لا أخفي أني في البداية لم أستحسن تحويل الاحتفال بجمعة رجب إلى مناسبة رسمية مدعومة من الدولة، كونها ترتبط بطبيعة الدين وعمق الانتماء إليه ويجب أن يبادر الناس إلى إحيائها من تلقاء أنفسهم ولم تكن في الماضي كذلك، لكني وجدت أن المناسبة بحاجة إلى هذا الإعلان الكبير بعد أن نُشر الموضوع في الأسبوع الماضي عن جمعة رجب، فقد تواردت عليّ المكالمات من كل حدب وصوب، الكل يستفسر عن المناسبة وأبعادها ومبعثها وخلفياتها، في هذه الحالة أيقنت أن القيادة كانت على صواب وأن الأمر كان بحاجة إلى إعلان كبير لتذكير الناس بعظمة المناسبة، كي يشعر الجميع بأهميتها بعد أن تعرضت لتجريف متعمد خلال ثلاثة عقود من الزمن وأكثر، منذ أن حلت في اليمن لعنة الإخوان المسلمين معززة بالنهج الوهابي، فلقد ركزوا على العادات والتقاليد الجميلة في حياتنا سواءً التي مبعثها ديني أو الأخرى التي تتصل بجوانب حياتيه وركزوا أكثر على المحطات الدينية بدعوى أنها بدعة وضلالة ولم يقتصر الأمر على جمعة رجب فقط لكنه طال الاحتفال بالمولد النبوي وذكرى استشهاد الإمام علي عليه السلام وذكرى استشهاد الإمام زيد عليه السلام وأي ذكرى تتصل بالدين، حتى تلك المناسبات التي كان يُقيمها أتباع الصوفية في المناطق الجنوبية، فلقد تأثرت كثيراً بدعايات هذه الجماعات المارقة حتى أنها اختفت تماماً، وكذلك جمعة رجب كنا لا نسمع عنها إلا في خطبة واحدة في جامع الشوكاني يتحدث عنها العلامة المرحوم حمود عباس المؤيد “طيب الله ثراه”، ولا يسلم في كل جمعة من الانتقادات والأسئلة المحرجة كلما تحدث عن هذه الجمعة، وكأنه يتحدث عن مُنكر وهي حالة شاذة جداً تُصدق ما قاله البعض إن هؤلاء البشر كانوا يعظمون المنكر ويستنكرون المعروف أينما حل .
كما قلنا، الأمر كان بحاجة إلى كل هذا الهيلمان وهذه الزفة لتذكير الناس بهذه المناسبة، فلقد استغربت جداً حينما كانت تصلني مكالمات من أناس أعرف أن أعمارهم تجاوزت الـ50 عاماً، وهم عرفوا حتى سبلة هذه الجمعة كما يقال لدى العامة “سبلة العيد”، وكانت ترتبط باليومين التي تلي العطلة الممنوحة لأعياد رمضان وعرفة، فإذا غاب الموظف عن عمله يقول سبلة العيد، لكن هذا الاعتقاد لم يكُن في محله فالجميع كان يسأل عن المناسبة وكأنه لا يعرف عنها شيئاً، وهذا سبب الميل إلى اعتبار الجمعة حدثاً رسمياً مؤيداً من الدولة، مما أثار الانتقادات وعدم الرضا لدى الكثيرين، البعض كان بدوافع مبيتة لأنه لا يزال امتداداً لذلك الطابور الخامس الذي كان يستنكر الاحتفال بالمناسبة منذ زمن مبكر، فجاء الإعلان بهذه الطريقة ليجد منفذاً للانتقاد وعدم الرضا، وكم من الأشياء تواجه بمثل هذا الصلف والجهل المطبق الذي يسيء إلى المحطات الإيمانية ويحولها – بدلاً من محطة تُعزز الإيمان في النفوس – إلى محطة للانتقاد والاتهامات الباطلة .
للتفصيل أكثر أقول، إن الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين عليه السلام كان قد جعل هذه المناسبة محطة للتكافل الاجتماعي والتواصل بين الناس وزيارة الأرحام، خاصة أنه كان يصاحبها عادة جميلة تتمثل في أن القادرين يوزعون اللحوم على الأرحام والجيران والأصدقاء في هذا اليوم، فتتأكد في النفوس عظمة اليوم والمناسبة، وكنا لا نفرق فعلاً بين جمعة رجب والعيدين الآخرين رمضان وعرفة، بل إننا كنا نفرح ونحن أطفال لأنها ستعني الحصول على ملابس جديدة بالإضافة إلى العيدية المعتادة “العسب”، فكانت العادة قد سادت وأصبحت متأصلة إلى أن جاء الطابور الخامس – كما قلنا – وغير كل شيء، وأصبحت في نظره بدعة وضلالة، فلهذا لزم التنويه حتى تكف الاتصالات عن الاستفسار وإبداء الرغبة في الحصول على معلومة عن هذا اليوم العظيم، وحتى لا تظل العقول الخاوية تتساءل عن سبب تحويل دعوة الاحتفال إلى رسمية وإعطاءها بُعداً رسمياً، فالماضي أضفى عليها الكثير من الجهالات والأمراض السقيمة التي أصابت البعض، إما بفعل تهييج المشاعر واستقطابها إلى مواضع أخرى، أو أن المرض متأصل في النفوس.. نسأل الله أن يجنبنا هذه الأمراض ويجنب اليمن كل المكاره، وأُجدد التهنئة للقيادة ولأبناء شعبنا اليمني العظيم بهذه المناسبة، سائلين المولى عز وجل أن يُعيدها علينا وقد تحقق النصر المبين، إنه على ما يشاء قدير، والله من وراء القصد..
أحمد يحيى الديلمي