رحلة نجوم في الشعر والإنشاد والمسرح والمواهب تألقوا في سماوات المحبة والتعظيم لسيد الخلق

تمر الأيام على مبدعي اليمن وكأنها تمر على أضلاعهم، ويتمنون أن تمر عليهم مرور الكرام، ليعانقوا بأرواحهم لحظة الإعلان عنه ويقرأون أو يسمعون أو يشاهدون، ويحدوهم أمل الوقوف على منصته المهابة، أمام ضيوفه وفي مقام حضرته، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لينسجوا الإبداع المكنون مجسدين الحب والولاء والانتماء إليه، وأنّى لا يكون لهم ذلك وهناك من يقيم مهرجاناً سنوياً ليستقبل عشاق الرسول من الموهوبين في مختلف المجالات.

الثورة/ عبدالجليل الموشكي

ظاهرة إبداعية كبرى
يأتي ويفتتح فعالياته ويمر بطيفه على القلوب العاشقة للمصطفى ليربت عليها بالحب والرحمة والحنان، ثم يغادر بحفل اختتام ويبقى الرحيق الذي جاد به عالقاً تتلقفه خلايا النحل المخلصة والدؤوبة، وتقدمه عسلاً لأنصار المصطفى مدحا فيه وحبا وتعظيما وإجلالا لا يبلغ منتهاه، ذلك هو مهرجان المبدعين الذي تعلقوا به، وباتوا يُعدون الأيام ترقبا لقدومه مرة أخرى، رغم أنه ما برح يغادر ليصل مكانه ويستقر، وذلك لما يحييه من شوق لروح المصطفى.
إنه المهرجان الذي بات يشكل أكبر ظاهرة للإبداع الفني والثقافي على مستوى اليمن، وتتجلى أهميته من عمق ارتباطه بالرسول الأعظم محمد – صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، يتكرر سنوياً بالتزامن مع مولد الحبيب المصطفى، ويمثل ذروة الإحياء الإبداعي لمولد النور، لما يتخلله من تنافس في الشعر والإنشاد والمسرح ومختلف المجالات، وهنا يؤكد الجمهور الحاضر لحفل اختتام المهرجان أن «المهرجان أصبح محطة انتظار وشوق لدى المبدعين والموهوبين، ومتنفسًا لهم يبرزون ويقدمون من خلاله إبداعاتهم ومواهبهم، ويجودون بأجمل ما لديهم في مقام سيد الخلق».
يتضمن المهرجان منافسة ذات طابع خاص يختلف عن طابع المنافسات الأخرى، وكيف له ألا يكون مختلفاً، وهو صلى الله عليه وآله وسلم سيده وصاحبه ومحور ارتكازه، فمن قبل المهرجان، هذا شاعر والآخر منشد وذاك ممثل وذاك موهوب أيضا، وكل أولئك نجوم ولكن منطفئة، فما استطاعوا الظهور في الساحة، وبعده أصبحوا نجوما ساطعة في سماء الإبداع، وصار المهرجان محل ترقب وانتظار الكثير من المبدعين والموهوبين في شتى المجالات، وذاك ما يشهده المهرجان من زخم كبير على المشاركة فيه، وتنافس شديد في جو مسابقاته، وحضور كثيف لفعالياته على مدى تسع سنوات من انطلاقته الأولى في العام 1436هـ.
شمعة تاسعة
تزداد نار الشوق لدى المترقبين توقدا، وحين جرى الإعلان عن فتح باب التسجيل في مسابقات مهرجان الرسول الأعظم بدورته التاسعة، تحديدا 15 محرم من هذا العام، سارع المبدعون للتسجيل من مختلف المحافظات في مسابقات الشعر العربي، والإنشاد، والمسرح، والمواهب عبر الموقع الإلكتروني للمهرجان والتواصل الاجتماعي، حيث بلغ عدد المتقدمين في الأربعة المجالات أكثر من 1100 مشارك، منهم 302 متقدم في مجال الإنشاد، و169 متقدمًا في مجال الشعر، و405 متقدمين في مجال المسرح، و229 متقدمًا في مجال المواهب.
وكان الأجمل من ذلك استقبال إدارة المهرجان طلبات من مبدعين محبين للمصطفى من دول متعددة، وهنا تقول إدارة المهرجان «كانت طلبات المشاركة كبيرة جدا مقارنة بالأعوام السابقة، لدرجة وصلتنا طلبات مشاركة من عدة دول، وكنا نرغب في أن يكونوا معنا، إلا أن الظروف للأسف لم تسمح بذلك».
كل أولئك أرادوا الوقوف على مسرح مهرجان الرسول الأعظم، ليجودوا بعصارة إبداعهم ومواهبهم في حبهم للرسول الأعظم، وبناءً على معايير نوعية وإبداعية، وعبر لجان متخصصة تم الفرز والمفاضلة، واُختيرَ من بينهم الأجدر بالمشاركة في المسابقة، وكانوا 51 متأهلاً، وهم 6 متسابقين في مجال الشعر الفصيح، أما في الإنشاد ونظرًا لكثرة المتقدمين، فخصصت إدارة المهرجان في هذا العام مسابقة للمنشدين الأشبال، وعلى ذلك جرى تأهيل 12 متسابقا في فئة الكبار، و8 متسابقين في فئة الأشبال، وأما في الأداء المسرحي 15 متسابقا.
تلقف المتسابقون الذين أعلنت إدارة مهرجان الرسول الأعظم تأهلهم إلى مرحلة التدريب، الخبر بكل شغف، وفيما يتعلق بالتدريب تقول إدارة المهرجان «للوصول بالمتسابقين إلى تقديم الأداء الذي يرتقي قدر الإمكان إلى مقام الرسول الأعظم، كان لا بد من التدريب والعمل المكثف»، وهنا عملت إدارة المهرجان على إعداد برنامج تدريبي أكاديمي وفني للمتسابقين، وأقامت برنامج التدريب على مدى عشرة أيام قبل انطلاق التصفيات، وخلال مرحلة التدريب تلقى المتسابقون دروسًا فنية ومنهجية كلٌ في مجاله، وتضيف إدارة المهرجان «يأتي هذا التدريب والتأهيل كضرورة نتيجة لانعدام المعاهد المتخصصة».
سباقٌ نحو المصطفى
في الثالث من ربيع الأول بدأت المنافسة بين المتسابقين، حيث كانوا 51 متسابقاً في جميع المجالات، و17 منهم فقط من وصلوا المربع الذهبي للتنافس على المراكز الأولى، ففي مجال الشعر خاض غمار المنافسة في ميدان التصفيات كل من عمار الشامي من صنعاء، وتوفيق يعمر من حجة، وخالد العربي القادم من الحديدة، ومرتضى الحسام وعبدالرحمن اليفرسي من إب، ومحمود العوجري من صعدة، وكلهم جاؤوا يمثلون محافظاتهم في الولاء والتأسي والحب لسيد الخلق.
ثلاث مراحل خاضها الشعراء المتأهلون، الأولى «مرحلة إلقاء القصيدة» والتي ظهر فيها الشعراء على مسارين، كل مسار ظهر فيه ثلاثة منهم، وقدموا ما لديهم، وجميعهم تجاوزا هذه المرحلة ليتأهلوا إلى المرحلة الثانية (مرحلة المجاراة)، وتمت آليتها وفق مسارين أيضا، يضم كل مسار ثلاثة شعراء يتجارون فيما بينهم، وفيها خرج من المسابقة الشاعران محمود العوجري وعبدالرحمن اليفرسي.
الأربعة الآخرون تأهلوا للمرحلة الثالثة مرحلة التصفيات النهائية، وفيها جرت آلية المنافسة في مجاراة شعرية مفتوحة البحر والقافية كل شاعرين مع بعضهما شرط أن يبتدئ الآخر من حيثما انتهى الأول، حيث تجارى عمار الشامي أمام توفيق يعمر، فيما كان خالد العربي أمام مرتضى الحسام، وكانوا يعيشون موقفا مليئا بالتوتر والقلق، إذ كانت مرحلة تحديد أصحاب المراكز الأولى واختيار فرسان مسابقة الشعر بمهرجان الرسول الأعظم في دورته التاسعة، فكلهم كان يرغب في أن يتقدم مركزاً على الآخر حباً في الرسول الأعظم.
أًصواتٌ محمدية
وكذلك مسابقة الإنشاد كان سياقها على ثلاث مراحل، الأولى كانت الأداء الجماعي، وتم تقسيمهم على ثلاث مجموعات، ضمت كلا من عصام با سلامة، وعبدالخالق المأخذي، وعبدالله السياني، ومحمد سعد صالح، ومحمد الرصاص، ومحمد الروني، ومحمد يحيى سالم من صنعاء، ومن الحديدة صابر القيسي وأحمد الحلبي، ومن حجة صلاح الدين إبراهيم كلبان، ومن ذمار عدنان الفرزعي ومن إب فضل الغرباني.
وفيها خرج مساوى والرصاص والمأخذي وكلبان، فيما صعد بقية المتسابقين للمرحلة الثانية، ومن الأشبال في ذات المرحلة ظهر مرتضى اللاحجي، وأيمن ضبعان، وهاشم المنصور، وعلي الوشلي، وعزام الصغير من صنعاء، وعبدالله قفلة من صعدة، وريدان العدلاني وعبدالله الخضري من الحديدة، فخرج منهم الصغير والخضري، و تأهل البقية للمرحلة الثانية.
وكانت آلية المرحلة الثانية للكبار وفق مجموعتين، كل مجموعة مؤلفة من أربعة متسابقين يخوضون غمار المنافسة فيما بينهم ليتأهل منهم 4 متسابقين فقط للمرحلة النهاية، حيث خاض غمار المسابقة في المجموعة الأولى كل من عبدالله السياني، وعصام باسلامة، وفضل الغرباني، ومحمد سعد صالح، وكان عصام باسلامة وفضل الغرباني هما من تأهلا للمرحلة النهائية.
وفي المجموعة الثانية خاض غمار المسابقة كل من عصام المحاقري، محمد الروني، وعدنان الفرزعي، وصابر القيسي، وكان محمد الروني وعدنان الفرزعي هما المتأهلان للمرحلة الأخيرة، وفي مسابقة الأشبال جرت مجريات المرحلة الثانية بين الستة المتأهلين جميعهم، حيث قام كل واحد فيهم بالأداء المطلوب منه في أداء جماعي، وكان مرتضى اللاحجي، وأيمن ضبعان، وهاشم المنصور، وعلي الوشلي هم من تأهلوا للمرحلة الثالثة والنهائية.
وفي المرحلة الثالثة كانت المنافسة بين المتسابقين في كلتي الفئتين شديدة، حيث قدم كل متسابق فيهم أروع ما لديه، مما جعل لجنة تحكيم الإنشاد في حيرة من اتخاذ قرارها في تحديد أسماء أصحاب المراكز الأولى، وفي الحين الذي اعتبر كل المتسابقين مجرد مشاركتهم في مهرجان الرسول الأعظم والوقوف على منصته شرفاً كبيرا، بغض النظر عن تأهلهم وفوزهم بالمراكز الأولى من عدمه.
وفي المسرح
وفي الأداء المسرحي كانت المنافسة وفق مرحلتين، ففي الأولى جرى تقسيم المتأهلين إلى 3 فرق، وقامت كل فرقة بتقديم عرض مسرحي داخلي أمام لجنة تحكيم الأداء المسرحي، وبناء على الأداء تم التقييم، وتأهل للمرحلة الثانية والنهائية 4 فقط من بين 15 متسابقا، وهم عبد الولي البخيتي من ذمار، وعبدالباري القدسي وعلاء غلاب من الحديدة، وعبدالله البدر من صنعاء، واقتضت المرحلة الثانية مشاركة كل متسابق منهم مع نجوم المسرح في العرض المسرحي الخاص بكل فعالية من فعاليات المهرجان، فيما قامت لجنة التحكيم بالمشاهدة والتقييم لأداء المتسابق.
وبخصوص مسابقة المواهب، فهي من الإضافات الجديدة التي أضافتها إدارة المهرجان إلى مسار المسابقات، جرى مسار التنافس فيها وفق عروض يومية مرافقة لفعاليات المهرجان، حيث يقوم المتسابق بعرض موهبته وبحضور لجنة تحكيم المواهب، وبشأن مسابقة المواهب تقول إدارة المهرجان «حرصنا على فتح هذه المسابقة من أجل إتاحة الفرصة للمبدعين في مختف المجالات، ليتسنى لهم التعبير عن حبهم وولائهم للرسول الكريم».
وقد حضر المتسابقون في مواهب متعددة ومن مختلف المحافظات وهم محمد الباشق  من الحديدة في فن الرسم بالنار، وسليم المغربي وعبدالله الحكيمي من صنعاء، وعمر نبيل محمد العبسي من الحديدة في التوازن، ورياض زليل من المحويت في التقديم الإعلامي، ويونس المنصور من صنعاء في الإلقاء، وعبدالملك الجبلي في الرسم، وعمار القدسي في تقليد أصوات المقرئين، ومدين محمد العزبي من صنعاء في تلاوة قرآن، وفرقة عماد الدين من الحديدة في الباركور، وقدم جميعهم عروضا شيقة نالت إعجاب الحاضرين، ومن بينهم سيكون واحدا فقط هو صاحب جائزة أفضل موهبة في هذه الدورة.
مربعُ الرسولِ الأعظم الذهبي
بلغت المنافسات في التصفيات النهائية ذروتها في الإبداع بما جادت به قرائح الشعراء من بحر اللغة ومفرداتها شعرا، في مقام سيد الخلق، وأيضا بما شدت به حناجر ذهبية من أهازيج إنشادية تصاحبها ابتهالات روحانية مدحا وتعظيما لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ففي الشعر كانت المجاراة الشعرية قوية بين الواصلين للمربع الذهبي، حيث جرت المجاراة بين كل شاعرين منهم، فتجارى الشامي مع يعمر والعربي مع الحسام.
وفي الإنشاد بفئتيه الكبار والأشبال، شدا المتسابقون الواصلون إلى المربع الذهبي بأصواتهم الشجية والآسرة للمسامع، بمقطوعات إنشادية تتغنى في حب المصطفى والبهجة والسرور بقدوم مولده، جعلت من كل الحاضرين في قاعة جمال عبد الناصر يعيشون أجواءً مليئة بالروحانية والنفحات المحمدية.
15 متسابقا فقط من كل المسابقات، هم من وقفوا في نهاية المنافسة على منصة التكريم عند لحظة الإعلان للفائزين بالمراكز الأولى، ففي مجال الشعر تُوج الشاعر عمار الشامي بالمركز الأول في الشعر، والشاعر توفيق يعمر بالمركز الثاني، فيما حصد الشاعر خالد العربي المركز الثالث، ولا مركز أجمل من مركز في حب الرسول، بحسب ما يؤكده الفائزون.
وفي مجال الإنشاد  في فئة الكبار حصل المنشد محمد الروني على المرتبة الأولى، والمنشدان عصام با سلامة وعدنان الفرزعي على المرتبة الثانية بالمناصفة، والمنشد فضل الغرباني على المرتبة الثالثة، وهنا يؤكد الفائزون «يكفينا أن نحظى بشرف المشاركة في مهرجان صاحبه الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلّم».
وفي فئة الأشبال حظي المتسابق هاشم المنصور بالمركز الأول، والمتسابقان علي الوشلي وأيمن ضبعان بالمركز الثاني مناصفة، والمتسابق مرتضى اللاحجي بالمركز الثالث، بعد أن أطربوا المسامع وأشجوا القلوب بتغنيهم بأعذب الألحان في حضرة سيد الخلق.
وفي مجال الأداء المسرحي، حقق المتسابق عبد الولي البخيتي المركز الأول، فيما المركز الثاني فاز به المتسابق عبدالباري القدسي، والمركز الثالث حصل عليه المتسابق عبد الله البدر، وأما في مسابقة المواهب، كان المتسابق سليم المغربي بموهبة فن التوازن هو صاحب جائزة أفضل موهبة في هذا الموسم.
ولأن الرسول الأعظم هو محور هذه المسابقات، صار كل من يمتلك موهبة في الشعر والإنشاد والأداء التمثيلي والمسرحي وغيرها من المواهب، يترقب بلهفة وشوق لعام هجري قادم ليطل بموهبته على الجميع من خلال مهرجان الرسول الأعظم، الذي أصبح ظاهرة إبداعية تتجدد سنويا، لتعطي المبدعين والموهوبين فرصة لإبراز وتقديم مواهبهم للعالم، من رحاب رسول أرسله الله رحمة للعالمين، فهو متنفس لهم ومحطة انتظار، ولأنه كذلك تعمل إدارة المهرجان على عودة جديدة بطابع جديد وإضافات جديدة زاخرة بكل ما هو بديع وجميل لتقديم ما يليق بالمحبة والتعظيم لسيدنا رسول الله محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلّم.