الثورة / سبأ
نص كلمة قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي بمناسبة الذكرى السنوية للصرخة 1444هـ:
أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّدًا عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
أَيُّهَــــا الإِخْــــوَةُ وَالأخَوَات: السَّــلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَــةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُــه؛؛؛
يقول الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» في القرآن الكريم: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ}[إبراهيم: الآية27]، صدق الله العلي العظيم.
الذكرى السنوية للصرخة في وجه المستكبرين، هي مناسبةٌ مهمةٌ:
أولًا: للمزيد من التعبئة، ولرفع مستوى الوعي عن أهمية الموقف الحق تجاه أعداء الله، أعداء الأمة، أعداء الإنسانية، وللاستنهاض للشعوب، وللتأكيد على صوابية الخيار وأحقية الموقف.
كما هي أيضًا مناسبةٌ نتوجه فيها بالشكر لله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، على نعمة التوفيق، التوفيق للموقف والمشروع، الذي هو مرضاةٌ لله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وفيه نجاة لنا- لمن ينطلق في هذا المشروع، للأمة- من العواقب الوخيمة والخطيرة للتنصل عن المسؤولية الدينية، والإنسانية، والأخلاقية، المسؤولية أمام الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، في الموقف من أعدائه الظالمين، وهجمتهم، وطغيانهم لاستهداف أمتنا في دينها ودنياها، الموقف الذي بدونه يتحرك الأعداء ولا يواجهون أي عوائق تحول دون تنفيذ مؤامراتهم، وبالتالي يسلَّطون على هذه الأمة؛ عندما تتنصل عن مسؤوليتها تجاه نفسها وتجاه دينها، تجاه حاضرها ومستقبلها.
فالتوفيق في الموقف، الذي هو مرضاةٌ لله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، ونجاةٌ من سخط الله، من عواقب التفريط الوخيمة في الدنيا وفي الآخرة، نعمة كبيرة تستحق الشكر لله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى».
ثم هي مناسبةٌ أيضًا ذات أهمية كبيرة في التوضيح للحقائق، تجاه ما ووجه به المشروع القرآني من تشويهٍ ومحاربة.
في الحديث عادةً في هذه المناسبة، عادةً ما نبدأ الحديث عن ظروف انطلاقة الصرخة والمشروع القرآني.
في محاضرةٍ للسيد حسين بدر الدين الحوثي «رِضِوَانُ اللَّهِ عَلَيهِ»، في مدرسة الإمام الهادي «عَلَيهِ السَّلَامُ»، (في مرَّان – مديرية حيدان – محافظة صعدة- اليمن)، بتاريخ الرابع من شهر ذي القعدة، (قد يكون الرابع، أو الثالث، بحسب اختلاف التقاويم آنذاك)، ألف وأربعمائة واثنان وعشرون للهجرة النبوية، الموافق للسابع عشر من يناير ألفين واثنين ميلادية، أعلن الصرخةَ في وجه المستكبرين وهتاف البراءة:
الله أكـــــــــــبر
الموت لأمريكـــا
الموت لإسرائيـــل
اللعنة على اليهود
النصــر للإســــلام
ليكون شعارًا للمشروع القرآني، في التصدي للهجمة الأمريكية والإسرائيلية على أمتنا الإسلامية، مضافًا إليه التثقيف القرآني، والمقاطعة للبضائع الأمريكية والإسرائيلية، التثقيف القرآني الذي يربط الأمة بالقرآن الكريم في موقفها، ويرفع مستوى وعيها تجاه أعدائها، ويحيي فيها الشعور بمسؤوليتها، ويهديها لما يبنيها؛ لتكون في مستوى مواجهة التحديات، ويرسم لها الخطوات العملية الصحيحة، والحكيمة، والبناءة، التي تنقذها من واقعها المطمع لأعدائها، وتخلصها من حالة الخنوع والذل واليأس.
أتى هذا المشروع القرآني في عناوينه هذه والأمة في أمسّ الحاجة إليه، في مرحلة خطيرة وحساسة جدًا، في ذروة الهجمة الأمريكية والإسرائيلية، التي تستهدف أمتنا وشعوبنا وبلداننا، بذريعة مكافحة الإرهاب؛ بعد حادث البرجين، المدبرة والمخططة؛ لتكون ذريعةً للدخول في مرحلةٍ جديدةٍ خطيرةٍ وكبيرة، في السعي للسيطرة على شعوبنا وأمتنا.
في تلك المرحلة، كان الموقف الرسمي لمعظم الحكومات والزعماء لا يشكل حمايةً لشعوب أمتنا، فهو:
إمَّا متواطئ، وانضم مع الأعداء، وتحالف معهم، تحت عنوان التحالف للحرب على الإرهاب ومكافحة الإرهاب.
وإمَّا ضعيفٌ، لا يقدر بمفرده على التصدي لتلك الهجمة والوقوف بوجهها.
الهجمة الأمريكية، التي تحركت بتحالفات واسعة ودول وأنظمة كثيرة، وفي إطار التدبير والتخطيط للوبي اليهودي الصهيوني، كانت هجمةً شاملة، ليس فقط على المستوى العسكري؛ وإنما في كل المجالات، ومخادعة، تحمل عناوين لمخادعة الشعوب، ولم تكن مجرد هجمة عابرة، تستهدف عملًا عسكريًا معينًا، لعقاب منطقة معينة، وانتهى الأمر، بل كانت ضمن مخطط الهدف منه: إحكام السيطرة التامة والمباشرة على أمتنا في كل شيء:
– السيطرة على البشر.
– السيطرة على الموقع الجغرافي.
– والسيطرة على الثروة الهائلة التي تمتلكها بلداننا.
وكانت تتدخل بشكلٍ صريح في كل المجالات لشعوب أمتنا:
– وفي مقدمة ذلك: في التعليم، والمناهج الدراسية.
– والإعلام.
– والتثقيف.
– والخطاب الديني.
– وتزييف الهوية الإسلامية.
فهي هجمة بالغة الخطورة، ونتيجتها: أن تخسر أمتنا حريتها، وكرامتها، واستقلالها، وثرواتها، ولكن تحت تلك العناوين المخادعة: تحت عنوان الحرية بنفسه، والإنقاذ، وحقوق الإنسان، والديمقراطية، والتحرير، وغير ذلك من العناوين، لكن الحقيقة هي: أن تتحول أمتنا، بكل إمكاناتها، وثرواتها، وبشرها، وموقعها، مغنمًا لأعدائها.
في المقابل، في مقابل تلك الهجمة الخطرة جدًا، الشاملة، والتي تهدف إلى تحقيق تلك الأهداف السيئة للغاية والخطيرة جدًا، فالأخطر، الذي يمثل عاملًا مساعدًا لنجاح تلك الهجمة، وما يساعد على تحقيق ذلك لمصلحة الأعداء، هو:
التواطؤ، الذي كان واضحًا من كثيرٍ من الأنظمة والحكومات والزعماء مع العدو، وفتح المجال أمامه في كل شيء، كثير من الزعماء، والأنظمة، والحكومات، فتحت المجال للأمريكي، ليفعل ما يشاء ويريد:
هل يريد قواعد عسكرية؟ فليتفضل، وليعمل له قواعد عسكرية في أي مكانٍ يريد.
التدخل في التعليم والمناهج الدراسية، والخطاب الديني، والتثقيف والإعلام: فليتفضل في كل ذلك.
فَرْض سياسات اقتصادية معينة: المجال مفتوح.
ويتعاملون بالطاعة، والخنوع، والاستجابة التامة، من دون ممانعة تجاه ما يمليه عليهم، هذه حالة خطيرة للغاية.
أو السكوت والجمود، الذي يتيح المجال أيضًا دون عائق أمام الأمريكي وأمام الإسرائيلي.
بينما الأمة في واقع الأمر بحاجة إلى موقف صحيح؛ أمَّا بدون موقف فلا يمكن دفع العدو، ولا دفع الخطر، ولا السلامة منه.
وانطلاقًا من هذا العنوان: أنه لابدَّ من موقف، لا يمكن دفع تلك الهجمة والتصدي لذلك الخطر، إلَّا بموقف؛ أمَّا السكوت، والجمود، والاستسلام، فلن يفيد شيئًا؛ إنما يمكِّن العدو ليحقق أهدافه دون أن يواجه أي عوائق، التعاون مع العدو يخدم العدو، ويمكنه كذلك، ويسِّرع بوتيرة السيطرة من جانبه على الأمة، فكان لابدَّ من موقف.
ولذلك أتى هذا المشروع القرآني: بالشعار، بالصرخة في وجه المستكبرين، بالتثقيف القرآني:
وما يتفرع عنه من خطوات عملية، وبرنامج عمل متكامل، يبني الأمة، يرتقي بالأمة، يواكب كل المستجدات التي تأتي في إطار الصراع مع الأعداء، يعالج الكثير من الاختلالات التي تعاني منها الأمة، وأصبحت عاملًا أساسيًا من عوامل ضعفها وعجزها، وشتاتها وفرقتها، وتمكين أعدائها منها، وفتح الثغرات لهم، والمقاطعة للبضائع الأمريكية والإسرائيلية ذات الأهمية الكبيرة على المستوى الاقتصادي؛ وبالتالي على مجمل الموقف والصراع، (لابدَّ من موقف).
أتى المشروع القرآني في صرخته، في دعوته للمقاطعة، بالتثقيف القرآني وما يتفرع عنه، وله مميزات كثيرة، كموقف متميز آنذاك، في ظل الحالة السائدة في معظم بلدان المنطقة: حالة الصمت، والسكوت، والجمود، والحيرة، واللا موقف.
من مميزات المشروع القرآني، التي كثيرًا ما ننبه عليها، ونلفت النظر إلى أهميتها، أنه يحرك الناس في إطار تعبئة عامة:
هذه نقطة هامة، إذ لا يكفي الموقف الرسمي، حتى لو أراد بلدٌ ما من بلدان أمتنا أن يتخذ موقفًا أمام تلك الهجمة الأمريكية والإسرائيلية، التي تحركت ضمن تحالف دولي واسع، وبإمكانيات ضخمة، وبحرب نفسية ودعائية هائلة، وباستخدام لكل وسائل الضغط، من حربٍ اقتصادية، وحربٍ إعلامية، وغير ذلك، لا يكفي الموقف الرسمي، ولا النخبوي: بيانات من أحزاب معينة، نخب أكاديمية تعقد ندوة، أو مؤتمرًا، المسألة أكبر من ذلك بكثير، تتطلب أن تُحشَد فيها كل الجهود، وأن تتضافر فيها كل الجهود، وأن يكون هناك تعبئة عامة تتحرك فيها الشعوب بنفسها، الموقف الشعبي الذي له أهمية كبيرة جدًا، ويحسب له الأعداء ألف حساب، إذا كان الكثير من أبناء أوطاننا وشعوبنا لا يدركون مدى أهمية الموقف الشعبي، الموقف للشعوب، فالأعداء يدركون ذلك جيدًا.
فكان الأمر يتطلب تحركًا واسعًا، وأمريكا وإسرائيل واللوبي الصهيوني اليهودي يدركون ما يعنيه الموقف الشعبي، وعندما يعبِّر الشعب عن سخطه وموقفه ضد الطغيان الأمريكي، وعن رفضه لسيطرة أمريكا وإسرائيل، فهذا له أهمية كبيرة بالتأكيد.
هو- في نفس الوقت- هو موقفٌ سهل، ليس موقفًا معقدًا، ولا صعبًا، الصرخة بنفسها، هتاف البراءة، موقف سهل، التثقيف القرآني، المقاطعة، كلها بدايات لأعمال وأنشطة سهلة، ليست معقدة، ليست صعبة.
وفي نفس الوقت مؤثر ومفيد، وهو نقلةٌ حكيمة، من حالة الجمود، والحيرة، واللا موقف، ومن الوضعية الخطيرة، التي غاب فيها عن الناس: الرؤية الواحدة، والموقف الواحد، والتوجه العملي، والتعامل بمسؤولية، من واقع الشعور بأننا الطرف المستهدف من تلك المؤامرات، ومن تلك الهجمة، شئنا أم أبينا، هي تستهدفنا كأمةٍ إسلامية، تستهدفنا نحن، تدور رحى تلك المؤامرات على رؤوسنا، شئنا، أم أبينا، إذًا لا يكفي أن نتعامل معها حينما تفرِض نفسَها علينا، بسبب تطورات، أو أوجاع كبيرة، أو مجازر، أو مآسٍ، أو خطوات خطيرة أقدم عليها الأعداء في ظل هجمتهم تلك، فنكتفي كما هو الحال الذي كان سائدًا في الحالة التي تفرض نفسها على الناس، فتجبرهم على الحديث، كيف يكون الواقع؟ تحليلات، وتعليقات ذات طابع إخباري، وهي لحظية، ومضطربة، ومتقلبة، يعني: اليوم تحليل ورؤية معينة، في الغد تحليل آخر ورؤية مختلفة تمامًا، تبعًا لما يسمعه الناس من وسائل الإعلام؛ لأنها ليست تحليلات، ولا مواقف، ولا تعليقات، منطلقة من رؤية صحيحة، مدروسة، أساسية، ثابتة، بل تعامل لحظي، ومزاجي، ومتقلب، ومتغير، وليس بناءً على اتخاذ موقف، تنتهي المسألة بانتهاء جلسة معينة، أو ظرف معين، وانتهى الأمر، فكانت هذه النقلة، نقلة مهمة جدًا، من تلك الوضعية، التي هي وضعية خطيرة، إلى التعامل بوعيٍ، ومسؤولية، ورؤيةٍ صحيحة، وموقفٍ ثابتٍ، وتوجهٍ عملي، وبما هو متاح، وممكن، ومؤثر في نفس الوقت.
من مميزات هذا المشروع القرآني، بعناوينه وأنشطته الرئيسية الثلاثة، التي ابتدأ بها: أنه كسر حاجز الخوف، الذي كان جاثمًا على الناس:
إلى درجة الخوف من أن يتكلموا، وأن يعبِّروا عن سخطهم تجاه ما يعمله أعداؤهم، ما تعمله أمريكا، ما تعمله إسرائيل، والذي تعمله ما هو؟
– استهدافٌ لشعوبنا وأمتنا.
– قتل، ارتكاب لأبشع الجرائم وأفظعها.
– احتلال للأوطان.
– نهبٌ للثروات.
– مصادرةٌ للحرية والاستقلال.
– فرض إملاءات ظالمة، لها عواقب سيئة على شعوب أمتنا.
فأن يعبِّر الناس عن سخطهم، أن يكون لهم موقف حتى على مستوى الكلمة، كانت حالة الخوف قد انتشرت بشكلٍ كبير في أوساط الشعوب، الخوف ابتداءً من أنظمتها، من حكوماتها، من زعمائها، خوف كبير منهم، وحالة الخوف تلك خطيرة على الشعوب؛ لأنها تكبل وتقيد الشعوب، تكبل الأمة عن التحرك تجاه مؤامرات الأعداء في التصدي لها.
ولذلك كان المشروع القرآني كاسرًا لحاجز الخوف، وكان محرِّرًا من حالة الذلة، التي أثرت على الكثير من الناس، إلى درجة ألَّا يجرؤوا على الكلام، أفقدتهم تلك الحالة من الخوف والرعب، إلى درجة الجبن والخوف الشديد؛ حتى فقدوا الجرأة على الكلام، على التعبير عن موقفهم.
وأفشل مساعي الأعداء في ترسيخ الهزيمة النفسية، وهم عملوا على ترسيخ الهزيمة النفسية، في نفوس الناس، في نفوس الأمة، في نفوس شعوب أمتنا؛ حتى يكبلوا الناس ويقيدوهم بالخوف.
هو أيضًا كسر حاجز الصمت، ومساعي الأعداء لتكميم الأفواه؛ لأنهم لم يكتفوا- فقط- بفرض حالة الهزيمة النفسية، والسعي لترسيخها؛ وإنما عمليًا حاولوا منع الناس من أن يتكلموا، عملوا على تكميم الأفواه، حاولوا أن يسكتوا الناس، وأن يمنعوا أي صوتٍ حر تجاه مؤامرات الأعداء، أو يستنهض الأمة، أو يحركهم، يحرك الأمة، أو ينشر الوعي، فهو كسر حاجز الصمت ومساعي الأعداء لتكميم الأفواه، وسعيهم لمنع أي تحرك واعٍ يعيق مخططاتهم ومؤامراتهم، حرصوا أن تكون الساحة مفتوحة أمامهم بدون أي عوائق تؤثر على ذلك، ففشلوا في ذلك.
من مميزاته التي هي في غاية الأهمية: أنه ثبَّت بوصلة العداء نحو العدو الحقيقي للأمة:
لأن الأمة شهدت حربًا ثقافية ودعائية وتضليلية في هذه النقطة، سعى الأعداء لصرف حالة العداء والسخط، نحو من يمثلون عائقًا أمامهم في داخل الأمة، حاول الأمريكي أن يحوِّل حالة العداء والسخط في داخل الأمة، إلى أعدائه الذين يشكلون عائقًا أمامه من داخل الأمة، إلى أحرار هذه الأمة، إلى الذين يتصدون لمؤامراته ومخططاته، حتى ضد المجاهدين في فلسطين، أن يتم الحديث عنهم بطريقة مشوهة ومسيئة، إلى غير ذلك.
من مميزاته المهمة جدًا: أنه يحصن الأمة من الاختراق، ويتصدى لمساعي التطويع والموالاة:
لأن من أكثر ما ركز عليه الأعداء: أن يحولوا هذه الأمة إلى حالة التطويع، أن تكون مطيعةً لهم، منقادةً لهم، خاضعةً لأمرهم، متجهة لتنفيذ مؤامراتهم، وأن تكون مواليةً لهم، وأن توجه كل إمكاناتها، كل طاقاتها، كل جهودها، لخدمتهم، ولمصالحهم، على حسابها هي، على حساب استقلالها، حريتها، كرامتها، عزتها، دينها، ودنياها وآخرتها.
الشعار، والمشروع القرآني بكل عناوينه، وببرنامجه العملي: هو يحصن الأمة من الاختراق، يتصدى لمساعي الأعداء في ذلك؛ لأنه يُحَرِّك الحالة العامة الشعبية ضد الأعداء، في حالة من التعبئة وتوجيه السخط نحو الأعداء، وفضح مخططاتهم أولًا بأول، وكذلك تجاه مساعيهم في أن يهيئوا الظروف لتقبل الدعايات المخادعة، التي يحاولوا أن يخدعوا بها الشعوب، مثل: عنوان التحرير، جعلوه عنوانًا للاحتلال، وعنوان حقوق الإنسان، وعنوان الديمقراطية، وغيرها من العناوين التي كانت مجرد عناوين زائفة، وكان وراءها الاستهداف، والشر الكبير الذي يستهدف أبناء هذه الأمة.
من مميزات هذا المشروع: أنه فضح الحكومات العميلة والزعماء العملاء:
الذين جندوا أنفسهم مع الأمريكي والإسرائيلي، ولخدمة مؤامرات الأمريكي والإسرائيلي ضد أبناء الأمة، وهم لم يطيقوا هذا المشروع، وتوجهوا بالعداء الشديد له، والمحاربة الشديدة له.
كما أنه فضح التكفيريين وكشف حقيقتهم، وهم كذلك لم يطيقوا هذا المشروع القرآني، ولم يتحملوه البتة، وحاربوه بكل شدة، وتجلى واقعهم على نحو ما فضحهم الله في كتابه الكريم، في قوله تعالى: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ}[المائدة : من الآية 52].
من مميزاته: أنه في الاعتبار الشرعي، في ظل مسؤولياتنا الإيمانية، والتزاماتنا الإيمانية والدينية، براءةٌ من أعداء الله المستكبرين:
وهذه مسألة مهمة جدًا؛ لأن الزعماء، والحكومات، والأنظمة، أكثرها اتجهت للولاء للأعداء، والتحالف معهم، والطاعة لهم، والمشاركة لهم، في برنامجهم ومؤامراتهم التي تستهدف المستضعفين، التي هي كلها ظلم، وطغيان، وعدوان، وإجرام، والحكومات انطلقت من واقع سيطرتها على الشعوب، من واقع ما تمتلكه من قرار وإمكانات هي للشعوب نفسها، لتوظفها في خدمة أعدائها.
هنا كان من المهم أن يكون هناك موقف يعِّبر عن الأمة، موقف صحيح، موقف سليم، يتبرأ، يتبرأ من الأعداء، ويتبرأ من مواقفهم، هذه مسألة مهمة، ولهذا يقول الله في القرآن الكريم: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}[الممتحنة: من الآية 4]، في ظل الظروف التي تواجهها أمتنا، ظروف حساسة جدًا، يأتي أعداؤها للحرب عليها، للسيطرة عليها، لاستغلالها، لطمس معالم دينها لتزييف هويتها، لضربها في دينها ودنياها، ثم يتجه الكثير من زعمائهم وحكوماتهم للولاء لهم، للطاعة لهم، للتحالف معهم، للوقوف في صفهم، هذه الحالة يجب أن يكون هناك موقف مغاير لها، موقف يعبِّر عن الموقف الأصيل، عن التوجه الصحيح، عن المبادئ والقيم التي تنتمي إليها هذه الأمة.
هو أيضًا كفرٌ بالطاغوت، الطاغوت في هذا العصر متمثل بأمريكا وإسرائيل ومن يدور في فلكهم، والله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» يقول في القرآن الكريم: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا}[البقرة: من الآية 256].
كما أن الصرخة في وجه المستكبرين- في عباراتها- تعبِّر عن ثقافة ورؤية وموقف، وليست كلمات فارغة، ابتداءً بالتكبير، الذي رفعه رسول الله محمد «صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ» ومعه المسلمون، في مقام الجهاد، في مقام الموقف من أعداء الله، في ترسيخ الإيمان بأن الله أكبر من كل شيء، وأعظم من كل شيء، هذه الروح الإيمانية، التي تجعل الإنسان يستصغر ويحتقر كل أولئك الطواغيت والمجرمين، مهما كانت إمكاناتهم.
هو أيضًا موقفٌ يعبَّر عن الأمة، كل الأمة، وليس مؤطرًا بإطارٍ مذهبيٍ، أو جغرافيٍ، أو فئويٍ، لا في عباراته، ولا في مضمونه، ولا في دلالاته، ولا في أي شيء، موقف عام، وله فاعليته، وإيجابيته، وتأثيره، وهو مشروعٌ ناجح، وأثبت أنه نجح في عناوينه الثلاثة:
كان من الدلائل، من يومه الأول، على أنه مشروع مؤثر ومهم: مدى الانزعاج الجنوني الأمريكي تجاه الشعار والصرخة بنفسها، وتجاه المشروع بشكل عام:
فمنذ أواخر العام الأول للصرخة في وجه المستكبرين، وبعد نزول السفير الأمريكي آنذاك إلى صعدة، وجّه بالعمل على منع الشعار، عندما وصل إلى محافظة صعدة آنذاك، وشاهد ملصقات الشعار المطبوعة في بعض الأماكن وعرف عن الهتاف به في المساجد والمناسبات، وجَّه آنذاك- كان يوجه، السفير الأمريكي في البلد كان يوجه ويأمر أي مسؤول يمني، وكانوا يمتثلون لأوامره، وكانت أوامره فوق مستوى أوامر رئيس الجمهورية- وجه السفير الأمريكي آنذاك بمنع الشعار، وبدأت الاعتقالات، ومُنِعَ الهُتاف، ومُنعت الملصقات، ولذلك بدأ الاستهداف في بعض المساجد، ابتداءً بجامع الإمام الهادي في صعدة، وأيضًا اعتقالات للبعض، منع لطبع الشعار، ومنع لملصقاته، استهداف لها، ثم أكثر فأكثر تصاعد الموقف الرسمي تبعًا لتصاعد الموقف الأمريكي.
الانزعاج بدأ من الجانب الأمريكي، وتصاعد الموقف الأمريكي، كلما انتشر الشعار، كلما انتشر هذا العمل وهذا المشروع في الساحة، انزعج الأمريكي آنذاك أكثر، ودفع بالسلطة آنذاك لتواجِه أكثر فأكثر، فتصاعد الموقف الرسمي تبعًا للموقف الأمريكي، ومرتبطًا بالموقف الأمريكي.
فتحركت السلطة آنذاك لتنفيذ الاعتقالات، ومنها اعتقالات الجامع الكبير، التي استمرت على مدى سنوات، وكذلك الإجراءات الأخرى، من فصل للموظفين الذين ينطلقون في هذا المشروع القرآني، حتى من المدرسين في المدارس، ومن محاربة إعلامية ودعائية وتثقيفية، وامتلأت آنذاك سجون الأمن السياسي بالمكبِّرين، وكان قد أُطلق على الذين يهتفون بالشعار والصرخة، أُطلق عليهم اسم (المكبِّرين)، ثم دفع الأمريكيون بالسلطة إلى الاعتداء بالقتل، والحرب، والدمار، والعدوان الشامل، الذي يستهدف المناطق والقرى التي عُرف عنها أنها تنطلق في إطار هذا المشروع القرآني، بالرغم من عدم وجود أي مبرر، لا شرعي، ولا دستوري، ولا قانوني، تستند إليه السلطة فيما قامت به وتحركت به ضد هذا المشروع القرآني، فلم تكن لتستطيع أن تمتلك المبررات الشرعية، أو الدستورية، أو القانونية، لا فيما قامت به من اعتقال للذين يهتفون بهذا الشعار، مثل ما حصل في الجامع الكبير ومساجد أخرى، ولا في فصل الموظفين الذين يهتفون بهذا الشعار وينطلقون في هذا المشروع القرآني، ولا أيضًا في خطوتها اللاحقة التي كانت خطوة إجرامية بكل ما تعنيه الكلمة وعدوانية وظالمة؛ لأنها شنت حربًا شاملة، ارتكبت فيها أبشع الجرائم، دكت الكثير من القرى ودمرتها تدميرًا كليًّا، قتلت الأطفال والنساء، شردت الكثير من الأهالي، الآلاف من الأهالي، وفعلت الأفاعيل، استباحت دماء من يهتفون بهذا الشعار، فكانت تقتلهم في النقاط الأمنية والعسكرية في الطرقات، وفي الأسواق، وأبسط خطوة كانت تقوم بها فيما بعد ذلك هي الاعتقال، يعني: أقل ما تقوم به- إن لم تَقُتل- تَعتقِل وتَسجُن، واتجهت بالحرب الشاملة، الحرب التي شملت كل شيء، لم تبقِ جهدًا، ولا سلاحًا تمتلكه، ولا وسيلة بيدها، إلَّا واستخدمته في محاربة المشروع القرآني وفي منعه.
ولكن كان من الدلائل الواضحة على عظمة هذا المشروع، وأهميته، وتأثيره، ونجاحه، وانتصاره، وفعاليته الكبيرة، هو: ثباته، وتماسك أبنائه، ونجاح هذا المشروع، وما حققه من الانتصارات، بالرغم من حجم الاستهداف والمحاربة الشاملة:
ستة حروب متوالية شاملة، وأكثر من عشرين حربًا جزئية، عبر التكفيريين، عبر بعض المشائخ، مشائخ القبائل، البعض منهم، ممن دُفعت لهم الأموال، وقُدمت لهم الإمكانات ليحاربوا هذا المشروع، ولكن ستة حروب شاملة، نفذتها السلطة بإمكاناتها، بكل ما تمتلكه من إمكانات وقدرات عسكرية، استخدمت فيها الطيران الحربي، المروحيات، كل أنواع العتاد العسكري الذي تمتلكه، بطشت وتجبرت بكل ما تستطيع، وكانت مطمئنة بأنها تحظى بالغطاء الأمريكي، على كل جرائمها وأفاعيلها، وكان كل ذلك يتم بمواكبة أمريكية واضحة، كان السفير الأمريكي يحرض السلطة، ويحرض، حتى يوجه نداء لتحريض الشعب، يطلب من الكل أن يقاتلوا، وأن يواجهوا، وأن يحاربوا هذا المشروع القرآني.
مع أن الظروف كانت صعبةً جدًا، المكبرين الذين يهتفون بهذا الشعار، وينطلقون بهذا المشروع آنذاك، لم يكونوا يستندون إلى أي دعم دولي، ولا إقليمي، ولا من أي طرف، كانوا يتحركون بإمكانياتهم الشعبية البسيطة جدًا، على المستوى المادي لا تقارن أبدًا، ليست شيئًا في مقابل ما تمتلكه السلطة، مواطنون ممن يعيشون أقسى الظروف، ويعيشون المعاناة الصعبة في واقعهم المعيشي وظروف حياتهم، فكانوا يواجهون معاناة كبيرة، ولم يكن هناك أي تعاطف معهم، لا دولي، ولا إقليمي، ولا محلي، حتى إعلاميًا؛ إلَّا في القليل النادر جدًا والحالات الاستثنائية، التي كان هناك فيها تعاطفٌ معهم إلى حدٍ ما من بعض وسائل الإعلام.
في تلك المرحلة كانت السلطة جريئة فيما ترتكبه بحقهم، إلى درجة أنها قامت- بعد جريمة قتل واسعة نفذتها بحق الكثير ممن يهتفون بهذا الشعار في مدينة صعدة- بسحل جثامينهم في الشارع العام بصعدة، جرائم وحشية، وارتكبت أيضًا جرائم المجازر، مجازر القتل للسجناء، كما حصل (في سجن قُحزَة) في صعدة آنذاك، جرائم كبيرة، وهي مطمئنة إلى أنها تفعل كل ما تفعل بغطاء أمريكي، وتحريض أمريكي، وأنها تسترضي بذلك أمريكا، وتتودد إلى أمريكا، وتتقرب بدماء شعبها إلى أمريكا.
والمطلوب في كل تلك المراحل، مع كل ما يحصل، حتى من السجناء وهم في سجون وزنازين الأمن السياسي، وبقية السجون التي امتلأت، المطلوب: أن يتعهدوا بترك رفع هذا الشعار، هذه الصرخة، وأن يسكتوا، ألَّا يتفوهوا بكلمة ضد أمريكا، مقابل الإفراج عنهم، مقابل إيقاف الحرب عليهم.
في خارج السجون: القتل، والتشريد، واللوم، والحصار، والمعاناة.
وفي السجون: التعذيب والاضطهاد والمعاملة السيئة والقاسية جدًا.
وهناك أيضًا الحملات الدعائية، والتشويه، والأكاذيب، والضغط على المجتمع بشكلٍ كبير؛ لمنعه من أي تعاطف، أو تعاون، وإفراط في المحاربة بكل أشكالها.
مع ذلك فشلت كل تلك الجهود في إيقاف هذا الصوت، في إنهائه، في القضاء على هذا المشروع العظيم، وكان يقوى، بالرغم من كل ما فعلوه، وكان يزداد صلابة، ويحقق الانتصارات شيئًا فشيئًا، إلى أن وصل إلى المستوى الذي هو عليه اليوم.
كل هذا التماسك، والانتصار، والنجاح، والتجاوز لتلك العوائق الكبيرة جدًا، هو شاهدٌ على عظمة هذا المشروع، وعلى عظمة ثقافته القرآنية، التي تعزز الثقة بالله «سُبْحَانَهُ وتَعَالَى»، والتوكلُ على الله، والأمل بنصره «سُبْحَانَهُ وتَعَالَى»، والتي تصنع الوعي العالي تجاه الأعداء، ومؤامراتهم، ومخططاتهم، وترسم الخطوات العملية الصحيحة تجاه ذلك، وتحيي الشعور بالمسؤولية، وتربي التربية الإيمانية، على العزة، والكرامة، والقيم العظيمة، وترسم البرنامج العملي البنّاء، الذي يبني الأمة وينهض بها، وفي نفس الوقت يحظى من ينطلقون على أساسها برعاية الله، بمعونة الله «سُبْحَانَهُ وتَعَالَى»، برحمته، بفضله العظيم، بتأييده الذي وعد به عباده الصابرين، الصادقين، الثابتين، وهو «جَلَّ شَأنُهُ» القائل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}[محمد: الآية7].
كان من أهم ما هو في هذا المشروع العظيم، ومن أهم عناوينه وخطواته العملية: الدعوة إلى مقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية:
وهي أيضًا خطوة عملية سهلة، وميسرة، وفاعلة، ومؤثرة حتمًا، إلى جانب الصرخة، إلى جانب التثقيف القرآني.
من أهم ما في المقاطعة للبضائع الأمريكية والإسرائيلية: أنها توقف حالة الدعم للعدو بالمال:
لأن العدو يستفيد مما تقدمه له الأمة من أموال هائلة، ما يحصل عليه الأعداء من أمتنا من أموال هو الشيء الكثير جدًا، مئات المليارات من الدولارات، تصل إلى جيوبهم وبنوكهم وأرصدتهم، من هذه الأمة، التي هي أمة مستهلكة، تعتمد على الاستيراد والاستهلاك ولا تنتج، وتحول واقعها إلى أسواق ضخمة وعملاقة، تعتمد في كل متطلبات حياتها على الاستيراد، ونسبة كبيرة تستورده من أعدائها.
فمن أهم ما في المقاطعة: أنها توقف حالة الإسهام والتعاون المادي مع العدو، فيما يستفيد منه في حربه على الأمة، وهذه مسألة واضحة، يكفي فيها قليلٌ من التأمل لإدراك حقيقتها، ويكفي فيها المعرفة ببعض من الإحصائيات والأرقام المهولة، عن حجم ما يستفيده الأعداء من أموال من أبناء هذه الأمة.
كما أنها تقي الأمة من كثيرٍ من الأضرار:
فيما يجعله الأعداء في غذائها، في مختلف المنتجات التي تستخدمها الأمة، وهم يودعون فيها الكثير مما يضر بها، في الواقع الصحي، والنفسي، والحياتي، وغير ذلك.
وفيما يستهدفون به هويتها الإيمانية والدينية.
وأهمية المقاطعة أيضًا للبضائع الأمريكية والإسرائيلية كعامل بناء للأمة:
عندما تتجه للإنتاج، بدلًا من الاعتماد على ما يأتيها من الأعداء، فهو يحميها من الإضرار، ويساعدها على البناء لواقعها الاقتصادي.
والأسلوب (أسلوب المقاطعة) هو أيضًا من أنواع الجهاد في سبيل الله، من أنواع المواقف التي رسمها الإسلام:
ففي صدر الإسلام أمر الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» المؤمنين بمقاطعة كلمة كان يستغلها اليهود، كلمة (مفردة عربية)، فقال الله «جَلَّ شَأنُهُ» في القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ}[البقرة: 103- 104]، فالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» الذي أمر المسلمين في صدر الإسلام بمقاطعة (مفردة عربية)، والكف عن استخدامها في تلك المرحلة؛ لأن اليهود يستغلونها لمعنىً في أنفسهم، يهدينا، في الوقت الذي يستفيد الأعداء، ليس فقط لمعنىً في أنفسهم؛ يستفيدون ماديًا، الأموال الهائلة والضخمة التي تصل إليهم من جيوب هذه الأمة، من عرق أبناء هذه الأمة، ثم يوجهون نسبة كبيرة منها في الاستهداف لهذه الأمة.
فالمقاطعة خطوة مهمة جدًا، والأعداء أيضًا يركزون عليها، هم عندما يتجهون لتكثيف الحرب على بلد معين- فعلوا هذا مع بلداننا- يستخدمون أسلوب المقاطعة، والحصار، ويتخذون إجراءات محددة في هذا السياق، وهذا الشيء معروف وواضح في عصرنا، وواضح كم يترك من تأثير وأضرار بالغة على هذا البلد أو ذاك، أو ذلك الشعب أو ذاك، فالشواهد على أن هذه خطوة مهمة مؤثرة، شواهد واضحة، من الواقع، ومن القرآن، ومن التاريخ.
فهذا المشروع القرآني العظيم والمهم، منذ بدايته، وإلى اليوم، نحن بحاجةٍ مستمرةٍ إليه، وكل الأحداث والوقائع شهدت بصوابيته، لم يأت مرحلة فيتضح أن أمريكا صديق حقيقي لهذه الأمة، وأنها تسعى لخير هذه الأمة، وأنها لا تتآمر على هذه الأمة، أن ذلك كان مجرد وهم، في كل مرحلة اتضحت الكثير من الحقائق، عن الأمريكي، عن الإسرائيلي، عن عملائهم، فكل الأحداث والمتغيرات شهدت بصوابية هذا المشروع، بأهمية الموقف، سواءً الأحداث والمتغيرات في داخل الأمة، أو من خارج الأمة، من جهة الأعداء مباشرة، ومؤامرات ومكائد العدو الأمريكي والإسرائيلي وحلفاؤهم مستمرة، ومعلومٌ قطعًا أن خلاص الأمة منها هو في الموقف المتحرر، الشجاع، الهادف، الصحيح، الحكيم، وليس في الخنوع، وليس في الاستسلام، وليس في التواطؤ، وليس في الوقوف مع العدو.
ولهذا يُعتبر مسار التطبيع مع العدو الصهيوني، الذي أعلنته البعض من البلدان العربية، فضيحة كبرى، وخطوةً خائبة، خاسرة، بكل الاعتبارات، البعض تصوروا أنهم من خلال التطبيع ضمنوا مستقبلهم، وحلوا مشاكلهم، وأمَّنوا أنفسهم، وثبتوا سلطتهم، هكذا هي النظرة الغبية التي تنسى الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، هذا هو حال المنافقين الذين قال عنهم الله في القرآن: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ }[المجادلة: من الآية 19]، قال عنهم: {نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ }[التوبة: من الآية 67]، هم ينظرون إلى العدو أنه كل شيء، وأن بيده كل شيء، وأنهم إذا رتبوا أمورهم مع العدو استرضاءً له، وطاعةً له، واتجاهًا وِفق أوامره، أنهم أمنوا، وضمنوا مستقبلهم، وضمنوا مصالحهم، ولكن الواقع يكشف عكس ذلك، حتى في واقعهم هم.
في ظل المتغيرات على المستوى الدولي، أصبح من الواضح أن أمريكا تتجه نحو الانحدار شيئًا فشيئًا، وأن قدرتها الاقتصادية والمادية، التي هي أساس قوتها، وهي المنطلق الذي تنطلق من خلاله في السيطرة على بقية الدول والبلدان، تضعُف شيئًا فشيئًا، أمريكا اليوم أكبر متحمل للديون في العالم، أكبر مَدِين، أكبر بلد يتحمل الديون، عليه ديون هائلة جدًا، تواجه العجز الكبير في تغطية ميزانيتها الضخمة، تواجه مشاكل وأزمات عميقة في داخلها، تواجه حالة من الانقسام في داخلها، على كل المستويات: انقسام عِرقي، انقسام سياسي، انقسام في التوجهات، في كل شيء، يتعمق ويزداد شيئًا فشيئًا، تواجه مشاكل كثيرة؛ ولذلك تتجه نحو الانحدار شيئًا فشيئًا، يتراجع نفوذها، تبرز قوى أخرى في الساحة الدولية، تزداد قوتها الاقتصادية، يزداد نفوذها الدولي، تزداد في قدراتها العسكرية، تبدأ بالخروج عن السيطرة الأمريكية شيئًا فشيئًا، في ظل هذه المتغيرات، التي تؤثر بشكل مباشرٍ على العدو الصهيوني، المتغيرات التي تؤثر على الأمريكي، تمتد تأثيراتها بشكلٍ تلقائي على العدو الصهيوني؛ بينما يتجه أولئك إلى التطبيع معه، وهذه هي تصرفات خاطئة وغبية، فالعدو الصهيوني في ظل ما يشهده الوضع الأمريكي من توجهٍ نحو الانحدار، هو يتجه نحو مأزق حقيقي، ونحو مخاوف كبيرة جدًا، يعبّر عنها زعماؤه وقادته، وهذه مسألة أصبحت معروفة في هذه المرحلة.
ولذلك في مقابل ذلك الوضع الذي يعيشه الأمريكي، ويمتد تأثيره على الإسرائيلي، نرى في المقابل قوة المشروع المواجه لمؤامرات الأعداء في داخل الأمة:
– نرى صمود الشعب الفلسطيني ومجاهديه يزداد شيئًا فشيئًا، يثبِّت حضوره القوي وفاعليته في المواجهة لإسرائيل، في التصدي للعدو الصهيوني اليهودي؛ ولذلك في الأحداث الأخيرة، والعدوان الإسرائيلي الأخير، الذي أستهدف بعضًا من القادة الأبطال من حركة الجهاد الإسلامي، من المجاهدين في فلسطين، كيف كان الصمود، صمود حركة الجهاد الإسلامي وذراعها العسكري المجاهد، وصمود الأحرار والمجاهدين في المقاومة الفلسطينية، الذين واجهوا بقوة عدوان الإسرائيلي؛ حتى توقف خاسئًا ومرغمًا.
– ثم على مستوى الجبهة اللبنانية، التي هي حاضرةٌ بقوة وعنفوان، وفاعلية عالية، ويعتبرها الإسرائيلي تشكل تهديدًا كبيرًا جدًا له، يعيش حالة الخوف منها بشكل دائم ومستمر.
– ثم هكذا بقية القوى في المنطقة، التي لديها هذا التوجه الحر في التصدي للأعداء.
في إطار هذه المتغيرات، التي اتجه فيها البعض نحو التطبيع، ويستمرون بتوجهاتهم الموالية لأمريكا، المطبعة مع العدو الصهيوني، بالرغم من أنهم يدركون طبيعة هذه المتغيرات ومؤشراتها الواضحة عالميًا، والتي كانت قد بدأت من قبل فترة طويلة، منذ عشر سنوات، والأمريكي أساسًا اتجه من قبل عشر سنوات، وسعى لحسم المعركة في عالمنا الإسلامي، وفي المنطقة العربية بشكلٍ عام؛ ليتفرغ في مواجهة المنافس الجديد (الصيني والروسي) مع بعض، فهو عمل على حسم المعركة بشكل كامل؛ ليتفرغ، وليصبح أيضًا مستفيدًا مما قد سيطر عليه سيطرة تامة، من ثروات هائلة، من ثروة بشرية أيضًا ضخمة، وكانت المسألة جاهزة، التكفيريون سيصدرون أمر الجهاد ضد الصين وضد روسيا، كما أصدروه سابقًا ضد الاتحاد السوفيتي، لخدمة أمريكا، وبات واضحًا أنه كان آنذاك في إطار توجيهٍ أمريكي واستغلالٍ أمريكي. فكان الأمريكي حريصًا على حسم المعركة في المنطقة بشكل عام، ثم التوجه للتفوق على منافسه الجديد، وحسم المعركة مع منافسه الجديد، مستغلًا ما قد تمكن من السيطرة عليه، وما قد استفاد منه غاية الاستفادة، لكنه لمّا لم يتمكن من حسم المعركة، لا في فلسطين، ولا في لبنان، ولا في سوريا، ولا في العراق، ولا في اليمن، ولم يتمكن أيضًا من إحداث تغيير لصالحه في الجمهورية الإسلامية في إيران، بالرغم من حجم المؤامرات الهائلة التي استهدفها بها، لمّا لم يتمكن من ذلك، وأصبح الوضع بالنسبة للصعود الصيني على المستوى الاقتصادي، والموقف الروسي المتقدم، اضطر للتهدئة نوعًا ما، التهدئة في عموم المنطقة بشكل عام، أعطى عملاءه هامشًا للتهدئة، سواءً في علاقتهم بالصين، هامشًا على مستوى العلاقات الإقليمية، أو في الاتفاق الأخير مع الجمهورية الإسلامية في إيران برعاية صينية، ولكن الهامش الأضيق كان في التعامل مع الملف اليمني، وهذا شيءٌ واضح، نحن قراءتنا للموقف السعودي والموقف الإماراتي: أنه لم يتجاوز أبدًا المربع الأمريكي والبريطاني؛ إنما هو في إطار هامشٍ مسموح، مسموح أمريكيًا، في مستوى العلاقة مع الصين، في الاتفاق مع الجمهورية الإسلامية في إيران، في التهدئة مع سوريا والعلاقة معها، خطوة هنا أو هناك، كلها لها هامش مسموحٌ به أمريكيًا، ولكنه كما قلنا كان أضيق- هذا الهامش- فيما يتعلق في الملف اليمني.
من الواضح أن السعودية بعد ثمان سنوات من الحرب على بلدنا، بإشراف أمريكي، وتدخل صهيوني، ودور بريطاني، وتحالف من جهات أخرى من ضمنها الإمارات، هذا العدوان قد فشل، ولم يصل إلى تحقيق هدفه في حسم المعركة بشكلٍ كاملٍ لمصلحته، ومتاحٌ أمامه أن يتوقف، يستطيع السعودي والإماراتي إنهاء هذا العدوان، والخروج من هذه الحرب بطريقة منصفة وصحيحة، كما كررنا في كثير من الكلمات والمواقف والمناسبات، أن المطلوب هو: وقف العدوان، وإنهاء الحصار، وإنهاء الاحتلال، ومعالجة ملفات الحرب: فيما يتعلق بالأسرى، وفيما يتعلق بتعويض الأضرار، وإعادة الإعمار، وهذه كلها أمور منصفة، وسليمة، ومنطقية، وصحيحة، وحق مستَحق لشعبنا العزيز، ولكن لا يزال الأمريكي والبريطاني يسعى إلى ألّا يتحقق سلام حقيقي، من خلال تنفيذ هذه الاستحقاقات، المشروعة، المنطقية، المحقة، العادلة، لشعبنا العزيز، يريد أن يستمر الاحتلال، يريد أن تستمر المؤامرات، يريد أن يستمر الحصار، يريد أن يستمر الحرمان لشعبنا العزيز من ثروته الوطنية، من ثروته في النفط، والغاز، والمعادن، وغير ذلك، يريد أن يسيطر على الجُزُر، يريد أن يسيطر على المياه الإقليمية، يريد أن يبقى وضع شعبنا وضعًا سيئًا بائسًا، في المعاناة الشديدة، في التضييق الشديد، اذا حصل متنفس، فعلى نحوٍ محدود للغاية، لا يغير في واقع شعبنا إلا الشيء القليل جدًا.
هل يمكن أن نقبل بذلك؟ بالتأكيد لا يمكن أن نقبل بذلك؛ لأن معنى ذلك: أن حالة العدوان مستمرة، مستمرةٌ بكل أشكالها؛ إنما جوانب معينة خُفِّفَ فيها التصعيد؛ ليبقى الضغط، ليبقى العدوان، ليبقى الحصار، ليبقى الاحتلال، لتستمر المؤامرات بأشكال متعددة، وصناعة الكثير من الأزمات والمشاكل، وافتعال كثير من القضايا، والتحرك تحت عددٍ من العناوين هنا وهناك، كلها تعبَّر عن حالة استهداف مستمر لشعبنا العزيز.
ولذلك نقول، وليسمع كل العالم، الأمريكي والبريطاني وحلفاؤهم في الإقليم: استمرار هذه الحالة من الاستهداف لبلدنا، معناها أن نستمر نحن- كما أكدنا مرارًا وتكرارًا- في التصدي لهذا العدوان بكل ما نستطيع، بكل ما نملك، بكل ما نتمكن، وبالاستعانة بالله «سُبْحَانَهُ وتَعَالَى»، معناها أن المسؤولية علينا جميعًا في هذا البلد قائمة، في أن نبذل الجهد، وأن نواصل جهادنا في التصدي للأعداء ومؤامراتهم، لا يمكن لأحد أن يقنعنا، أو أن يبرر لنا، استمرارية هذه الحالة من الحصار، من الاحتلال، التمنُّع من خروج صحيح من هذا العدوان على بلدنا.
ما إن بدأت المساعي العُمانية، والجهود للأشقاء في سلطنة عُمان، بالوصول إلى بوادر حلول معينة، عناوين معينة، تأتي في هذا السياق الذي قلناه؛ السياق المنطقي العادل المنصف، ولو في الحد الأدنى منه، ليست في مستوى ما ينبغي عليهم تجاه هذا الشعب، الذي ينبغي على تحالف العدوان، ويتحمل تبعاته، تبعاته تجاه هذا الشعب: هو الشيء الكثير، في مقابل عدوانه الظالم الغاشم، المدمر، الذي ارتكب أبشع الجرائم، بحق هذا الشعب، ولكن حتى على مستوى الحد الأدنى، يأتي السعودي في بعض الأحيان ليتحدث عن نفسه كوسيط!! هذه (نكتة). الذي أعلن نفسه بشكل رسمي قائدًا للتحالف في الحرب على هذا البلد، والذي قام بدورٍ أساسيٍ في العدوان على هذا البلد، في التمويل، في تبني الموقف بشكلٍ تام: هو السعودي، كل العالم يعرف ذلك، من أكبر وأوضح الحقائق التي ملأت سمع الدنيا وبصرها، هو الذي تولى كِبْر هذا العدوان، جُلَّه، تولى تبعاته على مستوى المَذَام، على مستوى التبعات السلبية، في تحمل النتائج تجاه الجرائم الفظيعة بحق شعبنا العزيز، فلماذا يحاول أن يقول عن نفسه أنه وسيط؟! هو الذي سيتحمل كل الالتزامات الناتجة عن هذا العدوان، وإذا أراد السلام فليتحمل التزامات هذا السلام، التي هي حق مستحق لشعبنا العزيز.
طريق السلام واضحة، هي في إنهاء العدوان، في إنهاء الحصار، في إنهاء الاحتلال، في معالجة آثار هذا العدوان على شعبنا العزيز: في ملف الأسرى، وملف الإعمار والأضرار، هل شيءٌ منها غير منصف، أو غير عادل، أو غير منطقي؟ العكس من ذلك هو الذي ليس بمنطقيٍ ولا منصفٍ ولا عادل.
ولذلك فنحن بقدر ما أعطينا مساحة للجهود للإخوة والأشقاء في سلطنة عُمان، لكن لا يمكن أن نستمر إلى مالا نهاية، ولا همّ للآخرين إلَّا أن يتآمروا على بلدنا، أو أن يظنوا أنهم يكسبون الوقت، يكسبون المزيد من الوقت لتنفيذ بعض المؤامرات والمخططات، لن ينجحوا- بإذن الله- في شيءٍ من ذلك، سيدركوا عاقبتهم السيئة، ورهاناتهم الخاطئة، كما كانت خاطئة في السنوات الماضية، أمام الكثير من المؤامرات والمخططات، التي راهنوا عليها أنها ستحسم المعركة لصالحهم.
إذا كان السعودي كما يُصوِّر نفسه، عندما تحرك في الهامش المسموح به أمريكيا، فتحدث بعض الإعلاميين من المنتسبين له وكأن السعودية أصبحت تمتلك قرارات مستقلة، وتتجه ضمن توجهات مستقلة، ليُثبت استقلاليته هذه في ملف اليمن، ليتعامل بإنصاف، ليتعامل بما فيه المصلحة الحقيقية له هو، لا يمكن أن يجلب السلام والأمن والاستقرار لنفسه، ولتنفيذ طموحاته وتحقيق طموحاته الاقتصادية، إلَّا بالسلام للشعب اليمني، برفع الحصار عن الشعب اليمني.
كيف يفكر أولئك المعتدون على هذا الشعب؟ أن يتجهوا على المستوى الاقتصادي، في تشجيع الاستثمارات، في تحقيق الطموحات الضخمة، في عقد الصفقات الكبيرة، في تحريك الاستثمارات الهائلة، وفي نفس الوقت يفترضون لأنفسهم أن يستمروا في خنق شعبنا العزيز، في تجويعه؛ حتى يعاني في تحصيل لقمة عيشه، في حرمانه من ثروته الوطنية، التي يمتلكها في محافظاته، في مناطقه، هل يتصورون أن يقبل شعبنا بذلك؟ لا يمكن أن يقبل بذلك، وليس لهم هم الحق أبدًا البتة، في أن يفرضوا هذه الحالة، وهذا الحصار الشديد، وهذا الحرمان لشعبنا العزيز من ثروته الوطنية.
ولهذا نؤكد في هذا المقام: أننا سنتخذ الإجراء العسكري أمام كل محاولة لنهب ثروات شعبنا وبلدنا، في أي محافظة من اليمن، في بره وبحره، وليس فقط على مستوى النفط والغاز، بل والثروات الوطنية السيادية، ومنها المعادن، وأن أي عقود مع المرتزقة والخونة لا تمثل شيئًا، لا قيمة لها، لا قيمة لها أبدًا، لا قانونية ولا غير ذلك، ولا اعتبار لها، ثم أن أي إجراءات في ظل مؤامرات الأعداء الأخرى، التي يتآمرون بها على أبناء هذا البلد في كل محافظاته، في شماله وجنوبه، وفي شرقه وغربه، لا يمكن أن نقبل بها أبدًا.
الوضعية الآن هي وضعية عدوان، والوضعية في المحافظات المحتلة هي وضعية احتلال، ومن يأتي في ظل المعتدي المحتل، ليرفع صوته حينما يرفعه المعتدي المحتل، كالأجهزة الصوتية تمامًا، يشغلها المعتدي المحتل، يرفعها أحيانًا ويخفضها أحيانًا أخرى، لا قيمة لتلك الأصوات، التي لا ترتفع إلَّا إذا رفعها المعتدي المحتل، وتنخفض حينما يخفضها؛ لأن الوضعية في مثل هذه الحالة ليست لخدمة قضية، لا قضية جنوبية، ولا قضية شمالية، ولا قضية للشعب اليمني بكله، حينئذٍ تكون المسألة مسألة تحرك في إطار ما يريده المحتل، ليس تحركًا حرًّا، ولا مسؤولًا، ولا من أجل شعبٍ يمني، لا في تلك المحافظة ولا في تلك، لا في شرق البلاد ولا في غربها، لا في شمالها ولا في جنوبها، ما يُعمَل في إطار مؤامرات المحتل المعتدي الأجنبي لا قيمة له، وليس لخدمة أحد، وليس موقفًا حرًّا ولا مسؤولًا، ولا يدعم قضية، وليس لصالح أي قضية، فنحن نتعامل معه بناءً على هذا الأساس: أنه ضمن خطوات المحتل الأجنبي المعتدي؛ وإلَّا نحن ندرك واقع الخونة، سواءً الخونة في المناطق والمحافظات الجنوبية، أو الشرقية، أو غيرها، وضعيتهم إلى درجة أن من هو بأعلى صفة منهم، صفة رئيس، أو صفة أعلى موقع في المسؤولية في أوساطهم، في مسمياتهم وادعاءاتهم وانتحالهم للصفات الرسمية، يُمنَع من أبسط ضابط مخابرات في الإمارات أو السعودية، من العودة إلى عدن، أو إلى أي محافظة أخرى لأشهُر، ويمتنع، ويُوَقَّف هنا أو هناك، أو في فندقٍ في الإمارات، أو في فندق في السعودية، يُمنع، ولا يعود إلَّا بعد الإذن له من أولئك، فإذا كان الأمر والقرار في تلك المحافظات المحتلة للضابط من المخابرات السعودية أو المخابرات الإماراتية، ما بالك بالأمريكي، ما بالك بالبريطاني، المسألة هناك، فوق مستوى الإماراتي والسعودي، فأي دورٍ يقوم به من هذا حاله، هل يمكن أن يمثل شعبًا، أو أن يخدم قضيةً، أو أن يعمل شيئًا لوطنه، وهو في هذه الحالة من الارتهان والخضوع، والطاعة المطلقة، والاستسلام التام للمحتل الأجنبي؟! الحالة في مثل هذه الحالة حالةٌ معروفة.
ولذلك في ظل المماطلة، والاستمرار في المؤامرات، نحن معنيون- كشعبٍ يمني- في مواصلة الجهود والعمل في التصدي للعدوان، والجهوزية لكل الاحتمالات، في أي لحظة، في أي وقت، ونحن نسعى لذلك، وإذا تصور الآخرون أنهم سيكونون بمنأى عن آثار وتبعات عدوانهم وحصارهم فهم واهمون، المسألة كبيرة جدًا، حجم معاناة شعبنا لا يمكن أن يستمر دون حساب، حرمان شعبنا اليمني من ثروته لا يمكن أن يستمر، هذه السياسة في التعامل مع بلدنا لا يمكن القبول بها.
طريق السلام واضح، وموقفنا ثابت، والتزامنا تجاه شعبنا وشهدائنا واضح، صرختنا في وجه المستكبرين مستمرة، وكانت حاضرة في موقفنا الثابت الذي لم يتراجع أبدًا، في كل المراحل، لا بالترغيب ولا بالترهيب، صرختنا في وجه المستكبرين منذ بداية عدوانهم الشامل على بلدنا كانت صرخةً قوية، تجسدت في موقفٍ شامل، في التصدي للأعداء، تحرك شعبنا العزيز، وكانت هذه الصرخة حاضرة فوق دبابات الإبرامز، عند إطلاق الصواريخ بعيدة المدى والمسيرات في البر والبحر، ومشروعنا القرآني في هذه المرحلة أقوى من أي مرحلةٍ مضت، بالرغم من كل ما قد حُورِب به منذ بدايته وإلى اليوم، ووعي شعبنا العزيز عالٍ جدًا، مهما كانت المؤامرات، فنحن معتمدون على الله «سبحانه وتعالى»، متوكلون عليه، {وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا}[النساء : من الآية 45]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}[الأحزاب: 70-71].
نأمل- إن شاء الله- الحضور في مسيرات الغد (مسيرات الصـرخة في وجه المستكبرين) أن يكون حضورًا كبيرًا ومشرّفًا، ويعبِّر عن موقف شعبنا العزيز تجاه مؤامرات أعدائه عليه وعلى أمته من حوله، يعبِّر عن ثبات شعبنا على مواقفه تجاه قضايا أمته، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
نَسْأَلُ اللَّهَ «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» أَنْ يَرْحَمَ شُهَدَاءَنَا الأَبرَارَ، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ يَنصُرنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.
وَالسَّــــلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَــــةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتـــُه؛؛؛