الثورة/تقرير/ناصر جراده
تواصل “المشاريع الخيرية ” رحلتها بين مناطق اليمن خلال شهر رمضان المبارك، كواحدة من أبرز صور التكافل الاجتماعي الصامدة في وجه الأزمة الإنسانية التي تصفها الأمم المتحدة بـ”الأسوأ عالميًّا”، نتيجة للحرب الشيطانية التي تعيشها البلاد منذ أكثر من ثمانية أعوام، فبين هذا وذاك تتنافس المؤسسات والجمعيات على المشاريع الخيرية، فيما يتسابق اليمنيون إلى تعزيز روابط المجتمع بتفعيل عادات وتقاليد آباءهم خاصة في شهر رمضان الكريم.
واعتاد اليمنيون منذ القدم، على عادة تفقد الجيران والجود عليهم بما هو متوفر من المأكل والمشرب، إلى جانب روح التآلف والتراحم ومساعدة الفقراء والمحتاجين السائدة خلال هذا الشهر، إلا إن مثل هذه العادات الجميلة، بات عليها مواجهة الأوضاع الاقتصادية الحالية، التي يكافح فيها أكثر من 80% من سكان البلاد، للحصول على الغذاء والدواء ومياه الشرب والخدمات، بحسب التقارير الدولية.
من واقع المعاناة
مدير مؤسسة العطاء التنموية الخيرية علي عبده العفيري، يقول في حديثه لـ”الثورة”، ” افتتحت المؤسسة أولى مشاريعها – رغم حداثتها والتي ظهرت من واقع معاناة الناس- مشروع توزيع أدوية للأمراض الأشد فقرا في مديرية بني مطر حيث استهدف المشروع 500 أسرة، وكذلك مشروع إفطار صائم، وغيرها من المشاريع الخيرية التي تبنتها المؤسسة.
وأضاف ” إذا كان هناك جائع لا يجد ما يسد به رمقه فهناك مريض – أثقل كاهله الفقر والمرض- لا يجد قيمة شريط دواء، وهذا ما حملته المؤسسة على كاهلها” في إشارة واضحة على تكافل أبناء المجتمع. وأشار إلى تطوير مؤسسته التنموية الخيرية وتوسيع مشاريعها لتصل إلى أكبر شريحة من المجتمع ويرى، أن هذه المشاريع اللافتة والمستمرة على الرغم من الأوضاع الصعبة التي ألقت بظلالها على مختلف نواحي الحياة، تؤكد تمسك المجتمع بعاداته الخيّرة.
محافظة على العادات
بدوره التربوي عبدالجبار أحمد هادي، أستاذ التربية الإسلامية بمدرسة الإمام الحسين “ببني مطر”، يتحدث لـ “الثورة “، إن “معظم الأسر اليمنية لا زالت محافظة على هذا النوع من العادات، رغم الظروف البائسة، ويشيد، بهذه العادات الحميدة، التي قال إنها “تحافظ على الروابط الاجتماعية وتمزج بين التكافل والعبادة، حتى وإن تراجعت وتأثرت بسبب الأوضاع الاقتصادية إلا أنها تبقى صامدة، نتيجة لما تحدثه من شعور نفسي خاصة خلال شهر رمضان.
وقال في حديثه لـ” الثورة “، إن القادم إلى محافظة صنعاء أو غيرها من المحافظات اليمنية، خاصةً المناطق الشمالية هذه الأيام، سيلاحظ بشكل واضح مدى التكافل الاجتماعي، سواء من خلال الإفطارات الجماعية في المساجد والأحياء وغيرهما من المشاريع الخيرية والتطوعية، أو من خلال الزيارات والولايم الرمضانية التي تقوم بها الأسر اليمنية، حيث تهدف إقامة العزائم والولائم للأقارب والجيران والأصدقاء، إلى التقارب والتواصل الاجتماعي، وهي عادة تجري فيها زيارات اجتماعية في أغلب المناطق اليمنية خلال شهر رمضان، يتم خلالها دعوة الأقارب والأصدقاء لمأدبة الإفطار، وهو ما يميّز شهر رمضان عن بقية شهور السنة “.
استمرار التكافل انتصار كبير
يرى الناشط الثقافي وخطيب جامع الإمام (علي عليه السلام) عبدالإله محمد علي جرادة، أن استمرار عادات اليمنيين الأصيلة ذات الطابع الإنساني في ظل الظروف الحالية، هو انتصار كبير، وعمل جيد يعبر عن روح التراحم والتعاون، ويحمل أبعادًا إنسانية وأخلاقية واجتماعية.
وقال في حديثه لـ” الثورة “، إن “أبرز أسباب صمود الشعب اليمني خلال سنوات الحرب الثمان، هو الوعي وثقافة التكافل والتراحم الاجتماعي ألتي يحملها أبناء المجتمع”، وأردف قوله “تتعدد صور التكافل الاجتماعي في اليمن، خاصة خلال شهر رمضان الفضيل، عبر أنشطة مجتمعية عدة، مجسدة مبدأ التعاون والتراحم، إذ تقام موائد إفطار جماعية في المساجد ، وما يحضره المصلون معهم من مأكولات، فضلًا عن الموائد الجماعية التي تتشارك بعض الأسر في إقامتها بأيام معينة من رمضان وسط الأحياء السكنية”.
أسباب تراجع هذه العادات
ويشير إلى أسباب تراجع مثل هذه العادات الإنسانية خلال سنوات الحرب الأخيرة في بعض المناطق، أنّها بفعل الحرب وتبعاتها الاقتصادية والنفسية والاجتماعية، التي أثرت سلباً على حياة كثير من الناس واستقرارهم المعيشي، وبالتالي نقلتهم من حالة السكينة والألفة إلى حالة من القلق والتوتر وتفاقم المعاناة جراء انقطاع مصادر الدخل وغيرها، وهذا ما جعل الكثير من الناس مشغولاً بذاته وأسرته ولم يعد لديه الوفرة لمساعدة الآخرين”.
وأضاف “جرادة “، ” إن مثل هذه الظروف، وضغوطات الحياة وتبعاتها وحالة الكبر والغرور حب (الذات) لدى البعض، تنعكس سلبًا على روح التعاون والتآلف داخل المجتمعات، وبالتالي تتراجع حالة التكافل الاجتماعي التي كانت دائمًا ما تسود خلال شهر رمضان”.
برامج ومبادرات قيّمة
في حديثنا مع مسؤول برنامج إطعام في مؤسسة بنيان التنموية الخيرية فؤاد العمري، عن البرنامج تحدث لـ” الثورة ” : “إنشاء البرنامج استجابةً لكلام الله وتوجيهاته ونتيجة للأوضاع المتردية بسبب العدوان والحصار الاقتصادي ضمن برامج مؤسسة بنيان التنموية عام 2018م وهو برنامج إغاثي يقدم مساعدات بأسلوب ونهج مستمد من هدى القرآن وتعاليم ديننا الذي تحفظ كرامة الطرف الآخر وكما قال الله (خلق الإنسان ما اكرمه) بعيداً عن أسلوب المنظمات الأممية القائم على طوابير إذلال الطرف الآخر والتربح من معاناته”.
ويقوم برنامج إطعام بعمل مشروع الوجبة الرمضانية للعام السادس على التوالي وهو أكبر مشاريع برنامج إطعام في شهر رمضان وكذلك للرفع من مستوى التكافل الاجتماعي وتعزيز روحية الإنفاق الموجودة لدى شعبنا اليمني الكريم منذ القدم.
وأوضح العمري عن ما قدمه المشروع خلال السنوات الخمس الماضية، حيث بلغت اكثر من مليونين وستمائة الف وجبة.
وكشف عن مشروع الوجبة الرمضانية لهذا العام 1444هـ، حيث سيقدم 615.000 وجبة مكونة من حبة دجاج وعلبة زبادي وكيس خبز خلال أيام شهر رمضان المبارك بتكلفة تصل إلى مليار و500 مليون ريال، حيث ساهمت هيئة الزكاة بنسبة 30 % من تكلفته بأجمالي 400 مليون بما يعادل 200 ألف وجبة، وان الإنفاق المجتمعي هو الأساس في تمويل مشاريع برنامج إطعام .
وأضاف:” إن مشروع الوجبة الرمضانية 1444هـ يستهدف 41,000 أسرة أي ما يقارب 260,000 شخص من الأسر الفقيرة من ضمنها أسر الشهداء والأسرى والجرحى والمرابطين وغيرهم من الفئات المستحقة من كل فئات المجتمع وبغض النظر عن التوجهات السياسية وغيرها للمستحقين ,ويتم تحديث وغربلة قاعدة بيانات المستفيدين بشكل يومي ومستمر بما يحافظ على اعلى قدر ممكن من دقة قاعدة البيانات وبقاء المستحقين فقط في البرنامج وفق المعايير المحددة الذي تجعل الأولوية للأشد فقراً والذي لا يجدون عائلا والمتضررين من الحرب”.
وعن آلية التوزيع قال لـ” الثورة “،” يتم التوزيع لهذه المساعدات عبر 154 نقطة منتشرة في أمانة العاصمة وجزء من محافظة صنعاء بطريقة تغطي كامل المناطق المستهدفة مع مراعاة المستفيدين المتعففين أو أصحاب الظروف الذي يتم توزيع المساعدات لهم عبر مناديب فرعيين يوصلون المساعدة للبيوت”.
وفي ختام حديثه لـ” الثورة ” أشار إلى مسارات بنيان المتوازية مع الإغاثة وقال “نحن في بنيان نمشي مع مسار التنمية والاكتفاء الذاتي وبناء الاقتصاد المقاوم بالتوازي مع المسار الإغاثي الذي نقدم فيه المساعدة بالقدر المستطاع للمستفيدين حتى يخرجوا من دائرة العوز إلى التمكن والاكتفاء الذاتي حيث نسعى لإعطاء الأولوية لمستفيدي إطعام في مشاريع تنمية وتمكين قادمة بإذن الله، وفي الختام نوضح ان البرنامج يحظى باهتمام ورعاية من القيادة ومن السيد القائد كونه يهتم بالمستضعفين والفقراء من شعبنا ونشكر جميع الجهات الذي تتعاون مع البرنامج وأولها هيئة الزكاة الذي لها الدور الأبرز في تمويل مشاريع البرنامج ونسأل الله التوفيق والتمكين لشعبنا العزيز”.
وفي ذات السياق وفي واحدة من المبادرات المتميزة فقد دشن “بنك الطعام اليمني” مطلع شهر رمضان الجاري، بصنعاء مشروع دعم المطابخ المجتمعية لعدد 70 مطبخاً مجتمعيا لإغاثة 40 ألف أسرة خلال شهر رمضان المبارك.
وخلال التدشين أوضح رئيس البنك الشيخ محمد محمد صلاح أن البنك يدشن المشروع من خلال دعم 21 مطبخا مجتمعيا في أمانة العاصمة ليستهدف بذلك نحو تسعة آلاف أسرة موزعة في عدد من أحياء الأمانة فيما سيصل المشروع إلى دعم 70 مطبخا مجتمعيا في عدد من المحافظات اليمنية بهدف الوصول إلى 40 ألف أسرة أي بما يعادل 280 ألف شخص من الأسر الفقيرة والمحتاجة.