مغالطات مترنِّحة

افتتاحــــــــــــــــية الثورة

 

يحدو الجميع الأمل في أن تُسفر الجهود التي تقودها سلطنة عمان في إيقاف العدوان ورفع الحصار عن اليمن بدءاً بصرف رواتب الموظفين ورفع الحصار البحري والجوي عن الموانئ والمطارات اليمنية، وانتهاء بالتوصل إلى سلام عادل ومشرف يضمن للشعب اليمني حقوقه المشروعة والعادلة.

الجهود العمانية لم تتوقف من اليوم الأول للعدوان المستمر على الشعب اليمني منذ ثمانية أعوام، وقد نجحت في إرساء الهدنة المعلنة في الثاني من إبريل العام المنصرم، ونجحت في تجديدها لمرتين، وتعثر إعلان تجديدها بسبب تعنت السعودية التي تقود العدوان مع الإدارة الأمريكية، ورفضهما صرف رواتب موظفي الدولة، ورفع الحصار عن اليمن.

ومن المهم الإشارة إلى أن استمرار حالة خفض التصعيد منذ فترة انتهاء الهدنة والفشل في تجديدها، لم يكن بسبب التوصل إلى اتفاق هدنة غير معلنة ولا اتفاقاً سياسياً، بل لأن القيادة اليمنية مارست أعلى درجات ضبط النفس بهدف إتاحة الفرصة أمام نجاح الجهود العمانية في التوصل إلى هدنة جديدة تضمن حل الملف الإنساني بدءاً بصرف المرتبات من موارد الثروة النفطية والغازية، ورفع الحصار الجوي والبحري المفروض على اليمن، وتبادل الأسرى، ثم الدخول في مفاوضات سياسية تضمن وقف العدوان على اليمن ورفع الحصار عنه وسحب الجيوش الغازية ودفع التعويضات وجبر الأضرار.

وقد وصل وفد السلطنة الشقيقة الذي يقود الوساطة إلى العاصمة صنعاء يوم السبت، وبالتزامن وصل الوفد الذي يمثل السعودية، وكان المؤمل أن تتمخض اللقاءات التي حدثت في صنعاء خلال الأيام الماضية إلى نتائج إيجابية خصوصاً وأن الصورة واضحة، هناك حرب على اليمن يجب وقفها، وهناك حصار أيضاً يجب رفعه، والطرف المعني بذلك هي السعودية بقرارها وأصالتها.

في المقابل هناك وساطة عمانية بين اليمن والسعودية لإنجاز هذه الملفات، غير أنما يبدو بأن مملكة العدوان السعودية مصرة على أن تقدم نفسها كوسيط بين أطراف لا أحد يعلمها، وقد رافق حضور الوفد السعودي في صنعاء حملة إعلامية في الإعلام السعودي تروج لهذا التوصيف الوهمي الذي تسعى لتطبيعه، لكأن من أعلن عن عاصفة الحزم على اليمن من واشنطن هو المرتزق هادي وليس سفير السعودية لدى أمريكا، وكأن أحمد العسيري الذي ظل لسنوات يتحدث باسم الحرب على اليمن ليس مسؤولاً عسكرياً سعودياً، وكأن الحرب التي شُنت على اليمن بطائرات السعودية وأسلحتها وأموالها وبجنودها وبآلتها العسكرية كانت حرباً من موزمبيق أو من واق الواق، وليست حرباً سعودية بإشراف أمريكي، وكأن المذابح والفظاعات والمجازر والدم والخراب والقتل والفتك الذي تعرضت له اليمن لم يكن إلا مشكلة بسيطة حدثت يمكن أن يتحول من ارتكبها طيلة ثمانية أعوام إلى وسيط!

لا تريد السعودية أن تغسل جرائمها التاريخية بحق الشعب اليمني منذ تأسيسها فحسب، بل وتريد أن تمحو آثار جرمها الموبق والمروِّع خلال ثمانية أعوام وما فيها من مذابح ومجاعات وإبادة، وتريدنا أن نصفق لها كوسيط، وأن يكون لزاماً علينا أن ننسى كل جريمة رأيناها بأم أعيننا وننسى كل شهيد سقط بغاراتها وبحصارها، وأن نطوِّق خيالنا حتى مِنْ تذكُّر ما حدث!

ووسيط بين مَنْ ومَنْ، فإذا اعتبرنا وساطة السعودية هي بين اليمنيين، فالحرب هي سعودية على الشعب اليمني، وما جرى هو أنها استأجرت مرتزقة يمنيين ومن أجناس عديدة، وجلبتهم إلى الرياض لتستخدمهم كعناوين ذرائعية للحرب الإجرامية على اليمن، ولتستخدم الألوف منهم كترسانة مقاتلين في جبهات الحرب أيضاً، ومن خلالهم تحاول توصف الحرب بأنها حرب أهلية بين يمنيين، وليست حرباً سعودية على الشعب اليمني بأكمله.

الإصرار السعودي على تقديم نفسه كوسيط يعكس مشكلة مستفحلة ربما لدى هذا النظام في تفكيره ورؤيته للأحداث، فأي وسيط هذا في حرب هو من قادها وهو من أعلنها وهو من بدأها وهو من أجرم فيها، هذه المحاولة المترنحة هي أشبه بمن ينكر الحقائق الكونية كشروق الشمس من المشرق وغروبها من المغرب كل يوم، تنصدم بحقائق كبرى شاهدها العالم وسمعها لسنوات طوال.

فإذا كان الهدف من وراء إصرار مملكة العدوان السعودية بتقديم نفسها كوسيط، غسل جرائمها الموبقة والمروّعة التي ارتكبتها بحق الشعب اليمني فإن الحقائق الكبرى أقوى من هذه المشاغبات الكلامية، وإذا كان الهدف هو التنصل عن التبعات والمسؤوليات الأخلاقية والقانونية عن هذا العدوان الآثم وما فعل من مذابح وفظائع ودمار، فإن العالم برمته قد وثَّق وسجَّل كل ما حدث بالأدلة المادية التي لا تقبل الشك باليقين، وإذا كان الهدف من وراء هذا الإصرار السعودي بتصوير نفسه كوسيط دفن آثار الجرم المستمر منذ ثمانية أعوام فإنه واهم بذلك.

إن استمرار النظام السعودي في تصوير نفسه وسيطاً ليس هدفه التوصل إلى حل للحرب، بل دفن آثارها وجرائمها وتسجيلها ضد مجهول، وهذا الأمر لن يرضاه شعبنا ولا قيادته الحرة.

منذ جاء الوفد السعودي وبدأت التواصلات عبر الوسيط العماني، لم يثبت شيئاً حتى الآن من طرف السعودية، ووصول وفدها إلى صنعاء يعد مؤشراً جيداً، لكن من الضرورة أن يثبت السعودي مصداقيته اليوم من خلال تنفيذ المطالب الإنسانية من فك للحصار ودفع للرواتب، وإنهاء للاحتلال والعدوان، وجبر للضرر، وإلا فلا جديد يمكن اعتباره.

ومثلما تصور نفسها كوسيط، تُطلق السعودية يومياً كماً هائلاً من التسريبات حول توافقات وحول رؤى وصيغ حلول لا أساس لها، عبر رويترز وعبر وسائط إعلامية أخرى، والثابت أنه لم يحدث حتى الآن شيء، مطالب اليمن واضحة، تبدأ بحل الملف الإنساني من فك للحصار وصرف رواتب الموظفين وتبادل للأسرى، وصولاً إلى الانسحاب من اليمن وجبر الضرر والتعويضات، والمؤسف أن المعطيات حتى الآن تؤكد بأن لا جدية لدى السعودية في أن تخطو نحو حلول صادقة.

نعرف بأن مملكة العدوان السعودية تريد أن تكرس هذا التوصيف المعتسف للحقائق الكبرى إعلامياً لتمحو سجلّها الأسود الملطخ بعار الإجرام، ونعلم بأن الإعلام الغربي والأمريكي والأمم المتحدة وكل الدول المنافقة التي تواطأت معها في الحرب وأيدتها وساندتها ستشكرها على وساطتها الكريمة وجهودها الطيبة حد زعمها، لكنها ستعجز هي ومن معها عن فرض أي واقع سياسي أو غيره بهذه المغالطات المترنحة، شاء من شاء وأبى من أبى، وحتى لو حبست كل المرتزقة كما فعلت بالمرتزق هادي فلن تنجح في تحميلهم المسؤولية والهروب منها، الحرب سعودية، والبادئ أظلم.

 

 

قد يعجبك ايضا