يأتي اهتمام أمريكا باليمن نتيجة عدة أسباب من أهمها موقع اليمن الجغرافي الحاكم على طرق التجارة والثروات الكبيرة التي تمتلكها اليمن من النفط والغاز وغيرها، وكل ذلك في إطار رغبة أمريكا الجامحة بالسيطرة على مقدرات الشعوب, وقد ظهر اهتمام أمريكا بالجزيرة العربية ومن ضمنها اليمن منذ بداية القرن الماضي، حيث أشار وكيل الخارجية السعودية فؤاد حمزه عام 1934م إلى أنه تلقى برقية من أحد المسؤولين الإنجليز، أشار فيها إلى أن الحكومة الأمريكية طلبت من بريطانيا معلومات عن المعاهدات المتعلقة بشأن الحالة الإقليمية وحدود بعض مناطق النفوذ في الجزء الشرقي من بلاد العرب, وقد قدمت بريطانيا المعلومات المطلوبة ومنها الاتفاقيات التركية الإنجليزية لعامي 1913م – 1914م المتعلقة بالمنطقة, وعلى إثر هذه البرقية بدأ الاهتمام الأمريكي بالجزيرة العربية يزيد عن طريق فتح باب التواصل مع حكام المنطقة, وتمكنت أمريكا من تحقيق اختراقات كبيرة مع حاكم السعودية الملك عبد العزيز بن سعود ولكنها فشلت في اليمن بالرغم من محاولاتها المتكررة مع الإمام يحيى ومع الإمام أحمد .
وبعد ثورة سبتمبر 1962م كانت أمريكا من أوائل الدول التي اعترفت بالجمهورية العربية اليمنية وقدمت لحكام صنعاء الجدد الدعم السياسي والمادي, ولكن سرعان ما تدهورت العلاقات بين الجانبين بعد اشتعال الحرب بين الجمهوريين المدعومين من مصر والملكيين المدعومين من السعودية وانقطعت العلاقات بين الطرفين بعد أن طلب النظام الجمهوري المساعدة من الاتحاد السوفيتي, واستمرت أمريكا بعيدة عن اليمن حتى بداية السبعينيات عندما عادت العلاقات بين البلدين في عهد القاضي عبدالرحمن الإرياني, ومع ذلك لم تتمكن أمريكا من تحقيق اختراقات كبيرة بسبب التنافس مع الاتحاد السوفيتي على النفوذ في اليمن واضطرت إلى ترك ملف اليمن في يد السعودي بعد المصالحة الوطنية .
واستمرت العلاقات بين البلدين في حدها الأدنى إلى أن وصل إلى الحكم علي عبدالله صالح الذي صعد إلى كرسي الرئاسة بدعم مباشر من السعودية 1979 م, وبعد تولي صالح الحكم اشتعلت الحرب بين الشمال والجنوب فوقفت السعودية إلى جانبه وقدمت له الدعم الكامل ماديا وعسكريا بموقفه من أمريكا, نظرا لأن الأسلحة التي قدمتها السعودية لليمن كانت معظمها أمريكية ولا يمكن إن تقدم إلا بموافقة أمريكا… وكانت هذه البداية للتدخل الأمريكي الذي كان يتوسع بمرور الزمن وتمكن صالح خلال هذه الفترة من استخراج البترول عن طريق شركات أمريكية .
وكان تدخل أمريكا أكثر وضوحا بعد إعلان الوحدة اليمنية عام 1990م حيث بدأت ببناء علاقات استراتيجية مع اليمن في عدة مجالات من أهمها التعاون العسكري الذي وصل إلى مرحلة بدأت فيها أمريكا تفكر ببناء قواعد عسكرية في بعض المناطق اليمنية وخاصة في عدن, وكذلك التعاون الأمني في مجال مكافحة الإرهاب والذي تمكنت أمريكا من خلاله التوغل في مفاصل الدولة والتأثير المباشر على القرار اليمني, وأيضا التعاون الاقتصادي وأهم ما حققته أمريكا في هذا المجال هو القضاء على زراعة الحبوب في اليمن من خلال إرسال شحنات قمح أمريكي كمساعدة سنوية مجانية, إلى جانب التعاون في مجال استخراج النفط والغاز الذي كان المستفيد الأول من هذا التعاون هو الشركات الأمريكية, وفي مجالات التعاون الأخرى الانتخابات والتربية والتعليم ودعم منظمات المجتمع المدني ولم يأت عام 2011م الذي قامت خلاله ثورة الشباب إلا وقد أصبح السفير الأمريكية هو الحاكم الفعلي لليمن .
وبرغم النفوذ الكبير الذي أصبحت أمريكا تتمتع به في اليمن في نهاية حكم علي صالح إلا أنها لم تكتف بذلك وحاولت تشديد قبضتها على البلاد واختراق مختلف النخب اليمنية السياسية والثقافية والمشائخ والعلماء وغيرهم, وكانت أمريكا تهدف من ذلك إلى مصادرة القرار اليمني والتحكم في استخراج ثرواته واستغلال موقعه أسوة ببقية الدول التي تخضع لنفوذها, وكذلك ضمان عدم ظهور سلطة وطنية قد تفكر بالخروج عن طاعتها, والأهم من ذلك هو إيجاد نخب سياسية تمهد الطريق وتهيئ الظروف للتطبيع مع إسرائيل بوتيرة أسرع من السابق .
وتواجد أمريكا في بعض مناطق اليمن في الوقت الراهن هو لتحقيق الأهداف التي ذكرناها, وأيضا لقطع الطريق على أي سلام قادم لا يحقق أهدافها ولا يضمن مصالحها التي تتعارض مع مصالح اليمنيين .