مجلس الأمن منصة دولية لتبرير العدوان والحصار على اليمن
غارات وقرارات.. مجلس الأمن شريك في العدوان على اليمن ” الحلقة 22 “
مجلس الأمن يفاوض اليمنيين على محافظات مارب والحديدة ويساومهم على دخول الأدوية والوقود والغذاء
فريق خبراء مجلس الأمن.. (وشهدوا على أنفسهم)!!
في العام 2014 أصدر مجلس الأمن القرار(2140) القاضي باعتبار أن الحالة في اليمن تشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين، وعلى إثر ذلك أعطى لنفسه الحق في التعامل مع اليمن بموجب الفصل السابع، وقد وضحنا في الفصل الأول أن القرار (2140) يعتبر باطلاً قانونياً، كونه مخالفاً لميثاق الأمم المتحدة وقرار الجمعية العامة رقم (36/103) القاضي بعدم جواز التدخل في الشؤون الداخلية لأي بلد، حيث أن الحالة في اليمن تعتبر ثورة داخلية لم تشكل أي خطر على دول الجوار.
يضاف إلى ذلك أن الأحداث التي تبِعَت الثورة كانت تحت سيطرة قيادتها والمكونات الوطنية، ولم يثبت أي اعتداء أو تهديد على أي دولة، وكانت جولات الحوار بين الفرقاء تعزز السلم والأمن المحلي ولم تهدده ـ ناهيكم عن تهديد السلام والأمن العالمي ، كما أن أياً من المكونات اليمنية لم تعلن أو تقم بالعدوان على بلد آخر ليتم التعامل معها بموجب الفصل السابع، وهذا ما تم إثباته سابقاً(1).
وبناءً على بطلان قانونية قرار التعامل مع اليمن بموجب الفصل السابع تكون كافة القرارات المتخذة تأسيساً عليه باطلة بجانب كونها تعزز المخالفات الرئيسية التي قام بها مجلس الأمن بخصوص اليمن.
ومن تلك القرارات الباطلة تشكيل لجنة جزاءات وإعطاء ولاية لفريق خبراء مساعد للجنة وغيرها من قرارات وأحكام المجلس بموجب الفصل السابع التي حاول من خلالها فرض إجراءات سياسية تصادر حق الشعب اليمني في تقرير مصيره بنفسه، فقد بلغت جسامة مخالفاته حد تشجيع وتبرير التدخل الخارجي في اليمن وفرض التغييرات السياسية وصولاً إلى تعيين رئيس للبلد بمخالفة دستورية، وانتهاءً بشن عدوان مُعلن مستمر منذ قرابة سبع سنوات.(2)
على الرغم من بطلان ولاية فريق الخبراء التابع للجنة مجلس الأمن والمشكل بموجب القرار (2140) فقد رأينا أهمية الاستشهاد بتقاريره الـ (7) التي صدرت خلال الأعوام 2014-2021، فبطلان ولايته وعدم حيادية تقاريره التي انحازت للتحالف وحرضت بشكل متعمد على الثوار اليمنيين وحكومة صنعاء، فقد فشل الفريق في محاولاته تغطية انحيازه من خلال التحقيق في عدد محدود من الأحداث والجرائم التي لم يستطع التحالف انكارها أساساً متغافلاً عن مئات المجازر وآلاف الجرائم التي شهدها العالم وتغافل عنها فريق الخبراء رغم توثيقها من قبل المنظمات الحقوقية ووسائل الإعلام المحلية والدولية لقرابة سبع سنوات.
ومن خلال دراسة وتحليل تقارير فريق الخبراء ثبت مجدداً بطلان قانونية أحكام القرار (2140) وما تلاه من قرارات ومخالفات لمجلس الأمن حتى اكتوبر 2021 وقد خرجت دراسة تقارير الفريق بالإثباتات الآتية:
1- بطلان قانونية أحكام القرار (2140) من خلال كشف عدم صحة ومصداقية مبرراته وحججه التي بنى عليها أن الحالة في اليمن تهدد السلام والأمن الدوليين، وبدأ على أساسها يتصرف ويصدر الأحكام بموجب الفصل السابع.
2- إثبات مخالفة مجلس الأمن لميثاق الأمم المتحدة وقرارات الجمعية العامة وتنصله عن مهامه إزاء توثيق فريق الخبراء لجرائم تثبت ارتكاب دول التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية جريمة العدوان بكافة أشكالها المذكورة في القرار 3314 (د-29) الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 14 ديسمبر 1974 وفصلّها نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، بجانب ارتكابها مختلف الجرائم المصنفة أشد خطراً حسب القانون الجنائي الدولي.
3- إثبات انتهاج فريق الخبراء سياسة مجلس الأمن في تضليل المجتمع والرأي العام الدولي عن حقيقة جريمة العدوان الخارجي على اليمن، وانحيازه للتحالف مع التشويه والتحريض ضد الثوار اليمنيين وحكومة صنعاء ومكون “أنصار الله”، و”المؤتمر الشعبي العام”، وحلفائهما من المكونات السياسية والاجتماعية.
أولاً: بطلان قانونية أحكام القرار (2140):
حاول مجلس الأمن في قراراته (2014) و(2051) وصولاً إلى القرار (2140) تضليل المجتمع الدولي والرأي العام الدولي وتهيئته للقبول بقراراته وأحكامه بخصوص اليمن على الرغم من مخالفتها لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي. جاء ذلك من خلال سرده لتوصيف غير حقيقي للواقع اليمني وتهويله للأحداث، بغية إثارة قلق المجتمع الدولي وتمهيداً لإقناعه بأن الحالة في اليمن تهدد الأمن والسلام الدوليين، ويضمن من خلال كل ذلك التضليل والتهويل عدم معارضة المجتمع الدولي لقراراته الجائرة ضد الشعب اليمني بموجب الفصل السابع(3).
حماية اليمن من تدهور الحالة الإنسانية والأمنية:
كان المبرر الأساسي لتدخل مجلس الأمن في الشأن اليمني هو دعم عملية الانتقال السياسي وقد ربط تنفيذها بآلية محددة صورها بأنها ستحمي الأمن والسلم الدوليين وأن تنفيذها بأي آلية أخرى سيهددهما، كان ذلك واضحاً ابتداءً بقراره (2014) الصادر عام 2011 والذي رحب فيه بدعوة مجلس التعاون الخليجي للرئيس السابق “علي عبدالله صالح”، وألزمه بـ : ” التوقيع فوراً على مبادرة مجلس التعاون الخليجي وتنفيذها”، ثم أشار إلى أن عدم التوقيع والخروج بتسوية دائمة – بتلك الآلية – سيفاقم الوضع في اليمن ويشكل تهديداً للسلم والأمن الإقليميين وليس الدوليين حيث نصت ديباجة القرار (2014) ايضاً على: “وإذ يدرك مسؤوليته الرئيسية في مجال صون السلم والأمن الدوليين بموجب ميثاق الأمم المتحدة، وإذ يشدد على التهديدات التي يشكلها للأمن والاستقرار الإقليميين تفاقمُ الحالة في اليمن في ظل غياب تسوية سياسية دائمة”.
وبعد تنفيذ انتقال سياسي كما أراد مجلس الأمن ومجلس التعاون الخليجي، عاد مجلس الأمن بقراره (2051) الصادر عام 2012 ليتدخل مرة أخرى في الشأن الداخلي اليمني بمبرر مسؤوليته في صون السلام والأمن الدوليين مهدداً أن عدم احراز تقدم في تنفيذ المبادرة الخليجية سيسبب حالة تهدد السلام والأمن في المنطقة(5).
في عام 2014 وبالرغم من ترحيب المجلس في قراره (2140) بسير عملية تنفيذ المبادرة الخليجية وتشكيل الحكومة، وتأكيد دعمه لمخرجات الحوار الوطني الشامل، عاد مجدداً ليدين ما أسماها الأنشطة الإرهابية التي تقوض العملية السياسية في اليمن ليعلن فجأة “وإذ يقرر أن الحالة في اليمن تشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين في المنطقة”، وهي المنطقة التي لم يصل أي ضرر أو اعتداء من اليمن على أي دولة فيها!، وبدأ المجلس فعلاً بإصدار أحكام حول شؤون داخلية بحتة يفرضها على الشعب اليمني بموجب الفصل السابع(6).
وضع كارثي تعيشه اليمن خلال سبع سنوات من تدخلات مجلس الأمن في الشأن اليمني الداخلي وإصداره القرارات والأحكام المخالفة لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي لم يستطع تحقيق أيٍ من أهدافه السياسية المعلنة في اليمن.
وبغض النظر عن الأحداث التي شهدها العالم والتقارير الدولية حول تدهور الوضع في اليمن بسبب تلك التدخلات، فيكفي أن نأخذ شهادة فريق الخبراء حول ذلك من خلال ما أثبته في تقريره الصادر في يناير 2021: “ما فتئ الوضع يتدهور في اليمن، مع ما يترتب على ذلك من آثار مدمرة على السكان المدنيين، وتساهم ثلاثة عوامل رئيسية في هذه الكارثة: (أ) التربح الاقتصادي من قبل جميع الأطراف اليمنية، مما يؤثر على الأمن البشري، (ب) والانتهاكات المستمرة والواسعة النطاق لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، في ظل الإفلات من العقاب، (ج) والتصعيد في القتال وتأثيره على المدنيين، بما في ذلك النزوح.”، فهل هذا هو الوضع السياسي والأمني الذي وعد به مجلس الأمن الشعب اليمني؟ ألم يثبت الشعب اليمني أنه كان أكثر حكمة من مجلس الأمن قبل تدخله في اليمن حيث استطاع احتواء كافة الأزمات والنزاعات وحسمها بأقل الخسائر؟
أثبت تقرير فريق الخبراء فشل حكومة “هادي”، في بسط سيطرتها على المحافظات المحتلة، وشخّص الوضع الحقيقي لها بما أورده في نص تقريره: “ويتهدد الإقليم الذي تسيطر عليه حكومة اليمن خطر تفكك السلطة إلى خليط من الفصائل المتنافسة، على نحو ما لوحظ في تعز، ويسود العلاقات بين الجماعات المسلحة غير التابعة للدولة وحكومة اليمن غموض يتضح من تجنيد حمود سعيد المخلافي للمقاتلين بصفة غير قانونية، ولا تزال المواجهات في شبوة بين قوات حكومة اليمن وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي والقوات التابعة لها تشكل تهديدا للاستقرار.”، مستشهداً في فقرة أخرى بالحال الذي وصلت اليه أطراف التحالف من الاختلاف: “ففي 29 آب/أغسطس، شنت الإمارات العربية المتحدة غارات جوية على رتل متقدم تابع لقوات حكومة اليمن في نقطة العلم للتفتيش في عدن وفي دوفس بمحافظة أبين”، وكذلك بتواجد قوات المملكة العربية السعودية في المهرة واستشهد الفريق على ذلك في تقريره بممارسات القوات السعودية في المهرة للعمل الأمني، وكما أكدت: “أدت الحملة المشددة لمكافحة التهريب، بقيادة القوات الموالية للمملكة العربية السعودية، إلى رد فعل من عناصر قبلية بالقرب من الحدود.”(7)
الفساد والانكماش والتضخم هو توصيف فريق الخبراء للوضع الاقتصادي اليمن بعد تدخل مجلس الأمن، وقد لخصه الفريق في العبارات: “وواصل الاقتصاد اليمني انكماشه، متأثراً بالتضخم الذي بلغ رقمين والعملة المنهارة، وهو ما له أثر مدمر على السكان”(8) مؤكداً أن حكومة الرئيس الفار هادي والتي يدعمها المجلس وتدار من الرياض تجد “صعوبة في تحصيل الإيرادات الداخلية واجتذاب التمويل الخارجي”، وتنخرط في “ممارسات لغسل الأموال والفساد تؤثر سلباً في إمكانية حصول اليمنيين على الإمدادات الغذائية الكافية، مما يشكل انتهاكاً للحق في الغذاء”(9)، أدى إلى “تراجع الدعم النقدي الخارجي وأضر سوء إدارة الإيرادات النقدية الأجنبية بمصداقية حكومة اليمن.”(10)