ربما آن الأوان لأرواح الشهداء الهائمة في ربوع الوطن أن تهدأ وتستريح وهي ترى ثمار دمائها الطاهرة تأتي أكلها وعجلة سير البلاد تتجه نحو الطريق التي ناضل الشهداء وضحوا من أجل الوصول إليها الطريق نحو بناء يمن جديد قائم على العدالة والمواطنة المتساوية لا يمتلكه أو يتلاعب بمصيره ومستقبله فرد أو جماعة يسوده الحوار والتوافق وكل ما يمهد له المضي نحو المستقبل المشرق.
جمعة الكرامة جمعة الألم والانتصار وأبرز الأيام في تاريخ الثورة الشبابية والحدث الذي نقل بالعمل الثوري مراحل متقدمة وبداية الانتصار.
جاءت الكرامة بعد عمليات تضييق وحصار على ساحة التغيير بأمانة العاصمة وأعمال استفزازية وإجرامية قامت بها بعض العناصر الإجرامية التي استخدمت العنف لمنع الثوار من دخول الساحة وبنت جدران عزل من كل المنافذ وتسلحت بالعصي والأسلحة النارية لترويع من يحاول الدخول إلى الساحة ومنعه بالقوة بهدف وأد الثورة في بدايتها وحجبها عن عقول وقلوب شعب تاق إلى الحرية والتغيير.
القوى التقليدية المناهضة للثورة ومن تخاف على مصالحها الشخصية ومناصبها السياسية كان صبرها قد بدأ ينفد وأيقظت منامها أصوات تتعالى تطالبها بالتغيير فأوحى لها بعض من شياطين الإنس والجن أن إجهاض الثورة لن يكون إلا بالعنف ونشر الرعب في أوساط المنتشرين بالساحة حتى يعودوا إلى منازلهم وتنطفئ جذوة الثورة قد دبروا مكيدتهم بليل وعزموا أمرهم على القتل وإراقة الدماء الزكية والأرواح الطاهرة.
بدأت الأحداث الدموية قبل لحظات من تسليم الإمام من صلاة الجمعة بتصاعد دخان كثيف من خلف جدار بنوه جهة الجامعة القديمة مصحوبة بأصوات عيارات نارية ازدادت حدتها تدريجيا.
كانت رصاص الموت تخترق أجساد الشباب من بنادق بلطجية احتجبوا خلف سواد الدخان وتمترسوا في شرفات بعض المنازل القريبة من الساحة وبدأت آمالهم تخيب وهم يرون أن رصاصاتهم تزيد الثورة وهجا وتشحذ العزائم فجموع الثوار تتدافع نحو الموت بلا خوف أو تردد وكلهم مشروع شهيد وتضحية في سبيل رفعة الوطن وانعتاقه من الظلم والفساد.
ودع شهداء الكرامة رفاقهم بابتسامات ارتسمت على الوجوه وحملوهم مسئولية السير على درب الثورة والانتصار لدمائهم ولأحلامهم المنشودة بالدماء التي غسلت جسد الساحة.
شهدت اليمن والعالم أجمع غضبا ثوريا يتدفق في الأرجاء وكسرت الفئة الصامتة جدران الصمت وأعلنت كثير القوى العسكرية والسياسية انضمامها للثورة.. بالأرواح الزكية غرست الثورة جذورها في الأعماق واهتزت كراسي الحكم ومعاقله لتتضاعف حالة التخبط والهستيريا بينما تمضي الثورة نحو أهدافها بثبات.
إن ما تشهده البلاد من نجاح لمؤتمر الحوار الوطني الشامل ووضع الخطوط العريضة لبناء اليمن الجديد ليس إلا انتصارا لدماء شهداء جمعة الكرامة وأخواتها من المواقع والأحداث التي راح ضحيتها العشرات من الشهداء والمئات من الجرحى فقد حملت كل فئات الشعب أمانة دمائهم واستحضرت أرواحهم الزكية كمعالم تهدي اليمن إلى الطريق الصحيح وتحقق أهدافا هانت لأجلها تضحياتهم.
ومع دخول البلاد مرحلة جديدة من التغيير والثورة وطي صفحات الماضي ما تزال دماء الشهداء هي من تنير الدروب وتقدم لنا شواهد في العطاء والتضحية ودروسا عظيمة عن حب الوطن والموت لأجله.