منذ ما قبل مارس ٢٠١٦، لم تكن الحالة العدوانية على اليمن عسكرية وحسب وإنما أخذت أشكالاً عدة، أهمها العداء الذي كان القصد منه ديمومة الأثر لعقود طويلة، وهو ذاك الذي تعمّد إبقاء البلد في حالة من الارتهان للحاجة، وفي حالة من التخلف لا أفق له، ولا إمكانيات لصنع التحولات التنموية المستدامة والنهوض بواقع المجتمع وتحسين مستوى دخل الفرد.
لهذا الغرض بقيت الثروات الطبيعية بلا استغلال فضلا عن ما كان يتم نهبه من دول الهيمنة عبر أكثر من آلية وطريقة.
وحين أُعلن عن توجهات جادة عقب ثورة ٢١ سبتمبر للاستفادة من مقدرات الوطن وهي كثيرة وكبيرة نظرا لكونها لم تُستثمر من قبل، كان من الطبيعي أن تكشر المؤامرة عن انيابها بصورة عدوان عسكري، دمر البنية التحتية وصنع وضعا صعبا للمجتمع في كل المحافظات اليمنية.
واليوم، ونحن في وضعية صمت فيها صوت الانفجارات وصراخ الثكالى إلى حد ما، لا يمكن القول إن العدوان انتهى، ولذلك أكد قائد الثورة في كلمته أمس الأول أن “المرحلة التي نحن فيها هي مرحلة حرب وما هدأ هو التصعيد العسكري”.
العبارة تؤكد على أنه رغم ما يتوارد من أخبار حول تقدم تحرزه المشاورات بوساطة عمانية، ينبغي البقاء في حالة الجهوزية التامة لأي طارئ يمكن أن يعيد الأوضاع إلى حالة المواجهة، وتأتي إشارة السيد القائد لأي تصعيد محتمل لتبين أن ما تم طرحه من مطالب إنسانية لاتزال هي المحك وهي الفاصل بين الحرب والهدوء، كما أنها ترقى لأن تجعل عودة الحرب قوية وعنيفة، إذ أن رفض العدوان تنفيذ المطالب الإنسانية- وهو الأمر الذي سيكون غير موضوعي وغير منطقي- سيؤكد أن هدف العدوان الاستراتيجي هو بقاء اليمن في حالة الحاجة والاستجداء لما يسد رمق الجوع ويخفف من وطأة هذه الحاجة لكل وسائل الحياة.
السيد القائد في كلمته عبر عن القناعة بأن العدو ليس في وارد أن يحب المصلحة لليمنيين، وهو ما سيؤثر على سلوكه في التعامل مع مجريات مشاورات التهدئة، إلا أن السيد ، حذر هنا ونصح تحالف العدوان، بأن صبر اليمنيين سينفد، إن لم يبادر للتفاهم الجاد والعملي في الملف الإنساني والمعيشي، كما أنه من غير الطبيعي تصور إعطاء المفاوضات زمنا مفتوحا إلى ما لا نهاية خصوصا مع انتهاج الطرف الآخر لسياسة المماطلة وإضاعة الوقت، كما أن إغلاق حنفية النفط من النهب لن يبقى الآلية الوحيدة لمواجهة تجاهل تحالف العدوان بما فيها أمريكا ودول غربية أخرى لمطالب الناس الإنسانية.
ثم يأتي التشديد من السيد القائد بأن على القوى التي اعتادت الهيمنة وفرض الوصاية على الآخرين بأن لا تحلم بعودة العجلة إلى الوراء والنيل من مكتسبات الشعب اليمني بالتحرر والاستقلال باعتبارها خطوطاً حمراء، المساس بها لن يكون مقبولا.
لا نزال في حالة عدوان، والبديهي أن لا نركن إلى هذا الهدوء لآلة القتل طالما وأن الحصار الأمريكي السعودي، لا يزال يقتل الناس ببطء، وحتى مع إعلان إنهاء العدوان، لا يمكن الركون إلى أن الآخرين سيتركون اليمن يدير أموره وثروته دون محاولات للسيطرة، خصوصا وأن مثيرات النهب من الثروات الطبيعية اليمنية لا يزال يسيل لها لعاب القوى الاستعمارية.