظ التي تجرد الطالب من إنسانيته ومقارنته بالحيوانات وإن كانت حتى أليفة وفي مدارس الأولاد ما خفي كان أعظم.
كانت البداية مع أم الطالبة دينا القرني بالصف الخامس التي تقول: ذهبت مراراٍ للمدرسة التي تدرس فيها ابنتي لحل المشكلة بينها وبين معلمة مادة القرآن الكريم والسبب أن المعلمة لم تتفهم نفسية الطالبة وتعقيد المادة عليها ولدرجة أن ابنتي كرهت المادة وأصبحت لا تطيقها إضافة إلى تعنت المعلمة من بداية الحصة إلى نهايتها ما جعلها تترك التعليم والمدرسة ولم يتبق على الاختبارات إلا القليل.
الترغيب والطرق التربوية
وتحكي أم الطالبة بسمة جمال في الصف الأول الابتدائي أن ابنتها رفضت الذهاب إلى المدرسة بعد مضي شهر من دراسة الفصل الثاني لهذا العام بسبب توبيخ ووصف المعلمات لها بأنها قليلة الفهم وغبية لخجلها من المشاركة كباقي زميلاتها ولم تستوعب بعض المعلمات أنها لا زالت في المرحلة الأولى من الدراسة ويجب ترغيبها في العلم وليس ترهيبها.
وكذلك قال والد الطالب مجد يوسف- الثالث ابتدائي- أن ابنه رفض العودة للدراسة في الفصل الثاني وإنهاء الاختبارات القادمة على الأبواب بسبب ما يتلقاه من إهانات المعلمين في المدرسة متمينا نبذ الأساليب غير التربوية مع الطلاب وأنه لا بد أن يكون هناك تواصل فيما بين المدرسة والأسرة لحل المشاكل بطرق تربوية صحيحة لما فيه مصلحة الطالب كي لا يساعد ذلك في تسربهم من التعليم وقد بذلوا شرطا ليس بسيط من بداية العام الدراسي.
لا يحملون مؤهلات
لكل تربوي وجهة نظر إلا أنها كانت متقاربة وترفض العنف الذي يحدث في المدارس وهنا يشكو عبدالله المكرماني- مدير ثانوية الشهيد محمد إسماعيل العنف المتفشي- في مدارس الجمهورية اليمنية تجاه الطلاب منذ فترة طويلة مما أدى إلى تسرب عدد كبير من الأطفال عن المدارس وعزوف الكثير منهم عن مواصلة التعليم ويعيد السبب إلى عدم اهتمام الجهات التربوية بتكثيف الدورات التنشيطية للمعلم حول موضوع طرق التدريس الحديثة وخاصة طرق تدريس الطفل لأن كثيرا من المربين لا يحملون مؤهلات عالية ولم يخضعوا لأي دورات تربوية في ذلك وأيضا عدم احترام المجتمع للمعلم والنظرة القاصرة لدوره في بناء الأجيال إلى جانب الدور الإعلامي وتثقيف المجتمع بدور الأسرة في متابعة الأبناء والتواصل مع المدرسة بل إن تحميل المدرسة لتقوم بالدور كاملا في تربية الطفل يولد الإحباط لدى الكثير من المعلمين خاصة وأن داخل حجرة الدراسة تسعون طالبا مما يؤثر على نفسية المعلم ويولد لديه توتراٍ مستمراٍ بين أوساط الطلاب وينعكس سلبا على تأدية الرسالة التربوية بالشكل السليم وأضاف: لا بد من التوعية المستمرة للجميع لتدارك المشكلة حتى لا يصاب الطلاب بالتبلد والخمول والعزوف عن الدراسة ودعا كل الزملاء في الميدان التربوي إلى فهم مشكلات الأبناء داخل المدرسة ومحاولة التقرب منهم لأن المعلم أب وأخ وطبيب وعالم نفس ويتوقع كل الطلاب من معلمهم الخير دوما في كل تصرفاته فالمعلم بيت الأخلاق ورائد لمهنة ذات رسالة عظيمة هي رسالة الأنبياء.
تعامل مع نفسيات لا منهج
لا ينبغي استعمال العنف مع الطلاب خاصة في الصفوف المتوسطة هكذا ترى سميحة العنسي- معلمة بمدرسة الشهيد طاهر الصيفي الدور التربوي الذي يجب أن يسود في المدارس وقالت: في الغالب لا يأخذ المدرسون طلاب الصفوف الأولى وتدريسهم عن حب وقناعة وإنما رغماٍ عنهم حتى أننا نجد أن الإدارات المدرسية إن أرادت معاقبة مدرسة تنقلها لتدريس الصف الأول لأن التعامل مع هذه الصفوف أتعب بكثير من غيره وتؤكد أن هذه مشكلة تقع فيها الإدارات المدرسية لأننا حسب قولها نتعامل مع نفسيات وليس منهجاٍ ودروساٍ وأحيانا لقلة الصبر لدى المعلم يقوم بصب غضبه على هؤلاء الطلاب. وتابعت: نادرا ما نجد معلماٍ يقوم بتدريسهم عن قناعة. وتضيف أن الطالب في المراحل الأولى للتعليم يحتاج للتأقلم على الجو الذي خرج إليه وليس فقط دروساٍ ومعلومات مكدسة ولذلك يجب تأهيل مدرسي الصفوف الأولى جيدا بإقامة الدورات التدريبية نفسيا وتربويا وكذلك الإشادة والرفع بمستواهم “المدرسين” لأن هذه المرحلة الأولى هي أساس المراحل ومنها تبنى شخصية الطالب نفسيا وعلميا ونوهب بخطأ فادح يرى أن كل التقدير والاحترام لمدرسي الثانوية وهذا هو الجهل بعينه الكثير من الناس يتعامل مع المدرسين ظنا منهم أن المدرس هنا فاشل وناقص مهارات وقدرات لذلك كلف بتدريس هذه المرحلة ولكن في البلدان الأخرى غير ذلك نجد حملة الماجستير والدكاترة هم من يعلم هذه الصفوف والشرف لهم.
أساليب غير مشروعة
وديع الزبيري- معلم بمدرسة سعد الأشول- يرى أن الأساليب التربوية متعددة من حيث الترغيب والترهيب ويستخدمها جميع المعلمين والتربويين وربما يستخدم البعض العقاب البدني والنفسي وبشكل خاطئ وذلك لأسباب عديدة منها عدم التأهيل التربوي لمعلمي الصفوف الأولى على اعتبار أن هذه الصفوف يمكن أن يدرس فيها حتى أشخاص يجيدون القراءة والكتابة بالكاد أساليب عقاب غير مشروعة يحرمها السلك التربوي ومنها الضرب والتجريح متجاهلين الآثار السلبية التي تحدث للطالب ومنها الخوف والقلق المستمر وقد يصل إلى التسرب من المدرسة.
وأضاف الزبيري أنه وبسبب ازدحام الفصول بأعداد كبيرة من التلاميذ يصعب على المعلم مهمة ضبط الصف وجعل التلاميذ هادئين كي يقوم بدوره فيلجأ إلى وسيلة العقاب كما يحمل الزبيري المسؤولية بعض إدارات المدارس التي لا تعلم ما يحدث داخل حجرة الصف فتهمل المعلم والمتعلم في وقت واحد ولا تقوم بدورها الفاعل لإيجاد حلول بديلة للمعلم عن العنف والتجريح وأيضا الأسرة التي لا تعلم أي شيء عن أبنائها وتقطع الصلة بالمدرسة مما يسبب ضغطاٍ كبيراٍ على المعلم فيقوم بمثل هذه التصرفات منبهاٍ إلى أهمية تفعيل الأدوار من خلال مجالس الآباء والأمهات في المدارس لتوثيق الصلة بين المدرسة والأسرة.
طرق مجربة
ومن جانبها تقول أحلام الذيفاني- معلمة بمدرسة الازدهار النموذجية: ليس لائقا بمعلم تربوي أن يأتي بألفاظ تسيء للطالب لأنه يؤدي رسالة عظيمة إضافة إلى أنه قدوة لهم ويجب تطبيق قانون المعلم بصراحة تجاه أي معلم يتخطى حدود التربية لأنه من المهم التعامل مع الطلاب بالتشجيع والجلوس مع الطالب إن شعرنا أنه مهمل وإعطاؤه النصائح التربوية والقصص الواقعية وهي طرق تم تجريبها ونجحت وأن تكون من قبل رائدة الصف والعمل بها يوميا حتى لمدة عشر دقائق إلى جانب الالتزام بقوانين صفية محددة والسيطرة وضبط الصف من أول يوم تدريس للمعلم.
تنوع الأنشطة التعليمية
فيما أكد مقبل غالب- أستاذ في أصول التربية وعلم النفس بوزارة التربية والتعليم- أن كثيراٍ من المعلمين لا يفرقون بين تأديب الطلاب والتعليم حيث يحرم على المعلم معاقبة الطلاب بسبب قلة الفهم أو بطء التعلم ولا يجوز عقابهم على الحفظ والواجبات المنزلية. وأنه يجب على المعلم تنويع الأنشطة التعليمية وليس التوبيخ والطرد. وقال: يباح الضرب لتأديب الطالب إذا اعتدى على زملائه أو أتلف أدواتهم أو ممتلكات المدرسة عمدا. وأعادنا غالب إلى كتاب ابن خلدون الذي اقترح تعيين قاضي حسبة يضرب المعلمين الذين يضربون الطلاب على التعلم.
العمل بالتوصيات الدولية
نبيل الخضر- مدير عام مؤسسة إبحار للطفولة والإبداع يقول: إن العنف ضد الأطفال هو أحد أهم أسباب تسرب الأطفال وعلى المعلمين استلهام البدائل العقابية وعلى المدارس تنفيذ قرار الوزير الخاص بإلغاء العقوبات في المدارس وأضاف أن القوانين في بلادنا لا تطبق في الأساس ونحتاج إلى العمل لإنهاء أشكال العنف ضد الأطفال وخصوصا في المدارس كما بينته التوصيات الدولية.
دائرة الأمان
وترى الدكتورة آمنة عزت –أستاذة علم الاجتماع- بجامعة صنعاء أن استخدام العنف في المدارس ضد الطلبة الصغار أسلوب بالغ الخطورة لما يترتب عليه من سلوك يتنافى مع العملية التعليمية والتربوية ويولد شعور الكراهية لدى الطفل من مدرسته التي تحولت من مصدر أمان إلى دائرة وبؤرة للعنف سواء اللفظي أو الحسي كالضرب والشتم والتعنيف والإهانة واستخدام الأساليب المنفرة والمقززة من قبل بعض المعلمين الذين لا يفقهون شيئا في مهنتهم سوى الصراخ والشجب. ومضت تقول: من هنا يأتي شعور العزوف عن الدراسة لدى الطالب وكثرة الغياب بدون أسباب مقنعة والتهرب من الحصص والشرود الذهني والاضطراب الفكري والقلق الدائم والذي قد يصل عند بعض الطلاب إلى الشعور بالبلاهة وأن العملية التربوية يجب أن تؤسس على الحب وعلى التربويين استخدام أسلوب التعزيز الإيجابي مع تلاميذهم.