ميلاد أمة

يكتبها اليوم / عباس السيد

 

 

محمد، كنز من الخيرات والعطاء والثروات التي لا تنضب، هذه حقيقة لن تتغير سواء علينا أستنتجناها بلغة السياسيين الليبراليين أو الاشتراكيين، أو القوميين .
بلغة الدنيا والآخرة: محمد نعمة لا ينبغي جحودها أو التنكر لها . والاقتداء به والسير على خطاه فيه خير الدنيا والآخرة.
والعودة إلى هذا المسار بعد قرون من الانحطاط والهوان تبدأ بإظهار محبتنا لمحمد وتوقيره وتعظيمه، وإحياء ذكرى مولده فرصة جيدة لإظهار محبتنا وتجديد ولائنا له.
لم يكن العرب شيئاً يذكر بين الأمم قبل محمد، وأصبحوا بفضل رسالته أمة عظيمة بلسان واحدة وجغرافيا شاسعة في قلب العالم، ومقومات بشرية واقتصادية تكفل لها أن تكون الرقم الأول، وكيف الحال ومظلة محمد تجاوزت العربية إلى الإسلامية . فالإسلام لا ينفصل عن العروبة وهو تعبير عن مدى الترابط بين القومية كوطن ولسان، وبين الهوية الواسعة المتمثلة في الإسلام .
الرسالة المحمدية أعلت من شأننا، وخلدت أدبنا، وجمعت شتاتنا، وبنت أمة قدمت للإنسانية أزكى المثل وأسمى القيم .
ميلاد محمد، هو ميلاد أمة، واحتفالنا في اليمن بهذه المناسبة هو تعبير عن حاجتنا للخروج من حالة التيه والضياع بعد أن وصل حالنا مرة أخرى إلى “شفا حفرة من النار” أو كفريسة وأصبحنا كفريسة في غابة .
لا بواكي لليمنيين، ولا حليف لهم أو ناصر وليس أمامهم سوى إعادة تحالفهم مع محمد، والبداية من إحياء ذكرى مولده بكل مظاهر السعادة والفرح.
أن يبدو اليمنيون ـ بعد ثمان سنوات من شن الحرب الظالمة والحصار الجائر ـ ومشاعر البهجة والسعادة تغمرهم، تنضح بها وجوههم، وتصدح بها حناجرهم، وتكتسي بها منازلهم وشوارعهم. فهذا أمر أزعج تحالف العدوان ومن يدور في فلكه ..
ويكون الانزعاج أكبر والخيبة صادمة، حين يكون موضوع السعادة أو مناسبتها هو “ميلاد النبي الأعظم”، فالبهجة والسعادة هنا حقيقية وليست مصطنعة، شاملة وليست خاصة بفئة ..
ولذلك، يكثف إعلام العدوان وأبواقه حملاتهم اليائسة لتشويه المناسبة والتقليل من أهميتها . تحالف العدوان الذي يضم أشرار المنطقة والعالم يضم أيضاً كتائب من “رجال الدين ” وتلامذتهم المتخصصين في التزييف والتشويه والتضلييل، وقد بذل هذا الفريق جهداً كبيراً لتشويه المناسبة ولم يتورعوا في الإفتاء بتحريمها وإدراجها ضمن دائرة الشرك .
لستُ رجل دين للإفتاء في هذا الموضوع، لكن من يقرأ بتجرد وغايته المعرفة يصل إلى حقيقة أن الجدل مع مثل هؤلاء والرد عليهم لإثبات مشروعية إحياء المناسبة هو إضاعة للوقت. وما يعنينا هنا هو البعض من إخواننا الذين يقرُّون بمشروعية إحياء المناسبة لكنهم يرون أن التحضيرات “مبالغ فيها ” . ولهم نقول : نعم هناك اهتمام رسمي وشعبي بزخم كبير غير مسبوق، لكن هناك أسباباً جوهرية ومبررات منطقية لهذه الاحتفالات التي يرى فيها البعض مبالغة، وهي :
أولاًـ إن إحياء المناسبة بهذا المستوى هو حاجة لنا نحن اليمنيين بالدرجة الأولى في هذه الظروف . فمن شنوا علينا حربا وفرضوا علينا حصاراً ولا يزالون، كانوا يتوقعون منا بعد سبع سنوات أن نظهر اليأس ونعلن الاستسلام .. يعتقدون أنهم صادروا أفراحنا وأعيادنا، وأن اليمن السعيد قد تحول إلى اليمن التعيس . ولكن، هاهم يُفاجأون بالسعادة والسرور تغمر اليمن واليمنيين وأن الحرب الظالمة والحصار الجائر كانا عليهم برداً وسلاماً .
لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار ومضاد له في الاتجاه، هذا قانون طبيعي .. فقد أراد لنا تحالف العدوان أن نعيش أكبر قدر من المعاناة والقهر والأحزان، ومن الطبيعي أن نواجه ذلك بأكبر قدر من السعادة والأفراح .. نطفئ المحارق التي تشعلها الصواريخ والقذائف الأمريكية، ونحرق البخور ونصلِّي على محمد وآله. ومن أدمنوا رائحة البارود والأشلاء والحرائق لا يقوون على رائحة البخور.
ثانياً ـ لقد تعرض النبي الأكرم محمد – صلى الله عليه وآله- لإساءات بالغة من وسائل إعلامية ونخب ومؤسسات غربية، وهذا يقتضي ـ بموجب قانون الطبيعة أيضاً ـ أن يكون التكريم والتوقير لهذا النبي بالمستوى الذي يليق به، ورسائل المولد ستصل بالتأكيد لكل ضال .
ثالثاً ـ اليمنيون الذين يعيشون حصاراً برياً وبحرياً وجوياً، يجدون في النبي محمد بوابة لكسر الحصار، مصدراً للتزود بالسلاح، ملهماً للصبر والصمود ويقيناً بتحقيق النصر. ومثل هذا المنفذ لا يستطيع تحالف العدوان مراقبته أو إغلاقه . وهذا ما يؤرقهم أكثر، وهو ما يدفعهم أيضاً لاستهداف النبي، الحليف الاستراتيجي لليمنيين .
ذلك هو حليفنا الحقيقي، وهذه هي أرضنا الخضراء باثني عشر ربيعاً.
رابعاً ـ يبدو أن مسؤولية اليمنيين في نصرة محمد ورسالته مستمرة، تحملوا هذه المسؤولية في مهد الرسالة حتى انتشرت شرقا وغربا، وهاهم يتحملون مسؤوليتهم لتجديد مسار الأمة بعد قرون من الضلال والانحراف.
aassayed@gmail.com

قد يعجبك ايضا