روحانية رمضان وما يجب ..

محمد أحمد المؤيد

 

شهر رمضان المبارك شهر فضيل بكل ما في الكلمة من معنى، وصومه فضيلة، ولذا فهو شهر من أعظم حرمات الله التي لها حرمتها والتزاماتها وقداستها في دين الله الإسلام، وكونه كذلك فعلى الناس أن يقدروا هذا الشهر حق التقدير وتعظيمه – في نفوسهم – حق التعظيم، امتثالاً لقوله تعالى :» وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ» صدق الله العظيم، ولأنه شهر الله الذي فرض فيه الصوم على كل مسلم عاقل بالغ قادر، ويكون ذلك من خلال استلهام القصد والمراد والغاية التي يجب تحقيقها في هذا الشهر، فكلما تنبه الفرد للغاية من الشيء كلما أعطاه ما يستحقه من الاهتمام والمثابرة بالقدر الذي قدره في باله.
رمضان شهر كريم فيه من السمات والمزايا والعزائم الإلهية ما يميزه عن غيره من الأشهر الحرم أو غيرها، بحيث يبقى محطة إيمانية سنوية تزور كل مسلم ومسلمة بانتظام من وقت بلوغه وحتى مماته «وهل من مدكر»، مما يشد الإنسان للتأمل وعدم الغفلة في ماهي الغاية منه ؟ وما يجب عليه نحوه لتحقيقها ؟ حتى يتسنى له استلهام روحانية هذا الشهر المبارك على أكمل وجه، وإلا سيفقد معاني جمة طيلة أيامه ولياليه المباركات غصباً عنه وهو غير مستفيد، وهذا بحد ذاته ظلم للذات، كيف لا ؟! وفي هذا الشهر خيرات حسان تنعكس على المؤمن في الدارين، ففي الآخرة مغفرة ورحمة وعتق من النيران، وفي الدنيا تزوُّد وخير الزاد التقوى، وبالتقوى يرزق الإنسان من حيث لا يحتسب ويجعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا، ناهيك عن أن هناك طمأنينة عجيبة، وبركة في العمر وفي الدعاء وكسراً للروتين السنوي الممل في جل حركاتنا وسكناتنا فنعرف قيمة ضوء الشمس والحركة في سراج الله ونوره ونعرف قيمة الطعام والشراب فـ(نتخور/ نتمنى) ولكن اللهم أني صائم، فتتبادر للذهن رحمة وشفقة بأولئك المساكين والفقراء الجياع الذين لا يملكون الباءة، وكيف أنهم يعانون من جوع وعطش ونحن في نعيم فيحثنا ذلك على الإنفاق ومواساتهم، حتى بأقل القليل، فالصوم بيَّن لنا أن القليل بفعل الجوع والعطش أصبح كثيراً، فيتمنى الواحد منا ساعة الصوم ولو «لجع» لقمة وإلا رشفة ماء يبلل بها فمه، فنحس وهذا الاحساس رحمة من الله تولد رحمة فينا فنتراحم ونرفق ببعضنا البعض بقدر ما أمكن حتى بحبة تمر، وهذه نعمة أن نحس ونعرف قيمة الأشياء والأوقات والتصرفات النبيلة، وكذلك ننبذ العادات السيئة وعلى رأسها الإسراف والأنانية، حتى على مستوى أن نوم الصائم في نهار رمضان بشكل معقول وغير مفرط فيه يعد عبادة يؤجر عليها، خاصة وهو بقصد أن يعينه على قيام الليل للتهجد والقيام لله طائعًاً، والأعمال مخففة للتيسير وعلى رأسها الوظائف الحكومية – إلا عند التجار فالجشع والهلع يسيطر عليهم في رمضان فينسيهم ذكر الله إلا من رحم الله ونسأل الله الهداية لهم ولزبائنهم الذين لا ينشطون للتسوق إلا في الثلث الأخير من الليل -أي وقت السحور- وهذا غلط كون هذا الوقت فيه بركة عظيمة للتشمير لطاعة الله، خاصة وهناك أوقات أخرى للتسوق «حلقت» يعني ما بلا ذاك (السع/ الساعة/ الوقت) !!!!» -، بعكس الأيام في غير شهر رمضان التي فيها كد وجد ومثابرة في شتى مجالات الحياة، أما الليل ففيه حث على إحيائه بالتشمير للطاعات والعبادات والتهجد والدعاء وتلاوة القرآن « ما بش نوم إلا قليل، عمل (قرعة) صلاة وعبادة وقرآن»، خاصة وفيه ليلة القدر خير من ألف شهر « اللهم وفقنا جميعاً لأدراكها ونيل خيرها وبركتها بفضلك وجودك يا جواد يا كريم واستغلال كل لحظة من لحظات شهر رمضان المبارك بما يرضيك عنا وترضى»، رغم أن الله قد جعل اليل سكنا والنهار معاشا، إلا أن رمضان فيه نوع من السمات والخصائص الوقتية الخاصة به، الأمر الذي يحس معه الفرد أنه – كما فسره بعض العلماء – في جهاد، كون فيه جوع وعطش ومثابرة وسباق مع الزمن ليل نهار من أجل استغلال كل لحظة من لحظات هذا الشهر الكريم للتزود من الطاعات والعبادات قدر ما أمكن، لماذا ؟ لأن الأجور فيه مضاعفة و»كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فهو لي وأنا أجزي به» : كما ورد بمعناه في الحديث القدسي عن ربنا جل في علاه، والأعمال فيه النافلة بفريضة والفريضة بسبعين فريضة وهكذا….»هدى الله الجميع».
إذا لم يدرك المسلم في رمضان الكريم قوله تعالى :» فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ» صدق الله العظيم، وزحزح أي ترنح وتمايل ببطىء يميناً ويساراً حتى وضع في مكانه المناسب له، كما يعمل بالحجر وهي منطرحة على حافة تترنح ويراد نقلها قليلاً من مكانها إلى الجهة الأخرى كي تستقر ولا تترنح ، فيقال في اللغة أزاح أي ابعد وجنب، وزحزح تدل على البطىء في حركة الإزاحة بعدة حركات متمايلة والتي بالكاد أزاح أي زحزح « والله أعلم»، ولذا فهذه الكلمة «زحزح» تدل على أنه بالكاد فاز وابعد عن النار ودخل الجنة بزيادة حسنة واحدة أو أكثر أنقذته من جحيم النار وسعيرها إلى جنة عرضها السماوات والأرض أُعدت للمتقين، مما يدل على عظم شأن الحسنة الواحدة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، وهذا مثال كاف لمقارنة شهر رمضان الكريم وكم فيه من الحسنات والأجور المضاعفة التي قد تكون سبباً في « زحزح عن النار وأدخل الجنة» أي فاز، و»الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها» : كما ورد بمعنى الحديث عن المصطفى محمد رسول الله « صلوات الله وسلامه عليه وآله»، فالله الله في التزود من الخيرات بقدر ما أمكن، فمن لم يرحم نفسه قبل الفوات وقبل انقطاع الصوت، فكيف يرتجي رحمة ربه وهو لم يبادر أولاً ويبذل السبب في نيل رحمة الله ورضاه سبحانه ؟!!!، لذا فمن شهد الشهر منكم فليصمه ومن الله القبول.. وشهر كريم.. المهم «لا تحاكي صايم بعد العصر» ههههههه.
،،ولله عاقبة الأمور،،.

قد يعجبك ايضا