أوساخ«توتال إنرجيز » الفرنسية في اليمن

 

الثورة / زيد المحبشي
مقدمة:
شركة «توتال إنرجيز « الفرنسية، واحدة من أكبر الشركات الاستثمارية في قطاع النفط والغاز في اليمن، وتبسط سيطرتها الكاملة على قطاع الغاز، وتقع تحت إدارتها باليمن سبع شركات عابرة للقارات.
بدأت عملها بالتنافس مع الشركات الأميركية، واستطاعت بالمكر والخداع والتضليل الانفراد بكعكة الغاز اليمني، وأغرقت نظام «علي عبدالله صالح « بالهدايا والعطايا، فباعها غاز بلاده بسعر التراب، وفتح لها بوابة السعيدة على مصراعيها للعمل بلا حسيب ولا رقيب، فامتصّت الخيرات، ودمرت الأراضي الزراعية، وسمّمت المياه الجوفية، وقتلت الثروة الحيوانية، ونشرت الأمراض الخطيرة وغير المعهودة في أوساط البشر، وحوّلت حياة اليمنيين في مناطق تواجدها إلى جحيم لا يُطاق، ولم تكتفِ بما سبق، بل ووصلت بها الوقاحة إلى جعل منشآتها مُعتقلات سياسية للاحتلال الإماراتي، ولا زالت حلقات مسلسل قذاراتها في حق اليمنيين أرضاً وإنساناً، حُبلى بالكثير من أوساخ «إفيل « النتنة.
تعالت العديد من الأصوات المحلية والدولية المنددة بجرائم هذا القرصان النفطي النتن في العشرية الأخيرة، وظهرت العشرات من الدراسات والتحقيقات الميدانية الكاشفة والفاضحة لممارساتها غير القانونية، وتسببها في تلوثات واسعة، بما ينذر بكوارث سيتجرع اليمنيون مرارتها لعقودٍ قادمة.
ولعل أهم تلك التحقيقات الفاضحة لممارساتها غير الأخلاقية وفسادها وعبثها في أرض اليمن الطيبة الطاهرة، تحقيقٌ استقصائي أعده الكاتب الفرنسي الحر «كوينتين مولر «، لصالح منظمة السام الأخضر غير الحكومية، نشرته صحيفة «لوبيز « الفرنسية في منتصف أبريل 2023 بعنوان «مياه توتال السوداء في اليمن ،»تحدث فيه عن تسببها بعمليات تلوث واسعة في محافظة شبوة والمناطق الأخرى التي تعمل فيها كحضرموت ومارب بتواطؤ نظام «علي عبدالله صالح .»
وهو امتداد لسلسلة من التحقيقات عن فساد الحكومة الفرنسية وأدوات هيمنتها ونهبها ثروات الدول النامية والشعوب الفقيرة، وتُمثّل مادته خُلاصة لسلسلة من الزيارات الميدانية للمناطق القريبة من مُنشآت «توتال «، والوقوف على قصص معاناة سكانها، منها: منطقة «ساه « بشبوة – وهي من أكثر المناطق اليمنية تأثراً بالتلوثات النفطية، وسيئون والمكلا وشبام في حضرموت، ومراجعة العشرات من الوثائق الحصرية عن الأعمال المشبوهة ل «توتا «، ولقاء عددٍ من المسؤولين اليمنيين.
التحقيق يقرع ناقوس الخطر، ويعيد تظهير استخلاصات عشرات التقارير والتحقيقات والدراسات المحلية عن السجل الأسود ل «توتال « وبني جنسها من قراصنة النفط ومصاصي دماء الشعوب النامية والفقيرة، وما كان لتلك الشركات العابرة للقارات أن تعبث بحياة الشعوب النامية وتنهب ثرواتها وتحوّل أراضيها إلى مكبات لنفاياتها السامة لو لم يكن في أوساطها من بني جنسها خونة وعديمي شرف باعوا أرضهم وعرضهم وشرفهم وثرواتهم وسيادتهم وكرامتهم لشياطين الغزاة والمحتلين مقابل وعود معسولة بمنحهم هواء الطواحين، والا شيء فقط للأسف الشديد.
احتكار الغاز اليمني
تعود بداية العمليات التنقيبية والاستكشافية للنفط والغاز اليمني إلى العام 1985 ، يومها أعلنت شركة «هنت « الأميركية بدء استخراج النفط من مارب، في حفل كبير حضره «جورج بوش الأب «، وأعلنت عدم وجود كميات تجارية من الغاز، في محاولة لاحتكار التنقيب في اليمن.
وفي العام 1987 أبدت شركة «أنرون « الأميركية اهتمامها بتطوير حقل «الجنة « النفطي في القطاع رقم «5» ، وهو من القطاعات المشتركة بين شطري اليمن، ما أثار انتباه الشركات النفطية الأخرى، فتشكلت 7 شركات بقيادة «توتال إنرجيز « الفرنسية، هي: هنت، إكسون، الشركة الكويتية للاستكشافات البترولية الخارجية «كوفبيك ،» وشركتان روسيتان، ووقعت «توتال « و «أنرون « اتفاقية شراكة بالمناصفة في استخراج وتطوير وتصدير الغاز اليمني، على أن يتم البدء بالبحث والتنقيب في حقل «الجنة « بالقطاع .»10»
وكانت «أنرون « قد وقعت اتفاقية أولية مع الحكومة اليمنية لاستخراج غاز حقل «الجنة «، رغم محاولات «هنت « عرقلة المشروع، على أن تبدأ بالتصدير من ميناء عدن في العام 1995 ، لكنها قررت تأخير ذلك إلى العام 1998 . في الاتجاه الآخر قدمت «توتال « عرض مُشابه إلى وزارة النفط اليمنية، بالاتفاق مع «أنرون «، واتفقا على أن أي شركة منهما تحظى بتوقيع الاتفاقية النهائية مع الحكومة اليمنية تكون شريكة للشركة الأخرى بالمناصفة.
وأبلغت الوزارة «أنرون « بذلك، فرد رئيس فريقها المفاوض بعدم ممانعة شركته توقيع الوزارة الاتفاق مع «توتال « لتفادي المشاكل مع «هنت «، التي كانت تُعارض مشروع تطوير الغاز اليمني، وتدعي وقوعه ضمن امتيازها في حقل مارب.
نجحت «توتال « في انتزاع الاتفاقية والتوقيع مع الجانب اليمني، ورفضت مشاركة «أنرون « في تطوير الغاز اليمني، بحجة عدم تنصيص اتفاقية المشاركة «أنرون – توتال « على «عدم المنافسة «، وبذلك استولت على مشروع الغاز اليمني بعملية غير أخلاقية ومنافية للعُرف التجاري والدولي، والتزمت «أنرون « الصمت، ولم ترفع قضية ضد «توتال «، لأنها شعرت بأنها مخترقة، وأن بداخل فريقها المفاوض أشخاص كانوا يعملون لصالح «توتال «، تعمدوا عدم تضمين اتفاق الشراكة المتهاوي بند «عدم المنافسة «، وهو من البنود المهمة التي ترد في معظم الاتفاقيات التجارية، حتى من قبل المبتدئين في تحرير هكذا نوع من الاتفاقيات.
ووقعت «توتال « في 21 سبتمبر 1995 مع الحكومة اليمنية مُمثلة بالشركة اليمنية للغاز الطبيعي المُسال، اتفاقية تطوير الغاز GDA ، بهدف تصدير 125 مليون طن من مشروع «بلحاف « لمدة 25 عاما، والذي يقدر بما يقارب % 80 من إجمالي الاحتياطيات الغازية في اليمن.
وفي 1996 اتفقت «توتال « و «هنت « على الشراكة في المشروع، ومنح الشُركاء أنفسهم حق الحصول على رسوم منشآت المنبع من «توتال «، لصالح شركة مارب لخدمات المنبع تصل إلى 900 مليون دولار خال عمر العقود، ومصادرة الحق السيادي لليمن في ملكية كل أصول القطاع «18» بمارب.
ومن الأحواض النفطية التي باشرت «توتال « العمل فيها بموجب هذا الاتفاق حوض «المسيلة «، التابع للقطاع .»10»
ويتجاوز احتياطي الغاز في القطاع «18» نحو 10 تريليونات قدم مُكعّب، تستحوذ «توتال « وشركاؤها على أكثر من 7 تريليونات منها.
ووقعت «توتال « مع الشركة اليمنية للغاز في العام 2005 ، اتفاقيات بيع مدتها 20 عاما، وبدأت بإنتاج وتصدير الغاز اليمني في العام 2009 . وعلى عكس الاتفاق مع «أنرون « بتدشين تصدير الغاز في العام 1998 ، تعمدت، «توتال « تأخير ذلك إلى العام 2009 ، لأنها بالتوازي مع نسج مؤامرتها للسيطرة على الغاز اليمني، وقّعت في العام 1978 اتفاقا مماثلاً لتطوير وتصدير الغاز القطري، لكنها لم تتمكن من مباشرة العمل في ظل حكم الشيخ «خليفة بن حمد آل ثاني «، وفي العام 1995 تمت إزاحته وتولى الشيخ «حمد بن خليفة آل ثاني « السلطة، ففضلت تأجيل ملف الغاز اليمني 14 عاما لصالح قطر، بعد أن ضمنت السيطرة القانونية عليه.
وأعلنت في أبريل 2015 عن استخدام القوة القاهرة، وأوقفت نشاطها في اليمن، بذريعة الحرب الظالمة التي يشنها التحالف «السعودي – الإماراتي « على هذا البلد المظلوم والمنكوب، رغم عدم وجود أي مخاطر حربية أو سياسية في مناطق عملها، كما أن حقولها في شبوة بعيدة كل البعد عن مناطق الاشتباكات.
وفي «فبراير – أبريل «2022 قاد السفير الفرنسي لدى اليمن «جان ماري صفا ،» تحركات واسعة، شملت عقد لقاءات مع 4 من قيادات المجلس الرئاسي اليمني الموالي للعدوان «السعودي – الإماراتي «، هم: «سلطان العرادة، عيدروس الزبيدي، طارق محمد عبدالله صالح، عثمان مجلي «، من أجل استئناف تصدير الغاز المسال من مناطق التنقيب التابعة ل «توتال « في مارب وشبوة وحضرموت.
وهناك حديث عن صفقة وقعتها حكومة المرتزقة مع كيان الاحتال الإماراتي والسفير الفرنسي في اليمن لاستئناف تصدير الغاز عبر منشأة وميناء بلحاف في شبوة، ويُعطي الاتفاق الاحتلال الإماراتي حق الإشراف الكامل على عمليات التصدير والبيع وتحصيل الإيرادات، مقابل وعود سرابية برفد البنك المركزي اليمني في عدن بوديعة مالية تُوفر احتياطيا نقديا بالدولار.
سبقت هذه الصفقة تحركات «أميركية – فرنسية «، لإخلاء محطة وميناء «بلحاف «من قوات الاحتلال الإماراتي، وإعادة تشغيل المنشأة لتوفير الغاز للدول الغربية بعد حظر أميركا وأروبا استيراد الغاز الروسي.
وفي نهاية مارس 2022 استأنفت «توتال « تصدير الغاز اليمني من القطاع «18» في منطقة صافر النفطية شمالي محافظة مارب.
وتُشغِّل «توتال 7 « شركات عملاقة في إدارة محطة «بلحاف « في محافظة شبوة
– شرق اليمن – لإنتاج الغاز الطبيعي المسال في اليمن، وتمتلك فيها 39.62 % من الأسهم إلى جانب شركة «هنت « الأميركية للنفط بواقع %17.22 ، والشركات الكورية % 21.4 ، ، بواقع % 9.55 ل «إس كي «، و % 6 ل «كوجاز «، و % 5.88 ل «هيونداي «، و% 21,7 فقط لليمن بلد المنشأ وصاحب الثروة، موزعة بواقع % 16.73 للشركة اليمنية للغاز الطبيعي المسال، و % 5 للهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية.
تواطؤ نظامي «عفاش « و «المرتزقة :»
تعامل نظام الرئيس اليمني الأسبق «علي عبدالله صالح « مع ثروات اليمن السيادية من نفطٍ وغاز باستخفاف، وباعها بسعر التراب، دون مُراعاة لأمانة المسؤولية، وتتحدث التقارير المنشورة عن الاستثمارات الأجنبية في قطاع النفط والغاز عن جرائم فضيعة ارتكبها ذلك النظام الفاسد لا تقل بشاعة عن جرائم الشركات النفطية بحق البيئة اليمنية والإنسان اليمني، لم تتوقف عند حدود منح تلك الشركات ثروات البلاد بالمجان – إن جاز التعبير، بل ومنحها كامل الحرية للعمل بعيداً عن الرقابة على أنشطتها المشبوهة والمُضِرة بالإنسان اليمني والزراعة اليمنية وثروات الباد الحيوانية ومياهه الجوفية وبيئته وتنوعه البيولوجي.
وأتى النظام اليمني الموالي لتحالف العدوان «السعودي – الإماراتي « ليُكمل ما اقترفه نظام «علي عبدالله صالح « بحق اليمنيين وثرواتهم السيادية وسيادتهم الوطنية.
من ذلك تنصيص اتفاقية النظام مع «توتال « عام 1995 ، واتفاقية «توتال « و «هنت « عام 1996 ، على بيع الغاز اليمني، ب 3.2 دولار للمليون وحدة حرارية، بنقص 8 دولارات عن السعر العالمي حينها، في واحدةٍ من أكبر وقائع فساد نظام الرئيس الأسبق «علي عبدالله صالح .»
ونص اتفاق العام 2005 مع «توتال « على بيعها المليون وحدة حرارية من الغاز بدولار واحد، وللشركة الكورية كوجاس ب 3 دولارات و 15 سنتاً، في حين كانت الأسعار السائدة آنذاك تتراوح بين 11 – 12 دولاراً للمليون وحدة حرارية، في عملية نصب مكشوفة، وبتواطؤ مفضوح من حكومة نظام «علي عبدالله صالح «، ما ألحق ضرراً بالغاً باليمن.
وتوقعت دراسات الجدوى الاقتصادية في العام 2009 ، رفد قطاع الغاز خزينة الدولة ب «5 – 4» مليارات دولار سنوياً، لكن التقارير النفطية غير الرسمية قالت إن المبالغ التي ورّدتها «توتال « لخزينة الدولة اليمنية خلال الفترة «2013 – 2009» لم تتجاوز 700مليون دولار فقط، رغم أنها جنت خال ذات الفترة أكثر من 25 مليار دولار.
والأكثر فظاعة دخولها حقل الاستثمار في اليمن دون أن تدفع فلساً واحداً للبنية
التحتية لمشروع الغاز المسال، وإنما تحمّلت أعباءه كاملة الحكومة اليمنية، وهذه ثاني جريمة يرتكبها نظام «علي عبدالله صالح « بعد جريمة البيع المُجحف للغاز.
والمفارقة الثانية عدم تجاوز كُلفة استثمارات «توتال « في البنية التحية وخطوط استخراج وتسييل وتحميل الغاز إلى البواخر 5 مليارات دولار، وفقاً لتقديرات شركة :أنرون « الموثقة في أرشيف وزارة النفط اليمنية، أي نحو % 2.5 فقط من الخسائر التي سببتها لليمن.
وبموجب بنود ذلك الاتفاق المُجحف، يجب على أي حكومة يمنية تريد إلغاءه، دفع تعويضات ل «توتال « تُقدر بنحو 200 مليار دولار، وإذا ظل الاتفاق على صيغة عام 2005 ، فهذا يعني أيضا تكبيد الخزينة اليمنية خسائر تتجاوز 100 مليار دولار حتى نهاية المشروع، يعني في الحالتين نحن من يجب أن يدفع ثمن البيع المجاني لثرواتنا، فهل سمعتم عن حكومة تعمل ضد شعبها كحكومة «علي عبدالله صالح .؟»
وشجعت تسهيلات نظام «علي عبدالله صالح « الظالمة، «توتال « لمطالبة اليمن بدفع أكثر من 20 مليار دولار، تعويضات لتأخرها في تصدير الغاز اليمني لصالح تسويق الغاز القطري، فهل سمعتم عن وقاحة كهذه؟.
على أن المُفترض مطالبة اليمن بالخسائر التي تكبدتها خزينته بسبب تأخير «توتال « انتاج الغاز وتصديره من العام 1995 إلى العام 2009 ، والتي تُقدّر بنحو 4.7 مليارات دولار سنوياً، وإجماليها 65.8 مليار دولار، وخسائره خال فترة توقفها الثاني غير المبرر «2022 – 2015» ، والتي تُقدر بنحو 32.9 مليار دولار.
اتفاقية العام «2005» المجحفة، أثارت جدلاً واسعاً في العام 2012 ، وجرت مراجعة السعر إلى 3 دولارات، ووافقت مؤسسة الغاز الكورية «كوجاس « على دفع نحو 14 دولاراً لكل مليون وحدة حرارية بريطانية.
وتسبب التأخير في مباشرة أعمال التنقيب «2009 – 1995» ، وتأخير تصدير الغاز»2009 – 1998» ، وتوقف الإنتاج والتصدير خال الفترة « 2022 – 2015» ، بإلحاق أضرار كبيرة باليمن، وحرمان الخزينة اليمنية من نحو 98.7 مليار دولار.
وفي مارس 2022 تم الاتفاق مع الاحتلال الإماراتي على استئناف «توتال « تصدير الغاز عبر محطة ومنشأة «بلحاف «، واقترح الأميركان والفرنسيون بيعه ب 3 دولارات فقط لكل مليون وحدة حرارية، بينما السعر العالمي يتجاوز في الوضع الطبيعي 15 دولاراً، ومع الأزمة الأوكرانية 24 دولاراً، وهذه سرقة جديدة لغازنا بموافقة الاحتلال الإماراتي وتواطؤ حكومة المرتزقة.
وبعيداً عن جدلية الأسعار، تعّمدت «توتال « بعد معاودة نشاطها إهدار ثروة اليمن من الغاز الطبيعي بصورة مستفزة، من خلال حرق الغاز المصاحب بكميات كبيرة جداً تقدر ب 35 مليون قدم مكعب يومياً، مقابل إنتاج منخفض من النفط يتراوح بين 4000 – 4500 برميل، وفقاً لمدير عام حماية البيئة في محافظة شبوة «محمد سالم مجور «، وهذا من شأنه توسيع رُقعة الانبعاثات الضارة، رغم أن العقود الموقعة بين وزارة النفط والشركات النفطية العاملة في بلادنا، تشترط معالجة الغاز عبر وحدة CPF ، وإعطائه إلى الحكومة لاستثماره في الكهرباء أو الغاز المنزلي، أو تقوم الشركة مرة أخرى بإعادة حقنه في المكامن النفطية.
وعلى مدى الأعوام الماضية وحتى اليوم، تقدر الثروة الغازية التي تم حرقها بمليارات الدولارات، لم يستفِد منها أبناء شبوة إلا الأمراض والسموم.
جرائم متواصلة حرمت اليمنيين من حقهم المشروع للاستفادة من ثرواتهم الطبيعية، وحوّلت تلك الثروة إلى لعنة، يدفعون فاتورتها من قوتهم وصحتهم،
في ظل أنظمة يمنية همّها الارتزاق والمتاجرة والتفيُّد والتسيُّد على حساب الأرض والعرض والسيادة.
وتبقى الأنظار مُتجهة نحو حكومة اليمنيين الأحرار في صنعاء لإلغاء تلك الاتفاقيات المُجحفة والظالمة التي وقعتها الأنظمة اليمنية المتناسلة من رحم العمالة والارتزاق، والمطالبة بتأميم الغاز اليمني بحكم قضائي من غرفة التجارة الدولية في باريس، وتعويض اليمن عن الخسائر التي تكبّدها خلال الـ 21 عاما من امتناع «توتال « تصدير الغاز، ورفضها إعادة النظر في أسعاره، لتهافت ذرائع الامتناع وإعادة النظر، ولضمان القانون الدولي حق اليمنيين في الاستفادة من ثرواتهم النفطية وبيعها بأسعار مُنصفة تتساوى مع الأسعار الدولية السائدة.
محطة «بلحاف « مُعتقل سياسي
أقدمت «توتال « في مارس 2017 ، على تسليم مُنشأة وميناء «بلحاف « بشبوة لقوات الاحتلال الإماراتي، فحولهما الأخير، التي قاعدة عسكرية ومُعتقلاً سياسياً لمعارضي احتلاله البغيض في اليمن، رغم أنهما منشأتان مدنيتان، في سابقة خطيرة، تتحمل كافة تبعاتها القانونية، لتجاهلها وتجميدها خطة اليقظة لمنع تكرار الانتهاكات.
وللتغطية على فضيحتها ادعت في أبريل 2017 تلقيها بلاغا من الشركة اليمنية للغاز الطبيعي المسال تضمن تسليم جُزء من منشآت موقع «بلحاف « لقوات الاحتلال الإماراتي، بطلب من الحكومة اليمنية الموالية للعدوان «السعودي – الإماراتي «، وهو تبرير واهي، لا يُسقط المسؤولية القانونية عن شراكتها في كافة الجرائم التي ارتكبها الاحتلال الإماراتي بذلك المعتقل وتلك القاعدة، لمخالفتها نصوص اتفاق العام 2005 مع الحكومة اليمنية، وتعارض هذا التصرف غير المسؤول مع القوانين الدولية ذات الاختصاص.
ومنذ ذلك التاريخ تواصلت بلاغات المنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام عن وجود اختفاءات قسرية، واحتجازات تعسفية، وتعذيب وحرمان من الرعاية الطبية في ذلك المعتقل، لكن «توتال « بدل التحقيق استبعدته كُليا من خطة اليقظة لمنع تكرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
هذا الإجراء غير الأخلاقي يُمثِّل إدانة واضحة لشراكتها في تلك الأعمال الوحشية التي مارسها الاحتلال الإماراتي بحق المعتقلين اليمنيين، قالت وسائل الإعلام أن بشاعتها فاقت فضائع سجن «أبو غريب « الأميركي في العراق، بينما شبّهته النائبة الفرنسية «كليمونتين أويتين « بسجن «غوانتانامو « الأميركي سيئ الصيت في كوبا.
وفي يوليو 2019 ، اعتبر فريق الخبراء بمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، معتقل «بلحاف « جزء من شبكة أكبر من مرافق الاحتجاز في جنوب اليمن، اُرتكبت فيها انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
واتهم مجموعة من النواب الفرنسيين في نوفمبر « ،2019 توتال «، بالتورط مع الاحتلال الإماراتي، لتغاضيها عن تحويل الأخير قاعدته العسكرية في منشأة «بلحاف «، إلى معتقل سياسي لمعارضي نفوذه في اليمن، يُمارس فيه انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
فسارعت «توتال « لتبرير موقفها، نافية سيطرتها على الشركة اليمنية للغاز الطبيعي المسال، ومدعية عدم وجود موظفين أجانب لها بمحطة «بلحاف « منذ توقف نشاطها في العام 2015 ، باستثناء الموظفين المحليين، وأن تسليم المحطة والميناء أتى بطلب من الحكومة اليمنية الموالية للعدوان «السعودي – الإماراتي .»
النائبة الفرنسية «كليمونتين أويتين « هي الأخرى لم تُخفِ استغرابها من نفي وزارة دفاع بلادها علمها بالأمر، كاشفة عن إصدار 3 منظمات حقوقية فرنسية غير حكومية تقريراً بناء على شهادات ومصادر مُتعددة، تؤكد وجود سجن انفرادي، ومركز للتعذيب داخل المجمع المُخصص لتسييل الغاز في منطقة «بلحاف ،» ومُنددة بهذه الممارسات المتواصلة منذ العام 2016 على أرض اليمن – وفي هذا تأكيد على أن تسليم محطة وميناء «بلحاف « للاحتلال الإماراتي كان في العام 2016 وليس العام 2017 كما ادعت «توتال «، وداعية السلطات الفرنسية إلى تحمل مسؤوليتها تجاه ذلك السجن، وإخضاع «توتال « للاستجواب.
لكن شيئاً من ذلك لم يتم حتى الآن، لسببٍ بسيط هو شراكة النظام الفرنسي في العدوان على اليمن سواء بالمواقف السياسية الداعمة للتحالف العبري «السعودي -الإماراتي « أو ببيعهما الأسلحة وتوفير الدعم اللوجستي، لذا فتسليم «بلحاف « للاحتلال الإماراتي كان بضوء أخضر وتوجيه مباشر من النظام الفرنسي.
وتساءلت صحيفة «لوموند « الفرنسية عما إذا كانت «توتال « تجهل فعلاً وجود هذا السجن ضمن نطاق استثماراتها، خصوصا أنه لا زال هناك موظفون يمنيون يعملون على صيانة المنشآت الصناعية.
منظمة «منّا « لحقوق الإنسان، وهي منظمة غير حكومية للمناصرة القانونية ومقرها «جنيف «، بدورها، رفعت في 23 فبراير 2023 ، دعوى قضائية ضد «توتال ،» بالوكالة عن شخصين تعرّضا للاعتقال السري والتعذيب من قبل قوات الاحتال الإماراتي خلال عامي «2019 – 2018» بمعتقل «بلحاف «، واتهمتها بارتكاب انتهاكات ضد حقوق الإنسان، والإخفاق في تنفيذ التزاماتها بموجب القانون الفرنسي لعام 2017 بشأن واجب اليقظة على الشركات، وطالبتها بإدراج الموقع في خطة اليقظة لمنع تكرار الانتهاكات.
ويشترط ذلك القانون على الشركات الكبيرة بذل العناية الواجبة لتحديد المخاطر ومنع انتهاكات حقوق الإنسان، مع توفير المسؤولية المدنية وآلية التعويض، لكن هذا يظل حبراً على ورق بالنسبة للشركات النفطية التابعة لقوى الاستكبار العالمي.
«كوينتين مولر « يدق ناقوس الخطر
«نحن نعيش على الأرض الأكثر تلوثاً في اليمن .» بهذه الكلمات الوجيزة لخّص المواطن اليمني «محمد علي سالم سرور – 36 عاما «، مُعاناة عشرات الآلاف من اليمنيين القاطنين في المناطق المجاورة لعمل «توتال « بشبوة ومارب وحضرموت، وفظاعة ما ارتكبته من جرائم بحق اليمنيين، هذا المواطن المنكوب أب لطفل لم يتجاوز عمر الستة أعوام خُلق مشوهاً بعين واحدة جاحظة وبارزة للأمام بسبب سموم «توتال « القاتلة للإنسان والأرض والزراعة والحيوان وكل مظاهر الحياة.
تحقيق «كوينتين مولر « أتى ليؤكد هذه الحقيقة المؤلمة ويدق ناقوس الخطر، لعلّ هناك من يصحو ضميره من قادة الباد، مُحمِّلاً إياها المسؤولية الكاملة عن سلسلة من التلوثات القاتلة، وقيامها بإلقاء آلاف الأطنان من المواد الكيميائية السامة في المياه بمحيط المناطق التي تعمل فيها، ودفن وطمر ملايين اللترات من المياه السامة ومُخلفات الحفر في مناطق قريبة من التجمعات السكانية، والانسكابات والتسربات النفطية، وحرق الغاز بصورة لا تستجيب للمعايير واللوائح المحلية والعالمية المعتمدة، واستخدام تقنيات تشغيل غير قياسية، وعدم إعادة تدوير ومعالجة النفايات السامة.
ناهيك عن عدم توافق المنشآت التي بنتها مع المعايير الدولية للسامة والبيئة المعمول بها في هذا الجانب، واصفاً ما قامت به في اليمن ب «أعظم فضيحة بيئية «، ووصف ما يجري بالموت الذي يطال الأرض والحيوانات والبشر.
وقامت خال الفترة «2015 – 1996» ، ببناء بعض المنشآت القديمة، بشكل غير قانوني، ومخالف للمواصفات العالمية، ما ألحق ضرراً بالغا بالصحة والبيئة، من ذلك بناء مئات من البرك المُستأجرة، لتجفيف مياه المخلفات، وتركها مكشوفة، ما أدى إلى تطاير جميع الكيماويات في الهواء، وما تبقىَ في قعرها طين سام، ووضع مليارات اللترات من تلك المياه المُخلّفة في آبار نفط قديمة فارغة، وهذا عمل خطير وإجرامي، لإمكانية تسرُّبه إلى أحواض المياه الجوفية التي يشرب منها اليمنيون، كما أنه بعد فترة، لا تُعدّ آبار النفط مقاومة للمياه.
وامتناعها عن بناء معمل لتنظيف المنتج المُخلّف عن آبار النفط، وعدم بنائها منشآت صديقة للبيئة وتحترم صحة اليمنيين.
هذا التصرف الأرعن يؤكد بأن حياة اليمنيين غير ذي قيمة لديها، لذا عمدت منذ يومها الأول للعمل في اليمن على تدمير التربة والبيئة، وتسميم المياه، ونشرت بحماية وتواطؤ الأنظمة اليمنية المتعاقبة الأوبئة والأمراض، وتفاقمت أوضاع الناس المعيشية في مناطق تواجدها بصورة مزرية.
ويتحدث مدير عام حماية البيئة في محافظة شبوة «محمد سالم مجور « عن انتهاكات جسيمة بحق البيئة، منها تلوث مياه الشرب في عدد من البلدات التي يمر بها الأنبوب النفطي، وأهمها مدينة «عزان « بمديرية «ميفعة «، والتخلُّص من النفايات النفطية بدفنها في مناطق التسربات، واستغفال المواطنين، واستغلال ضعف وعيهم بالتخلُّص من النفايات النفطية في أساسات المنازل الجديدة والطرقات الفرعية، مؤكداً رفع مذكرات رسمية إلى ديوان رئاسة الهيئة العامة لحماية البيئة ورئيس الوزراء والشركات النفطية العاملة، عن الأضرار البيئية التي لحقت بالآبار والمزارع، لكن لم يحدث أي تحرك لحل المشكلة.
ورصد الصحفي بالإندبندنت البريطانية «جمال شنيتر « أكواما من المخلفات النفطية المرمية منذ أكثر من 30 عاما بجوار أحد الأحياء السكنية قُرب المدخل الغربي لمدينة «شبوة .»
وأكدت التقارير المحلية عدم مُطابقة أنابيب الشركة لمعايير السامة والبيئة، وانعدام وجود أنظمة أمان واحتواء للانسكابات والتسربات النفطية فيها، وعدم التزامها بمعايير وإجراءات الصحة والسامة البيئية في كل مراحل عملها منذ دخولها اليمن.
وتسبب تقادم وتهالك أنابيب النقل وعدم صيانتها في تسجيل نحو 20 نقطة تسرب نفطي خلال الفترة «2023 – 2010» في مناطق متفرقة من «شبوة «، منها 16 موقعا للتسرب خلال الفترة «ديسمبر 2014 – أكتوبر .»2020
أكثر تلك التسربات في مناطق «لهية، غرير، البطانه، عزان «، وكلها مناطق مُكتظة بالسكان، بالتوازي مع رفض «توتال « إجراء أي عملية تنظيف أو معالجة للتربة أو اتخاذ خطوات جاّدة لحماية البيئة في تلك المناطق، ورفض دفع أي تعويضات للأهالي عن الأضرار البليغة التي لحقت بهم، وتسببت بموت المئات منهم، وإصابة الآلاف بأمراض نادرة وخطيرة.
هذه الجرائم التي ارتكبتها «توتال « بحق اليمنيين ولا زالت تُعدّ مخالفة واضحة للمواد «85 ،79 ،57 ،53 ،22» من القانون رقم ) 26 ( لسنة 1995 بشأن حماية البيئة، واتفاقية «بازل « التي صادقت عليها اليمن، واتفاقية الشراكة مع الجانب اليمني، وكلها تنصّ على وجوب اتباع كافة المعايير الدولية للسامة الصحية والبيئية فيما يخُص منع التلوث والحفاظ على البيئة، ومعالجة آثار التلوث، كما يُوجب القانون الدولي على شركات النفط دفع جميع تكاليف إزالة البقع النفطية وآثارها الناتجة عن تسربات النفط من منشآتها وناقلاتها التي تجوب بحار العالم مهما كانت باهظة، ودفع تكاليف الأضرار المدنية والمعنوية، إن وُجدت.
سحر هدايا «توتال « الغامضة
عملت «توتال « على إلهاء المسؤولين اليمنيين عن مراقبة السامة الصحية والبيئية لمنشآتها بِسيلٍ من الهدايا الثمينة، ولم تكتفِ بذلك، بل وسعت لتحصين
نفسها قانونيا من أي مُلاحقات قضائية محلية ودولية على جرائمها، من ذلك إبرامها في العام 2015 اتفاقا سرياً مع الشركة اليمنية للغاز تضمن تسليم الأخيرة 59722603مليون دولار مقابل «التزامات التخلي « عن آبارها ومرافقها القديمة، والتي أصبحت أقل ربحية مع مرور الوقت.
ووفقا لهذه الاتفاقية، تتفق الجمهورية اليمنية ووزارة النفط على أنه بعد هذه
الدفعة، سيتم إطاق سراح المنتقل «توتال « بشكل لا رجعة فيه، وإعفاؤه من أي مطالبات، في خطة ذكية من «توتال « لحماية نفسها من أي هجوم قانوني بعد فرارها من البلاد في بداية عام 2015 . استفادت «توتال « من فساد نظام «علي عبدالله صالح «، فعمدت إلى شراء صمته بمنح مسؤوليه وأولادهم منحاً سياحية ودراسية إلى فرنسا، وتقديم ساعات سويسرية ثمينة وغيرها من الهدايا والأموال المقدمة باسم تبرعات، وبذلك تمكنت من توسيع عائداتها وأرباحها، لكن ذلك التصرف الساقط قتل مئات اليمنيين بشكل غير مباشر.
«لقد كانت حكومة علي عبدالله صالح عميلة وغارقة في الفساد، وكانت وزارة النفط تُدار بامتيازات الكُتل تماما كالأعمال العشوائية، حيث لم تكن البيئة والصحة تشغل قلقهم، كان على وزارتي النفط والبيئة العمل معاً على فرض أنواع مُعينة من المنشآت التي تحترم صحة سكان المنطقة «، لكنهم لم يفعلوا.
هكذا رأى «كوينتين مولر « الوضع في تلك الحقبة المُظلمة من تاريخ اليمن والغصة تخنقه، مُطالباً وزارتي النفط والبيئة العمل معاً، والأخذ بعين الاعتبار صحة الشعب أولاً، وقبل كل شيئ، عليهما مراقبة نشاطات شركات النفط الأجنبية وإلحاق العقاب بها إن تطلّب الأمر، لا بُد من تنفيذ القانون ووضع الحدود والعمل على عدم خرقه، لكن من يهتم لذلك.
هذه السياسة الشيطانية ضمنت لها التهرب من المسؤولية والملاحقة القضائية، وانعدام رقابة وزارة النفط والمعادن والهيئة اليمنية لحماية البيئة، وتهرب القضاء اليمني من النظر في القضايا المرفوعة ضدها، لأن هداياها حالت دون ذلك، وجعلتها تعمل بأريحية لم تكن تحلُم بها في بلد المنشأ.
مدير المنصة اليمنية للتغيير المناخي والبيئة « YPCE زاهر بن الشيخ أبوبكر «في حديث صحفي بتاريخ 26 أبريل 2023 ، لم يستبعد هو الآخر الحقائق الصادمة التي أوردها «مولر « في تحقيقه:
هناك تواطؤ واضح وصريح من قبل السلطة في قضية فساد شركة توتال الفرنسية، توتال استغلت فساد السلطة، وخاصة وزارة النفط والبيئة، لزيادة إنتاجها، الأمر الذي أدى بدوره إلى زيادة الأرباح، هذا التصرف أدى بشكل غير مباشر إلى قتل مئات المواطنين القاطنين في مناطق الامتياز.
إنَّ الحكومة السابقة غارقة في الفساد، ولم تكن البيئة وصحة المواطن ضمن أولويات عملها، وبدورها، انتهكت شركة توتال كافة القوانين والأعراف الدولية الخاصة بالحفاظ على البيئة، وعملت على الحفر العشوائي، وإعادة حَقن المخلَّفات السامة إلى طبقات المياه الجوفية التي يتغذّى منها سُكان تلك المناطق بإشراف مباشر من السلطة .»
تدمير الزراعة وتسميم المياه الجوفية
أُجريت عدة دراسات ميدانية في مناطق دفن المخلّفات الكيميائية السامة، أثبتت مجتمعة تسبب تلك المخلّفات في تسمم التربة الصالحة للزراعة، وتلوث الآبار والمياه الجوفية، وقتل السحالي والقرود، والحشرات الصغيرة وكل مظاهر الحياة، وتدمير مساحات زراعية واسعة، وإلحاق أضرار بليغة بمنابع المياه.
ويؤكد أستاذ تقييم الأثر البيئي بجامعة الحديدة ورئيس مركز «الخراز « ورئيس الهيئة اليمنية لحماية البيئة سابقاً الدكتور «عبدالقادر الخراز « أن 50 – 70 % من الأراضي الزراعية في المناطق الواقعة بمحيط الشركات والمنشآت النفطية تضررت بشكل كُلي وجُزئي، وانخفض متوسط الإنتاج الزراعي بنسبة 70 %، كما يذكر مكتب الصحة العامة والسكان في محافظتي مارب وشبوة، بسبب فُقدان التربة العناصر اللازمة للزراعة.
ويصف تحقيق «كوينتين مولر « ما يحدث في مناطق عمل «توتال « بالموت الذي يصيب الأرض والحيوان والبشر نتيجة تسرب المواد الكيماوية، ما تسبب في اختفاء النحل والطيور، وتلوث الأراضي الزراعية، وتحولها إلى أراضي قاحلة وأماكن مهجورة، بعد أن كانت تُنتج العديد من الأصناف الزراعية، ومن أكثر المناطق تضرراً منطقة «ساه .»
ويؤكد المهندس الزراعي وعضو البرلمان اليمني «محسن باصرة « – وهو من أوائل الذين نددوا بالتلوث النفطي في المنطقة، في سلسلة من التقارير والمداخات البرلمانية، تلقيه في أوائل القرن الواحد والعشرين، شكاوى كثيرة من السكان الذين يعيشون بالقرب من مرافق «توتال .»
الكثير من المزارعين قرروا هجر مزارعهم، لأنها لم تعد تصلح لشيئ، فقد تسببت التلوثات النفطية في ارتفاع «الكادميوم « و «الزئبق « في التربة والمياه بمستويات أعلى بكثير من معايير منظمة الصحة العالمية، كما يذكر أخصائي التلوث في «،CNRS بيير كورجولت رادي .»
ويضيف أستاذ البيئة الكيميائية المشارك بجامعة أبين «علي سالم السعيدي « بأن تركُّز المواد الكيميائية بهذا الشكل في التربة، ووجود عناصر مثل «الرصاص « و «النيكل « و «الزنك « و «الكروم « بهذه النسب العالية، يتسبب – وبدرجة كبيرة – في الإضرار بالتربة وبنيتها، وينعكس ذلك على المياه الجوفية والحياة الزراعية بشكل كبير، وأي اختلال في تركّز هذه العناصر ولو بنسب منخفضة، يسبب الإصابة بمجموعة من الأمراض، منها الأمراض العصبية والسرطانات.
وأوضحت نتائج فحوص مخبرية للتربة، أُخذت من 3 مواقع، هي «الصفاة، تمورة، لهية «، تشبُّعها بالمواد «الهيدروكربونية «، ما يعني تركُز الزيت الخام بها، ووجود حالة تلّوث واضحة وكبيرة في المنطقة المقابلة لقرية «لهية « – على ضفاف وادي حبان – تعرضت لها التربة على طول الوادي، ويُمكن مشاهدة تلوث التربة على بُعد 500 متر من أماكن التسرب، ناهيك عن وصوله لنحو متر في أعماق التربة الرملية.
التداعيات الصحية
تعاني المناطق القريبة من مواقع الشركات النفطية العاملة في اليمن من ظهور أمراض عديدة نادرة وغير مألوفة، وتحولّت تلك المناطق إلى بؤر لأورام السرطانية، وأكثرها شيوعاً:
– 1سرطانات الرئة والجلد والعين والبروستاتا والدم والعظام والعمود الفقري.
هذه السرطانات بدأت بالتزايد بصورة ملحوظة ومرعبة منذ مارس 2008 ، وخصوصاً في حضرموت وشبوة، بسبب انفجار خط أنبوب «توتال « في وادي «الغبيرة «، حيث تم وضعه على الأرض لعشرات الكيلومترات، بينما تُلزم إجراءات السامة دفنه تحت الأرض، لكنها لم تقم بشيئ من ذلك في اليمن، ولم تُكلف الحكومة اليمنية نفسها مطالبتها بذلك، لأن صحة المواطن اليمني لم تكن تعنيها ما دامت صُرة «توتال « زاخرة بما لذا وطاب من الهدايا والعطايا، ومن أسباب الإصابة أيضا تركُّز المواد الكيميائية الخطرة في المخلّفات النفطية كما يذكر تحقيق «كوينتين مولر .»
وتُعدّ مديرية «ساه « من أكثر المناطق تأثراً بالتلوثات النفطية، حيث يتم تسجيل 20حالة اصابة جديدة بالسرطان سنوياً، وفقاً لرئيس مركزها الطبي «داود صالح الجابري .»
وتحدثت بعض الإحصائيات في محافظة حضرموت عن تسجيل 600 حالة إصابة بمرض السرطان بسبب الإشعاعات النفطية، ووفاة 151 حالة في العام 2014 فقط.
وارتفعت نسبة الإصابة بالأمراض المزمنة بما فيها السرطانات في مديرات مأرب وشبوة القريبة من الأنبوب النفطي وأماكن تسرّب ودفن المخلفات النفطية بواقع 7 أضعاف، مُقارنة مع غيرها من المدن، كما يذكر مكاتب الصحة العامة والسكان في محافظتي مارب وشبوة.
ويذكر مدير عام مركز البيئة والتنمية المستدامة بجامعة 21 سبتمبر للعلوم الطبية والتطبيقية الدكتور «يوسف المخرفي « أن السرطانات وأمراض المسالك البولية والعصبية، هي الأكثر ارتباطاً بتلوث التربة والمياه والبيئة بالمخلفات النفطية بدرجة أساسية.
-2 التشوّهات الخَلقية في الولادات الجديدة، والإجهاضات المبكّرة، والتي تزايدت بصورة لافتة منذ العام 2010 م، وخصوصاً في مناطق عمل «توتال « بشبوة وحضرموت.
-3 الفشل الكلوي.
-4 الأمراض التنفسية والتهابات الرئة.
-5 الأمراض الجلدية والحساسية ونقص المناعة.
المراجع:
-1 جمال شنيتر، شبوة اليمنية .. عندما يتحول النفط إلى نقمة، موقع اندبندنت
عربية، 30 مايو 2022 .
– 2الدكتور عبدالغني جغمان، والدكتور عبدالمنعم حبتور، التلوث البيئي النفطي وآثاره المدمرة على البيئة في اليمن، شركة «أولتارا « الأوربية للاستشارات، بوخارست -رومانيا، أكتوبر 2020 .
-3 كوينتين مولر، مياه توتال السوداء في اليمن، ترجمة الموقع بوست، 22 أبريل 2023 .
-4 محمد الحسني، مارب وشبوة: تقادم أنابيب النفط وإهمال صيانتها أدى إلى تسرب بعدة مواقع، الجزيرة نت، 9 سبتمبر 2021 .
-5 نبيل الشرعبي، القصة الكاملة لجريمة بيع الغاز اليمني، صحيفة أخبار اليوم، 2فبراير 2014 .
-6 أريج للصحافة الاستقصائية، نفط اليمن وليبيا والعراق .. دمارٌ للبيئة وغيابُ المحاسبة، 26 يناير 2023 .
-7 الحرف 28 الإخباري، تحقيق صحفي يكشف جرائم التلوث النفطي نتيجة دفن «شركة توتال « مواد سامة في المياه اليمنية، 23 أبريل 2023 .
-8 العربي نيوز، فضيحة كُبرى لفرنسا في اليمن، 21 أبريل 2023 .
وكذا: سفير فرنسا يطوف على أعضاء الرئاسي لهذا الهدف، 13 أبريل 2023 .
– 9المركز الوطني للمعلومات، شركة توتال يمن تحتفل بالذكرى ال 25 لتواجدها في اليمن، 8 نوفمبر 2012 .
-10 الموقع بوست، نائبة فرنسية تستنكر صمت بلادها تجاه تحول منشأة غاز لتوتال باليمن إلى سجن إماراتي، 21 نوفمبر 2019 .
وكذا: تحقيق حديث يكشف تورط شركة توتال الفرنسية بعمليات تلوث واسعة
في اليمن، 21 أبريل 2023 .
حوار مع الصحفي الفرنسي «كوينتين مولر « مُعد تحقيق المياه السوداء لتوتال
في اليمن، حاوره عامر الدميني، 25 أبريل 2023
– 11صحيفة الرأي الثالث، الكشف عن تورط شركة «توتال « الفرنسية بعمليات تلوث واسعة في اليمن، 21 أبريل 2023 .
– 12صحيفة الثورة اليمنية، إلغاء حق الامتياز الممنوح لتوتال وشُركائها في مشروع الغاز المسال في اليمن، 6 أكتوبر 2022 .
-13 صحيفة «لا « اليمنية، لا ميديا: دراسة فنية للتلوث النفطي في محافظتي شبوة ومارب .. «نهر سموم سوداء 10 ،» يناير 2021 .
-14 عين المهرة الإخباري، بن الشيخ أبوبكر: هناك تواطئ من قبل السلطة في قضية فساد شركة «توتال « الفرنسية، 26 أبريل 2023 .
– 15وطن نيوز، شركة «توتال « الفرنسية تتسبب في كارثة بيئية كبرى في اليمن، 23 أبريل 2023.
-16 وكالة يونيوز للأخبار، باحث اقتصادي: هناك سباق «أميركي – فرنسي « للسيطرة على النفط اليمني، 26 أبريل 2023.
-17 مركز البيئة للمدن العربية، حين يتحول النفط إلى أذى في اليمن، 29 ديسمبر 2014.
– 18منظمة «منّا « لحقوق الإنسان، شركة توتال الفرنسية تواجه إجراءات قانونية لارتكاب القوات الإماراتية انتهاكات في حقوق الإنسان في مجمع الغاز اليمني في بلحاف، 23 فبراير 2023.
-19 موقع حلم أخضر، دراسة بيئية تكشف زيادة تسرب النفط في شبوة، 23 نوفمبر2020 .
مركز البحوث والمعلومات
1444هـ / 2023م
وكالة الأنباء (سبأ)
www.saba.ye/ar

قد يعجبك ايضا