في العلاقة الملتبسة بين القاضي والمحامي!  

عبد العزيز البغدادي

 

( -5- الطلبات)

الطلبات التي يتقدم بها المحامي إلى المحكمة باعتباره وكيلاً عن المدعي أو المدعى عليه أو أصيلاً حكمها حكم الدعاوى والدفوع حيث تبنى على مبدأ التكامل بين الشكل والمضمون ومحورية القانون ، وحق المحامي ومسؤولية القاضي وفق هذا المبدأ مزدوجة تعكس كيفية تعاملهما مع الطلبات وتقتضي من المحامي الالتزام بموافقتها للقانون كوكيل ليكون دفاعه عن الطلب قوياً متيناً وقانونياً مقبولاً لدى القاضي بصورة مؤكدة أو شبه مؤكدة ، وشبه المؤكدة هنا تعني أن المحامي يتعامل مع قضاة تختلف درجة نزاهتهم ونفسياتهم ومدى احترامهم للقانون وفهمهم له وحرصهم على تحقيق العدالة وأهميتها في حياة المجتمع ودور ذلك في تحقيق السلام الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والموازنة بين الحقوق والواجبات ، ومدى قدرة القاضي صاحب الولاية في نظر القضية على استيعاب كل هذه العناصر لتضمينها في حكمه.

ويختلف المحامون في كفاءتهم وقدرتهم في عرض أدلة الدعوى والطلبات وكيفية جمع الحجج والتقاطها خلال المرافعة ومدى سلامتها، وتمسكهم بها في معاركهم القانونية في ساحة العدالة ، وعليهم في كل الأحوال اتباع الوسائل الشريفة في خوض هذه المعارك ، لأن هذا النوع من القتال إن جاز التعبير ذخيرته العلم بالقانون واحترام مبدأ سيادته من قبل الجميع والتحلي بالحكمة والصبر وحسن التعامل والقدرة على التمسك بالحق واحترام القواعد التي تنظم المهنة وآدابها لأن طريقة تعامل المحامي مع الطلبات تعكس شخصيته، ومن الطلبات المهمة طلب الإفراج عن موكله في القضايا الجنائية أو التصدي لما يقدمه الطرف الآخر من طلبات غير قانونية ، أو طلب حجز الأموال في القضايا المدنية والتجارية أو إلغاؤها والتصفيات في قضايا الإفلاس والإعسار استيفاءً لحقوق موكله أو حمايتها مما قد يلحق بها من ضرر محقق نتيجة إجراء أي من ذلك ، مثل هذه الطلبات ينبغي أن تكون مبنية أولاً على سند قانوني وجيه له ما يؤيده من القانون والواقع ، وأن لا يقبل تقمص شخصية موكله ونفسيته في التعامل مع المحكمة بشأن الطلبات التي يرى فيها كيداً أو مغالطة واضحة تضر بالطرف الآخر ، وأن يواجه ذلك بحكمة وروية وحسن تصرف وعليه إذا لزم الأمر بذل الجهد في إفهام موكله بأن الطلب غير قانوني مثلاً أو أنه غير مجد أو أن مصلحة القضية تقتضي تأجيله لاعتبارات إما متعلقة بقراءته لخطوات القاضي أو أسلوبه في التعامل مع القضايا أو لأي اعتبار آخر يقدره المحامي ، وتبادل الرأي مع موكله مهم في كل مراحل سير القضية ، لأن لديه من الخفايا ما قد يفيد القضية ويسند موقف المحامي وما ذهب إليه.

هذه إشارة مقتضبة لكيفية تعامل المحامي مع الطلبات المقدمة أو التي ينوي تقديمها كطلبات أصلية أو عارضة، فماذا عن تعامل القاضي مع ما يقدم منها؟

ومع أن استقلال القاضي أصبحت من البديهيات التي أكدها الدستور والقانون إلا أنه لا ينبغي أن يغيب عن الذهن دائما أن سلطة القاضي كأي موظف عام وفقا للدستور والقانون ليست سلطة مطلقة حتى في الحالات التي منحه فيها صلاحيات تقديرية واسعة كما هو الحال في القضايا الجنائية حيث ينبغي عليه الحرص على عدم إساءة استخدام هذه السلطة التقديرية بالتقيد بعلة منحها للقاضي في تلمس الطريق الأصوب نحو تحقيق العدالة ومدى صحة الأدلة وإسنادها لبعضها وتفحص حالات شهود الزور مثلاً وعوامل التأثير على الشاهد سواء في قاعة المحكمة أو خارجها ، أي أن السلطة التقديرية ليست منحة للقاضي يتعامل معها حسب مزاجه أو هواه ، ولكنها منحة للعدالة وعبء إضافي عليه التعامل معه بمسؤولية ، ومن علامات القاضي الحريص على العدالة وإدراكه لمقتضياتها تعامله مع كل ما يقدم إليه من طلبات بمسؤولية وبما يمكنه من التفريق بين الطلبات الجادة والكيدية ، والأصل أنها جميعاً طلبات محقة أي قانونية فإن كانت مخالفة للقانون فمن واجبه أن يحسن طريقة رفضه لها سواء كان مقدمها (وكيلا ) محاميا أو أصيلا مدعيا أو مدعى عليه وظيفة القاضي وظيفة عامة عظيمة جليلة تستمد عظمتها وجلالها من مقدار تمتع القاضي بحسن الخلق والبعد عن العنجهية والتكبر والغرور مهما كانت الضغوط الواقعة عليه ليس فقط لأنه يقدم هذه الخدمة الجليلة والعظيمة العامة مقابل أجر بل ولأن من واجب من يؤدي خدمة الالتزام بحسن الخلق والتعامل مع الناس بمحبة واستشعار للمسؤولية خاصة وأن المطلوب منه الخدمة هنا هو قاض يفترض أنه على قدر من العلم والفهم والتجربة وحسن التقدير فوظيفته تتداخل فيها حماية الحقوق والأموال والدماء والأعراض مع الإصلاح الاجتماعي والأخلاقي ومهنة القضاء والمحاماة من أهم المهن التي يترابط فيها النظري بالعملي وتحتاج إلى فطنة وخبرة ومعرفة وأمانة ومسؤولية فيما يقدمه من طلبات واستيعاب ما يطرح في قاعة المحكمة وكيفية مواجهته.

جوهرة الحق ببحر الهوى * فيما تراه العين وما لا ترى

 

 

 

 

 

 

 

 

قد يعجبك ايضا