هل تمنح المعادلات المتغيرة انتصاراً لروسيا في صراعها مع الغرب ؟

"الثقب الأسود" في أوكرانيا يقلل فرص الدعم الأوروبي

 

 

قبل أيام كتبت “بلومبورغ” أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يفوز في حرب الطاقة، غير أن الواقع يبدو أكبر، فهناك مؤشرات كثيرة على فوزه بحروب أخرى، ليس التوقف المحتمل قريبا للمفاعلات النووية الأمريكية بسبب نقص اليورانيوم المنخفض التخصيب نهايتها، بل إن المفاعلات الفرنسية على وشك التوقف أيضا، بينما تغرق أكثر الدول الأوروبية في مستنقع استخدام الفحم الرخيص الذي يتوقع أن يطيح بالجهود الدولية في التصدي لأزمة المناخ.

تحليل / أبو بكر عبدالله

مرة أخرى أطل عميد الدبلوماسية الأمريكية وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، هنري كسينجر بتصريحات حذرت من مخاطر استمرار الحرب في أوكرانيا وتداعياتها الكارثية الاقتصادية على دول العالم.
كسينجر لاحظ التغير الكبير في المعادلات وأعلن بوضوح هذه المرة أن الولايات المتحدة تتحرك في أوكرانيا بلا هدف، محذرا من أن امتداد وتوسع الصراع في أوكرانيا قد يمهد لحالة مشابهة للحرب العالمية الأولى بإنتاج صراعات أخرى في العالم، في إشارة إلى الحرب الاقتصادية التي يمكن ان تفجر متوالية نزاعات سيكون من الصعب على واشنطن وحلفائها الغربيين السيطرة عليها.
تحذيرات كسينجر من هذه الزاوية بدت واقعية تماما، بالنظر إلى معطيين هامين، الأول تطورات المسرح العسكري التي تمضي لصالح روسيا، والثاني تداعيات معركة كسر العظم في الجانب الاقتصادي والتي تبدو أيضا في مصلحة روسيا بعدما أفضت بحسب تعبير “إيكونوميست” إلى احراز نصر لروسيا في حرب أضرمها الغرب.
لا دليل على ذلك أكثر من التحذيرات التي أطلقتها مؤخرا المفوضية الأوروبية التي أبدت مخاوف واسعة من تداعيات انقطاع الغاز عن 13 دولة من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي جزئيا وكليا، بما يحمله ذلك من مخاطر قوية في تعطل الإمدادات وإنتاج اضطرابات سياسية وأمنية واسعة في وقت تحولت فيه أوكرانيا إلى ثقب أسود يتوسع كل يوم ليبتلع أسلحة العالم وموارده ويدمر قطاعاته الاقتصادية.
أزمة الوقود النووي
على أن الولايات المتحدة تجني حاليا مكاسب كبيرة من الحرب الدائرة في أوكرانيا، يتوقع أن تزداد أكثر بعد نجاحها في مضاعفة إنتاجها من الغاز المسال الذي تحتاجه الدول الأوروبية، إلا أنها تواجه تداعيات سلبية برزت مؤخرا في أزمة الوقود النووي، والتي خرجت إلى العلن مؤخرا في إعلان مساعدة وزير الطاقة الأمريكية كاثرين هوف، بأن الولايات المتحدة التي تمتلك أكبر أسطول نووي في العالم، تفتقر حاليا للقدرة على إنتاج ما يكفي من الوقود النووي لتشغيل مفاعلات الأسطول.
المسؤولة الأمريكية على أنها أكدت أن روسيا لم تعد مصدرا موثوقا به للوقود الذي تحتاجه واشنطن فقد أقرت بالمقابل حاجة بلادها لإيجاد بدائل وبناء سلسلة توريد مستدامة “، معتبرة أن “الولايات المتحدة اعتادت الحفاظ على قدرات إمداد كبيرة باليورانيوم، من التعدين إلى التحويل والتخصيب والتصنيع، لكن سلسلة التوريد هذه انهارت الآن”.
اعترفت هوف أن “الولايات المتحدة تعتمد الآن اعتمادا كليا على مورد واحد لليورانيوم المخصب، وهي غير قادرة على تلبية جميع الطلبات على منتجها، للحفاظ على تشغيل الأسطول العامل بطاقة المفاعلات بأكمله في المستقبل المنظور”.
وبحسب هوف فإن “روسيا توفر حوالي 20٪ من أسطول المفاعلات الحالية من اليورانيوم منخفض التخصيب” وفي الوقت الحالي لا يوجد أي مكان آخر يمكن الرجوع إليه في حال حظر اليورانيوم الروسي ولا توجد في جميع أنحاء العالم، قدرة كافية لتعويض تلك الفجوة من مصادر موثوقة.
أزمة أوروبية في الطاقة
في الضفة الأوروبية لم يكن الحال مختلفا، فشريان الحياة الاقتصادية فيها يواجه اليوم نقطة اختناق بالغة الخطورة. بعد أن أعلنت شركة “إليكتريكيت دو فرانس إس إيه” الفرنسية أنها قد تمدد التخفيضات في إنتاج الطاقة لتشمل تلك التي يتم توليدها عن طريق مفاعلات الطاقة الذرية بسبب ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض منسوب الأنهار، الذي أدى إلى توقف أنظمة التبريد الخاصة بالمفاعلات.
والأمر لا يتوقف عند هذه الأزمة فقط، فأغلب السفن لن تستطيع العبور في هذا الممر، ما قد يؤدي إلى توقف إمدادات الفحم والغاز عبر النهر إلى الداخل الأوروبي، وهو سبب قد يضاعف أزمة الطاقة في فرنسا خصوصا بعد شروع شركة “غازبروم” الروسية بتخفيض إمدادات الغاز المخصصة لشركة الطاقة الفرنسية منذ 30 أغسطس الماضي.
أما في مملكة الشمس الخجولة، فقد عبر رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، عن الأزمة الخانقة المنتظرة بنصيحة وجهها إلى مواطني بلاده بـ”شراء غلايات جديدة لتوفير 10 جنيهات إسترلينية سنويا من فواتير الكهرباء” في ظل ما تشهده المملكة المتحدة من ارتفاع كبير في أسعار مشتقات الطاقة.
الحال مع بقية الدول الأوروبية، فأسعار الكهرباء في فرنسا وألمانيا وإيطاليا ودول الشمال الأوروبي، ارتفعت 7 أضعاف قياسا بأسعارها العام الماضي، فيما يتوقع أن تواجه هذه الدول أزمة ارتفاعات جديدة خلال الشتاء المقبل، وسط تحذيرات من اضطرابات سياسية قد تشهدها أكثر العواصم الأوروبية من جراء هذه الأزمة.
هذا الحال عبَّر عنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي تحدث عن انتهاء “فترة الوفرة” بالقول “حن نمر باضطراب كبير، في الواقع، ما نمر به هو نهاية فترة الوفرة، سيتعين علينا مواجهة العواقب الاقتصادية، نحن نتحدث عن المنتجات والتقنيات التي اعتقدنا دائمًا أنها متوفرة، وعلينا الاستعداد للعواقب الاقتصادية الناتجة عن نقص المنتجات”.
معادلات متغيرة
في مقابل التأخر الحاصل في العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، بدت موسكو مهتمة في إحداث تغيير بطيء في المعادلات العسكرية والسياسية والاقتصادية من شأنها عزل أوروبا عن تفاعلات الأزمة الأوكرانية دون إحداث شوشرة.
كان ذلك واضحا في استمرارها بالتخفيض التدريجي لإمدادات الغاز إلى الدول الأوروبية مع مواصلتها حصد أرباح كبيرة من مبيعات الغاز التي ارتفعت أسعارها في دول أوروبا بشكل كبير ناهز الـ 3500 دولار لكل ألف متر مكعب، في حين يُنتظر أن تواجه كل الدول الأوروبية سواء المنخرطة في العقوبات على روسيا أم التي تحاول البقاء على الحياد، أزمة حادة في الخريف والشتاء القادم نتيجة ارتفاع أسعار غاز التدفئة وفي أسعار الكهرباء أيضا.
وفي قطاع النفط فإن كل المؤشرات تؤكد أن روسيا حصدت مكاسب كبيرة خلال الفترة الماضية، ففي شهر يوليو الماضي، سجل إنتاج من النفط الروسي تحسنا كبيرا بحوالي 10.8 مليون برميل يوميا، وهو أقل بقليل من 11 مليون برميل المعدل النموذجي للإنتاج المسجل قبل الاجتياح الروسي لأوكرانيا في يناير الماضي.
وكان الغرب يتوقع حشر روسيا في أزمة بيع إنتاجها من النفط بعد امتناع الدول الأوروبية شراء الطاقة من روسيا، لكنها وبسبب التخفيضات التي اعتمدتها تمكنت من الحصول على مشترين جدد لكميات كبيرة من النفط والغاز الروسي في أسواق الهند والصين وأقل منها في تركيا ودول أخرى في الشرق الأوسط، وكذلك بعض الدول الأوروبية التي لا تزال تشتري منتجات الطاقة الروسية لحين موعد الوقف الكامل لعمليات الشراء المقررة من الاتحاد الأوروبي في نوفمبر المقبل.
أما جديد المعادلات المتغيرة بالنسبة لروسيا، فيكمن في أن هذه الأسواق يمكن أن تكون كذلك مناطق واعدة لصادرات الوقود النووي الذي كانت تصدره للولايات المتحدة ودول أوروبا بعد أن شرعت ببرامج تعاون لبناء مفاعلات ذرية لإنتاج الطاقة الكهربائية في غير بلد.
ويمكن بالمقابل أن تكون هذه الأسواق واعدة لمنتجات الروسي كما ذهب لذلك وزير تنمية الشرق الأقصى الروسي اليكسي تشيكونكوف الذي أكد أن هذه السلعة النادرة والمطلوبة عالميا يمكن أن تحدث فارقا كبيرا في ميزان الاقتصاد الروسي باعتبار أن هذا المعدن النفيس هو الحارس الأول لقيم التداول المالي الدولي سواء للبنوك المركزية أم للأعمال التجارية أم للمواطنين.
والبيانات الاقتصادية الدولية الأخيرة جاءت لتوكد هذه المعطيات حيث أظهرت أن روسيا أصبحت أكبر مورد نفطي للصين للشهر الثالث على التوالي، بعد شراء الصين حصة أوروبا من الغاز والنفط الروسي بالكامل بعد ظهور العديد منن الشركات التي أصبحت تمارس دور الطرف الثالث في توصيل مشتقات الطاقة للالتفاف على العقوبات الدولية.
وبالنسبة للفحم الروسي الذي فرض الغرب حظرا على استيراده، فقد جاءت النتائج معاكسة حيث قفزت واردات الصين من الفحم الروسي إلى 14 % بكمية وصلت إلى 7.4 مليون طن، مقارنة بالعام الماضي، وهو أعلى مستوى يتحقق منذ خمس سنوات، في حين أفصحت بيانات التصدير الدولية أن واردات روسيا من فحم الكوك المخصص لصناعة الصلب ارتفعت هي الأخرى بنسبة 63 % لتصل إلى مليوني طن.
وعلى أن هذا التغير في المعادلات سيعزز من فرص استقرار الاقتصاد الروسي للفترة القادمة، إلا أن ذلك لا يعني أن موسكو لا تخسر من جراء العقوبات الأمريكية والغربية، فهي تهدر يوميا كميات هائلة من الغاز في فضاء القطب الشمالي كان يفترض أن تتوجه إلى خزانات الغاز في دول الاتحاد الأوروبي، وتضطر روسيا بسبب العقوبات إلى تفريغه كل يوم في العراء.
استعدادات خطيرة
لم تقف الدول الأوروبية مكتوفة الأيدي أمام احتمالات هزيمتها في ملف العقوبات الاقتصادية، حيث أدى إخفاقها في تأمين إمدادات بديلة للطاقة الروسية، إلى تبنيها توجهات تقشفية لخفض الاعتماد على الطاقة الروسية، أملا في أن يقود ذلك إلى تأثير ما على الموقف الروسي.
لكن هذا التكنيك لم يحظ بتفهم ودعم الداخل الأوروبي، إذ يشعر أكثر سكان العواصم الأوروبية تشعر أن حكوماتهم تمضي نحو أزمات داخلية يدفع ثمنها الأوروبيون، فهذه المجتمعات اعتادت حياة الرفاهية والاستخدام البذخي للطاقة طوال العقود الماضية، اليوم أنها من أكثر ضحايا العقوبات التي فرضتها حكوماتهم تحت مظلة الاتحاد الأوروبي، وسط توقعات في أن تحدث اضطرابات داخلية كبيرة، ما دعاها للبدء بإجراءات وقائية قاسية سعيا منها إلى تقليل التأثيرات المتوقعة لأزمة الطاقة في الشتاء المقبل.
وأكثر الإجراءات التقشفية لم تألفها المجتمعات الأوروبية، حيث وصل الحال بالحكومة الألمانية إلى الشروع في إجراءات حظر غسل اليدين بالمياه الدافئة، وحظر تدفئة حمامات السباحة، وخفض درجة حرارة المكاتب، وحظر معظم أنواع الإنارة الخارجية للمباني والمعالم الأثرية والمرافق الحكومية.
والحال في فرنسا لن يكون بعيدا، إذ تنتظر الفرنسيون في أكتوبر المقبل، إجراءات تشمل انطفاء اللوحات الإعلانية للمتاجر الكبرى بعد ساعات الإغلاق وتقليل مساحات الإضاءة في محلات البيع بالتجزئة بنسبة 30 ٪ مع تخفيض درجة حرارة لتدفئة إلى 17 درجة مئوية خلال ساعات ذروة التسوق.
وفي إيطاليا تقرر خفض درجة حرارة التدفئة وتقصير وقت تدفئة المنازل والمكاتب خلال فصل الشتاء لتقليل استهلاك الغاز للتدفئة بنسبة تزيد عن 10 ٪، كما تقرر تقليل الإضاءة في الأماكن العامة والمتاجر ليلاً مع الشروع بخطوات عملية لإطالة عمر محطات الطاقة التي تعمل بالفحم لتقليل استهلاك الغاز، في ظل احتمالات بإغلاق بعض المصانع التي تستخدم الغاز للتشغيل بكميات كبيرة.
الحال كذلك في اسبانيا التي قررت تقليل درجة حرارة تكييف الهواء إلى 27 درجة مئوية في المباني العامة ومعظم الشركات، وكذلك في المطارات ومحطات القطار وضبط درجة حرارة التدفئة 19 درجة مئوية كحد أعلى في الشتاء، باستثناء غرف الفنادق ومطابخ المطاعم ومصففي الشعر والصالات الرياضية والمدارس والمستشفيات، ناهيك عن شروعها في حظر إنارة المعالم الأثرية وواجهات المحلات في الليل، مع اشتراط إغلاق أبواب المتجر عند تشغيل نظام التدفئة أو التبريد.
وانضمت فنلندا الدولة التي تنتظر الانضمام إلى حلف “الناتو” إلى هذه الإجراءات بقرارها خفض درجة حرارة الغرف وتخفيض فترة الاستحمام بالمياه الساخنة، وتقليل الوقت الذي يقضيه المواطنون على الأجهزة الرقمية مع زيادة استخدام وسائل النقل العام.
وفي الدنمارك تقرر وقف تشغيل أنظمة التدفئة كليا في فصل الصيف وتقليل الاستحمام بالماء الساخن من 15 دقيقة إلى خمس دقائق، واستخدام حبل الغسيل لتجفيف الملابس، بدلا من أجهزة التجفيف وذلك لتوفير حوالي 1000 دولار من إجمالي ما تنفقه الأسر على الطاقة في السنة.
الإجراءات التقشفية الأوروبية شملت كذلك حظر تدفئة الممرات والقاعات وغرف المرافق ومنع إضاءة الإعلانات في الليل، وحظر غسل اليدين بالماء الدافئ في المباني العامة، مع تحديد بند إلزامي بشأن درجة الحرارة الأدنى في عقود إيجار المساكن.
هذه الإجراءات وغيرها ستجعل سكان دول القارة الأوروبية مقبلين على شتاء يعيدهم إلى أنماط الحياة القديمة في العصور الوسطى، وقد تثير موجات احتجاج واسعة ستضع الحكومات الغربية أمام تحديات داهمة، خصوصا في ظل التقديرات الأوروبية التي تؤكد صعوبة الاعتماد على هذه الإجراءات لضمان الأمن الأوروبي في الطاقة على المدى القصير والمتوسط.
ولعل أسوأ ما يمكن أن تواجهه الحكومات الغربية، هو ذلك المزاج الأوروبي الذي يتشكل حاليا، للضغط على حكومات بلدانهم تغيير سياستها تجاه روسيا والحرب في أوكرانيا، والتي صارت تلقي بأزمات حادة على مواطني الدول الغربية وليس على روسيا التي وجدت بدائل مثالية وطويلة الأمد لبقاء أوضاعها مستقرة واقتصادها منتعشا.
سيناريوهات محتملة
كثيرون في عواصم أوروبية يتحدثون عن أن مضي بلدانهم في فرض العقوبات على روسيا سيضعها في أقرب وقت أمام مشكلات اقتصادية عميقة وربما غير قابلة للحل.
هذا التصور يتوافق إلى حد كبير مع تصور آخر يقول إنه ما لم توقع العقوبات ضررا سريعا في الاقتصاد الروسي والاستقرار الداخلي الروسي فإن إنهاءها سيكون مصلحة أولى لدول القارة الأوروبية، لتلافي مشكلات عميقة تهدد الاقتصاد الأوروبي، ما يجعل استمرار الدعم السياسي للعقوبات أمراً بلا طائل.
وما يحصل اليوم يؤكد أن جميع الأطراف تخسر بسبب العقوبات وفي الصدارة دول الاتحاد الأوروبي، بعدما تسببت في اضطرابات كبيرة في سلاسل التوريد، واضطرابات في أسواق السلع الأساسية الدولية، وارتفاعات تضخمية في أسعار النفط والغاز والقمح والنحاس والنيكل والألومنيوم والأسمدة، وهذه الاضطرابات لن تبقى دائرة حول نفسها لوقت طويل، بل يتوقع أن تلتهم معها الكثير من القطاعات الاقتصادية.
على سبيل المثال فإن نقص الأسمدة سيقود إلى نقص حاد في المحاصيل الزراعية التي ستفاقم بدورها من أزمة الغذاء التي يصارع العالم حاليا لمواجهتها.
تزداد الأزمة إذا ما عرفنا أن روسيا وأوكرانيا تعدان أكبر منتجين للحبوب في العالم، كما أن الأسمدة التي تصدرها روسيا تعادل 30 % من حجم صادرات الأسمدة الزراعية في العالم، ما يجعل استمرار القيود على صادرات الأسمدة الروسية عامل تهديد حقيقياً على سلاسل إنتاج الغذاء العالمي، كما أن غيابها لفترة أطول قد يعمل على انهيار المحاصيل الزراعية، ليس في الدول الأوروبية فقط، بل قد يمتد إلى البرازيل والأرجنتين وغيرهما من القوى الزراعية العالمية.
وبخلاف التأثيرات التي يتوقع أن تطال أكثر دول العالم، فإن التأثيرات الأكثر قساوة ستكون من نصيب دول القارة الأوروبية، التي تواجه حاليا أسوأ موجة جفاف منذ 500 عام، وهي الأزمة التي تفاقمت بصورة خطيرة للغاية منذ بداية أغسطس الماضي، وظهرت آثارها للعيان بتخبر بعض البحيرات والتناقص الكبير في مناسيب الأنهار.
هذا الأمر وضع ثلثي دول القارة الأوروبية في حالة تأهب، بما خلفه من تأثيرات في انحسار حركة الشحن الداخلي وهبوط إنتاج الكهرباء وتراجع إنتاجية المحاصيل الزراعية، ناهيك عما سببه من أزمات نتيجة اندلاع الحرائق في الغابات والتي صارت عامل تهديد أساسياً للغطاء النباتي وزيادة معدلات التلوث بغاز الأوزون.
شبح المجاعة
ثمة إجماع أوروبي اليوم على أن العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة والغرب على روسيا لن تحقق أهدافها في إضعاف روسيا أو حتى عرقلة عمليتها العسكرية الخاصة بقدر ما أنها ستقود إلى كارثة عالمية.
وأكثر ما يخشاه الغرب أن يقود استمرار الحرب الاقتصادية مع روسيا حتى مطلع العام القادم 2023م بمستوى الضراوة الحاصل اليوم إلى تعزيز احتمالات الانزلاق إلى أزمة ركود حادة، بالتوازي مع تنامي أزمة التضخم الناتجة عن صدمة الأسعار التي لحقت بالطاقة والسلع الأساسية في جميع المجالات، في حين أن العديد من البلدان الأفريقية والآسيوية التي تعتمد على واردات الأغذية والطاقة من روسيا ستواجه شبح المجاعة.
وهذا الأمر لم يعد سراً، فخلال الفترة الماضية كان موضع نقاشات في العديد من برلمانات العالم وكذلك في المنظمة الدولية، وحذر منه بوضوح الأمين العام للأمم المتحدة انتونيو غوتيريش، عندما أعلن أن أصداء الأزمة الأوكرانية، صارت تجلجل في أنحاء العالم وسط مخاوف من أن يؤدي ارتفاع أسعار الأغذية والطاقة والأسمدة إلى حدوث مجاعة عالمية.

قد يعجبك ايضا