التاريخ هو منظومة من الأحداث والمسارات والوقائع المتراكمة، تختلف طرق تدوينه وتتعدد لغة التدوين وأيضا أدوات التدوين، إذ أن هناك من يكتب التاريخ بسجلات غالية الثمن وأوراق فاخرة وأقلام مرصعة بالذهب ويسرد قصصاً وحكايات خرافية متصلة بذاته، وهناك من يكتب التاريخ بحبر الزيف وأقلام الإفك، وهناك منتصر يكتب التاريخ على طريقته وحسب رغبته، وبما يلبي طموحه ويشبع رغبات نرجسية تستوطنه.. إلا في فلسطين.. هناك يكتب التاريخ الحقيقي والصادق لأنه يكتب بدماء أبناء شعبها، أولئك الأبطال الذين يسطرون آناء الليل وأطراف النهار ملاحم بطولية، ملاحم تسطّر مفرداتها وأحداثها بالدم والدموع والآهات، والأقلام، هم شباب فلسطين ومقاوموها الذين نذروا أنفسهم للذود عن كرامة وسيادة الأمة من محيطها إلى خليجها، ودفاعا عن المسلمين والمسيحيين، أبطال يحرسون بأرواحهم أسوار (الأقصى) وأبواب (كنيسة القيامة)..
بعد عقود من همجية الاحتلال وجرائمه وبشاعته ووقاحة رعاته من (لندن) إلى (واشنطن) وبينهما أنظمة العار والانبطاح الذين جعلوا من أنفسهم (أحذية) ينتعلها رعاة (الصهاينة).. بعد هذه العقود صرنا أكثر يقينا بأن فلسطين لم تُحتل، وأن فلسطين حرة وذات سيادة، وأنها تصنع تاريخا للعرب والمسلمين والمسيحيين، وأنها تقف سدا منيعا بأبطالها ومقاوميها أمام حملات (الصهيونية) وأساطيرها الزائفة.. نعم، فلسطين وشعبها وأبطالها، فلسطين بشيوخها وشبابها، برجالها ونسائها، أحرار وأصحاب سيادة وكرامة، والمحتلون المهانون الذين تجردوا من كل كرامة زعموها ومن كل سيادة ادعوها هم بعض العرب وبعض المسلمين بأنظمتهم وحكوماتهم وكل ثرواتهم وتقدمهم المزعوم والزائف وتحضرهم الهمجي ودولهم التي جعلوا منها (بازارات) و (مواخير) ليظهر حكام هذه (البازارات والمواخير) وكأنهم مجموعة من (القوادين) وليس القادة، فهم لا يعرفون شروط القادة، ولا يمتلكون مواصفاتهم، بل يجيدون فن الانقياد خلف أسيادهم الذين صنعوا (كانتوناتهم) وجعلوها (بازارات ومواخير) وصنعوا منهم (قوادين) أوكلوا إليهم مهمة إدارتها، حسب رغبة أسيادهم..؟!
في فلسطين، شعب عربي أصيل يذود عن سيادة وكرامة وحرية وقيم وأخلاقيات أمة، في وقت تعيش هذه الأمة حالة استلاب وارتهان منهمكة بمتابعة آخر فعاليات (هيئات الترفيه) وآخر أنشطة (هوليود وبوليود) وآخر ابتكارات دور الأزياء الباريسية..!!
في فلسطين أمة تدافع عن رسالتي النبيين (عيسى عليه السلام) و (محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم) فيما أمتا (عيسى ومحمد) مشغولتان بذاتهما تتلمسان طريق الأمن والسلام وتردد ان ما ردده (يهود) الزمن القديم الذين قالوا لنبي الله موسى عليه السلام (اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون)..!
في فلسطين، هناك العروبة وهناك كل أديان السماء وهناك كل القيم الحضارية والإنسانية، وهناك حملة رسالات السماء وأنبياء المرحلة الذين بدمائهم يكتبون التاريخ وعلى جلودهم يدونون وقائعه.. إن في فلسطين الأمة كل الأمة، ولم يبقى في الأمة غير فلسطين وأبطالها وشعبا من الجبارين، الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، ومعهم الله ورسله وملائكته يظللهم برحمته ويمدهم بكل ممكنات القوة وهم من (سيدخلون المسجد كما دخلوه أول مرة)..
في فلسطين، هناك أبطال وأحرار (أحذيتهم) أشرف وأطهر من (تيجان الملوك والأمراء)، ورائحة عرقهم أزكى من عطورات أصحاب الجلالة والفخامة والسمو..
في فلسطين، هناك يرابط العرب والمسلمون والمسيحيون وكل أحباب الله وعشاقه، وما دون الجغرافية الفلسطينية تركت مرتعا (لفرسان المخادع) ولحراس جغرافية ما بين (السرة والركبة)..؟!
حقا.. تعجز مفرداتي اللغوية عن توصيف عروبة فلسطين وأبطالها، وتوصيف مواقف أنظمة الذل والعار والانبطاح وأرتال الخونة والعمالة والارتزاق الذين يمتهنون السمسرة لأقدم (مهنة في التاريخ)..؟!
أولئك الذين تجاهلوا مجزرة مخيم جنين التي ارتكبها أسيادهم الصهاينة بحق أبناء العروبة والإسلام في فلسطين، فيما تعاملوا مع رد الفعل البطولي في القدس كالكلاب المسعورة وراحوا يتباكون على أسيادهم الصهاينة ويقدمون التعازي مشفوعة بالإدانات ضد الأبطال المقاومين المدافعين عن شرف الأمة وكرامتها وسيادتها.. اللعنة على كل عربي أو مسلم يدين العمليات البطولية ضد الاحتلال الصهيوني واللعنة على كل من يصف المقاومين في فلسطين بالإرهابيين، واللعنة على كل مطبعّ وصديق للكيان ويزعم انتماءه للعروبة والإسلام.
النصر كل النصر لأبطال العروبة والإسلام في فلسطين.. النصر لحراس المسجد والكنيسة في فلسطين.. النصر لكل عربي في فلسطين شيخا وشابا رجلا وامرأة وطفلا.. والعار كل العار ولعنات التاريخ لأنظمة الذل والعار وحكام العمالة والارتهان..