اليمن.. مصنع الرجال ومقبرة الغزاة

صولان صالح الصولاني

 

 

كيمني حر تربَّى على القيم والأخلاق والمبادئ اليمنية الأصيلة منذ نعومة أظافره، تشعر بالغبطة والسرور والفخر والاعتزاز – في آن معاً –وأنت تقرأ في كتب التاريخ البعيد والقريب تلك الأدوار والمآثر العظيمة التي جسَّدها الآباء والأجداد اليمنيون أكان ذلك من خلال مواقفهم الخالدة في مناصرة الدين الإسلامي منذ البدايات الأولى لسطوع الدعوة الإسلامية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم وعلى آله، أو من خلال تلبيتهم لداعي النفير والنكف القبلي في سبيل نصرة الحق ضد الباطل ودرء الفتن والنزاعات التي تحصل هنا أو هناك على امتداد رقعة الأراضي اليمنية، والذين تجدهم يتدافعون أكثر وبصورة جماعية قل نظيرها من كل مناطق اليمن وقبائلها ذات الكرم والشجاعة والنخوة والشموخ والاباء للوقوف صفاً واحداً في الدفاع عن وطنهم إذا ما تعرَّض لأي عدوان خارجي، باذلين الغالي والنفيس في سبيل الدفاع عن عزة وكرامة وطنهم ضد الغزاة المعتدين ومرتزقتهم الأنذال، فيندفعون لملاقاة الغزاة المعتدين اندفاعاً قلَّما تجد له نظيراً عند سائر شعوب الأرض.. والذين تجدهم على الفطرة يزدادون اندفاعاً أكثر وأكثر بل ويتلهفون شوقاً لملاقاة الأعداء كلَّما طال أمد العدوان والحصار وكلَّما استمر المعتدون في صلفهم وتعنّتهم وعنجهيتهم.
ولا غرابة في يمن العزة والإباء والشموخ أن تجد الطفل الذي لا يتجاوز الخامسة من عمره، وهو يحتزم “جنبيته” ليل نهار منذ اليوم الأول لبداية العدوان السعودي الأمريكي الصهيوني الإماراتي، الذي دخل عامه الثامن تعتريه الخيبة والخزي والعار والشنار، نظراً لما لحقت به من هزائم نكراء، كأبسط تعبير عن حالة التحدي والاستنفار بوجه المعتدين، بل وتجده برغم صغر سنه -أيضاً- يتأهب لحمل البندقية كلَّما سمع ضجيج الطائرات المعادية وهي تحلِّق في سماء المنطقة والوطن الذي يتربى ويعيش بين أحضانه، وكلَّما سمع دوي صواريخ وقنابل وحمم الحقد السعودي الإماراتي الأمريكية الصنع أثناء استهدافها لمنازل المواطنين الأبرياء والمباني والمنشآت الحيوية والأسواق العامة القريبة من منزله، وللتعبير كذلك تجد هذا الطفل اليمني أو ذاك يصرخ عالياً بوجه المعتدين مردداً حينها عدداً من زوامل الشهيد البطل لطف القحوم والشاعر الفذ عيسى الليث: “توكلنا على الله بالبلاجيك *** على سلمان نوحي يا البواكي”، “نقسم برب العرش خلاق السماء*** بانعدم الجيش السعودي نعدمه..”، “والله أن أحنا رجاجيل المغازي *** بانجازي من غزانا بانجازي…”، “والله أني لكبر وأعلن استعدادي*** لو تفجِّر براسي قنبلة ذرية..” وغيرها الكثير والكثير من الزوامل والقصائد الشعرية المعبِّرة عن الشجاعة والتحدي والصمود بوجه العدوان البربري الغاشم والظالم، والتي أصبح أطفال اليمن، وهذا الطفل واحد منهم، يحفظونها عن ظهر قلب، ويعبِّرون من خلالها عما يدور بدواخلهم ويعلنون –أيضاً- من خلال ترديدهم المتواصل لها النفير والاستنفار بوجه الغزاة والمعتدين بطريقتهم الخاصة.
كما أن أبناء شعبنا اليمني وخلافاً لغيرهم من أبناء الشعوب الأخرى، يعشقون القتال والشهادة في سبيل الله وفي سبيل الدفاع عن الوطن والأرض والعرض مثل عشق الآخرين للحياة وزينتها الدنيوية، فتجدهم منذ بدء العدوان على بلادنا حتى يومنا هذا وهم يتسابقون نحو جبهات العزة والشرف دون كلل أو ملل، وكلما اشتد أوار الحرب وحمي وطيس المعركة في أي جبهة من الجبهات تجدهم يزدادون اندفاعاً نحو هذه الجبهة خفافاً وثقالاً بعزيمة لا تلين وشوق لا يضاهى لملاقاة جحافل الغزو والاحتلال وكلهم ثقة بتحقيق النصر على الأعداء مهما كانت قوتهم وجبروتهم، ولمن لا يزال يجهل هذه الحقيقة الثابتة، فليتأمل قليلاً في تلك الانتصارات العظيمة التي سطرها مجاهدو الجيش واللجان الشعبية وأبناء القبائل الشرفاء في عمليات “نصر من الله” و”البنيان المرصوص” و”أمكن منهم” و…..و…..إلخ من العمليات العسكرية الكبيرة والواسعة النطاق، التي بقدر ما أنهم لقنوا الأعداء فيها دروساً لن ينسوها، فإنهم كذلك استطاعوا من خلالها أن يكسروا قوانين وقواعد الحرب المعروفة والمتعارف عليها لدى أكبر وأشهر أكاديميات الحرب العليا في العالم، ولأن اليمنيين من منطلق إدراكهم ومعرفتهم بعدوهم الذي لا يرعى عهداً ولا ملَّة، لم ييأسوا أو يركنوا إلى هدنة الشهرين الإضافيين في تحقيق هدفهم الأسمى والأجلّ المتمثل في النصر المؤزر على الأعداء ونيل الحرية والاستقلال والكرامة بتحرير كل شبر من الأراضي اليمنية ودحر الغزاة المحتلين ومرتزقتهم من بلادنا، فهاهم اليمنيون يعدّون العدّة من خلال انخراط شباب هذا الوطن المعطاء بالمئات بل وأحياناً بالآلاف في مرحلة تأهيل وإعداد قتالي على مستوى كل المحاور والوحدات العسكرية المختلفة، فما نشاهده ونتابعه هذه الأيام عبر مختلف قنوات ووسائل الإعلام الحر من عروض عسكرية كبيرة ومذهلة للعديد من الدفع والوحدات القتالية المختلفة الأدوار والمهام بعد تخرِّجها من الدورات العسكرية المغلقة، ليس سوى غيض من فيض، لأن ما خفي أعظم.. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على شموخ وعزة وإباء وبأس اليمنيين وثقتهم الكبيرة بتحقيق النصر على أعدائهم مهما كانت قوتهم وجبروتهم، والتي يستمدونها ويعتمدون فيها على الله رب العالمين الذي يخاطبهم بقوله “أذن للذين يُقاتلون بأنهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير”.. والذي يخاطب –أيضاً- أعداءهم بقوله تعالى “وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون” صدق الله العظيم.
على كلٍّ اليمن يظل مصنع الرجال ومنبع العروبة وأرض الأحرار ومقبرة الغزاة، واليمني يظل مقداماً جسوراً ومبادراً كريماً ومجاهداً شجاعاً في نصرة الحق والدين الإسلامي والدفاع عن الوطن والذود عن الأرض والعرض والعزة والكرامة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وليعلم تحالف العدوان السعوصهيوأمريكي، بقادته وجيوشه وجحافله ومرتزقته، بأن النهاية الحتمية لكل من يتطاول أو يعتدي على اليمن واليمنيين، هي السقوط والفشل الذريع والهزيمة النكراء والخزي والعار.

قد يعجبك ايضا