قانون الاتصالات وتقنية المعلومات


يمثل مشروع قانون الاتصالات وتقنية المعلومات الذي نأمل أن يرى النور قريباٍ أحد المطالب الأساسية للمستهلكين في اليمن بعد أن اضطروا لأكثر من عقدين من الزمن إلى التعامل مع التركيبة الحالية لمنظومة الاتصالات في البلاد والتي تعكس تحالفاٍ غير معلن بين الشركات المقدمة للخدمة الحكومية والخاصة في ظل غياب تشريع يستوعب الحقوق الأساسية والمصالح الجوهرية للمستهلكين بقدر استيعابه الكامل لمصالح مقدمي الخدمة وللمتطلبات الأمنية للسلطة الحاكمة..
وبما أن المستهلكين في العالم احتفلوا هذا العام بمناسبة اليوم العالمي للمستهلك الذي يصادف الـ 15 من مارس تحت شعار(نريد حقوقنا الهاتفية) فإن أهم مطلب طْرح أمام الحكومة في اليمن هو سرعة إنشاء سلطة (هيئة) وطنية معيارية تنظم قطاع الاتصالات على أن تتمتع بقدرات مؤسسية مناسبة وبمرجعيات قانونية وإجرائية واضحة وبسلطة إلزامية على مزودي الخدمات تتيح لها القيام بمهمة تطوير وتكييف خدمات الهاتف النقال بما يتفق والمعايير العادلة والمنصفة لكل من المزود والمستهلك وإعمال الرقابة وتلقي الشكاوى عبر آليات سلسلة وضامنة لجهد وحق المستهلك .
ويحسن التذكير بالمبادئ التوجيهية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في إبريل من عام 1985م متضمنة حقوق المستهلك الثمانية وهي : حق الأمان حق المعرفة حق الاختيار حق الاستماع إلى آرائه حق إشباع احتياجاته الأساسية حق التعويض حق التثقيف وحق الحياة في بيئة صحية. ” .
لقد مثلت هذه الحقوق إطاراٍ مرجعياٍ وحقوقياٍ شاملاٍ وتتويجاٍ لنضال طويل الأمد خاضه الناشطون في مجال حماية المستهلك عبر العالم خلال أكثر من قرن من الزمان وفي الطليعة منهم المنظمة الدولية للمستهلك التي تنهض اليوم بمهمة عالمية للعناية بحقوق المستهلكين والتركيز على الموضوعات ذات الأولوية في جهد يهدف إلى تعزز قدرات المستهلكين عبر العالم في مواجهة التحديات الاستهلاكية واسعة النطاق. ” . وطالبت كذلك بأن تتولى هذه السلطة(الهيئة) إعداد مصفوفة المعايير الوطنية لتجويد خدمات الهاتف النقال على أساس مبدأ المنافسة السوقية المؤدية إلى توفر خيارات عديدة وبأسعار مناسبة للمستهلك وإعداد مصفوفة بالقواعد الفنية التي تضمن الحد الآمن والمسموح به من الآثار البيئية والصحية للهواتف النقالة ولأجهزة الاتصالات الطرفية وغيرها من معدات البنية التحتية اللازمة لإقامة شبكة الاتصالات في البلاد…
ومن الأهمية بمكان تأكيد أن الألوية الحكومية في هذه المرحلة وفي كل المراحل يجب أن تنصب حول دعم خيارات المستهلكين وتعزيز المنظومة الحمائية لحقوقهم المتصلة بخدمة الاتصالات وبكل السلع والخدمات الأخرى مع الأخذ بعين الاعتبار أن التحدي كبير للغاية في ظل ما يمكن اعتباره حالة من عدم الانضباط في أداء الجهات المعنية وحالة التشويش التي تغلب على المشهد السياسي في البلاد خلال هذه الفترة الفارقة من تاريخ اليمن.
وفيما يلي أقدم قراءة سريعة لمشروع قانون الاتصالات وتقنية المعلومات بنصه الأول المقدم من وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات إلى مجلس النواب ثم ملاحظة لجنة النقل والاتصالات بالمجلس ثم التعديل الأخير للوزارة على نص المشروع..
وسيتم التركيز على الضمانات والإجراءات التي اشتمل عليها مشروع القانون والمتصلة منها بحماية المستهلك اقتصادياٍ وصحياٍ وحماية خصوصيته وحقه في حرية التعبير من أي شكل من أشكال الانتهاك التي تتم خارج سلطة القضاء العادي.. بالإضافة إلى إعلام المستهلك توعيته وتثقيفه وعلى النحو التالي:
أولاٍ: الحماية الاقتصادية للمستهلك:
تركز الملاحظات التالية حول مشروع القانون على المضامين المؤثرة تأثيراٍ مباشراٍ وغير مباشر على المصالح الاقتصادية للمستهلكين والتي نوردها فيما يلي :
أ-مضامين ذات التأثير غير المباشر:
– جاء مشروع القانون مثقلاٍ بالصلاحيات والاختصاصات البيروقراطية التي تم توزيعها على نسقين:
النسق الأول: يتعلق بالصلاحيات التي منحها مشروع القانون لديوان عام الوزارة وهي صلاحيات أعطت مجالاٍ واسعاٍ لهيمنة ديوان عام الوزارة على مجمل صلاحيات الهيئة سواء المتصل منها بتنظيم قطاع الاتصالات ورسم السياسيات وإعداد الخطط أو تلك المتصلة بالجوانب الفنية البحتة.
وهنا أيضاٍ يتولد سؤال بشأن قدرة ديوان الوزارة على النهوض بكل الصلاحيات التي منحها له مشروع القانون وهو منفصل عملياٍ عن مهمة تنظيم القطاع..
النسق الثاني: ويتعلق بالصلاحيات الممنوحة لهيئة تنظيم الاتصالات.. ولهذا التوازي أو التنازع في الغالب الأعم في الصلاحيات البيروقراطية والفنية بين الوزارة والهيئة أثره في تحقيق الغاية التي وجدت من أجلها الهيئة وهي تنظيم وتطوير قطاع الاتصالات وربطه بالمصالح المباشرة للمستهلكين وتحسين نوعية حياتهم وليس زيادة هيمنة الدولة على القطاع وتعظيم الكوابح التي تعوق تطوره وتعدد خياراته..
وفي اعتقادنا ان هذه الصلاحيات التي جاءت على نسقين هي التي حالت دون أن يأتي القانون بالاسم المفترض وهو: (قانون تنظيم الاتصالات..)
ب- مضامين ذات تأثير مباشر:
1) الأسعار وجودة الخدمة:
من الملاحظ أن مشروع القانون لم يخصص مادة كاملة تْعنى بحماية حقوق المستهلكين بشكل عام وليس فقط ما يتصل منها بالجانب الاقتصادي عدا المادة (48) التي تنص على أنه ” لا يجوز للمرخص له إجراء أية زيادة في أجور أو أسعار خدماته إلا باتباع التالي:
1- إبلاغ الهيئة مسبقاٍ بتفاصيل هذه الزيادة ومبرراتها.
2- مراعاة أن تتجاوز هذه الزيادة ما ورد في شروط اتفاقية الترخيص أو القرارات والتعليمات التي تصدر عن الهيئة.. 3- الإعلان عن تفاصيل هذه الزيادة قبل شهرين من تنفيذها وذلك في صحيفتين يوميتين على الأقل وبالشكل الذي يكفل علم المستفيد بها وفهم طبيعة هذه الزيادة.. وكان يجب إلزام المرخص له بإعلام المستفيدين عبر الرسائل من خلال شبكة الاتصالات نفسها التي يتلقى المستفيد الخدمة منها…
وقد تضمن القانون نصوصاٍ جاءت في شكل فقرات ضمن مواد وتناولت: حماية المستهلك من حيث جودة الخدمة والأسعار وحل المنازعات بين المرخص لهم والمستفيدين .. جاء ذلك في البند (10) من المادة (6) من مشروع القانون والتي تنص على: “حماية المصالح المشروعة للمستفيدين ومراقبة الأشخاص والجهات المرخص لها للتأكد من الالتزام بشروط الرخصة بما في ذلك مواصفات الخدمة المقدمة وجودتها وأسعارها واتخاذ الإجراءات اللازمة بحق المخالف وفقاٍ لهذا القانون واللوائح والأنظمة الصادرة بمقتضاه”..
ونأمل أن تأتي اللائحة أكثر تفصيلاٍ بحيث تحدد إطار واضح لجودة الخدمة بحيث تشمل تحسين أداء شبكات الاتصالات الثابتة والنقالة والخدمات المرتبطة بالاتصالات بما في ذلك: خدمات النفاذ والخدمات الصوتية وخدمات الفيديو والوسائط المتعددة وخدمات الرسائل القصيرة وتصفح الإنترنت والفواتير ونقل الأرقام…إلخ.
وجاء ذلك أيضاٍ في البندين(ح ط) من الفقرة(2) من المادة (7) حيث يخول البند(ح) المرخص لهم “تحديد أسعار وأجور خدمات الاتصالات المقدمة للمستفيدين بما يتفق مع واقع المنافسة في تقديم الخدمة ومستواها ومراقبة تقيدهم بتطبيقها”.
في حين يخول البند(ط) هيئة تنظيم الاتصالات “تحديد أسعار وأجور خدمات الاتصالات المقدمة للمستفيدين من المرخص لهم عند الاقتضاء في حال انعدام المنافسة أو ضعفها بسبب الهيمنة”..
ونقترح هنا إضافة بند جديد إلى هذه المادة تنص على : “حق المستفيد في الحصول على فرصة لإنهاء العقد دون عقوبة قبل تنفيذ أية زيادة في الأسعار”.
كما نقترح إضافة بند ينص على: حق المستفيد أو المستهلك قبل التعاقد مع المرخص لهم في الحصول على معلومات عن الأسعار والخدمات والاختيارات المتاحة على أن تكون دقيقة وواضحة وشاملة ومجانية.
2) حل المنازعات:
أما ما يخص حل المنازعات بين المرخص لهم والمستفيدين فقد جاء في نص الفقرة(ل) من المادة(7) والتي أعطت الهيئة صلاحية: “النظر في المنازعات التي تنشأ بين المرخص لهم والمستفيدين إذا اتفقوا على إحالتها إلى الهيئة أو إجازة الاتفاقيات المبرمة بينهم”…..إلخ.
كفلت المادة (50) من مشروع القانون المستفيد من حجب خدمة الاتصالات عنه أو إلغائها ما لم يكمن المستفيد قد تسبب بأضرار مادية أو ارتكب مخالفة للتشريعات والآداب العامة.. كما نصت على عدم جواز قطع خدمة الاتصالات عن المستفيدين نتيجة خلافات مالية أو إدارية أو فنية المحكومة باتفاقية الربط البيني لكنها لم تكن واضحة بشأن حق المستفيدين في الحصول على المعالجة الفعالة للشكاوى التي يتقدمون بها سواء لمقدمي الخدمة أو للهيئة مما يستوجب الالتفات إلى هذا الأمر إما في مشروع القانون أو حتى في اللائحة..
ونقترح أن تضاف فقرة ثالثة إلى هذه المادة تنص على: “على عدم جواز فصل خدمة الاتصالات عن المستفيدين من قبل المرخص لهم نتيجة عدم سداد الفاتورة المستحقة في وقتها في أيام الإجازات والعطل الرسمية بما يحمي المصالح المشروع للمستفيدين ويحول دون تعطيلها”..
3) الرسائل الاقتحامية والمضللة:
نقترح إضافة مادة مستقلة في مشروع القانون تنص على” حماية المستفيدين من الرسائل الاقتحامية ومن ممارسات التسويق والاتصالات المضللة التي تستنزف مالية المستفيدين”..
ثانياٍ: الحماية الصحية للمستهلك وسلامة بيئته الطبيعية:
تناول مشروع القانون حماية الأثر الصحي والبيئي في المواد من (55 – 57) تضمنت إشارة إلى مطابقة أعمال التجهيزات مع المعايير والاشتراطات البيئية والصحية ودراسة تقييم الأثر البيئي وتطبيق نظم الإدارة البيئية عند إنشاء شبكات الاتصالات.. لكن المواد الثلاث أغفلت جانباٍ مهماٍ على علاقة بالحماية الصحية للمستهلك وهو المتعلق بضمان أن تأتي كل الأجهزة المستخدمة في الاتصالات كالهواتف النقالة أو الأجهزة الطرفية المستخدمة في إنشاء شبكات الاتصالات أو التي تدخل في إطار إنشاء البنية التحتية الشاملة لشبكات الاتصالات مطابقة للمواصفات والمقاييس والقواعد الفنية التي تصدرها هيئة التنظيم الاتصالات..
وأن لا يتم استيراد أي جهاز إلا بترخيص مسبق من الهيئة وضرورة أن يكون لدى الهيئة قائمة بأجهزة الهاتف النقال المطابقة للمواصفات والمقاييس وللقواعد الفنية وأن تمنع تداول أجهزة الهاتف متعدد الشرائح وبما يجنب المستهلكين الوقوع في فخ الأجهزة المقلدة التي تملأ السوق اليمنية بكل ما تشكله من آثار صحية خطيرة على صحته..
رابعاٍ: حماية خصوصية المستفيدين:
تضمن مشروع القانون المادة (62) والتي يشكل مضمونها انتهاكاٍ سافراٍ لخصوصية المستفيدين وللمعلومات ولنشاطهم عبر شبكات الاتصالات والإنترنت.. وهذه المادة تم استعارتها حرفياٍ من المادة(64) في قانون تنظيم الاتصالات المصري رقم (10) لسنة 2003 الذي يشكل نموذجاٍ سيئاٍ وقدوة سيئة في انتهاكات خصوصيات وحقوق المستخدمين في حماية معلوماتهم عبر شبكات الاتصالات..
وتنص المادة على: يلتزم كل مرخص له أو مقدم خدمة اتصالات عامة بأن يوفر على نفقته داخل شبكة الاتصالات المرخص له بها كافة الإمكانيات الفنية من معدات ونظم وبرامج واتصالات داخل شبكته وبما يتيح للجهات الأمنية ممارسة اختصاصها في حدود القانون..
ونلفت الانتباه هنا إلى أهمية تعديل هذه المادة بحيث يتم ضمان عدم الوصول إلى معلومات المستهلكين في شبكات الاتصالات إلا بأمر من النيابة ومن القضاء العادي وبحيث لا تبقى هذه المعلومات تحت تصرف الأجهزة الأمنية وتتمتع بصلاحيات الوصول إليها في أي وقت أو توظيفها لأغراض سياسية أو لأي غرض آخر تجاري أو أخلاقي يتحقق به جرم انتهاك الخصوصية.
ونطالب بأن يتضمن مشروع القانون مادة خاصة تنص على: حق المستفيدين (المستهلكين) في الحصول على الخدمات الآمنة وحماية حقهم في عدم تلقي رسائل الاتصالات الإلكترونية غير المرغوبة فيها (الرسائل المزعجة).
خامساٍ: تأمين حق المستهلكين في التوعية والتثقيف والإعلام:
تضمن مشروع القانون إشارة خجولة إلى هذا الحق في البند(11) من المادة(6) والمتصلة بالصلاحيات الموكلة إلى هيئة تنظيم الاتصالات والتي تنص على: جمع المعلومات المتعلقة بقطاعي الاتصالات وتقنية المعلومات لإعداد تقارير ومنشورات وإرشادات للمستفيدين وإصدارها وكذلك إعداد البرامج الإعلامية اللازمة لزيادة الوعي العام المتعلق بأهمية القطاع ومدى تأثيره الإيجابي على التنمية الاقتصادية والاجتماعية”. بالإضافة إلى فقرة تم إضافتها وتتعلق “بإصدار تقرير سنوي بين أنشطة الهيئة…”.
وهذا النص للأسف حصر التوعية هنا بإبراز أهمية قطاع الاتصالات.. وهنا يتعين على وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات واللجنة المختصة بمجلس النواب إعادة النظر في هذه المادة بحيث تنص على حق المستفيدين(المستهلكين) على الإرشادات والمعلومات المرتبطة بخدمة الاتصالات وكيفية الحصول على أفضل الخدمات وإصدار أدلة إرشادية تتعلق بسلامة المستفيدين( المستهلكين) بما فيها تلك التي تتعلق بأثر أجهزة الهاتف على الصغار.. بالإضافة إلى إصدار دليل هاتف مجاني سنوي.. والحصول على المساعدة وتلقي المعلومات من مقدمي خدمة الاتصالات.
سادساٍ: ما يتعلق بحرية التعبير :
المادة(10) من مشروع القانون التي تنص في الفقرة (أ) على: “لا يجوز إنشاء أو إدارة مواقع إخبارية أو إعلامية إليكترونية إلا بعد الحصول على رخصة من وزارة الإعلام.
وتنص في الفقرة (ب) على: “لا يحوز للمرخص له تقديم الخدمات الإعلامية بأنواعها أو التعاقد مع المزود لهذه الخدمات إلا بعد الحصول على رخصة بذلك من وزارة الإعلام”..
من الواضح أن هذه المادة قد أْقمحت إقحاماٍ في مشروع القانون بل إنها مؤشر على استهداف حرية التعبير وتداول المعلومات عبر شبكة الإنترنت.. ونرى أن هذا الأمر موقعه قانون الصحافة الذي تشرف عليه وزارة الإعلام.

قد يعجبك ايضا