التقييد.. الضرب.. الحرمان من الطعام.. من أصناف التعذيب في المنزل
الــعـــزلة والانــطــواء والـحــبـس والـعـنــف مـعـانـاة يـكـابـدهـا الـمــعـاقــون
أحداث مأساوية وقصص مؤلمة يعيشها العديد من المعاقين الذين حكمت عليهم إعاقتهم بالعزل والنبذ والوحدة من قبل مجتمع لا يعترف بألمهم ولا يراعي حق إعاقتهم , يحدث كل ذلك تحت لافتة عريضة هي ثقافة العيب المجتمعي هذه التأبيدة التي غدت بالنسبة لهم كانت بداية النهاية,, الثورة التقت العديد من هؤلاء الضحايا ومع أسرهم والمعنيين في محاولة لفتح ثقب في جدار معاناتهم أو على الأقل قرع أجراس آلامهم للالتفات إليهم والأخذ بيدهم وإخراجهم من سجون العيب المجتمعي الجاثم على صدورهم في زمام التحقيق الآتي:
سهام.. طفلة في ربيعها الثاني عشر مصابة بإعاقة ذهنية منذ ولادتها أخفتها أسرتها عن العيون في زاوية وغرفة مظلمة منعزلة عن العالم وكأنها عار يلاحق أسرتها لتغتال براءتها بتهمة مرض كان قدرها سألنا والدها عن سبب إخفاء ابنته طيلة هذه المدة وعدم عرضها على جهات معنية طبية متخصصة للتخفيف من آلامها والتمهيد لشفائها فقال: ابنتي مجنونة وإذا خرجت تهرب من البيت ولا حل لها سوى البقاء في غرفتها لانتظار الموت فهو أهون لنا ولها من الفضيحة.
أما سامي فقد حرصت والدته على عدم خروجه من البيت خوفاٍ من كلام الناس لأنهم سيقولون أنها أم لولد مصاب بتخلف عقلي وقالت: لقد حرمتْ نفسي من الخروج من المنزل بسبب إبني الذي يعاني من سمنة مفرطة وإعاقة ذهنية ولا أحب أن أذهب عند أحد فنظرات الناس تصيبني بعدم القدرة على الحركة والشعور بالنقص حين أرى شفقتهم علي وعلى ولدي مما اضطرني إلى إخفائه في غرفته حتى أصبح عمره الآن 17 عاماٍ.
إجراءات مخالفة للشرائع
جمهور ناجي سرحان الحميدي طالب- دكتوراه بقسم التربية الخاصة – جامعة تعز- يرى أن هناك الكثير من الأسر تقوم بالتستر على أبنائها المعاقين عقلياٍ وذلك شعورا منهم بأن وجود طفل مصاب بالإعاقة العقلية يسبب للأسرة وصمة عار اجتماعية وهذا يعد إجراء خاطئاٍ يخالف كل الشرائع والقوانين وقال: مختلف الحضارات بما فيها الحضارة الإسلامية تؤكد ضرورة رعاية هؤلاء الأطفال وتعليمهم وتربيتهم ورعايتهم وأن هذه الخدمات مكفولة لهم وهي حق من حقوقهم – فالدين الإسلامي كفل كثيراٍ من تلك الحقوق وأعفاهم من التكليف القانوني.
الحميدي ذهب إلى التأكيد على ما تضمنه قوانين حقوق الإنسان من رعاية وتربية وتدريب هؤلاء الأطفال إلى أقصى حدود الإمكان بقدر ما يمتلكون من استعدادات وقدرات وزاد بالقول: كثير من النظريات التربوية الحديثة والمفكرين والأخصائيين بذلوا جهودا كبيرة في سبيل تقديم الخدمات التربوية والتعليمية وتأهيل أفراد هذه الشريحة فأثبتت تجاربهم بأن هؤلاء الأفراد قابلون للتعلم وانه من الممكن ان يتم تأهيلهم وتدريبهم على بعض المهارات التي تجعل منهم أفراداٍ قادرين على الاستقلال الشخصي على الأقل وأضاف: التستر على أفراد هذه الشريحة والذي يحصل خاصة في كثير من المجتمعات العربية ومنها بلادنا يحرم هؤلاء الأطفال أي فرصة للرعاية ويهدر حقوقهم وان الأسرة ترتكب مخالفة كبيرة تعود عواقبها عليها وعلى الطفل حيث أن هذا التستر ينعكس سلبا على الأسرة فأغلب أفراد الأسرة يشعرون دوما بالذنب وتأنيب الضمير والحيرة أمام هذا الطفل لاسيما الأب والأم.
لابد من رؤية تربوية
وينصح جمهور الحميدي الأسرة أن تتعامل مع الموضوع بكل تلقائية وان وجود طفل معاق عقليا داخل الأسرة ليس عيباٍ بل إن هذا الطفل يمكن أن يعيش ويتأهل ويتعلم ابسط المهارات ولنا في مدينة تعز تجربة رائدة حين أقدمت الأستاذة الدكتورة خديجة السياغي نائب رئيس جامعة تعز على تأسيس جمعية الأمل لرعاية المعاقين ذهنيا حيث اتضح من هذه التجربة أن الأطفال المعاقين عقلياٍ قادرون على التعلم والتدريب بل اكتشفنا أن هناك أعداداٍ هائلة في مدينة تعز من هؤلاء الأطفال ..
العالم يخطط لمثل هكذا قضايا من خلال رؤية لذا يوجه للحكومة قائلاٍ: إن رعاية هؤلاء الأطفال بحاجة إلى رؤية تربوية وإرادة سياسية على مستوى الدولة تضمن حقوق كل الأطفال المعاقين وتوفر الفرص المناسبة لكل الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة حيث وأن كثيراٍ من الجهود التي تبذل حاليا هي جهود فردية وجهود مؤسسات المجتمع المدني لذا نتمنى أن تقوم الدولة بواجبها كما ينبغي لأن رعاية هؤلاء الأطفال منظومة متكاملة من الرعاية والتربية التوجيه تقوم بها عدد من مؤسسات الإعلام والتربية والشئون الاجتماعية والصحة وغيرها من الأجهزة الفاعلة في الدولة
ثقافة مجتمعية
الدكتور موسى المطارنة استشاري نفسي وتربوي وخبير تدريب أكاديمية علم النفس بالجامعة اللبنانية يؤصل لهكذا ممارسات بالقول: الأصل أن الثقافة المجتمعية في بلادنا العربية تخشى من الإفصاح عن وجود هؤلاء بالعائلات لما يسببه لهم من وجهة نظرهم شعور الإحساس بالنقص بين العائلات الأخرى والإحجام عن خطبة بناتهم أو نسبهم لوجود الإعاقة.
وقال: هذا سبب مشكلة للمعاق أو المريض حيث انه سيسجن ولا يأخذ فرصة للاندماج بالمجتمع وتفريغ طاقة من الانفعالية وأيضا يفقد حقه في الحياة كإنسان من حيث العلاج والمساعدة خاصة أن البعض منهم يمكن علاجه فيما إذا اكتشف أمر الإصابة مبكرا وكذلك حقه في التدريب والتعليم
ويحلل المطارنة القضية من ناحية نفسية: أكثر المعاقين يعانون من أمراض نفسية مصاحبة للإعاقة وهذا أمر بديهي يتوجب زيارتهم للأخصائي النفسي للتعامل معهم وإدماجهم في برنامج مخصص بهم كونهم بحاجة للحب والاهتمام وأن يكون التعامل معهم وفق خطة علاجيه تعتمد على مدى عمرهم العقلي لا الزمني.
قلة الإحصائيات
أما الباحث الاجتماعي عبد الملك صلاح يشير الى أن هناك قلة في الإحصائيات لهؤلاء المعاقين في اليمن ويعيد ذلك للعادات والتقاليد التي تعتبر سبباٍ رئيسياٍ في إخفاء الأسر لهذه الحالات بالإضافة الى عدم وجود مسح شامل خاص بهم على الرغم من أن هناك بعض الأرقام الموجودة في التعداد إلا أن القصور في اهتمام الحكومة وضعف خدمات صندوق المعاقين واهمال الاسر في تسجيل حالات الاعاقة يجعل من الإحصائيات غير دقيقة.
مبررات..
من جانبها توضح أخصائية علم اجتماع الدكتورة آمنة الشريف الأسباب الاجتماعية التي جعلت أسرة الطفل المعاق تتستر على مرض ولدها خاصة الفتيات , ومن ذلك غياب التوعية والتثقيف المجتمعي, والفقر , والجهل , ونظرتهم القاصرة إلى المرض , الشعور بالازدراء والتأفف والحرج من حركات وأصوات المريض , معايرة الناس لأسرة المعاق , وما يترتب على ذلك من عنف تستخدمه أسرة المعاق تجاه ولدها خوفا من أن يخرج ويظهر أمام الناس .
وأضافت الشريف: إن هناك أسراٍ تبرر سبب قسوتها على أبنائها المعاقين وحرمانهم من أبسط حقوقهم تحت مبرر الخوف عليهم من الاستغلال أو الاستدراج أو الخروج والوقوع ضحية بيد عصابات الإجرام ولهذا فهي تستخدم أحيانا أقسى أنواع التعذيب كتقييدهم وضربهم وكتم صراخهم بشاشة أو قطعة قماش يضعونها على أفواههم أو حرمانهم من وجبات الطعام وغيرها من القصص الانسانية المؤلمة التي يندى لها الجبين ويتفطر لها القلب ألما وحزنا والتي هي بحاجة إلى وقفة جادة من الجهات المعنية والقيام بواجبات التوعية والدعم النفسي لهؤلاء الضحايا ومحاولة دمجهم في المجتمع بما يكفل لهم حياة كريمة .