عفاف البعداني
أتيه وأعود من جديد، لأعيش في سجادتي الروحية، وكم هي آسرة علوية حيث تكون وجهتها السماء، وحاشيتها السكينة منيرة في النجوم مع سكان القمر، حيث الطير يعلو والشمس تسمو، والأشجار تنمو، حيث الأشياء العظيمة والبعيدة في آن واحد، روحي تكون هناك مسافرة من حيث لا أعلم، لم أنتبه متى موعد الرحلة ولا متى غادرتني أو ماذا أخذت في حقيبتها المليئة بالفراغ ، ومن عبير المغادرة وصلتني رائحة طيبة تشعرني بالحاجة الماسة في تشكيل حياتي من جديد، تنمو فيني رغبات نبيلة كل يوم تنتظر هبوط الغيم لتكون هي كونية تسامر الفضاء وتحاكي الأفلاك فقط، تكون هناك حيث لا تتعلق بشخص ولا بحلم ولا بطموح ولا بغاية أرضية، كلها في الأعلى، أدع جسدي هنا يعيش لحظاته الحياتية كما يحلو له، وكما تتطلبه السنن المعيشية، كأن ينام، يأكل يشرب يتنفس، يعمل يعطي، يتخيل، يحب، يضحي، يتجاوز، ينسى… لكنها لحظات فقط كي لا أشك في نفسي أنني لم أعد أشبه الأحياء، وكي لا يظن من حولي أني خرافة فكرية أنجبتها الحياة في إحدى أمهدة الواقع الخيالي .
ولكني في نهاية الأمر.
وعلى سبيل قول الحقيقة أعثر على وجودي الواضح هناك وليس هنا، أتنزه في ربوع السماء وحدائق الفصول المتعاقبة، وأخاف أحيانا أن يكون هذا هو سبب سعادتي التي مازالت تعيش وهميتها الكاملة في الأرض، أتعرفون مؤخرا رأيت الظل يشبهني، بهيبته حينما يظهر في الضوء بدون أي تفصيل، فقط شكل تقريبي للجسد المتحرك بينما هو صورة ماثلة للإنسان بكل ما يحمله من غموض لا يعلم متى يضحك ومتى يبكي ومتى يصبح ضريحا من شدة الألم، تشبهني الشمعة ذات الوهج الأزرق، حينما تصقل وتذوب في مقابل أن تكون مضيئة لشخص لا تعرف شكله، ولا تعلم حتى اسمه، كل ما تفعله هو التضحية والسماحة .
أجد راحة تامة في أن أكون سماوية في وقت الفراغ مع أن الفراغ أصلا لا يأتيني إلا مصادفةـ لكنه الشعور نفسه ألمحه وأنا في عز عملي وضوضائي، شعور التعملق، مروري من أي شيء ملون متحرك أو حتى جامد يذكرني بهويتي الحقيقية التي أهرب منها خوف أن أتحول لفتاة خرساء في عقلها كل الأحاديث ساكنة، كلما مرت عليّ الأيام السنون تكبر فيني هذه الأمنية، وتزداد علاقتي ضعفا بالبشر بالحياة الاعتيادية، وازداد تمسكا بشيء لا أعلمه وربما أعلمه ولايمكنني الإفصاح عنه للحظتي لأي شخص، ربما لوكان دستويفسكي، وكافكا.. حيين لعرفا وأخبراني أين هي مواضع الدهشة في حياتي، لأكون سعيدة بتعاستي حد النهاية.
Next Post