التخفيف من معاناة الفقراء في مقدمة مقاصد الزكاة

 

الزكاة أحد أركان الإسلام، وقد ذُكرت بصيغة الأمر والنهي والترغيب والترهيب، واقترنت مع الصلاة في سبع وعشرين آية لبيان أهميتها وحث كل مسلم على الالتزام بهذه الفريضة مثلما يلتزم بأداء الصلاة.
وكما تحددت الأبعاد الكلية لهذا الواجب التعبدي، وما ارتبطت به من الدلائل الاقتصادية والبعد الاجتماعي بحيث أتضحت أهميته وفاعليته في قائمة المعالجات الإسلامية لأصعب المشاكل الاجتماعية التي تحيط بحياة الإنسان باعتبار الإسلام عاملا وجدانياً جاء لتحرير إرادة الإنسان من الموروث الجاهلي، كمثل تغول المال وتركزه في عدد محدود من البشر مقابل بقاء القطاع الأكبر فريسة للجوع وذل الفقر.
هنا، أقر الإسلام الزكاة كمعالجة عملية ضيقت الفجوة بين الغناء والفقر وحفظت كرامات الناس، وكانت الزكاة موجودة لدى كافة الديانات السماوية، إلا أنها لم تأخذ نفس البعد الذي جاء به الإسلام، فلقد بين أسس الجباية وحدد آليات التوزيع العادل، وأوكل أمر الجباية والتوزيع إلى ولي الأمر المختار من الأمة، كما جاء في نص التكليف الإلهي قال تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
النص ورد في شكل فعل أمر للرسول صلى الله عليه وآله سلم وبحسب إجماع الفقهاء فما كان للرسول ينتقل لأولياء أمر الأمة من بعده بشرط توفر العدالة والزهد والورع والتقوى والنزاهة.
والخالق سبحانه وتعالى عندما أوكل المهمة لولي الأمر بمفهوم الدولة، كانت لغاية تتحقق من خلالها عدة مقاصد.. تخفيف وطأة الضرر الاجتماعي على الفقراء في مقدمة تلك المقاصد النبيلة باعتبار العطاء من الدولة مشروعاً لا يحمل أي مْنّ ولا يجرح الكرامة.
ولقد دلت النصوص في الكتاب والسنة على فلسفة خاصة لحل المعضلة المالية انطلاقاً من قاعدة هامة تقول «المال مال الله والإنسان مستخلف عليه»، بما يعني أن الخالق سبحانه وتعالى هو المتكفل بتقسيم الرزق بين العباد، قال تعالى (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)، وجاء في حديث قدسي رواه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن نبي الله موسى عليه السلام في حواره مع ربه حيث خاطب الخالق نبي الله موسى (يا موسى والله ما أفقرت الفقير لهوانه عليّ ولا أغنيت الغني لمعروف أسداه إلي، إنما أفقرت الفقير لأرى صبره وأغنيت الغني لأرى شكره، يا موسى فلا الفقير صبر ولا الغني شكر) أو كما قال.
إذن، فالإسلام جاء بمنظومة قيم شاملة وأخلاق فاضلة ومبادئ عظيمة دلت المسلمين على كيفية التعاطي مع كل جوانب الحياة بأسس إيمانية صادقة فنجد مثلاً أنه افترض الزكاة ووضع المعايير والمقاييس التي تحدد الإنفاق ووجه بخطاب عام للدلالة على الوجوب.
قال تعالى (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُوم لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ)، وقال تعالى (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيم يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ) وقال تعالى (وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)، هذه الآيات لا تتوقف على الزكاة فقط، ولكنها تشير إلى الصدقة كفعل تعبدي واجب يتقرب به العبد إلى الله سبحانه وتعالى قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «صدقة السر تطفئ غضب الرب».

قد يعجبك ايضا