عن وقف العمليات العسكرية في اليمن
يكتبها اليوم / عبدالرحمن مراد
تحاول السعودية أن تكابر وتستسلم لغرورها حتى تصل إلى مشارف الهاوية أو تقع فيها، فقد خرج بيانها هزيلاً وغير واقعي عن أسباب وقف العمليات العسكرية، حيث ذهب إلى القول أنها استجابة لنداء أمين عام مجلس التعاون الخليجي ورغبة في خلق مناخ مناسب للمشاورات اليمنية في الرياض، وهو تخريج يحمل في باطنه الكثير من الانكسار وإن بدا للسعودية أنه تعليل مناسب، لكن كل ذي لب يدرك ماهي البنية الدلالية التي يحملها، فالمشاورات التي تديرها السعودية في الرياض هي مشاورات مع أدواتها ومع نفسها، وكل الذين حضروا قوائم من الإخوان ولفيف منتقى من أسماء لا أثر لهم في الواقع، ولم تشهد المراحل والسنون أي حضور لها، فهي تحاور غاغة الأضرعي بكل ما تحمله من إسفاف وسقوط أخلاقي ليس أكثر – والأضرعي من الذين حضروا المشاورات في الرياض وعلى مثله يمكن القياس – كما أن دعوة أمين عام مجلس التعاون الخليجي التي استجابت لها السعودية لم تكن إلا هروباً واضحاً من دعوة رئيس المجلس السياسي الأعلى بصنعاء إلى الجنوح إلى السلم وفق محددات ثلاث قالها قائد الثورة وقائد المسيرة القرآنية السيد عبد الملك الحوثي وهي : وقف العدوان، ورفع الحصار، وإنهاء الاحتلال من كل شبر من أراضي اليمن، وهو أمر متعذر على السعودية فعله في المرحلة الحالية، وبالتالي فرغبتها التي تدَّعيها غير واقعية وليس هناك من نوايا صادقة في اتجاه إحلال السلام في اليمن .
النظام السعودي يشعر بالهزيمة في كوامن نفسه ولا يستطيع مصارحة نفسه بها، فهو عاجز عن التأثير في مناطق سيطرة حكومة الإنقاذ، وعاجز عن القيام بأي عملية عسكرية نوعية في تلك المناطق، يستطيع المرء أن يدرك ذلك من ردة فعل ناطق التحالف تركي المالكي في ردة فعله على عملية كسر الحصار الثالثة ألتي أصابتهم بمقتل، حيث ذاقوا من ذات الكأس التي شربها اليمن في ذات التوقيت من عام 2015م، وكانت الرسالة واضحة وقوية وقاتلة، حتى أن ناطق التحالف كان مرتبكاً وتلعثم وهو يتناقض ويقول إن السعودية قد تسامح لكنها قد تغضب وقد تدمر لكنها لن تترك أحداً يمس أمنها الداخلي، هكذا بمثل ذلك الارتباك والتناقض، وفي علم النفس ما يفسر التناقض وما يفسر قسمات الوجه في مقاطع الفيديو التي تناقلتها شبكة التواصل الاجتماعي .
لقد هربت السعودية إلى فكرة المشاورات بحثاً عن مخرج لها من مأزق اليمن وفشلت في استقطاب رموز صنعاء، رغم الإغراءات والحركة الدؤوبة في هذا الاتجاه، حيث حاولوا بكل السبل ضم أحد الذين ينتمون إلى أنصار الله, أو من الذين يناهضون مشروع احتلالها لليمن ففشلوا، ولذلك كانت دعوة أمين عام مجلس التعاون مطية لقبول فكرة صنعاء في الهدنة والشروع في حوار جاد لكن بغطاء مبطن، تريد حواراً مع صنعاء غير معلن ولذلك سوف تتخذ من المشاورات مطية لتمرير اتفاقها مع صنعاء حتى لا تبدو أمام شعبها وأمام الرأي العام العربي والعالمي منكسرة ومهزومة .
السعودية تدرك أن اللفيف الذي جمعته في الرياض من سكان الفنادق ومرتادي البارات والشاليهات والمقاهي ومن شذاذ الآفاق لا قيمة لهم، فلا طائل من حوار طبلة المهرج مع لاعب الشرح الذي لا يجيد فن الشرح ولا رقصته، فهو حوار أجوف دون قيمة، لكن يبدو أن ضرورة مؤتمر المشاورات تنبثق من المحمول الذي سوف يحمله من نتائج الحوار الذي سوف يتزامن مع صنعاء، لذلك أضحى من المعيب على الذين حضروا المشاورات أن يكونوا مطايا للسعودية في مقابل ثمن بخس لكرامتهم دراهم معدودات .
تنتعل السعودية وجوهاً يمنية لتصل إلى غاياتها، وثمة تجارب لتلك الوجوه خلال السنين السالفات لكنها في مقابل المال لا تتعظ وربما أبدت استعدادها لما هو أفظع وأنكى، فالذين تداعوا إلى الرياض كما تتداعى الأكلة إلى قصعتهم تعبث السعودية في مصائرهم كما تعبث بالجنود في حدها الجنوبي من المرتزقة الذين أغراهم الريال السعودي فكانوا حطباً يحترق ويترمد دون فائدة تذكر سوى الأذى الذي يصيب بعض المؤمنين، اليوم ثمة خبر يقول أن السعودية سوف تنقل أولئك المرتزقة إلى حدها الشمالي المتاخم للعراق، فهي لا تملك جنودا يحمونها سوى أولئك الذين أجبرهم الفقر على الارتزاق فكانوا جنودا في صفوفها من أبناء بعض المناطق الواقعة تحت سيطرة التحالف .
صنعاء لها مطالب لا يمكن تجاوزها وتتمثل في: وقف العدوان، ورفع الحصار, وإنهاء الاحتلال, والاعتذار لليمن وتعويضه, مالم فالمعركة قائمة حتى يحكم الله بيننا وبين الظالمين, فلا قيمة لوقف العمليات العسكرية, والحصار ما يزال مستمرا, ولا قيمة لوقف العمليات, والاحتلال لليمن ما يزال مستمرا, فتلك القضايا جوهرية لمن أراد سلاما حقيقيا وصادقا، وما دون ذلك فهو تهريج يشبه تهريج مشاورات الرياض، ولا وقت لدى صنعاء حتى تهرقه على رمال متحركة .
كل التفاعلات الدولية تصب في صالح اليمن, فالتبدل في الموازين الدولية سوف يحشر التحالف ومن شايعه في زوايا أخلاقية ومصيرية بالغة الدقة, لذلك فالبحث عن حل للملف اليمني يجبر السعودية ومن تحالف على الشروع فيه, ولا بد من اقتناص الفرص وصناعة اليمن الجديد الذي ناضل أبناؤه على مدى أعوام سبعة سلفت من أجل السيادة والعزة والكرامة والحرية والاستقلال بعيداً عن مدار الوصاية التي كان عليها الحال في سالف الأيام والعقود ٍ.