الملكة الفانية عاينت من عدن اندحار جنود الإمبراطورية التي غرب شمسُها واندحر احتلالها

اليمنيون لا يودِّعون إليزابيث.. وجهٌ من وجوه الاستعمار ذهب بأثقاله دون رجعة

 

 

الثورة /
انشغل الإعلام العربي والدولي لأيام بوفاة الملكة البريطانية إليزابيث التي ماتت عن عمر طويل مليء بالمآسي والاحتلالات والتدخلات البريطانية في العالم أجمع، وانشد الإعلام والصحافة نحو جسر لندن الذي سقط بحسب بروتكولات المملكة الغامضة.
وظل الإعلام العربي والعالمي يرقب موت البريطانية المعمرة وأنفاسها الأخيرة، ثم إعلان الوفاة والنعي وصولا إلى مراسيم بريطانيا في موت ملوكها ظل الإعلام العربي والعالمي يسجل ذلك خطوة بخطوة، ينقل التعازي وبيانات النعي وعبارات التبجيل لملكة إمبراطورية الاستعمار ومملكة الجواسيس والاختراقات السياسية والعسكرية لدول العالم.
لكن اليمنيين لم يكونوا معنيين على الإطلاق بوفاة إليزابيث، ولا بتنصيب خلفها، ولا بمراسيم موتها، لسان حالهم وجه من وجوه الاستعمار أفل وغرب وجاء وجه آخر، ولا فرق، فبريطانيا بالنسبة لليمن كانت احتلالا، واليوم مؤامرة وحربا.
لا ينسى اليمنيون قرن وثلاثة عقود ظلت بريطانيا محتلة لجزء عزيز من الوطن بقي مخنوقا بجيوش بريطانيا الغازية لمائة وثمانية وعشرين عاما مارست فيها بريطانيا القتل والخسف والتنكيل باليمنيين، والمسخ للهوية، تحرض الزيود على الشوافع والعدنيين على الضالع وأبين وهكذا أدارت احتلالها بالخصومات وبسياسة فرق تسد.
كذلك لا يغفل اليمنيون بأن بريطانيا اليوم تحيك مؤامراتها على ذات الموطن العزيز، وتتواجد بجيوش وقواعد عسكرية في المهرة وحضرموت ومنها تجند الجواسيس والعملاء ومنها تواصل حبك مؤامراتها التي تستهدف الشعب والإنسان والثروة.
ولا شيء يجعل اليمنيين ينشدون بالمرأة التي ظلت طويلا كوجه استعماري بغيض، فهم مشغولون بحياتهم القاسية التي تسببت بها حرب تحالفية إجرامية بريطانيا في عهد إليزابيث جزء منها، ولا شيء يعنيهم رحيل ملكة كانت في عدن يوما على رأس قوات بريطانية محتلة وظلت حتى رمقها الأخير وهي تواصل حبك المؤامرات والسياسات نفسها.
شهدت فترة الاحتلال البريطاني لعدن والمحافظات الجنوبية والشرقية محطات بارزة ومن أهمها زيارة قامت بها إليزبيث الثانية في 27 أبريل (نيسان) 1954 إلى مدينة عدن، حاضرة الاحتلال البريطاني حينذاك، وخصصت الملكة الفانية للمدينة اليمنية 24 ساعة، بعدما قطعت للوصول إليها عشرات آلاف الأميال من «مدينة الضباب» إلى «ثغر اليمن الباسم» برفقة زوجها (الأمير) فيليب، دوق إدنبره في حينها.
واستحقت عدن كل هذا العناء في حينها، فقد كانت وفقاً للمؤرخين من أكثر المدن تطوراً فضلاً عن موقعها الجيوسياسي الذي دفع الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس إلى إخضاعها لحوالي 128 عاماً من الاحتلال على الرغم من المقاومة التي تطورت في 14 أكتوبر (تشرين الأول) 1963 إلى ثورة انتهت بدحر البريطانيين من عدن في نوفمبر (تشرين الثاني) 1967.
ولعل موت إليزابيث ذكر اليمنيين القدامى بوجودها البغيض في عدن حين جاءت في إطار زياراتها لدول الكومنولث حينها، ففي العام1954، رسا اليخت الملكي سبرايس في ميناء عدن بالتزامن مع مرور السرب الثامن للطيران الاحتلالي البريطاني وسط استقبال من حاكم الاحتلال البريطاني في عدن وعملائه من السلاطين وأمراء المحميات السلطنات والمشيخات التي أنشأتها بريطانيا.
وجاءت الملكة الفانية إلى عدن بعد أن تولت عرش الإمبراطورية البريطانية في أولى زيارتها إلى مستعمرات بريطانيا المحتلة واختتمتها بإطلاق الألعاب النارية في سماء المدينة ظنا منها أن بقاءها خالدا، لكنها وبعد 14 عاما من الزيارة شهدت الملكة اندحار آخر الجنود البريطانيين من عدن وغيرها لتسجل في ذاكرتها هزيمة تجرعتها بريطانيا على أيدي ثوار يمنيين قاوموا وناضلوا حتى حققوا الاستقلال لبلادهم، فهل كان على اليمنيين أن يودعوا إليزابيث الثانية أم يتذكروا جرائرها بحقهم.
عقب ستين عاماً على وصول موكب اليزابيث إلى عدن، حاولت استذكارها ففي العام 2014 بعثت الملكة برسالة نشرتها صفحة السفارة البريطانية في صنعاء على موقع «فيسبوك» جاء فيها «في الذكرى الستين لزيارتي لعدن، أبعث بأحر تحياتي للشعب اليمني. لدي ذكريات جميلة من زيارتي ويسرني أن العلاقة الوثيقة بين بلدينا مازالت مستمرة. وأود أن أعرب عن أطيب تمنياتي بالسعادة والأمن والازدهار للشعب اليمني خلال هذه الفترة الانتقالية وما بعدها. إليزابيث».
لم تكن العلاقة طيبة لا قديما ولا هي كذلك حديثا، فقديما كانت بريطانيا تحتل اليمن، وحديثا تشترك في الحرب العدوانية عليه، وتقود مؤامرة التفكيك والتمزيق وتتموضع بجيش وجنود في مطارات وقواعد عسكرية أيضا.

قد يعجبك ايضا