السلام أصلٌ تقتضيه حاجة الإنسان المستمرة للحياة، أما الحرب والقتال والثورة المسلحة فهي خيارات استثنائية تفرضها إما ضرورة الدفاع عن النفس ضد عدوان أو الثورة على ظلم سلطة مستبدة، والخيارات الاستثنائية تنتهي بانتهاء أسبابها لتعود الأمور إلى أصلها وهو السلام محل الحرب، والشرعية الدستورية محل الشرعية الثورية، والموازنة بين الحاجة والضرورة تتطلب وعيا وإحساسا عميقا بالمسؤولية، وخيارات الحرب والسلام شأن عام لا يقبل الاستئثار من أي فرد أو حزب أو جماعة لأن تبعات الأخذ بأي خيار تعم الفرد والأسرة والمجتمع، والعقلاء والشرفاء هم من يبحثون عن كيفية تحقيق السلام والحفاظ عليه، أما الحرب فأي غبي أرعن قادر على إشعالها والتحشيد لها لاعتمادها على استثارة الغرائز واستثمار الجهل.
وتحقيق السلام والمحافظة عليه عملية تتداخل عوامل الوصول إليها، وهي في اليمن العنوان الأول بين العناوين المكونة لاستعادة سعادته، إنه حُلم ينبع من الإنسان اليمني الذي عانى ويعاني من ويلات الحروب والحصار والانقسامات وما زال وإلى ما شاء الله والأحرار وإليه تصب ينابيعه وعيونه وغيثه المدرار،
أقول هذا بمناسبة الاتفاق الذي عُقد الأسبوع الماضي برعاية صينية بين إيران والسعودية اللتين تريان نفسيهما ويراهما بعض الناس لاعبين رئيسيين في الإقليم والمنطقة ينتظر المتفائلون من اتفاقهما إنهاء العدوان والحصار الذي تشنه السعودية وحلفاؤها على الشعب اليمني والحرب التي تدار بالوكالة، ولا أتحرج من تكرار تخطئة من يساوي بين إيران والسعودية التي تكونت حديثاً وتحتل نصف أراضي اليمن، وتقوم بأبشع عدوان عليه منذ 26 مارس 2015 ، وهذا أمر لا يتجاهله ويبرره إلا منافق كذاب، ولا يخدم العلاقات القابلة للاستمرار وخدمة المصالح المشتركة المشروعة بين الدول التي تقوم على الصدق والوضوح في التعامل وعبر شرعية حقيقية موحدة يختارها الشعب وليس عبر العصابات التي لا تمثل سوى المصالح غير المشروعة للمنتمين إليها وهم أول من ينكر ويتنكر لهذا النوع من العلاقات غير المشروعة.
إن عدوان السعودية على اليمن جريمة مشهودة موثقة عالمياً لا تقبل المغالطة والتضليل وهي جريمة مستمرة وممنهجة منذ نشوء المملكة التي بيننا وبينها شريط حدودي هو الأطول من نوعه والأقل استقرارا في المنطقة نتيجة جشعها الذي ابتلى الله به اليمن لتحول سعادته إلى شقاء أو لنقل من باب التحوط الجار السعودي سبب رئيسي لشقاء اليمن وعدم استقراره منذ نشوء هذا الجار المعتمد في علاقته باليمن على شراء ذمم المرتزقة وتجنيد الخونة من المشايخ والمسؤولين الذين يشوهون سمعة البقية من الشرفاء وهم كثر، وهذا التعامل مناقض تماماً لتعامل سلطنة عمان الحريصة على حسن الجوار في علاقتها باليمن وبالدول العربية والعالم كنموذج للعلاقات الدولية في أرقى صورها.
أما الطرف الإقليمي الثاني من أطراف الاتفاق فهو الجمهورية الإسلامية الإيرانية ووضعه يختلف تمام الاختلاف عن السعودية لسبب بسيط وهو أنه ليس بيننا وبين إيران حدود، ولم تحتل أي جزء من أراضي اليمن ولم تعتد عليه، ولكنه يدعم الطرف الذي يقاوم العدوان السعودي أيا كانت التحفظات لأي يمني حول الطرف الذي يدعمه وحجم الدعم فهذه مسألة يمنية يمنية وهذا الرأي بالتأكيد لا يرضي من يساوون بين الناقة والجمل ، ولكن ليس وظيفة أي صاحب رأي إرضاء كل الناس فذلك إلى جانب كونه مستحيلا فهو نوع من النفاق لأنه يساوي بين المعتدي ومن يساعد المعتدى عليه، وعلى كل حال فإن اتفاق إيران والسعودية على تطبيع العلاقات بينهما خطوة إيجابية تخدم بدرجة أساسية مصالح الدولتين، وتخدم اليمنيين إذا هم قرروا خدمة أنفسهم، لأن بحث الدول عن مصالحها مسألة مفهومة وبديهية بغض النظر عن الاختلافات في تقدير المصالح التي تنظمها العلاقات الدولية ومبادئ القانون الدولي.
اليمنيون الأحرار ليسوا بالتأكيد من دعا للعدوان على وطنهم باسم دعم الشرعية أو أيدوا التدخل في شؤونه من قبل هذا الطرف أو ذاك وغذى النزاعات والحروب، ولكنهم من يسارعون اليوم قبل الغد إلى دعوة الأطراف المحتلة للرحيل عن أراضي وشواطئ اليمن وجزرها التي احتلتها وتكرس وجودها بإقامة قواعد عسكرية عليها أو بالأصح تعمل غطاء للكيان الصهيوني وأمريكا ليقيم قواعد باستخدام أعلام السعودية والإمارات ما يجعل المسؤولية القانونية والأخلاقية لهاتين الدولتين وعملائهما وأتباعهما أكبر وسلوكهم أكثر إساءة لشرف وكرامة الأمة إن بقي منها شيء !، ويجب أن تكون الدعوة مصحوبة بمد يد الإخاء والتصالح بين اليمنيين، فمن العيب والعار التنظير والتبرير لمحاولة شرعنة ما تمارسه دول العدوان بحجة أنها تبحث عن مصالحها في وطننا اليمن في الوقت الذي نجهل أو نتجاهل ونتغافل عن مصالح اليمنيين في اليمن !!.
دَمُ الشهداء يسألني عن اسمي * وعن وطني وعن لُغة النفاقِ