أمريكا تلهث لهدنة تلبي مصالحها وبلا رفع للحصار وبلا صرف للمرتبات وهو ما لم تقبل به القيادة في صنعاء

الهدنة الأممية..اليمن تؤكد على أولوية صرف المرتبات من موارد النفط والغاز والحديث الأمريكي خارج الغايات الأساسية

 



الثورة / ابراهيم الوادعي

دخلت الهدنة الأممية أسبوعها الأخير وسط ضبابية المشهد بالمضي نحو هدنة جديدة نتيجة مماطلة تحالف العدوان السعودي الأمريكي في الحسم بملفات تتعلق بالشق الإنساني للهدنة ذو الأولوية لصنعاء لكبح جماح المعاناة الإنسانية الناجمة عن الحصار .

منتصف سبتمبر الحالي كادت الهدنة الأممية الثالثة تنهار بعد بلوغ عدد سفن الوقود المحتجزة قبالة ميناء جيزان السعودي 13 سفينة ، وعادت أزمة النفط في المناطق المحررة الى الواجهة ، مع بدء شركة النفط برنامجا طارئا لتقنين الوقود ، ما استدعى إعلانا رئاسيا من قبل المجلس السياسي الأعلى انه سينظر في الوضع الخطير ويتخذ القرار المناسب ، وبالأمس عاد التحالف السعودي الأمريكي ليحتجز سفينة نفطية « سي ادور» وفقا لشوكة النفط في صنعاء « ما يعرقل جهود بناء الثقة التي يقودها المبعوث الأممي .

وفي احدث المواقف ذات الصلة أكد رئيس الوفد الوطني محمد عبدالسلام أن الموقف اليمني ثابت باتجاه فتح مطار صنعاء وموانئ الحديدة وصرف مرتبات الموظفين ومعاشات المتقاعدين، وأضاف ان لا جدية ولا مصداقية لأي حديث عن السلام في اليمن ما لم يتم البدء بتنفيذ هذه الملفات الإنسانية الملحة التي تمثل مطلبا لكل اليمنيين.

بالعودة إلى فرص التمديد يكشف مسئولون في حكومة الإنقاذ ان التفاوض الحقيقي حول ملف الرواتب شبه مجمد بالرغم من وجود الفريق الاقتصادي للحكومة في العاصمة العمانية مسقط ، والحال ذاته في ملف توسيع وجهات السفر من والى مطار صنعاء المحاصر من قبل تحالف العدوان منذ أغسطس 2016م ، بالرغم من التصريحات الأمريكية التي تملأ الفضاء الإعلامي ويبدو انها لمجرد زيادة الضغوط للدخول في هدنة مبهمة ، وضجيج يتعمد المبعوث الأمريكي المتواجد في المنطقة إحداثه عبر اطلالات متعددة على وسائل الإعلام الموالية والقريبة من المحور الأمريكي.

وتشترط صنعاء للقبول بهدنة جديدة صرف رواتب موظفي الدولة وتوسيع وجهات السفر من والى مطار صنعاء وضمان سلاسة تدفق الوقود والسلع الى ميناء الحديدة كإجراءات لبناء الثقة وصولا إلى رفع كامل للحصار على مطار صنعاء وميناء الحديدة.

فخلال ما يقرب من شهرين من الهدنة الحالية والتي جاءت بغرض إفساح المجال لعملية التفاوض للوصول إلى آلية تنفيذية طريق عملية انتظر وفد صنعاء بدء عملي



التفاوض لصرف الرواتب، ولكن دون جدوى رغم الوعود المتكررة من قبل الأمم المتحدة ، فيما لم تكن هناك اتفاقات ناضجة لتحديد وجهات السفر من والى مطار صنعاء .

تؤكد صنعاء على إطلاق رواتب موظفي الدولة من عائدات النفط الذي كان يغطي بند المرتبات قبيل شن العدوان على اليمن واعتبرت ذلك شرطا أساسيا لاستئناف الهدنة ، واكد محمد عبدالسلام في تصريحات سابقة عقب زيارته إلى موسكو انه لن يتم الذهاب الى هدنة دون حلول لهذا الملف الإنساني الحساس ، وهدد حينها باستئناف شركات النفط الأجنبية التي تقوم بسرقة النفط اليمني وتوريد عائداته لصالح السعودية .

وفي هذا السياق أوقفت مؤقتا شركة توتال الفرنسية خططها لاستئناف تصدير الغاز الفرنسي اذا لم يكن هناك اتفاق مع حكومة صنعاء ، وقال مسؤولون في اللجنة الاقتصادية العليا بصنعاء إن الشركة أكدت للحكومة في صنعاء انها ملتزمة بأن يكون استئناف الغاز بموافقة الأطراف اليمنية وتورد عائداته إلى حساب يجري الاتفاق عليه .

وفي هذا السياق قال وزير الخدمة المدنية سليم المغلس بعد مضي 40 يوما من الهدنة إن المفاوضات تكاد تكون مجمدة حول هذا الملف رغم تواجد اللجنة الاقتصادية في مسقط ورغم وعود الأمم المتحدة المتكرر في هذا المجال ، واتهم دول العدوان بأنها تفتقد المصداقية والجدية في الوصول الى حلول لهذا الملف ، وتمضي في مواصلة تعذيب اليمنيين عبر قطع الرواتب فيما تواصل سرقة النفط .

حديث وزير الخدمة المدنية دقيق، فالمرتبات لموظفي الدولة والقطاعين العام والمختلط تبلغ نحو 75 مليار ريال شهريا ، وهؤلاء الموظفون يعولون نحو ثلث المجتمع اليمني الأشد فقرا نتيجة توقف الرواتب منذ 7 سنوات وفقا لوزارة المالية ، ومن شأن عودة الرواتب ان تخفف من وقع الأزمة الإنسانية في اليمن ـ الأزمة الأكبر عالميا وفقا لتقارير أممية ومنظمات دولية .

ووفقا لوزارة المالية في صنعاء فإن عودة الرواتب من شأنه اخراج نحو ثلث المجتمع اليمني يعولهم شريحة الموظفين من دائرة العوز الشديد نتيجة قطع الرواتب منذ عام 2016م ، فيما واصلت صنعاء دفع نصف راتب بين الحين والآخر ليتبقى نحو عامين مديونية رواتب على الحكومة .

توقف إنتاج النفط اليمني مع بدء العدوان في 2015م ومغادرة الشركات الأجنبية تحت بند القوة القاهرة الذي يتيح لها التوقف ، لكن الإمارات والسعودية استأنفتا تصدير النفط اليمني وبيعه في العام 2018م لتعويض نزيف خزائنهما نتيجة طول أمد الحرب في اليمن غير المتوقع ، وجرى إيداع العائدات التي بلغت حتى يونيو 2018م ، نحو 9 مليارات ونصف المليار دولار في حسابات سعودية وإماراتية وعرف منها حسابات في البنك الأهلي السعودي .

وبحسب وزارة النفط في صنعاء فإنه يجري إنتاج من 60 إلى 80 الف برميل من النفط الخام في عدد من القطاعات التي أعيد تشغيلها في حضرموت وشبوة ومارب، حيث أعيد ربط أنابيب التصدير من القطاع 18 إلى حقول جنة هنت في شبوة ومنه إلى ميناء النشيمة بدلا من رأس عيسى في الحديدة .

وفي شأن تقدم المفاوضات حول فتح وجهات جديدة للسفر من مطار صنعاء، واكد وزير النقل اللواء عبد الوهاب الدرة ان توسيع الوجهات سيخفف أعباء الترانزيت التي يتحملها المسافرون اليمنيون نتيجة اقتصار الرحلات على وجهة وحيدة هي عمان صنعاء عمان ، حيث تحولت العاصمة الأردنية إلى محطة ترانزيت خاصة للطلاب والمرضى الذين يفضلون وجهتي مصر والهند نتيجة انخفاض تكلفة العلاج ، وما يترافق مع ذلك من زيادة أعباء السفر نتيجة ارتفاع تذاكر الطيران للغاية بتأثير الحصار الجوي ووجود ناقل وحيد ومنع تحالف العدوان من دخول وقود الطائرات إلى مطار صنعاء لتزويد الطائرات ما يفرض عليها مسارات ثانوية إلى جيبوتي للتزود بالوقود أو مجيئها محملة بالوقد من عمان ما يستتبع ذلك من خفض عدد المسافرين لإفساح المجال لحمولة زائدة من الوقود تكفي للذهاب والإياب .

وخلال الهدنة الماضية تعثرت رحلات القاهرة لأهداف تكاد تكون سياسية اكثر من كونها إجرائية فنية ، ومع ذلك مضت صنعاء في التفاهم مع الجانب المصري في معالجة ملاحظات الجانب المصري لإعادة اطلاق الرحلات صنعاء القاهرة صنعاء ، ويؤكد وزير النقل في هذا السياق ان الرحلة الأولى لم تشهد أي مشاكل أمنية، ومع ذلك: نحن نتعاون مع الجانب المصري لإعادة اطلاق الرحلات وتلبية الاشتراطات رغم ان القاهرة تسير رحلات من مطار عدن الأدنى تقييما بالنسبة لمطار صنعاء .

وفي مشهد تكرر مع اقتراب كل تمديد من نهايته ، المبعوث الأمريكي يطلق تصريحات مؤيدة لمطالب صنعاء بشأن ملفات الرواتب وتوسيع وجهات السفر من والى مطار صنعاء ، لكنه يواجه صعوبة في مهمته هذه المرة، فصنعاء فطنة للحيل الأمريكية في إضاعة الوقت والعبث ببنود الهدنة عقب كل تمديد ومن ثم الظهور في نهايتها بمظهر الوسيط ، ولا تريد إعطاء مزيد من الفرص لواشنطن.

وتتهم صنعاء الطرف الأمريكي بوصفه قائد العدوان بالتلاعب بالوقت حتى ربع الساعة الأخيرة ومن ثم الحضور لكسب اتفاق ، وذكَّرت العالم بأنها منحت شهرين كاملين في التمديد الأخير للتفاوض ، يضاف إلى أن صنعاء بعثت برسائل القوة ما يكفي لإفهام تحالف العدوان بأن رصيد صبرها ينفذ وهي تحترم الهدنة من موقع قوة أظهرت بعضا منها.

وخلال التمديد الثالث أقامت صنعاء عددا من العروض العسكرية وعبرها بعثت برسائل عدة إلى اكثر من صعيد داخليا لطمأنة الشعب بأن القوات المسلحة تقف على أهبة الاستعداد لحماية الأرض وتحقيق النصر ، وخارجيا كان عرض وعد الآخرة من على ضفاف البحر الأحمر رسالة بأن الهدنة اذا ما انهارت فإن حدود المعركة لن تقف عند البر ومنابع النفط السعودي والإماراتي وإنما سيكون البحر مسرحا رئيسيا لها في وقت يعيش العالم فيه أزمة طاقة نتيجة الأزمة في أوكرانيا والعقوبات الغربية على روسيا .

وفي هذا السياق قال نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع والأمن الفريق الركن جلال الرويشان ان صنعاء لا تعول على الهدنة لتحقيق الأهداف الاستراتيجية المتمثلة بتحرير الأرض واستقلال القرار السياسي ، وهي دخلت إلى الهدنة لتأكيد صدق نواياها تجاه السلام ، ان كان هناك من يفهم رسائل السلام ، واعتبر ان التطبيق على الأرض هو المعول عليه وليس التصريحات الجوفاء والمواقف الدولية التي لا يلمس اليمنيون أثرها على الأرض.

وقال : لم تأت الهدن الأولى والثانية والثالثة بحلول واضحة للقضايا الإنسانية التي يواصل العدو المماطلة بشأنها ، فمن الصعوبة بمكان تصديق التصريحات الأمريكية والدولية بشان المطالب اليمنية المحقة مالم يلمس اليمنيون لها اثرا على الأرض وتخفف من معاناتهم .

صحيفة البيان الإماراتية نقلت عن مسؤول لم تسمّه، قوله إن الأمريكيين تقدموا بخطة تتضمن الاتفاق على آلية لصرف مرتبات الموظفين في مناطق سيطرة المجلس السياسي الأعلى ، وفتح ممر إلى مدينة تعز، إضافة إلى السماح بتسيير رحلات مباشرة من مطار صنعاء المحاصر إلى 6 وجهات إقليمية ودولية ، ولم يتم التأكد من صحة التسريبات الإماراتية ، فمن المؤكد ان واشنطن بصدد الرضوخ لاشتراطات صنعاء الإنسانية منعا لانهيار الهدنة وفتح تصعيد جديد في الوقت الذي تركز فيه جهودها للمواجهة مع روسيا وتسعى لضمان إمدادات الطاقة من الشرق الأوسط .

وعلى صعيد متصل فان مجلس الأمن حرص في اجتماعه الأخير بشأن اليمن منتصف سبتمبر الحالي على اصدار بيان صحافي يعتبر ادنى إصدارات مجلس الأمن في تنازل أمريكي عن الحصول على بيان رئاسي فيما يخص الملف اليمني ، وبرغم ان البيان حمل انحيازا واضحا لرواية تحالف العدوان ، إلا أنه عكس انقساما واضحا داخل المجلس ، وبدء حصاد صنعاء ثمار صبرها وصمودها واظهار قوتها سياسيا رغم تغييبها قسريا عن مجلس الأمن .

ووفقا لآخر الانباء فإن المبعوث الأمريكي ليندركينغ عاد مجددا للتوسط بالأطراف الإقليمية الذين تربطها علاقة صداقة قوية مع حكومة صنعاء للدفع نحو منع انهيار الهدنة ، فيما صنعاء ثابتة على موقفها اتفاق واضح على هدنة بشروط وموسعة ، ويبدو ان صنعاء في طريقها لإيصال مزيد من الرسائل إلى العالم قد لا يكون آخرها ما سمعه المبعوث الأممي هانس غروندبرغ الحريص على استمرار الهدنة كإنجاز شخصي له بغض النظر عن اثرها على الواقع اليمني المضغوط بالحصار وانقطاع الرواتب وهذا ما لن تقبله صنعاء أو يقبله الواقع أو المنطق .

 

 

 

قد يعجبك ايضا