قال أمين عام ما يسمى (جامعة الدول العربية) الأستاذ أحمد أبو الغيط في رده على من عبَّروا عن استيائهم واستنكارهم لتجاهل المأساة الإنسانية التي تعرض لها الشعب السوري والتركي نتيجة الزلزال الذي ضرب مناطق على الحدود بين البلدين الجارين أودى بحياة عشرات الآلاف، وللجوار في البلدان العربية والإسلامية قصة يقولون فيها خيراً ويفعلون شراً.
قال الأمين العام رضي الله عنه: عبر مختلف وسائل الإعلام (إن الجامعة ليست جمعية إغاثة) يقصد أنها منظمة سياسية والسياسة لا علاقة لها بمعاناة الناس وأنها تمثل السلطات وليس الشعوب العربية!، هذا التصريح زلزال معنوي تفوق كارثيته غير المنظورة ما أحدثته الآثار المادية المنظورة من عدة وجوه منها: أنه تعبير عن التزام الأمين العام بسياسات غالبية أعضاء الجامعة أو الجمعية غير الخيرية وبالذات الدول الغنية بثرواتها المادية التي تسيطر عليها وتديرها بعض الدوائر الغربية أبرزها الولايات المتحدة الأمريكية التي نصبت نفسها على العالم خصماً وحكماً لتوزع عليه عقوباتها العادلة جداً، والأمين العام بهذا النهج يؤكد بكل إخلاص انتماءه والجامعة التي يمثلها لمدرسة من يرى أن السياسة لا علاقة لها بالإنسان ولا بالإنسانية، وأن هذه النظرية هي التي تسود عالم اليوم المحكوم بكل هذا التوحش القائم على تحويل الحروب والأزمات والمآسي إلى مشاريع استثمارية، وصناعة أنظمة العنصرية بكل ألوانها وأشكالها ونكهاتها ودعمها للقيام باستعباد الشعوب بالوكالة وقهرها وإدارتها بالفساد بكل أنواعه!، وعلى من يرى أن لكلام أبو الغيط معنىً آخر أن يسعفنا.
هذا بالطبع ليس موقفا إيديولوجيا شموليا ولا يضع الغرب كله شعوباً وقبائل معاصرة وحكومات في سلة واحدة، ولا علاقة له بما يردده منظرو التوحش الحاكم حول مفهوم معين لنظرية المؤامرة بهدف صرف النظر عن قراءتها قراءة واقعية في كل بلد تطبق فيه بحسب ظروف الزمان والمكان، إنما هو توصيف لما نشاهده من سياسات وممارسات، أعلى درجات التوحش، ولا تعبر بالضرورة عن النظام الرأسمالي كنموذج نظري، وإنما عن مستوى وحشية من يمارسها ويهيمن على مفاصلها في العالم الخاضع لهذه السياسات، لأن العالم مليء بالأحرار كما هو مليء بالعبيد!، وهذا ما شعرت به ليلة السبت 19/ فبراير 2023وأنا أتابع لحظة طرد وفد الكيان الصهيوني من قاعة اجتماع قمة الاتحاد الأفريقي الذي ألغى قرارا فرديا مخالفا لنظام الاتحاد بقبول الكيان كعضو مراقب، والكيان الصهيوني يعده متابعو ممارساته العنصرية ضد الشعب الفلسطيني: الولاية (51) ضمن الولايات المتحدة الأمريكية تعبيراً عن مستوى الدعم الأمريكي لهذا الكيان بل ويراه البعض الولاية المميزة بما لا يحصى من امتيازات على حساب بقية الولايات، وهذا موضوع شكوى بل أنين أصوات غير مسموعة من الشعب الأمريكي.
إذاً فتبرير الممارسات السياسية البرجماتية المتوحشة لسلطات بعض الدول بالقول: الدولة الفلانية ليست جمعية خيرية، أو أنها دولة تبحث عن مصالحها، والسياسة مصالح إلى غير ذلك من العبارات التي تعني الفصل الكامل بين السياسة والأخلاق، وأن محاولة أنسنتها إنما هي نوع من السذاجة أو قصور في فهم خباياها!،
هذا المفهوم المتوحش للسياسة لكثرة ترديده أصبح أقرب إلى المسلمات لدى الكثير من السياسيين!، وإذا كانت خلفيات ذلك مفهومة في الدول الرأسمالية المتوحشة رغم غرابته، فإنه أكثر غرابة في الدول التي تتحدث باستمرار عن التزامها بمبادئ حقوق الإنسان، وتمارس سياسة المعايير المزدوجة في علاقتها بدول العالم فتعاقب هذه الدولة بتهمة أنها منتهكة لحقوق الإنسان لعدم رضاها عنها، وتكافئ أخرى بحجة أنها دول ديمقراطية مهما ارتكبت من جرائم كالكيان الصهيوني لمكانته الخاصة لدى راسم السياسة الأمريكية، وتغض الطرف عن ممارسات أنظمة رغم بشاعاتها كالنظام السعودي والإماراتي التي دعمت عدوانها على اليمن بقوة وتغض الطرف وتغطي انتهاكاتها لحقوق الإنسان داخل بلدانها.
وغرابة هذه السياسة أضعاف الأضعاف في الدول التي تدعي أنها تحكم شعوبها وفق مبادئ دينية أيا كان الدين أو المذهب الذي تدعي تطبيقه لأن هذه الدعوى في الغالب مبنية على مفاهيم خاطئة عن علاقة الدين بالسياسة لأن ممارسة المكر السياسي والكذب والبرجماتية المتوحشة وتجريد السياسة من الأخلاق والإنسانية باسم الدين يلوث قدسيته ويستبيح كل المحرمات باسم الضرورة السياسية ومن يفعل ذلك يحسب أنه يحسن صنعاً.
هو الله حقٌ مشيئته العدل
ما سواهُ افتراء
وكل الخرافات باطلةٌ زاهقة’