«التنين» الصيني يُلْجِمُ أمريكا

يكتبها اليوم / وديع العبسي

 

 

رغم التصريحات المرحبة بعودة العلاقات بين طهران والرياض إلا أن واقع الحال يكشف غير ذلك لأمريكا والإمارات وإن كانتا قد أظهرتا غير ما تبطنانه، باستثناء الكيان الصهيوني الذي كان واضحا في اعتبار الحدث تهديدا لوجوده.
أمريكا في أول رد فعل معلن لها أعادت ذات العبارة التي قالتها حين كانت المفاوضات بين صنعاء والرياض بلغت ذروتها وكادت تصيب إنجازا معينا، إذ قالت حينها إن السعودية قد أخبرت البيت الأبيض بهذه التحركات قبل أي اتفاقات، ليعقب ذلك نشاط أمريكي مناقض كشف انزعاجها من أي فرص لحلول محتملة.
الأمر مع اتفاق الرياض وطهران يعود بنفس السيناريو، خصوصا وأن الحدث يمثل ضربة عنيفة للهيمنة الأمريكية على الخليج الممتدة لثمانية عقود بالشراكة مع بريطانيا، كما يربك حسابات التطبيع، إذ تحدث البيت الأبيض أن المسؤولين الأمريكان كانوا على إحاطة بالأمر من قبل السعودية، لكنها مع ذلك ذهبت إلى إضافة ما يعكر أي توقعات إيجابية لهذا الاتفاق على صعيد أمن المنطقة ورفع حالة العدوان والحصار عن اليمن.
كان أبرز ما أزعج أمريكا في الأمر أن تكون الصين هي الوسيط في الاتفاق الذي مثّل انتصارا دبلوماسيا كبيرا لبكين، وأكد المخاوف الأمريكية من اتساع نفوذ التنين الصيني في المنطقة، خصوصا مع تأكيد التحليلات أن الاتفاق يعني انتهاء الهيمنة الأمريكية على سياسات الشرق الأوسط رسمياً.
الحسبة التي اعتمدت عليها أمريكا لحصر وتقييد تطلعات السعودية والخروج من عباءتها، تبدو اليوم هشة مع هذا الإنجاز ولا يبدو أن الرياض ستخسر مع أي إجراءات أو موقف أمريكي ضدها لجهة ما كان قد طرح بشأن رغبة السعودية في امتلاك صناعة نووية مدنية، فمع إيران تبدو هي الرابح، فإيران القوة الكبيرة في المنطقة قادرة مع بقية الدول على حفظ أمنها، وإيران متقدمة على مستوى المنطقة بالصناعات النووية وتمتلك أكبر ترسانة للصواريخ الباليستية في منطقة الشرق الأوسط، يليها الكيان الإسرائيلي، كما تتفوق في المنطقة بتصنيع الطيران المسيّر، حسبة ناجحة للسعودية وإن كان ذلك لا يعني بالضرورة أنه في وارد مخططاتها قطع العلاقة مع أمريكا مثلا أو بريطانيا، على الأقل من باب اتقاء شرهما.
أمريكا يبدو أنها ستحاول الرفع من وتيرة ضغطها في المنطقة للحفاظ على أقل ما يمكن من الاستدامة لمصالحها الاستراتيجية في الغاز والنفط والممرات الدولية، والعدوان على اليمن لا تزال ورقة بيد أمريكا التي ظلت طوال الثمان السنوات الماضية تعمل في العدوان وفق حسابات مصالحها الخاصة بمعزل عن السعودية والإمارات، لذلك ربما تحاول واشنطن التذكير بالعقوبات على إيران، كما ستحاول إحباط مشاريع الصين مع السعودية التجارية.
بالنسبة للسعودية ربما مثلت الثمان السنوات – التي دفعت خلالها بسخاء لشراء السلاح من أجل قتل اليمنيين وضرب المقدرات اليمنية، كما عرضّت نفسها خلال السنوات الماضية لضربات الجيش اليمني – منعطفاً هاماً للتعامل مع حقيقة اتفاقات الحماية الأمريكية لها وحقيقة الدروع الصاروخية والقباب الحديدية والأسلحة الموجهة وما إلى ذلك، فلم تستطع كل هذه الأسلحة أن تمنع عنها وصول باليستيات ومسيّرات صنعاء، ومن دخولها في أزمات خانقة بسبب هذا الوضع الجديد الذي خلقه هذا العجز في رد الهجمات حد الوصول إلى بيع أجزاء من أرامكو وعدم تحمس رؤوس المال من الاستثمار في أرض مهددة بالضربات، فهل كانت أمريكا وحليفها الكيان الصهيوني يخدعان الرياض كل هذا الوقت؟ وهل استندت الرياض في إعادة علاقتها مع طهران على هذه الحقائق؟.

قد يعجبك ايضا