تتبُع مظاهر الاستهداف الأمريكي العسكري لليمن
صُنع المشكلة ثم رفعها كمبرر للسيطرة.. كانت سياسة أمريكا في اليمن
في العام ١٤٤٢ه، تناول قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي – في كلمته بمناسبة الذكرى السنوية للشهيد القائد – الآلية والكيفية التي ارتكزت عليها أمريكا من أجل السيطرة على المنطقة العربية والإسلامية ومنها اليمن.
وكشف السيد القائد في كلمته عن مسارات العمل الخبيث التي عملت عليها أمريكا في استهدافها اليمن لتحقيق أغراضها، والتي كان البارز فيها الاستهداف العسكري.
الثورة/
يقول السيد القائد “في مقدِّمة هذا الاستهداف: هو الاستهداف العسكري؛ بهدف السيطرة عسكرياً، مثلما حصل مثلاً: أمريكا اجتاحت آنذاك العراق عسكرياً، قبله اجتاحت أفغانستان عسكرياً، فهي تجتاح بعض البلدان بشكل اجتياح عسكري، وبعض البلدان لا تحتاج في السيطرة العسكرية عليها إلى عملية اجتياح، بل تخضِع السلطة في ذلك البلد، أو المكونات الموجودة في ذلك البلد إلى القبول تلقائياً بالسيطرة العسكرية الأمريكية، وحينها تقوم أمريكا بإنشاء قواعد عسكرية لها، تختار لها أهم الأماكن الاستراتيجية في البلد، التي تضمن لها السيطرة العسكرية، وهذا ما حصل بالنسبة لليمن، السلطة خضعت وأذعنت ووافقت على أن تفتح البلد للسيطرة العسكرية بهذه الطريقة: من خلال التواجد العسكري الأمريكي تحت عنوان تدريب الجيش، فأتى الأمريكيون بأعداد كبيرة باسم مدربين، وباسم مستشارين، ثم بقواعد عسكرية، وصل الحال في سنوات معينة أن أصبح لهم قاعدة عسكرية في وسط صنعاء، بجوار السفارة الأمريكية، بجوارها قاعدة عسكرية لهم، وكانوا يتجهون إلى التوسع في ذلك، يعني: اتفقوا على قاعدة عسكرية أمريكية في العند، ويبدأ الأمريكيون وفق أسلوبهم المعروف بالتدريج، ثم يتزايد انتشار قواعدهم؛ حتى يضمنوا السيطرة الكاملة على المستوى العسكري على البلد بكله، فكان لديهم برنامج طويل عريض ليسيطروا من خلاله على اليمن بكله عسكرياً من خلال تلك القواعد العسكرية”.
ويضيف السيد القائد بالقول: ليس هذا فحسب، السيطرة العسكرية من جانبهم هي تتجه أيضاً للسيطرة على الجيش، ليس فقط السيطرة بإنشاء قواعد موزعة بشكل مدروس عسكري، إنما تتجه للسيطرة على الجيش نفسه تحت عنوان التدريب، ثم بعد ذلك تحت عنوان الهيكلة… وما إلى ذلك، تتم عملية شراء ولاءات ضباط الجيش، وكبار قادته، والتأثير عليهم، والأخطر من ذلك: تغيير العقيدة القتالية للجيش، وتحديد من هو العدو وفق السياسة الأمريكية، وليس وفق الانتماء الوطني والهوية الإيمانية للجيش، وليس وفق التحديات المخاطر الحقيقية على البلد، بل وفق ما يخدم أمريكا، يتحول من تعاديه أمريكا وإسرائيل هو العدو، ويتوجه العداء بشكل رئيسي إلى الداخل، وعلى المستوى الإقليمي وفق الرؤية الأمريكية والإسرائيلية، كما هو الآن ظاهر، يعني في كثير من بلدان شعوبنا العربية.
ويقول السيد القائد: استغلال الجيش كأداة في اليد لتنفيذ عمليات عسكرية تقي الجانب الأمريكي تقديم الخسائر في جنوده وضباطه، فيمكن أن تدفع بالجيش ليخوض أي معركة، ويكون هو من يقدِّم الخسائر الكبيرة، ويبقي الأمريكي من هناك يعد الخطط، ويقدم التعليمات والتوجيهات…إلخ.
ومن ضمن السيطرة العسكرية، حسب السيد القائد: التحكم في القدرات العسكرية، وتحديد ما يسمح باقتنائه للجيش، وما لا يسمح، مثلاً: اتجهوا عندنا في اليمن إلى تجريد الجيش من كل الإمكانيات والقدرات للتصدي لأي هجوم خارجي، ومن ضمن ذلك: الدفاع الجوي، ودمَّروا صواريخ ومعدات معينة للدفاع الجوي، ومن ضمن ذلك: القوة البحرية أضعفوها حتى أوصلوها إلى نقطة الصفر، ومن ضمن ذلك: بدأوا برنامجاً للسيطرة على الصواريخ وتدميرها، الصواريخ بعيدة المدى، التي يمكن أن يتصدى بها اليمن لأي عدوان خارجي، وبدأ البعض من المسؤولين يتحدث أنه: [لا حاجة لأي قدرات لمواجهة خطر خارجي أو عدو خارجي؛ إنما يتم الاكتفاء بما يتم التصدي به لأي شيء في الداخل]، وهذا موثق أيضاً إعلامياً.
ويزيد السيد عبدالملك على ذلك القول، إن من أشكال السيطرة العسكرية التي حرصت عليها أمريكا أيضا: استباحة البلدان الإسلامية بشكل عام، وهذا حصل عندنا في اليمن عسكرياً، وإتاحة المجال وفتح المجال أمام الأمريكي لتنفيذ أي ضربات عسكرية: سواءً جوية أو برية، في أي منطقة داخل ذلك البلد أو ذلك البلد، في أي محافظة، في أي مديرية، في أي مكان، وحوَّلوا الموضوع إلى عادي، يضرب الأمريكي من يشاء، متى يشاء، وأين يشاء، استباحة عسكرية، ومعنى هذا: انتهاك للحرية والاستقلال والكرامة، هذه شواهد وعناوين للسيطرة العسكرية، هناك تفاصيل كثيرة تتعلق بها، نأمل- إن شاء الله- أن يعتني بها الإخوة في الجانب الإعلامي، يمكن أن ينتجوا الكثير من البرامج، ويقدموا الوقائع والحقائق، وأن يستفيدوا من الأرشيف الرسمي، والأرشيف الصحفي.
مخططات مبكرة أدركها الشهيد القائد
على هذا النحو من التفصيل رسم السيد القائد المظاهر التي تجلت في الهيمنة الأمريكية العسكرية قبل ثورة الـ ٢١ من سبتمبر.
على أن ذلك لم يكن وليد يوم وليلة وإنما مخططات بدأ تنفيذها منذ وقت مبكر لتتوارثها إدارات البيت الأبيض، خصوصا من حادثة المدمرة الأمريكية كول عام ٢٠٢٠، وهي الحادثة الشهيرة التي باتت المبرر الحاسم الذي مكن الأمريكان من رفعه كجواز دخول واستيطان عبر حضورها العسكري في البلاد، في ذاك الوقت كان العنوان هو حماية المصالح الأمريكية مما أسموه بالأعمال الإرهابية، فيما مثلت الحادثة نسخة حداثية ليس إلا للمؤامرات الاستعمارية، فحادثة السفينة البريطانية كانت المبرر لغزو واحتلال عدن من التاج البريطاني.
بعد كول شهد الواقع تأسيس الحضور الأمريكي المغاير، حتى كانت مسرحية تفجيرات ٢٠١١ التي زادت من سحق الإرادة لأوكار المنطقة العربية وقد كشرت أمريكا عن أنيابها كاشفة عن بشاعتها الاستعمارية حين أخذت تشمل سياسات الدولة بالطريقة التي ترى أنها تخدم مصالحها وأهدافها، حد التدخل في التفاصيل التكوينية للجيش بما في ذلك العدة والعتاد وحتى العقيدة القتالية.
تقاطر الوفود بمبررات أمريكية
في تلك الآونة برزت الـ (إف بي آي» بإجراء عكس الثقة في القدرة على تمرير الأجندة في اليمن، حين فرضت عرضها بتدريب الجيش اليمني وإن زعمت أن الأمر سار بعد عملية إقناع، لينشط على إثر ذلك 30 عنصرا أمريكيا في ورش تدريب القوات الخاصة، وذلك كان الظاهر والمعلن لأوان الحضور الأمريكي بعد ذلك وأن استمر العنوان هو (التأهيل والتدريب وتبادل الخبرات.).
وشهدت تلك الفترة، تقاطر وفود القادة والخبراء والمخبرين الأمريكيين صوب حواضن الجيش ونزلت أولا في معسكر القوات الخاصة في العاصمة صنعاء، تستطلع تشكيلاتها وعتادها العسكري ومهاراتها، ويذكر في هذا السياق أنه في أهم اللقاءات الثنائية مع حضور أول وفد عسكري أمريكي، طرح الأمريكان «ضرورة وضع ترتيبات تواجد قوات العمليات الخاصة والـ «سي آي إيه» في اليمن وتوثيق الاتصال مع القوات الخاصة اليمنية والأمن السياسي»، رد السلطة حينها -حسب الوثائق- كان القول «نريد شيئا عمليا يحرك الموضوع، القائمة لديكم في واشنطن، أرسلت في السابق، لابد من شيء يحرك الموضوع دعم القوات الخاصة، دعم خفر السواحل»، وعلقت السفارة « لدينا هذا الأسبوع أكثر من فريق، الفريق الأول الادميرال كالند في القوات الخاصة وفريق خاص بأمن الرئيس وفريق ثالث يعمل مع وزير الداخلية من أجل إجراءات الحماية في المطارات».
حسابات أمريكا لم تكن حسابات صنعاء
لعل ما ذهبت إليه تحليلات تلك الفترة أن السلطة، تبين لها أن ما تبتغيه من وراء تطوير العلاقات العسكرية كان بالنسبة لواشنطن مدخلا أشمل للسيطرة على اليمن، وأن الإملاءات الأمريكية لا سقف لها، والقادم أسوأ، ودون جدوى حاولت السلطة تأطيرها ضمن نطاق معين في زيارة نوفمبر 2001م، وكان من شواهد السيطرة الأمريكية العسكرية، هو وضع باب المندب تحت رقابة مشددة ما لبثت أن امتدت من الرياض وحتى جزيرة سقطرى، تشاركت فيها مع أمريكا دول غربية أوروبية كفرنسا وألمانيا وغيرها، وهو المظهر الذي عكس شيئا من المؤامرة الأمريكية في المنطقة، إذ أنه كشف عن توظيف لساحة التحرك البحري الممتد من البحر الأحمر وحتى المحيط الهندي، من أجل تنفيذ أجندات أمريكا والتي تضمنت، تشديد الحصار المفروض على الصومال والعراق من جهة ومن أخرى لمحاصرة إمدادات المقاومة الفلسطينية واللبنانية، فضلا عن توظيفه لفرض الهيمنة الأمريكية.
عنوان الإرهاب السيطرة العسكرية
لتكريس وجودها وتعزيز سيطرتها على اليمن سوقت السياسة الأمريكية بجهد واضح، أن اليمن باتت ملاذا آمنا للإرهاب، وذلك تحت عنوان أن هناك مناطق نائية خارجة عن سيطرة الدولة، لتعلن على إثر ذلك بأن اليمن ستكون محطة قادمة لحرب أمريكا على ما يسمى الإرهاب.
أُخذ على السلطة حينها أن خطابها السياسي والإعلامي دار في الفلك الأمريكي رغم أنها كثيرا ما كانت تؤكد عدم وجود أي عناصر إرهابية في اليمن، ثم «تدرجه من حصر الوجود بثلاثة عناصر ثم خمسة، وصولا لتنفيذ حملة لاستهداف مشتبه بهم في مارب بينهم عنصر أجنبي»، حسب وثائق تلك المرحلة.
لتكبُر الشطحات الأمريكية إثر ذلك، ولتصير الحملة اكبر من مجرد مشتبه بهم إلى مزاعم بوجود نشاط للقاعدة في اليمن، وهو ما ترجمته بعد ذلك بإرسال وحدات من المارينز بزعم مطاردة خلايا القاعدة في المناطق الجبلية من الأقاليم الشرقية لليمن، ومثّل هذا، الوجه الأول للسيطرة، أما الوجه الثاني فهو أن هذه العملية نفذت بتخطيط وإشراف الـ «سي آي إيه»، وادعت أمريكا أنه يأتي في سياق التعاون اليمني مع الحملة الأمريكية من خلال تبادل المعلومات أو القبول بالمساعدة الاستخبارية الأمريكية وربما أسهم هذا التحرك في تسهيل الطريق أمام عمليات محدودة، ولم يستبعد المراقبون حينها أن تعرُّض قوات من الجيش لكمين، كان نتيجة لتدبير أمريكي، وذلك للبناء عليه في زعم أن السلطة عاجزة عن بسط سيطرتها على المناطق النائية، من أجل رفع الأمر كتبرير لتواجد أمريكي أكبر.
وبالفعل كان أول شواهد المخطط الأمريكي سقوط عدد كبير من أفراد الجيش ضحايا في أول عملية، وبعدها بأيام معدودة من الحملة، جددت الإدارة الأمريكية ضغوطها من أجل التأسيس لحضور أمريكي أوسع في اليمن يتشكل من المارينز والـ «سي آي إيه» وقد أبرق بوش للرئيس صالح بذلك بشكل غير مباشر وأرسل موفدا لذات الغرض، ثم أعقبه بموفدين آخرين.
وخلال ذلك، عملت أمريكا على وصول أدواتها من المناط بهم تسهيل عملية السيطرة الأمريكية المختلفة إلى مراكز السيطرة والقرار، والإسهام في تحقيق هذا الأمر، وصلت مطار صنعاء الدولي والقاعدة الجوية عشرات الطائرات الأمريكية مُدججة بشحنة من المعدات والأجهزة والتقنيات المجهولة والأسلحة الفردية المختلفة والمتوسطة، ووصلت أخرى تقل العشرات من العناصر الأمريكية من أكثر من جهة وعلى رأسها عمليات القوات الخاصة (المارينز) ووكالة المخابرات المركزية الـ(CIA) ــ صحبة طرود خاصة بـ تكنولوجيا حساسة ــ وجهات أخرى.
موقف السلطة.. الإنكار ثم التبرير
في اليمن ورغم الحضور الأمريكي الطاغي والذي كان ملحوظا ومؤثرا في كثير من المفاصل، وبدرجة رئيسية الجانب الأمني والعسكري، اتبعت السلطة في البداية سياسة الإنكار لهذا الحضور، ثم وفي مرحلة لاحقة انتقلت لتبرير هذا الحضور، وهكذا من مرحلة لأخرى تبتدع أمريكا ذرائع جديدة للتعمق أكثر في البلاد، وفي مقابل تتوالد مبررات السلطة، وكان من البديهي أن يحدث الأمران معا وهو ما استشرفه السيد حسين بشكل مبكر وحذر منه بقوله: «قد يكون في البداية تنكر الدولة أن هناك وجوداً للأمريكيين، ثم بعد فترة يضعون مبرراً لوجود الأمريكيين، ثم يتحرك الأمريكيون والمبررات دائماً أمامهم، كما عملوا في أفغانستان، كانت المبررات دائماً أمامهم، وهل تعتقد أنه يمكن أن يصل الأمريكيون إلى اليمن أو أن يقوم أحد بعمل يخدم الأمريكيين ثم لا يضع تبريرات مسبقة يقدمها وتسمعها من التلفزيون، وتقرأها في الصحف، وتسمعها من الإذاعة».
وبهذا التواجد والحضور الأمريكي أصبحت اليمن حينها، خامس دولة تستضيف فريقا عسكريا أمريكيا في إطار مبرر الحملة ضد الإرهاب، وتحول مجمع السفارة الأمريكية لثكنة عسكرية واستخباراتية ضمت محطة لـ «سي آي إيه» بمركز للعمليات المشتركة وبأفضل التقنيات من معدات الاتصالات الآمنة، وأجهزة المراقبة والملاحة وأجهزة التنصت، وكذا أجهزة مرتبطة بقواعد البيانات المركزية للوكالة للتوصل لاعتراضات سرية للغاية وجمع المعلومات بمختلف الوسائل والمصادر، التكنولوجيا، وتجنيد مصادر على الأرض، وتأسيس مراكز رصد واستطلاع بواسطة عناصر القوات الخاصة، حتى، عُد اليمن أحد أهم نجاحات مدير الـ «سي آي إيه» وكالة المخابرات المركزية الأمريكية الأسبق جورج تينيت.
وقد أثبتت مداولات السلطة والسفارة وغيرها من المسؤولين الأمريكيين، تعهد صالح بتقديم مختلف التسهيلات لـ «سي آي إيه» وأن ما ينفذ في اليمن يستند لأساس سياسي هو لقاء صالح بوش في واشنطن، بالإضافة إلى لقائه بديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي حينها ولقائه بجورج تينيت في صنعاء العام 2002م.
الوقوف في وجه المؤامرة الأمريكية
كان الشهيد القائد في هذه المرحلة، الشخصية الوحيدة التي ناهضت التواجد الأمريكي، أيا كان مسماه أو عنوانه وأيا كانت الذرائع، وكثيرا ما حث على اليقظة والتنبه لمالات ذلك، ومما قاله في هذا الجانب «إن دخول الأمريكيين إلى اليمن هو بداية شر، يريدون أن يعملوا قواعد عسكرية في هذا البلد وإذا ما عملوا قواعد عسكرية في هذا البلد فإنه سيكون قرار البلد بأيديهم أكثر مما هو حاصل الآن سيحكمك الأمريكيون مباشرة».
وبالفعل مثلت السيطرة العسكرية أخطر أشكال السيطرة الأمريكية على اليمن ومفتاح توسيعها في المجالات المختلفة، في العسكري استمرت حلقات هذه السيطرة فطالت حتى العقيدة العسكرية وقلبت الاستراتيجية المفترض اتباعها من قبل وزارة الدفاع لناحية نوع القوة والقدرات وفرضت الحصار على بناء قوة عسكرية بحرية منظمة ومقتدرة ــ باعتبار اليمن دولة بحرية بامتياز ومن الطبيعي أن يمثل ذلك صميم الاستراتيجية العسكرية اليمنية ــ، وعلى مستوى القوة البشرية جرى تحجيم القوات البحرية تحت «لازمة» أمريكية ضخمت وعود بناء وتأهيل القوات الخاصة اليمنية لمهام شاملة للجو والبر والبحر، وهي التي لم تكن اكثر من عملية إلهاء هزيلة تفتقر للجدوى لنواحي عدة، ومن نماذج ذلك دورة تدريب لعشرين فرد من القوات الخاصة في الحديدة في القوارب الصغيرة وصيانة المحركات والاستطلاع بواسطة السباحة وطرق الحماية من الغرق ومسح السواحل والتقييم.
وتحت عنوان بناء خفر السواحل، الغطاء الآخر لتعميق السيطرة العسكرية والأمنية، في سياق سيطرة أشمل على المسرح البحري لليمن، قامت السفن الأمريكية والغربية المتحالفة معها باختراق المياه الإقليمية الوطنية بالتزامن مع اختراق أجوائها والإنزال في بعض الجزر اليمنية، وهو ما كشفت عن تفاصيله الوثائق الرسمية منذ مطلع العام 2002.
وفي الأعوام التالية نفذت السفن الحربية التابعة لأمريكا وألمانيا وإسبانيا وفرنسا وإيطاليا دوريات رصد وتجسس منتظمة أمام الساحل اليمني على البحر الأحمر والبحر العربي وصولا إلى المحيطة الهندي، كما كانت تفعل ذلك بالتزامن، على امتداد سواحل الدول الأفريقية المطلة على البحر الأحمر والمحيط الهندي.
على مستوى القدرات، طالت السيطرة، المفاهيم العامة الحاكمة للقدرات التسليحية والتوجهات الدفاعية فحاصرت صيانة قدرات القوات البحرية والدفاع الساحلي ــ السفن، اسراب الفيبرات، ومجموعة الزوارق والقوارب ، الأنظمة الرادارية ــ وتعرضت للإهلاك ثم حوصر تحديث القدرات أو اقتناء لقدرات وأنظمة جديدة وغابت التوجهات لهذا الأمر التطويري.
محادثات الخارجية والداخلية مع السفارة حسب ما تكشف الوثائق، تقدم شواهد على ذلك، فكلما طرحت السلطة أهمية تطوير خفر السواحل والوفاء بالوعود الأمريكية المتعلقة بتزويد اليمن بالقوارب، ترد السفارة، المشكلة ليست في الحصول على القوارب بل تتمثل فيما يتبع ذلك من تشغيل وصيانة وضرورة تدريب الكوادر على ذلك والمشكلة الأخرى تتمثل في عدم العثور على الأشخاص المناسبين للتدريب.
ورغم أن السلطة كانت ترد بأن الجمهورية اليمنية لديها إرث من جمهورية اليمن الديمقراطية في الجنوب قبل إعادة تحقيق الوحدة وانه بالإمكان الاستعانة بقدامى البحرية اليمنية وتدريبهم وإلحاقهم بخفر السواحل، إلا أن السفارة الأمريكية كانت ترد بالإشارة لمحاولتها التنسيق مع قيادة القوات الجوية لاستعمال طائرات سي 130 لدعم عمليات خفر السواحل، بما يستدعيه ذلك من إعادة تأهيلها واعداها للطيران وتذكر أن القطع البحرية في الحديدة تخضع لتقييم مدى صلاحيتها من قبل فريق أمريكي، وهكذا.
الخديعة الأمريكية في التسليح والتدريب
في مظهر آخر من مظاهر السيطرة ومصادرة حق اليمنيين في اقتناء وسائل الدفاع المناسبة، فرضت السيطرة الأمريكية على السلطة، التعهد بعدم اقتناء وحيازة الصواريخ البالستية والتكنولوجيا الخاصة بها، وأسلحة الدفاع الساحلي وقطع غيارها.
القوات الجوية والدفاع الجوي هي الأخرى كانت عرضة للسيطرة الأمريكية وقد تركزت هذه المرحلة على مسارين اثنين: الأول: سحب أنظمة الدفاع الجوي المحمولة من معسكرات القوات المسلحة وتصفيتها وتدميرها تباعا ضمن صفقة خيانة للجيش والدولة والشعب.
والمسار الثاني: توسيع السيطرة والحصار المفروض على حيازة القدرات العسكرية أو صيانة السابقة منها لتطال أسلحة القوات الجوية والدفاع الجوي، وتحت وطأة ذلك جرى تحويل طائرات أي الـ 76 لخزانات تعبئة وقود طائرات، وتحت التقييم الأمريكي للطائرات المروحية الروسية، كان الرد أن مصانع إنتاج قطع الغيار المطلوبة لم تعد موجودة، كما سبق وأخرج هذا التقييم قطع البحرية في الحديدة عن الخدمة.
في العام 2004، كثفت أمريكا تحركاتها عبر فرق في محافظة صعدة ونفذت عملية مسح ورصد أهداف طبوغرافية كنقاط مرجعية وذلك بتحديد إحداثيات إلكترونية مركبة على سيارات هذه الفرق ومرتبطة عبر الأقمار الصناعية مع القاعدة الأمريكية في جيبوتي عبر المركز الرئيسي في وزارة الحرب الأمريكية وفي التفاصيل تركزت الأنشطة على عمل خط سيطرة ونقاط إحداثية على كل 50 كيلو مترا ضمن الخط الأسفلتي، وتحديد نقاط إحداثية في كل منطقة مرتفعة حول المدن الرئيسية، ونقاط إحداثية في كل مدينة ثانوية وصغيرة، على شاشة إلكترونية عليها خريطة ديجيتال يجري عليها وضع علامات وإشارات في النقاط ذات مصطلح عسكري وجغرافي.
وهذه الأنشطة لوحظت خلال تنقلات فريق أمريكي في محافظة صعدة على بعد فترة من الحرب الأولى، وخلال يومياتها، ارتفعت وتيرة اجتماعات السلطة المغلقة وغير المعلنة بالجنرالات الأمريكية.
وفي نهاية أغسطس عقد الاجتماع الأول وضم وزيري الدفاع والداخلية الجنرال صمويل هالن قائد القاعدة الأمريكية بجيبوتي، ومطلع سبتمبر عُقد اجتماع ثان ضم علي عبد الله صالح ووزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان ووزيري الداخلية والخارجية ومدير دائرة الاستخبارات ومن الجانب الأمريكي قائد القيادة المركزية الأمريكية جون أبي زيد وأركان القيادة والاستخبارات والعمليات والمستشارين الخاص والسياسي وقائد القوات الأمريكية في جيبوتي والسفير الأمريكي ونائبه والملحق العسكري.
وفي ما بين الاجتماعين، وصل صنعاء 28 ضابطاً أردنياً في مهمة سرية، وقبلهما وبعدهما عملت السلطة على ترتيبات تكثيف العدوان وتشديد الحصار على الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي وحملة المشروع القرآني، بالتزامن مع الإشارة لمشاركة قوات ما يسمى مكافحة الإرهاب المدربة أمريكيا.
وفي تاريخ استشهاد السيد حسين بدر الدين الحوثي كانت السلطة والمنطقة المركزية الأمريكية تتبادلان التهاني وجاء في التهنئة الأمريكية لعلي صالح «إن القيادة المركزية تتطلع لاستمرار التعاون المشترك بيننا لأنكم تساعدون في إحلال الاستقرار في المنطقة».