طوارئ المستشفيات الحكومية ..غيبوبة إنسانية ..!


أطباء: الطوارئ ليست أقساماٍ علاجية.. وعلى الناس أن يستوعبوا ذلك

مرضى يفترشون بلاط ممرات الطوارئ وآخرون مستلقون فوق أسرة متهالكة وملتصقة على جدران الممرات وحول كل واحد منهم شخص أو اثنين يقومون بمهمة حامل المغذيات حتى انتهائها وما باليد حيلة سوى الاستماع إلى أنات مرضاهم وإذا أردت أن تعرف معنى الانكسار الحقيقي فما عليك سوى النظر إلى أعينهم المليئة بالدموع … أنا لا أتحدث عن ضحايا حرب أو تهجير بل عن من أجبره الفقر اللجوء لطوارئ المستشفيات الحكومية بحثاٍ عن بعض المسكنات والأدوية المجانية التي يحرم منها هؤلاء بالرغم من أنها حق من حقوقهم معاناة تلك الفئة ومبررات المتسبب بها نتعرف عليها في هذا التحقيق لنتابع :
ذهاباٍ وإياباٍ وجدت المواطن عبدالسلام المسلم يمشي في قسم طوارئ هيئة مستشفى الثورة العام منذ أن أتى بابنته إثر ألم شديد باغتها, أخبره الطبيب المناوب أن سبب الألم هو الزائدة الدودية فأدخل ابنته إلى غرفة الطوارئ لعمل اللازم. بقي عبدالسلام منتظراٍ أمام الباب مدة طويلة حتى خرجت إليه طبيبة من الداخل بعد مرور ثلاث ساعات وقالت له بأسلوب استفزني أنا فكيف بوالد الفتاة: أدوات الجراحة مش معقمة خذ بنتك إلى مستشفى آخر وقف الأب مذهولاٍ لا يعرف ماذا يفعل.. فقلت لها لماذا لم تخبريه من قبل فالمريضة, تتألم منذ ساعات لم تعرني الطبيبة أي اهتمام وذهبت …نظر إلي والد الفتاه حينها قائلاٍ ما العمل الآن ابنتي ستموت وأنا مواطن بسيط لم يكن بوسعي سوى أن أنصحه بمغادرة المكان باتجاه أقرب مستشفى حكومي آخر فهناك, أيضاٍ لا يأخذون الكثير من المال ولعل الحال أفضل من هنا.
( موقف محرج)
داخل طوارئ مستشفى الجمهوري التعليمي لم يكن الحال أفضل من سابقه ليتكرر نفس المشهد المؤلم في ذهني مرة أخرى وفي نفس اليوم محمد وعبداللطيف الردعي شقيقين أتيا أتوا إلى طوارئ مستشفى الجمهوري مسرعين حاملين أختهم على أكتافهم صوب الطبيب المناوب وبعد معاينة الطبيب للحالة أخبرهم أن شقيقتهم الكبرى أصيبت بمغص كلوي وهي بحاجة إلى مهدئ لتنام وبعض الأدوية الأخرى ولكن هذا المهدئ لا وجود له في قسم الطوارئ فطلب منهم الخروج لشرائه نظرة الإخوة لبعض فهم لا يملكون المال كما قالوا خرج محمد بعدها لشراء المهدئ من الخارج بصعوبة بعد أن تمكن من إقناع صاحب الصيدلية بقبول هاتفه المحمول كرهن لحين سداد قيمة العلاج الذي لم يتجاوز سعره ألف ريال .
(غياب الدواء)
هيثم الرباحي -دكتور صيدلي- يعمل في صيدلية الطوارئ بمستشفى الجمهوري التعليمي أكد لي أن هناك مرضى يأتون إليه باستمرار حاملين ورقة بيضاء صغيرة وهذا النوع من الورق غالباٍ ما يتم صرفه من أطباء قسم الطوارئ داخل المستشفى لشراء الأدوية التي لا تتوفر لديهم ومن أهم تلك الأدوية بعض المهدئات العامة مثل الدكلوفين والترامادول وغيرها من المهدئات بالإضافة إلى شرائح السكر وإبر التسمم. وهذا ما يؤكد معاناة المواطن البسيط مع الدواء داخل المستشفيات الحكومية فإذا كانت تلك الأدوية تشترى من الصيدليات المواجهة لقسم الطوارئ فهذا أقوى دليل على غيابها داخل أقسام الطوارئ في تلك المستشفيات وإلا لما لجأ المواطن إلى خارج المستشفى لشراء بعض تلك الأدوية التي من المفترض أن تتوفر بداخله.

( خوف غير مبرر)
بعد دخولي إلى قسم طوارئ مستشفى الثورة وجدت العمل شبه متوقف بسبب إضراب الممرضات عن العمل تضامناٍ مع زميلة لهن تهجم عليها أحد المواطنين كما قيل لي ليتحمل المريض الألم طيلة ساعات الإضراب دون أن يكون له أي دخل بهذه المشكلة سوى أنه أتى إلى هناك في هكذا ظروف.

بعدها توجهت صوب سؤال بعض الأطباء عن سبب نقص الأدوية الأساسية بقسم الطوارئ برغم زهادة ثمنها وصعوبة الحصول عليها من قبل المواطن الفقير كالمهدئات وغيرها فرفض بعض الأطباء الحديث والبعض الآخر كان ينصحني بزيارة رئيس القسم في الصباح وعند سؤالي لهم عن سبب تجنب الإجابة كان رد غالبيتهم كالتالي لا نريد مشاكل مع الإدارة وآخرون قالوا خلينا نعيش, لم يجرؤ أحد من الأطباء على الحديث سوى طبيبة واشترطت عدم ذكر اسمها أو التلميح له.
قالت هنا كل شيء يمشي بالعكس تخيل أن بعض المواطنين يخرجون لشراء شرائح قياس السكر من الخارج برغم أن سعرها لا يتجاوز المائة ريال هذه حقيقة ما يحدث هنا وزادت بالقول: لا أنكر في نفس الوقت أن المهدئات هنا تتوفر بصورة شبه مستمرة ولكن تأتي أوقات فيحصل عجز في هذه المهدئاتأيضاٍ بالإضافة إلى أدويه أخرى لا بد من تواجدها في قسم الطوارئ كالمضادات الحيوية وإبر التسمم وغيرها ولكني لا أرى لها وجود هنا إلا فيما ندر.

(ضعف التخطيط السليم)
الدكتور كمال السنباني – طبيب في قسم الطوارئ في المستشفى الجمهوري – أعاد سبب نقص الدواء الأساسي داخل المستشفيات الحكومية إلى ضعف التخطيط وغياب المسؤولية من قبل الجهات المخولة بتوفيرها وأكد أن هناك أدوية لا بد من توافرها بكافة أقسام الطوارئ مثل المهدئات العامة ولكن ما يحدث عكس ذلك. ويضيف من حق الحالة المرضية أن تحصل على الأدوية الأساسية مجاناٍ, وقد يعود هذا التقصير إلى ضعف الاعتماد المقرر للمستشفيات الحكومية. وتابع بالقول: وما يزيد الطين بله عدم وصول بالاعتمادات المالية كاملة.. وتساءل: لا أدري من المتسبب في ذلك¿ فكل ما أعرفه هو أن توفر الدواء الذي نحتاجه في قسم الطوارئ لا يوجد على أرض الواقع بصورة كافية ..وتساءل السنباني أثناء حديثه مرة أخرى قائلاٍ :إذا كان هذا ما يحدث في مستشفيات تقع داخل العاصمة فكيف بمثيلاتها في المدن الثانوية..¿

(تفسيرات)
من ناحيته أوضح الدكتور ناجي حومش رئيس – قسم الطوارئ بمستشفى الثورة العام – أن أقسام الطوارئ في المستشفيات ليست أقساماٍ علاجية وإنما مكان للإسعافات الأولية يتم فيها اتخاذ الإجراءات الأولية للمريض من ثم يتم تحويل الحالة إلى الطبيب المختص في الأقسام الأخرى وهذا ما يجب أن يستوعبه الكثير من المواطنين.
وأما ما يخص عدم توافر الأدوية داخل القسم فقد برره حومش بنقص الإمكانيات وقال: نحن نتمنى أن نعطي جميع الأدوية المرضى القادمين إلى قسم الطوارئ ولكن الضغط الكبير الذي يتحمله القسم هنا بعكس المستشفيات الأخرى يضطرنا إلى اتخاذ بعض التدابير منها الاحتفاظ ببعض الأدوية التي نعاني في بعض الأوقات من نقص في كمياتها للحالات الحرجة والمعوزة أما من يأتي إلينا بحالة صحية شبه جيدة ويريد التشييك على حالته الصحية فإننا نطلب منه شراء شرائح السكر وغيرها إذا كانت غير متوفرة بكمية كافية لدينا من الخارج ونحن بدورنا كقسم طوارئ نقوم بتشخيص حالته الصحية وقياس الضغط وضرب الإبر له ولغيره بشكل مجانية.
(الوزارة تنفي)
للمستشفيات الحكومية تحت مسمي “هيئة” ميزانيتها الخاصة من وزارة المالية. هذا ما أكده به الدكتور /محمد الدعيس مدير عام البرنامج الوطني للإمدادات الطبية في وزارة الصحة العامة والسكان.
وأضاف قائلاٍ: نحن في الوزارة لا نقوم بصرف الدواء للمستشفيات مباشرة ولكن نقوم بإعطائها إلى مكاتب الصحة وهي التي تقوم بدورها بتوزيعها على المستشفيات حسب الحاجة من أدويه مسكنة ومغذيات, كما أنه إذا أتى إلينا دعم من أي جهة فإننا نقوم بتسليمه إلى مكاتب الصحة ليقوموا بتوزيعه حسب الحاجة للمستشفيات التي تعاني من نقص فيه.
ولفت إلى أن الأدوية المتوفرة في أقسام الطوارئ يتحمل كل مستشفى حكومي مسؤولية استمرار توفرها أو نقصانها في الأقسام التابعة لها لأنه يفترض أن هناك آلية واضحة.

قد يعجبك ايضا