قدسية القضاء وحقيقة إشكالات طول التقاضي !!

يحيى يحيى السريحي

 

 

المجني عليهم هم القضاة والقضاء، والجناة هم المتخاصمون وكثرتهم وشيطنة بعض المحامين، فالقضاء اليمني كغيره من الأجهزة القضائية في العالم العربي والإسلامي تحديدا يعاني من معضلة حقيقية تواجهه في القدرة السريعة والفترة الزمنية المعقولة في الفصل بين الخصوم ، وكثير من القضايا والمنازعات المعروضة على القضاء اليمني تحتاج أعماراً فوق أعمار الخصوم حتى يتم الفصل فيها وبشكل بات ونهائي لطرف من أطراف النزاع بعد أن تأخذ القضايا درجات التقاضي المعروفة من حكم المحكمة الابتدائية والاستئناف وأخيرا المحكمة العليا ، ويشكو كثير من الخصوم طول فترة التقاضي وعدم الفصل السريع في القضايا مما يتسبب في ضياع الحقوق وأيضا لجوء بعض الخصوم إلى استخدام العنف والقوة المفرطة التي تصل لدرجة القتل، لما يسببه ذلك التأخير في الإنجاز من الشعور بالغبن والقهر وضياع أموالهم وأعمارهم في قاعات المحاكم المختلفة، ومن الإنصاف القول إنه في أحايين كثيرة يكون سبب طول فترة التقاضي الخصوم أنفسهم فمنهم من يعتمد على الادعاءات الكيدية والكاذبة وتقديم محررات مزورة وشهود زور وغيرها من الأساليب الباطلة ناهيك عن لجوء بعضهم والاستعانة بعينة من المحامين أو وكلاء الشريعة المتغولين في الأساليب الملتوية ، مما يتوجب على القضاة المنظورة لديهم دعاوى وقضايا الخصوم التحري والتأكد من كل تفصيلة وجزئية صغيرة وكبيرة حتى لا يكونوا من قضاة أهل النار الذين أخبرنا عنهم سيد الخلق محمد عليه الصلاة والسلام ، فالخصوم أنفسهم يتحملون جزءاً كبيراً من المسؤولية في طول أمد الخصومة وعدم الفصل السريع في المنازعات ، ولا يعني ذلك الكمال المطلق لساحة القضاء والقضاة ، وتسليطي الضوء على القضاء هو ما وجدته في ساحات وباحات القضاء من العدد المهول من الناس والخصومات الكثيرة، فقد ساقتني الأقدار للمحاكم فوجدت سيلا من البشر وكأنه لم يعد يتواجد خارج المحاكم أحد من اليمنيين، فالكل يقاضي ويخاصم الكل والكل في المحاكم !! وأكثر المتخاصمين تجدهم أنساب وأصهار فالاخوة في خصومة مع بعضهم، والأبناء مع أبنائهم وأمهاتهم، والزوجات مع أزواجهن ، وهذا مؤشر خطير على أن الأسرة اليمنية تعاني تمزقاً في نسيجها المجتمعي وتعاني التفرق والخلاف وبحاجة لتدخل الدولة ليس بواسطة المحاكم فقط، بل بواسطة رجال الدين في منابر المساجد وأيضا وسائل الإعلام المختلفة والتوعية بأهمية الحفاظ على العلاقات الأسرية بعيدا عن التناحر والتخاصم في المحاكم وبما يحفظ للجميع حقوقهم، وأتذكر جيدا مقولة الرئيس الشهيد صالح الصماد -رحمه الله- فيما يخص القضاء: “إننا نطمح إلى بناء قضاء قوي مستقل وحر يحفظ ويراعي الحقوق والحريات بعيدا عن المزايدات والمحسوبية”، فقد كان القضاء وإصلاحه هدفاً استراتيجياً عند الرئيس الشهيد -رحمه الله- فالقضاء اليمني ربما يحتاج إلى مراجعة بعض القوانين وتعديلها، وربما كذلك يحتاج لبعض الضوابط الحازمة ضد المدعين من الخصوم على غيرهم افتراء وبهتاناً ودون وجه حق، وكذلك يحتاج إلى سن عدد من المواد ضد المحامين أو وكلاء الشريعة المتلاعبين بالقوانين وممن يعتبرون المحاماة ليست سوى مهنة للتكسب والتربح وأشبه بممتهني عمل المقاولات، لا يهمهم من تضيع حقوقهم بسبب شيطنتهم وموت ضمائرهم !!

قد يعجبك ايضا