> اســـــتئصال اللوزتين والبواســـير الأكثر شـــيوعاٍ.. وأدوات الجراحــة من مخــــارط الحــــديد
> الصــــــحة: لا يـوجــد قانون يمنـــــــع ممارســــــة الطـــب الشـــــعبي ولســـنا مخـــولين بالرقـابة
> أطبـــــــــاء: الشلل وانتقال الفيروسات والجراثيم والالتهابات والتشوه الخلقي أبرز الاضرار
تخيلوا معي : رجل يضع بين يديه (مقص + زرادية + سكين + أدوات خراطة أخرى ) هذا الرجل لن يصلح سيارة ما أو سيعيد تشغيل آلة كهربائية تعطلت إنه يستخدم تلك الأدوات لقص “اللوزتين” للمرضى ــ كطبيب ــ رغم أنه لا يعلم من الطب إلا اسمه كما يستخدم بعض تلك الأدوات ـ التي لا تخضع لأي تعقيم ـ لعلاج التهاب الأذن والتهاب السحايا الدماغية وللقضاء على عرق النِسا وأمراض أخرى ونتاج لتلك العبقرية الطبية الفريدة أصيب الكثير من الناس بعاهات وأمراض لا طاقة لهم بعلاجها أبرزها الشلل … وزارة الصحة تنفي عن نفسها مسئولية الرقابة وتحملها القضاء الذي وصفه حقوقيون ومواطنون وبعض المنظمات الإنسانية بالمتخاذل وغير الجاد في مثل هذه القضايا … إلى التفاصيل ..
خانتهم أقدارهم وتشبث الفقر والعوز بمفاصل حياتهم ولم يجدوا ما ينقذهم من الأمراض سوى دموع تسقي محاجر أحزانهم وقلوب تخاطبهم بلغة النبضات وأعصاب كالموج لا تهدأ ومما زاد معاناتهم أن الذهاب إلى المستشفيات ـ التي لا ترقب في جيوب المعوزين إلاٍ ولا ذمة ـ مجرد أضغاث أحلام ليسوا على تحقيقها بقادرين لذا لم يكن بمقدور هؤلاء سوى الاتجاه إجبارياٍ إلى عيادات من نوع خاص سمتها البارزة إنها تكتفي باليسير ولا تحاسب على التقصير هذه العيادات التي مقرها المنازل حرصت على أن يكون لها أسلوبها الخاص في علاج المرضى الذين أثقل كاهلهم الجهل أحياناٍ والفقر في غالب الأحيان لا سيما وأن القائمين عليها هم أناس لا علاقة لهم بالطب وعلومه كل ما في الأمر أن بعضهم ورث المهنة عن آبائه وأجداده فيما البعض الآخر تقمص المهنة وتعلمها عن طريق أولئك الورثة .
عند الإطلاع على الأدوات التي يستخدمونها في طبهم الغريب كانت الصاعقة فهي عبارة عن ” مقص وزرادية وحديدة وأدوات أخرى عجز كاتب التحقيق عن فهم أسمائها فضلاٍ عن وظائفها أما طريقة العلاج فالطبيب يستقبل المريض بحقنة مخدرة ـ إن كان المرض اللوزتين ـ بعد ذلك يناوله مساعده المقص ليدخله في فم المريض لقطع اللوزتين فينجح نادرا ويخفق في غالب الأحيان وبعد إجراء تلك العملية بتلك الطريقة يوصي المريض بتناول “الآيسكريم” كمضاد حيوي.
ليست عملية اللوزتين وحدها سيدة عمليات الطب الشعبي فهناك عمليات أخرى أكثر خطراٍ منها ومن ذلك ” الحديدة السحرية ” المغلوبة على أمرها التي توضع على النار حتى تحمر بغرض وضعها خلف رأس كل من يعاني من التهاب في الأذن وفي الجبهة لالتهاب السحايا الدماغية وفي أعلى الوركين لعرق النِسا ومن تلك الوسائل ” الزرادية” وتستخدم لقلع الأضراس .
الدكتور حفظ الله عبدالله استشاري جراحة المخ والأعصاب والعمود الفقري تحدث بإسهاب عن الطب الشعبي في اليمن وأضراره حيث قال: ” إن تقمص بعض الناس لمهنة الطب وبالتالي علاج المرضى دون أي تشخيص وبوسائل بدائية يجعل المرضى معرضين لخطر الموت فمثلاٍ استخدام الأدوات غير المعقمة لقلع الأضراس أو لقص اللوزتين يعرض المريض للإصابة بالفيروسات والأمراض القاتلة وكذلك استخدام المقص للوزتين يعرض المريض للنزيف الحاد والذي إن استمر لأكثرمن ثلاث دقائق يؤدي إلى موت الخلايا ومن ثم الشلل . وعن استخدام المكوى لعلاج بعض الأمراض يقول: “يعتقد بعض الناس بما فيهم المعالجون الشعبيون أن المكوى ينهي المرض والحقيقة أن الألم الكبير الذي يتسبب به المكوى يجعل المريض ينسى الألم السابق وعن سلبيات الكي بالنار قال: يؤدي الكي إلى تأخير عملية التماثل للشفاء ومن ثم يعمق المرض ويتضاعف مما يؤدي إلى عواقب لا يحمد عقباها بالإضافة إلى تداعيات أخرى يسببها المكوى كالالتهابات والتقيح والتشوه الخلقي ” . الدكتور ختم حديثه باتهام ودعوة حيث اتهم الحكومة بالتخاذل في أداء مهامها كما وجه لها وللقضاء دعوة للعمل على كبح جماح الطب العشوائي الذي يحصد أرواح الناس .
ضحايا
ماهر فيصل أحمد مشعل من أبناء أمانة العاصمة ابن السبعة عشر ربيعاٍ يحمل بطاقة إعاقة حركية من صندوق رعاية المعاقين مقيدة برقم (0032377) صادرة بتاريخ 24/11/2011م وقبل هذا التاريخ كان ماهر يملك يدين يخط بهما لوحة أحلامه ـ وما أكثرها ـ على جبين القدر وقدمين سيستخدمهما في العبور إلى كامل أهدافه وكان أول تلك الأحلام والأهداف إنهاء مرحلة الثانوية العامة التي أصبح على بعد خطوة واحدة منها غير أن يدَاٍ ما اغتالت قدره وجعلته “كسراب بقيعة”.
بالتحديد في الفصل الدراسي الأول من العام 2011م عندما كان ماهر في الصف الثاني الثانوي أصيب بالتهاب “اللوزتين ” فقرر والده أن يجري له عملية جراحية لاستئصالها في عطلة نصف العام الدراسي رغم ظروف والده المالية العصيبة لا سيما وأن الرجل يعول تسعة من الأبناء والبنات أغلبهم ما زالوا في المدرسة غير أن الأمر لم يمض كما خطط له فعلى حين غفلة منه قررت أم ماهر ـ بحسن نية ـ أن تأخذ ابنها إلى رجل في الحارة يدعى “ب ع” متخصص بالوراثة لا بالدراسة بقطع اللوزتين وفور وصول ماهر باشر هذا الشخص عمله فأخذ ” المقص ” وقطع اللوزتين دون إجراء أي فحوصات مسبقة لمعرفة ما إذا كانت اللوزتين ملتهبة أم لا ومن حينه أصيب ماهر بنزيف حاد أيقن من حينها أن الموت قد اقترب فطلب أباه وجدته لرؤيته قبل الفراق.
فاستغاث والده بجيرانه وأصحابه وعلى رأسهم عاقل حارته الذي فضل أن يروي لنا لحظات ما بعد العملية حيث قال ” جئنا مسرعين لإسعاف ابن جارنا فوجدناه في غيبوبة والدم يسيل من فمه وأنفه أخذناه إلى إحدى المستشفيات القريبة لتدارك ما يمكن تداركه “.. ومن هنا يكمل والد ماهر القصة وحشرجات صوته تعلو نبراته فيقول: ” رفض المستشفى استقبال ابني رغم توسلاتنا والسبب فضاعة الحالة حيث قال الطبيب ـ وهو يشتاط غضباٍ ـ ارجعوا إلى من أجرى العملية عدنا إلى ذات الرجل غير أنه أنهى ما تبقى من أمل للعافية ومن حينها أصيب ماهر بشلل نصفي جعله قعيد الفراش تاركاٍ كل أحلامه متخفية وراء أحزانه “. ويردف قائلاٍ: “منذ سنة وأربعة أشهر وهي عمر إعاقة ابني وأنا في أقسام الشرطة والنيابات والمحاكم أبحث عمن ينصفني فعلى الرغم من صدور قرارات بالجملة بإلقاء القبض القهري على المتهم ودعوات من النيابة والمحاكم والنتيجة أنه يرفض الرضوخ للعدالة وها أنا أغرق بالديون لعلاج ابني تارة ولمتابعة القضية في المحكمة تارة أخرى لذا فأنا أناشد كل المعنيين لإنصافي” .
لم يكن ماهر هو الضحية الوحيدة فهناك الكثير من الحالات التي اكتوت بنفس الألم فهذه لطيفة عبدالباري من محافظة المحويت أصابها مرض يسمى “بعرق النِسا” فأصبحت طريحة الفراش بعد أن أجبرت الظروف والدها على التخلي عن علاجها فهو يعمل في حراثة الأرض ليوفر القوت الضروري لأبنائه فلم يكن أمام الفتاة سوى الرضوخ للأمر الواقع فذهبت إلى امرأة اشتهرت بعلاج مثل هذه الأمراض عن طريق “الكي بالنار” الذي قضى على حياة قدمها اليمنى بدلاٍ من القضاء على عرق النسا حيث أصيبت بالشلل “.
أحد مساعدي بعض رجال الطب الشعبي أضاف مجموعة من الأمراض التي يتبنى الطب الشعبي علاجها وعلى رأسها التهاب السحايا الدماغية عن طريق مكوى في الجبهة والتهاب الأذن بمكوى خلف الرأس .
رقابة غائبة
كانت لتحقيق حاول البحث عن بصيص رقابة تحد من الكوارث التي يتسبب بها “الأطباء بالوراثة” فلم نجد سوى وزارة الصحة التي زادت الطين بلة حيث أوضح مدير عام المنشآت الطبية الخاصة بوزارة الصحة الدكتور يحيى الغسالي أنه لا علاقة للوزارة بالرقابة على الطب الشعبي وقال: لا يوجد قانون ينظم هذا العمل أو يمنعه وبالتالي لسنا مخولين بالرقابة وقد ألقى الغسالي بالمسئولية على النيابات العامة التي تحمل على عاتقها مسئولية منع هؤلاء الناس من العمل خصوصاٍ وأنهم تقمصوا مهنة الطب .
من جانبها اتهمت منظمة سياج المعنية بحماية الطفولة على لسان المحامي نعمان مسئول الحماية والمناصرة بالمنظمة النيابات العامة والمحاكم بالعجز عن إيقاف تلك المهزلة التي تحصد أرواح المواطنين وقال: ” هناك قضايا منظورة أمام المحاكم وأتولى حالياٍ مهام الدفاع عن بعضها غير أن كل ما ألاحظه أن النيابات لم تنصف الضحايا ومثلها المحاكم كما أن الأمن قصر في تلك القضايا فهناك جملة من قرارات إلقاء القبض القهري على أطباء شعبيين ارتكبوا أخطاء فادحة بحق مواطنين غير أن الأمر كأن لم يكن ولم يتم القبض على أيُ منهم ” .
نهاية المطاف
القضاء يعجز عن حماية ضحايا الطب الشعبي فيما الأمن خارج دائرة الاهتمام وعليه تبقى حياة الناس على كف عفريت فمن سيتولى إنقاذهم¿ وهل ستتحرك الجهات المعنية أم لاحياة لمن تنادي ¿!