من مصادر التربية عند الشهيد القائد حركة ومسيرة الأنبياء صلوات الله عليهم، وهذا ما نريد الحديث عنه.
ثانياً: حركة الأنبياء ولا سيما سيد المرسلين وخاتمهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم
يبين الشهيد القائد في ملزمة (الهوية الإيمانية) أن الوعي بتاريخ الأنبياء وسيرهم والوعي بالانتماء إليهم يحمل على اتخاذ مواقف معاصرة صحيحة، يقول: “الإيمان بالرسل كشخصيات مهمة، وأشخاص مهمين، اصطفاهم الله، وأكملهم الله، ولم يكونوا أناساً عاديين”، فإذن ذلك يجعلك تحس “وأنت تؤمن بأولئك العظماء ـ على امتداد التاريخ ـ تحس بافتخارٍ، بعز، برفعة نفس، أن قدواتك على امتداد التاريخ، أن من أنت تسير على نهجهم, وعلى طريقهم هم أناس عظماء، اصطفاهم الله وأكملهم واختارهم لأن يكونوا هم المبلِّغين لدينه، لهديه إلى عباده».
من مصادر التربية سير الأنبياء والمرسلين وعلى رأسهم سيد الأنام، محمد صلى الله عليه وآله وسلم في سيرته الكريمة والجليلة، الرسول الذي ربّى أمة عظيمة في غضون سنوات قليلة، هو ذلك الرجل العظيم الذي لما رأى أحدَهم يتبخْتَرُ استطاع أن يوظِّف هذه الرجولة لصالح الإسلام، وأن يربيها فيه تربية حسنة، فأعطاه سيفه.
الرسول الذي ظلَّ طالبَ علمٍ دائما، وهو أعلم الناس وأحكمهم، وهو يغالب الحياة، ويعالجها، يقول الشهيد القائد: الرسولُ ظلَّ طالبَ علم ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً﴾، يعتبر طالب علم في قضايا كثيرة جدا في حركته في الحياة، في تبليغ الرسالة، الدين ممتزج بالحياة بكل قضاياها، بكل طرقها، بكل شعبها، بكل مجالاتها (الدرس الثالث والعشرون – دروس رمضان).
ويوضح في (الدرس السادس عشر من دروس رمضان) أنه عندما تعرف أن تلك الحركة التاريخية النبوية كانت تقوم على خُطط محكمة ورؤية حكيمة وترتيبات حكيمة وأنها مما هدى اللهُ رسولَه صلى الله عليه وآله وسلم .. وأن تلك الأشياء كانت تمشي على طريقة معينة قابلة للقياس فهذا معناه أنها قابلة للاستمرار، وقابلة لأن يسير جيلٌ آخَر بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفق هدى الله، وهو بهذا يجعل التاريخ كائنا حيا مؤثرا أيما تأثير في الحاضر والمستقبل.
ويؤكِّد في ذات الدرس السابق أن أهمَّ مصادرِ سيرِ الأنبياء هو القرآن الكريم؛ إذ هو المصدر الموثوق عنهم وعن حركتهم، ولهذا فهو يرى في قصص الأنبياء أهمية قصوى “لنستلهم منهم في ميدان العمل الكثير من أساليبهم وحركتهم”، ويؤكد في هذا السياق أن ما يذكره القرآن الكريم من القصص التاريخي مهم جدا وذو قيمة، وكرَّر كونَه مصدرا للتعرُّف على شخصية الرسول من حيث التحليل لشخصيته، والتحليل لمنطلقاته في عمله، وفي تكتيكه العسكري، وفي اختياره للقادة والمواقع، وكيف كانت نفسية الرسول وتخطيطه ومشاعره، وأن القرآن لم يهتم بمعرفة مكان وزمان الواقعة التاريخية وكم كان عدد الكافرين وعدد المسلمين.
وهذا لا يعني أن على المؤرخ أن ينصرف تماماً عن المصادر التاريخية الأخرى؛ لأن الشهيد القائد نفسه نقل أحداثاً ووقائع اعتمد فيها على مصادر تاريخية أخرى؛ لكنه يضع القرآن المصدر الفصل، ويعتمد عليه اعتماداً كبيراً في معلوماته، بل وفي منهجيته.
وذكر أن القرآن الكريم لا يأتي بأسلوب التدوين القصصي ولا يراعي التسلسل التاريخي بل يراعي قيمة ما تعطيه القصة، ويعطي رؤية واقعية، ويذكِّر بدروس هامة جدا.
وأن المطلوب مثلاً في السيرة النبوية أن نعرف بطريقة تحليلية كيف كان تفكير النبي؟ وكيف كان تخطيطه؟ وكيف كانت مشاعره؟ وكيف كان تقييمه؟ وكيف كانت الوضعية بشكل عام؟ وضعية جانب المسلمين ووضعية جانب الكافرين؟ حتى يكون للتاريخ أثرٌ في النفوس، ويعطي دروساً مهمة، ويعطي عبرة، وتعرف من خلالها النفسيات (الدرس الثامن والعشرون – دروس رمضان).
ثالثاً : أهل البيت عليهم السلام
ينطلق الشهيد القائد من حديث الثقلين الذي بيَّن فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أهم ضمانتين للأمان من الضلال، وهما القرآن الكريم، وهو الثقل الأكبر، وأهل البيت وهم الثقل الأصغر، ليؤكِّد على مصدريتهم في الهداية والدلالة للأمة على مواطن الهدى والخير.
ومن أهم الوظائف التي يتقلدها أهل البيت عليهم السلام في فكر الشهيد القائد هو الترقي بالأمة إلى “كمال الإيمان وهو الوعي والبصيرة، وكمال الإيمان يحتاج إلى هداية من الله سبحانه وتعالى، يهديك هو عندما تعود إلى كتابه الكريم، يهديك هو إلى المقامات التي من خلالها تحصل على كمال الإيمان, أو يهديك إلى من يمكن أن تحصُلَ بواسطتهم على كمال الإيمان».
ويؤكِّد الحاجة الماسة إلى “أن يكون هناك في الأمة من يعمل على تربيتها ليصل بها إلى كمال الإيمان، أو ليترقَّى بها في درجات كمال الإيمان».
وبغض النظر عن الجانب السلبي الذي شكَّله الحكام المسلمون على مر التاريخ، فإنه “نجد أنه على يد أهل البيت (عليهم السلام) كالإمام علي (صلوات الله عليه) ومن بعده من أئمة أهل البيت هم من عملوا على تربية الأمة تلك التربية التي ترقى بها في درجات كمال الإيمان».
و”اتضح جليا أن الكثير من حكام المسلمين بما فيهم حكام هذا العصر لا يمكن بواسطتهم ومن خلالهم أن يقوموا بتربية الأمة تربية إيمانية تترقى بهم في درجات كمال الإيمان، ونحن نجد أنفسنا، وكل واحد منكم شاهدٌ على ذلك، بل ربما كل مواطن عربي في أي منطقة في البلاد العربية شاهدٌ على ذلك .. أنه متى ما انطلق الناس ليربوا أنفسهم تربية إيمانية من خلال القرآن الكريم بما في ذلك الحديث عن الجهاد في سبيل الله, وعن مباينة أعداء الله، وعن إعداد أنفسهم للوقوف في وجوه أعداء الله كلهم يحس بخوف من سلاطينهم وزعمائهم” (في ظلال دعاء مكارم الأخلاق – الدرس الثاني).
بل تأكد من خلال ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر كما أشار إلى ذلك الشهيد القائد في (الدرس التاسع من دروس رمضان) أنك “تجد الكثير من حكام العرب يقبل لأن ينزِّل أيَّ شيء تريد أمريكا أن تفرضه، وسينفذه من أجل أن يسلم منصبه ويسلم مقامه!».
ويعلل في (ظلال دعاء مكارم الأخلاق – الدرس الثاني) ضعف شعور المسلمين بآلام إخوانهم بأنه “ليس هناك من يربيهم تربية إيمانية، وإلا فهم (أي الحكام) يفهمون أن بالإمكان أن يربوا الأمة تربية إيمانية، وهم يفهمون أن الأمة أحوج ما تكون إلى تربية جهادية في هذه المرحلة من تاريخها بالذات، لكن لا يمكن هذا على أيديهم, لا يمكن, ولا يتأتى على أيديهم أبدا؛ لأنه هو يخاف من الشعب إذا انطلق ليربيه تربية إيمانية، هو يخاف، هو يعرف نفسه ويعرف ماذا يعني الإيمان، ويعرف كم بينه وبين الإيمان من مراحل».
ولهذا يرِدُ أهل البيت عليهم السلام في مكانٍ مهم في قدوات المجتمع لدى الشهيد القائد، يقول في ذات الملزمة السابقة: “إنه لا يمكن أن تحصل تربية إيمانية للأمة، تربية إيمانية للأمة إلا على يد أهل بيت رسول الله صلوات الله عليه وعليهم”، وأنه “على يد أهل البيت (عليهم السلام) كالإمام علي (صلوات الله عليه) ومن بعده من أئمة أهل البيت هم من عملوا على تربية الأمة تلك التربية التي ترقى بها في درجات كمال الإيمان».
ويضيف مبيِّنًا أنَّ أهلَ البيت يُرَبُّون الأمة على الصدع بالحق حتى على الإمام منهم إذا ظَلَم، يقول: “لكن أهل البيت في تاريخهم الطويل، كان الإمام الذي يحكم هو من يسطِّر بيده وجوبَ الثورة عليه فيما إذا ظلَم، وجوب الخروج عليه فيما إذا انحرف عن المسيرة العادلة، كان الإمام الهادي (صلوات الله عليه) يبايع الناس على: (أن تطيعوني ما أطعت الله فيكم فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم، بل يجب عليكم أن تقاتلوني).
والخروج على الظالم في المذهب الزيدي.. مَنِ الذي توارثه جيلا بعد جيل؟. من الذي كتبه بيده؟. هم الأئمة الذين حكموا، هم الذين كانوا يرون أن القضية ليست قضية مرتبطة بالزيدية, هي قضية قرآنية، أنه يجب أن تُرَبَّى الأمة تربية جهادية في كل مراحلها، وفي ظلِّ أيِّ دولة كانت, فكانوا هم من ينطلقون ليربوا الناس تربية جهادية, تربية إيمانية متكاملة».
ورأى في هزيمة طالبان في أفغانستان على يد الأمريكان دليلاً على ما سماه تبخُّر الإيمان عند أولئك الذين لا يتربَّون في مدرسة أهل البيت عليهم السلام، “فأولئك الذين ملأوا الدنيا بأصواتهم، وقالوا بأنهم يُرَبُّون الأمة تربية إيمانية فضحهم الواقع، تبيَّن أن إيمانهم ليس بإيمان, وتربيتهم ليست بتربية إيمانية”، واعتبر ذلك شاهدا “بأنه لا تحصل الأمة على تربية إيمانية إلا عن طريق أهل البيت ومن نهج نهجهم” (في ظلال دعاء مكارم الأخلاق – الدرس الثاني).
وللموضوع بقية في الحلقات المقبلة