المشروع الصهيو –أمريكي!

هشام الهبيشان

 

لقد وضعت القوى الاستعمارية تصوراً عاماً لمرحلة تقسيم الوطن العربي بعد انتهاء مرحلة الاستعمار العثماني، واستبدالها بمرحلة الاستعمار الغرب – أوروبي للوطن العربي، فبعد أن تكالبت أمم الأرض الغربية على العرب ببداية القرن العشرين وخصوصاً بعد انتهاء عصر الاستعمار العثماني وما ترك به العرب من حالة تمزق وتشرذم وجهل وأمية، فبتلك المرحلة برز إلى الواجهة مشاريع هرتزل وهنري كامبل و سايكس -بيكو ووعد بلفور وعلاقة الانكليز والفرنسيين بكل ذلك وعلاقة كل هذا بمشروع إقامة الكيان الصهيوني على أنقاض فلسطين التاريخية «العربية – المسيحية – المسلمة « والدعم الأمريكي للصهاينة لاحقاً ومن ثم بروز مشروع روزفلت -تشرشل ،و مشروع برنارد لويس -بريجنسكي ووثيقة كيفونيم الصهيونية ،وكل هذه المشاريع وتلك الأسماء والمشاريع مازالت محفوظة بقواميس الألم العربي.
جميع هذه المشاريع قامت بالأساس على نظرية فرق تسد والهدف هو ضرب العرب والمسلمين بعضهم ببعض من خلال مذاهبهم وأديانهم وأعراقهم ، والغاية من كل ذلك لمن رسم هذه المشاريع هو الوصول إلى أهدافه بالعودة لاستعمار المنطقة ومن خلال تطبيق نظرية «فرق تسد» ،فالتعريف السياسي والعسكري لمصطلح «فرق تسد» مصطلح سياسي عسكري اقتصادي ويعني تفريق قوة الخصم الكبيرة إلى أقسام متفرقة لتصبح أقل قوة وهي غير متحدة مع بعضها البعض مما يسهل التعامل معها ،كذلك يتطرق المصطلح للقوى المتفرقة التي لم يسبق أن اتحدت والتي يراد منعها من الاتحاد وتشكيل قوة كبيرة يصعب التعامل معها، وسياسة فرق تسد ليست بسياسة جديدة بل هي قديمة قدم السياسة نفسها حيث طبقها السومريون والمصريون واليونانيون القدماء لتفكيك قوى أعدائهم وتحييد هذه القوى من خلال توجيهها داخلياً واحدة ضد الأخرى، والاستعمار في شكله الحالي ومنذ نشأته في بداية سبعينات القرن التاسع عشر طبق هذا الأسلوب القديم في السياسة لنفس الأغراض والأهداف ومن أجل إضفاء الشرعية على احتلاله.
ويبدو أن سياسة فرق تسد تأتي بعد مرحلة فرق تغزو، لأن استعباد أمة ما والاستيلاء على أراضيها وثرواتها يتطلب أولاً إنهاك قواها العسكرية والاقتصادية لغرض تسهيل العملية وتقليص تكاليفها، وهذا يتم عادة من خلال إثارة الفتن الطائفية والتحريض على العنصرية ونشر روح الانتقام بين الطوائف والطبقات المكونة لهذه الأمة وإشعال حروب داخلية وخارجية تنتهي بإنهاك قوى كافة الأطراف، وبمثال تطبيقي وشاهد حي على كل هذا فقد قدم عراب المحافظين الجدد برنارد لويس، قبل ثلاثة عقود مضت مشروعه التقسيمي للجغرافيا والديمغرافيا العربية، ليصبح مشروعه هذا بمثابة عقيدة سياسية «للمحافظين الجدد» بأمريكا، فيما يخص السياسات الأميركية في البلدان الإسلامية والعربية، لاسيما الشرقية منها، فلقد وضع «برنارد لويس» مشروعه بتفكيك الوحدة الدستورية لجميع الدول العربية والإسلامية، وتفتيت كل منها إلى مجموعة من الكانتونات والدويلات العرقية والدينية والمذهبية والطائفية، بصورة محكمة وبعد دراسات طويلة والدليل على ذلك هي الخرائط التي أوضح فيها التجمعات العرقية والمذهبية والدينية والتي على أساسها سيتم التقسيم وسلم المشروع إلى بريجنسكي مستشار الأمن القومي في عهد جيمي كارتر والذى قام بدوره بإشعال حرب الخليج الثانية حتى تستطيع الولايات المتحدة «تصحيح حدود سايكس- بيكو» ليكون متسقاً مع المصالح الصهيو -أمريكية بالمنطقة العربية.
وفي ذات السياق، فقد طرحت وثيقة صهيونية قبل ثلاثة عقود تتحدث عن واقع نعيشه اليوم وتقول هذه الوثيقة التي طرحت في نشرة كيفونيم في فبراير من عام 1982 التي تصدر في القدس عن المنظمة اليهودية العالمية تحت عنوان «خطط إسرائيل الاستراتيجية» حيث تطالب بتفتيت كل الدول المجاورة لإسرائيل من النيل إلى الفرات وفيما يلي أورد الفقرات المهمة من هذه الوثيقة وتقول هذه الوثيقة بفصلها الأول:
«لقد غدت مصر باعتبارها كياناً مركزياً مجرد جثة هامدة لا سيما اذا أخذنا في الاعتبار المواجهات التي تزداد حدة بين المسلمين والمسيحيين وينبغي أن يكون تقسيم مصر إلى دويلات منفصلة جغرافيا هو هدفنا السياسي على الجبهة الغربية خلال السنوات القادمة، وبمجرد أن تتفكك أوصال مصر وتتلاشى سلطتها المركزية فسوف تتفكك بالمثل بلدان أخرى مثل ليبيا والسودان وغيرهما من البلدان الأبعد ومن ثم فان تشكيل دولة قبطية في صعيد مصر بالإضافة إلى كيانات إقليمية أصغر وأقل أهمية من شأنه أن يفتح الباب لتطور تاريخي لا مناص من تحقيقه على المدى البعيد وان كانت معاهدة السلام قد أعاقته في الوقت الراهن «
وتكمل هذه الوثيقة طرحها لمجموع خططها المستقبلية وتقول: وتعد تجزئة لبنان إلى خمس دويلات.. بمثابة نموذج لما سيحدث في العالم العربي بأسره وينبغي أن يكون تقسيم كل من العراق وسوريا إلى مناطق منفصلة على أساس عرقي أو ديني أحد الأهداف الأساسية لإسرائيل على المدى البعيد والخطوة الأولى لتحقيق هذا الهدف هي تحطيم القدرة العسكرية «لهذين البلدين».
وبالنسبة لسوريا والعراق فهذه الوثيقة تقول:
أما بالنسبة لسوريا فالبناء العرقي لسوريا يجعلها عرضة للتفكك مما قد يؤدى إلى قيام دولة شيعية على طول الساحل، دولة سنية في منطقة حلب وأخرى في دمشق بالإضافة إلى كيان درزي قد ينشأ في الجولان الخاضعة لنا وقد يطمح هو الآخر إلى تشكيل دولة خاصة ولن يكون ذلك على أية حال إلا إذا انضمت إليه منطقتا حوران وشمالي الأردن. ويمكن لمثل هذه الدولة على المدى البعيد أن تكون ضمانا للسلام والأمن في المنطقة وتحقيق هذا الهدف في متناول أيدينا، أما العراق ذلك البلد الغني بموارده النفطية والذي تتنازعه صراعات داخلية فهو على خط المواجهة مع إسرائيل ويعد تفكيكه أمرا مهما بالنسبة لإسرائيل بل انه أكثر أهمية من تفكيك سوريا لأن العراق يمثل على المدى القريب أخطر تهديد لإسرائيل» تنتهي هنا بعض فصول الوثيقة».
وهنا أعود لمشروع برنارد لويس – بريجنسكي، الذي وظفت فيه نظرية «فرق تسد» بشكل أعمق وأوسع واكثر شمولاً، وهنا يقول «لويس في احد مؤلفاته « لا مانع عند إعادة احتلالنا للعرب، هو أن تكون مهمتنا المعلنة هي تدريب شعوب المنطقة علي الحياة الديمقراطية، وخلال هذا الاستعمار الجديد لا مانع أن تقوم أمريكا بالضغط على قياداتهم الإسلامية- دون مجاملة ولا لين ولا هوادة – ليخلصوا شعوبهم من المعتقدات الإسلامية الفاسدة، ولذلك يجب تضييق الخناق على هذه الشعوب ومحاصرتها، واستثمار التناقضات العرقية، والعصبيات القبلية والطائفية فيها، قبل أن تغزوها أمريكا وأوروبا لتدمر الحضارة فيها».
وفي التاريخ العربي الإسلامي الحديث هناك ظواهر عدة أثبتت أن حديث ومخططات الصهيوني برنارد لويس هي بالفعل أصبحت عقيدة ورأس حربة جديدة للاستعمار الصهيوأمريكي الجديد للمنطقة العربية، والدليل هو ما جرى بالعراق، فقد صوت مجلس الشيوخ الأمريكي كشرط لانسحاب القوات الأمريكية من العراق في 29/ 9/ 2007 على تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات سنية في أجزاء من وسط وغرب وشمال العراق وشيعية بأجزاء واسعة من وسط وجنوب العراق، وكردية بأقصى شمال العراق.. وهذه الحقيقة الآن لا تقبل التشكيك فالوقائع على الأرض وتغير العامل الديمغرافي على الأرض العراقية يؤكد للأسف كل هذه الحقائق.
ختاماً.. بعد توضيح هذه الحقائق حول نوايا هذا المشروع وتوظيف نظرية «فرق تسد «فيه وحقيقة أن هذا المشروع الآن هو قيد التنفيذ ويتم التمهيد لفصوله واهدفه المستقبلية بشكل متسارع وأن العمل فيه يسير الآن بشكل واسع وقد تم فعلاً خلق بيئة ديمغرافية وبؤر جغرافية على ارض الواقع لإقامة هذا المشروع على أرض الواقع في الوطن العربي، فـبهذه المرحلة هناك حقيقة لا تقبل التشكيك وهي أن المشروع قد أقر من صهاينة العالم واليوم يتم العمل على تحقيق أهدافه فصلاً فصلاً، وتتمحور هذه الأهداف حول الرؤية المستقبلية لتقسيم المنطقة العربية وما الربيع العربي المزعوم إلا جزء من هذا المخطط.
فهل نستطيع كشعوب عربيه تدارك أخطائنا والاعتراف بحقيقة أن هذا المشروع هو أمر واقع ويجب التصدي له وأننا جميعاً قد أخذتنا العزة بالإثم فكنا للأسف ممهدين لهذا المشروع الذي أصبح اليوم خطراً وطوفاناً قاتلاً يقتل كل من بطريقه، فهل من حل يكون أساسه الإجماع على كلمة واحدة وهي رفض هذا المشروع ورفض كل نظريات التفريق والتقسيم لمواجهة هذا الخطر المحدق بكل الأمة؟؟.
* كاتب وناشط سياسي – الأردن
hesham.habeshan@yahoo.com

قد يعجبك ايضا