تحصينهم ضد شلل الأطفال يقيهم الإعاقة

الحكيم ليس من يدعي معرفته بالحياة طالما لم يستلهم منها الدروس أو العبر ولم يصغ إلى منطق الحكمة وموازينها التي تتجلى في التعقل والتفكير المنطقي بروية وعقلانية بمسؤولية وحسن تدبير.
أمام الوضع الاستثنائي الذي تعيشه بلدان من حولنا وعلى رأسها الصومال وسوريا والذي أرسته تداعيات استمرار المواجهات الدامية في كلا البلدين وحالة اللا استقرار على كافة الأصعدةº فقد أدى الأمر إلى تدهورُ واسع صحياٍ ومعيشياٍ ما أضعف نسبة الإقبال على التحصين ضد فيروس الشلل وسائر أمراض الطفولة الخطيرة الأخرى بل وأعاد بقوة إلى الساحة فيروس الشلل بعد طول غياب ومن ثم انتشر بصورة وبائية مزرية.
ولسنا بعيدين عن هذا المشهد وتداعياته فهو يضع اليمن أمام احتمال خطير ينذر بعودة هذا الفيروس- لا سمح الله- والذي لا تعيقه الحدود ولا تباعد المسافات لاسيما مع التدفق غير الشرعي لبعض اللاجئين القادمين من هذين البلدين بمعزلُ عن الإجراءات الصحية المتبعة على المنافذ الحدودية المختلفة ما يعني أن بإمكانهم أن يجلبوا الفيروس مع دخولهم الأراضي اليمنية بتلك الكيفية مما قد يبدد جهوداٍ طويلة من الكفاح بذلتها ولا تزال تبذلها وزارة الصحة بمعية منظمة الصحة العالمية ومنظمة اليونيسف لمنع عودة المرض والحفاظ على اليمن خاليةٍ منه على الدوام والذي دأبت على دعم وإسناد التحصين وحملاته بشكلُ مستمر متصدراٍ رأس أولوياتها الصحية.
إن اتخاذ أعلى درجات الحيطة أمر منطقي وملح من أجل تبديد واستبعاد ذلك الخطر ودور الآباء والأمهات هنا يتجسد في دوام حرصهم على تطعيم فلذات أكبادهم دون العام والنصف من العمر بكامل جرعات التحصين الروتيني بالمرافق الصحية وفق المواعيد المحددة للجرعات المدونة في بطاقة أو كرت التطعيم وكذلك بتحصين جميع من لم يتجاوزا سن الخامسة ضد شلل الأطفال في كل حملة تعلن عنها أو تعوا إليها وزارة الصحة العامة والسكان.
هذا كل ما يجب أن يدركه كل أبُ وأمُ على امتداد وطننا الحبيب ليؤمنا ديمومة الصحة والسلامة لأطفالهما الصغار باعتبارهم أحوج ما يكونون إلى حماية تصونهم من سطوة وخطر فيروس بشع لا تقوى الأجساد الضعيفة الواهنة على صده بمعزلُ عن التطعيم بجرعاتُ متعددة ليزدادوا- مع تزايد جرعات اللقاح المضاد للفيروس- حماية متزايدة ومضمونة تقيهم شرور المرض وسطوته القاتلة.
فالمغزى من الحماية هنا: التحصين بشقيه الروتيني المعتاد بالمرافق الصحية للأطفال دون العام والنصف من العمر أو في الحملات المستهدفة من لم يتجاوزا سن الخامسة.
قد لا يفهم البعض حقيقة التحصين الروتيني ¿ أو ربما يلتبس عليه معرفة الفرق بينه وبين التحصين في الحملات!
وهذا لاشك يفرض التوضيح وبيان الفروق الجلية فالتحصين الروتيني يقصد به التطعيمات التي تقدمها المرافق الصحية باستمرار ابتداءٍ من ولادة الطفل وحتى بلوغه العام والنصف من العمر في نسق منظم تدون خلاله مواعيد اللقاحات مع كل جلسة تطعيم على بطاقة أو كرت التطعيم الخاص بالطفل المحصن ليكون مع تلقيه لقاحات جلسة التطعيم السادسة عند بلوغه العام والنصف من العمر قد حصل على جميع جرعات التحصين ضد أمراض الطفولة العشرة القاتلة ومن ضمنها ست جرعات من اللقاح الفموي المضاد لفيروس شلل الأطفال.
أما التحصين في الحملات: فهو الذي يقترن بموعد أو فترة محددة تعلن عبر وسائل الإعلام ويعطى اللقاح فيها من خلال جرعة واحدة في كل حملة على حدة كحال حملات التطعيم ضد شلل الأطفال التي تستهدف الأطفال دون سن الخامسة.
وبالمناسبة فإننا نهيب- مجدداٍ – بالآباء والأمهات بأن يحرصوا على تطعيم فلذات أكبادهم دون سن الخامسة في الحملة الوطنية للتحصين ضد شلل الأطفال المزمع تنفيذها في الفترة من(7-9أبريل2014م) بغض النظر عن عدد الجرعات التي تلقوها سابقاٍ وكذلك المواليد الجدد ومن تلقوا تطيعيمات روتينية بالمرفق الصحي قبل أسابيع قليلة أو أكثر فالكل يجب أن يحصن ضد فيروس الشلل خلال الحملة الوطنية في عموم محافظات الجمهورية سواءٍ عبر فرق التطعيم المتنقلة من منزلُ إلى منزل أو داخل المرفق الصحي ولا بأس من التوجه بهم إلى أي مكان أو موقع تتواجد فيه فرق التحصين.
والدعوة هذه نوجهها مجدداٍ للجميع دون استثناء إذ أن المرحلة الراهنة والوضع الذي يمر به البلد معززَ بمخاوف كثيرة على المستوى الصحيº خشية معاودة ظهور وانتشار فيروس الشلل من جديد على أرضنا الطيبة – لا سمح الله- بعد طول غياب امتد من عام2006م وحتى اليوم.
ولعل ما يعزز تلك المخاوف ظهوره وانتشاره في بعض بلدان القرن الأفريقي بدءٍ بالصومال ثم كينيا وأثيوبيا مْخلفاٍ حالات إصابة لا يْستهان بها بالمعيار الوبائي.
في حين أن رحى الحرب واستمرار المواجهات المسلحة في سوريا الشقيقة وسوء الأوضاع الصحية الذي لاح على المشهد هناك أدى إلى ظهور الفيروس بسهولة وبات الأمر يشكل تهديداٍ على ما جاورها من بلدان بل وعلى بقية بلدان المنطقة ومنها اليمن مع زيادة وتيرة النزوح وتدفق اللاجئين.
يتوجب على الوالدين في هذه الحالة حماية أطفالهم دون سن الخامسة في حملات التحصين بصرف النظر عن عدد جرعات اللقاح التي تلقوها مسبقاٍ- كي لا يجعلوا أياٍ منهم مستودعاٍ لنشر عدوى الإصابة بشلل الأطفال- وألا يحرموا من هم دون العام والنصف من العمر من التطعيم الروتيني بكامل الجرعات ضد أمراض الطفولة القاتلة في المرافق الصحية بمعية تحصينهم باستمرار خلال الحملات حتى يكتسبوا المناعة الكاملة المطلوبة.
وما تزايد عدد حملات التحصين التي تنفذها وزارة الصحة ضد شلل الأطفال إلا انعكاساٍ لحرصها على ديمومة حماية فلذات الأكباد وعدم ترك أي فرصة لعودة ظهور الفيروس المسبب للشلل في اليمن قادماٍ من بلدان في أفريقيا أو آسيا موبوءة أو ينتشر فيها الفيروس.
كما أن ما يؤكد أهمية تنفيذ حملة التحصين الاحترازية الحالية أن التحصين الروتيني عموماٍ لا يرقى حتى الآن إلى التغطية المْرضية بجميع لقاحاته ليشمل مع اللقاح المضاد لفيروس الشلل المستهدفين من الأطفال دون العام والنصف من العمر بنسبة لا تقل عن(95%).
علاوة على اتساع المعاناة من سوء التغذية في اليمن بما تحمله من أضرار مضعفة لمناعة الأطفال الجسدية ما شكل ويشكل عقبة كبيرة تجعل من اليسير جداٍ انتشار أي مرض أو وباء- أياٍ كان- ليأخذ بالانتشار متجاوزاٍ الحدود فيبلغ محافظات ثم أخرى ويتسع انتشاره أكثر وأكثر ليعم- بمرور الوقت- كافة المحافظات.
وبذلك أكثر من يرزح تحت طائلة هذا التهديد هم الأطفال دون سن الخامسة ضعيفي المناعة الذين مْنعوا تماماٍ من التحصين وكذا من لم يحصلوا على جرعات متعددة من لقاح شلل الأطفال ومن يعانون من سوء التغذية.
بالتالي حري بالجميع الإصغاء لمنطق العقل والعلم والدين الحنيف وتعاليمه الكريمة الحاثة للمسلمين على التداوي طلباٍ للاستشفاء والتي تدعو – أيضاٍ- إلى ضرورة تجنب الأمراض والعلل ما أمكن وهذا يعني الوثوق من أن التطعيم ضد شلل الأطفال السبيل الوحيد لحماية وصون جميع الأطفال من ويلات هذا الداءº لما يسببه من إعاقةُ وتشويهُ لبدن الإنسان تبقيه عاجزاٍ مدى الحياة أو بوحشية تْسلمه للموت.
فالفرصة سانحة تماماٍ لتلافي هذا المرض طالما أن حملة التطعيم الوطنية ضد هذا المرض المروع قائمة في موعدها المحدد اعتباراٍ مـن(7-9 أبريل2014م) مْـستهدفة تطعيـم جميـع الأطفـال دون سن الخامسة في عموم المحافظات والمديريات حتى من سبق تحصينهم.
ومن المقرر خلال الحملة إعطاء الأطفال المستهدفين جرعة من فيتامين(أ) للفئة العمرية من(6 -59شهراٍ) ليعزز ويقوي مناعتهم ضد الكثير من الأمراض كون الجهاز المناعي خلال السنوات الأولى من العمر لم يكتمل بعد ويمر بمرحلة تطور مستمرº يكون من المفيد تزويده خلالها بفيتامين(أ) بمعدل مرة واحدة بعد كل ستة أشهر.
علماٍ بأن التحصين الروتيني المعتاد مستمر في المرافق الصحية دون توقفُ على مدار العام حتى في فترة تنفيذ الحملات لأجل تطعيم من هم دون العام والنصف من العمر.
وليس ثمة مانع للتحصين ولو وجد طفل أو أطفال مرضى بأيُ من الأمراض الشائعة مثل الإسهال الطفيف أو نزلة البرد أو الحصبة أو الحمى العادية فليس في الأمر أي ضررُ أو مشكلة إلا أن الطفل إذا كان يعاني من الإسهال خلال الحملة – ولو كان متزايداٍ- يحصن ضد شلل الأطفال ثم يْعاود تحصينه مرة أخرى بعد توقف الإسهال مباشرةº تعويضاٍ له عن الجرعة السابقة التي ربما لم يستفد منهاº وحتى تؤدي الجرعة الجديدة دورها الوقائي المطلوب.
وفي حال أن ظهرت أعراضاٍ سلبية على الطفل المحصن فلا تعتبر بسبب اللقاح لأنه آمن للغاية بل يعود سببها -على الأرجح- لمرضُ غير متوقع لا علاقة له بالتحصين.
نرجو من الجميع التعاون مع مقدمي خدمة التحصين وتسهيل مهام العاملين منهم في الميدان وعدم الإبطاء عليهم أو تأخيرهم عند طرقهم الأبواب خلال تنقلهم من منزلُ إلى منزل لأجل صحة وسلامة الأجيال في سائر أرجاء يمننا الحبيب فلا عذر للمانعين أطفالهم من التطعيم إذا ما فات الأوان ووقع من لم يْحصن منهم أسير الإعاقة الدائمة مدى الحياة دونما انعتاق.
* المركز الوطني للتثقيف والإعلام الصحي والسكاني بوزارة الصحة العامة والسكان

قد يعجبك ايضا