أردوغان تائب من شعاراته عائد إلى الحضن الصهيوني:

أنا لست خليفة المسلمين بل حليف الصهاينة !

 

 

قبل عامين هاجم المطبعون العرب ويوم أمس احتفل بالرئيس الصهيوني كما لم يحتفل بأحد من قبل
النظام التركي ينظم لقافلة الخيانة.. فتح أسواقه لمنتجات الصهاينة وكرّس الولاء السياسي لهم

الثورة / عبدالرحمن عبدالله
استقبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوم أمس رئيس العدو الصهيوني اليهودي المتطرف إسحاق هرتسوغ في العاصمة التركية أنقرة، ووصل رئيس العدو إلى تركيا في زيارة وصفت بالنادرة، بدعوة وجهها التركي أردوغان لنظيره اليهودي هرتسوغ، وجاءت الزيارة لتكشف مدى العلاقات التركية الصهيونية بعد سنوات من إبقائها وراء الادعاءات التي كان يطلقها أردوغان بشأن فلسطين وضد العدو الصهيوني.
وعلى عكس الشعارات والادعاءات التي أطلقها أردوغان في الفترة الماضية فإن تركيا تقيم علاقات مع الصهاينة منذ عقود رغم مسرحية «مرمرة» التي حدثت في العام 2010، حيث شهد العام نفسه زيارة لرئيس الوزراء الصهيوني أيهود باراك في حينها، ومنذ العام نفسه تمظهر أردوغان بموقف زائف ادعى فيه وقوفه ضد العدو الصهيوني وتضامنه مع فلسطين.
شراكات استراتيجية تجمع أردوغان بالصهاينة
علاقات أردوغان بالصهاينة ليست جديدة بطبيعة الحال، فقد جاءت دعوته لرئيس العدو الصهيوني جاءت بعد سنوات شاب العلاقات التركية اليهودية توترات برزت في شكل مواقف ادعاها أردوغان وشعارات رددها ضد الصهاينة، وقيل بأن الاعتداء الذي نفدته قوات صهيونية ضد سفينة مرمرة التركية عام 2010، هو أهم أسباب التوتر حيث قتل 19 تركيا كانوا ضمن نشطاء دوليين، على متن السفينة التي كانت تحاول كسر الحصار الصهيوني المفروض على غزة.
غير أن مراقبون رأوا أن تلك الحادثة كانت مسرحية أطلق أردوغان بعدها الكثير من الشعارات والعناوين، واعتبروا أن ما يحدث اليوم ليس بداية تطبيع بل بداية لمشروع آخر يستهدف المنطقة، وسبق وصول رئيس العدو الصهيوني زيارات تركية إلى كيان العدو الصهيوني خلال الأيام الماضية.
وقالت وزارتا الخارجية التركية والصهيونية، إن وفدًا كبيرًا من تركيا توجه إلى كيان العدو الصهيوني يوم الأربعاء 15 فبراير، في إطار تحضيرات زيارة المسؤول اليهودي إلى تركيا، وهو ما يعني أن استقبال أردوغان لرئيس العدو الصهيوني بحفاوة بالغة ظهرت يوم أمس تأتي في إطار تآمري خطير بين تركيا والعدو الصهيوني.
وخلال الأسابيع الماضية، زار رئيس العدو الصهيوني الإمارات ثم اليونان ثم قبرص، تلاها زيارة لأردوغان إلى دويلة الإمارات، مصادر رجحت أن دويلة الإمارات التي تعمل كواجهة للمشروع الصهيوني في المنطقة وعراب للتطبيع سعت في إعادة أردوغان إلى الحظيرة الصهيونية، أما زيارة اليهودي هرتسوغ إلى اليونان وقبرص فكانت بهدف طمأنتهما بأن التقارب مع تركيا لن يقوض علاقات العدو الصهيوني مع الدولتين التي ترتبط بحدود بحرية عبر البحر المتوسط مع كيان العدو الصهيوني.
ودخل العدو الصهيوني في شراكة مع اليونان وقبرص لبناء خط أنابيب غاز من شرق البحر المتوسط، لكن المشروع توقف إلى حد كبير منذ أن سحبت الولايات المتحدة دعمها للمشروع في يناير من العام هذا، وكان أردوغان الذي استُبعد من المشروع، زعم أحقيته باحتياطيات الغاز البحرية، وفي فبراير قال أردوغان إن شراكة الغاز المحتملة ستكون على جدول أعمال زيارة هرتسوغ اليهودي.
أردوغان الذي واجه انقلابا خلال السنوات الماضية كاد أن يودي به، ينقلب اليوم على نفسه وعلى شعاراته باستقبال رئيس العدو الصهيوني، ويتخذ الرئيس التركي الذي تعصف به الأزمات الاقتصادية في الداخل خطوات لتحسين علاقاته مع من كان يصفهم بالخصوم مثل دويلة الإمارات، لتثبيت امتدادات حكمه الاستبدادي من بوابة الخيانة للأمة.
أسواق مفتوحة للعدو الصهيوني
في وقت سابق من هذا الأسبوع، استضاف العدو الصهيوني مجموعة من 100 رجل أعمال من تركيا في محاولة لتعزيز العلاقات التجارية، وفقا للأرقام التي عُرضت في الحدث الذي أقيم في تل أبيب لقادة الأعمال التركيين واليهود، قفزت التجارة الثنائية بين البلدين إلى 6.7 مليار دولار في عام 2021، بزيادة قدرها 35٪ عن 4.9 مليار دولار في عام 2020، لكنها لا تزال أقل من عام 2018، عندما اقتربت التجارة بين البلدين من 8 مليارات دولار.
وقال رئيس جمعية المصدرين الأتراك، غول إسماعيل، إنهم والصهاينة يهدفان إلى الوصول إلى 9 مليارات دولار من الصادرات لبعضهما البعض في عام 2022، وأن الجهود الدبلوماسية المبذولة تعزز هذه المحاولات، وقال لوكالة “الأناضول” التركية للأنباء “تحسين علاقاتنا السياسية سيعزز علاقاتنا التجارية بشكل أكبر”، مضيفا أن “التجارة الإقليمية ستخلق بنية تحتية إيجابية للغاية لتعزيز السياسات الإقليمية البعيدة عن الحرب”.
انقلاب أردوغان على المبادئ ولهاث بعد المصالح الخاصة
حتى مع ذروة التصعيد اللفظي من أردوغان وإلقاء خطبه الرنانة ضد العدو الصهيوني لم يكن أردوغان يربط مصير علاقاته مع الصهاينة إلا بحادثة سفينة مرمرة، فيما تتوجه البروباغندا الإخوانجية في العالم الإسلامي لربطها بالقضية الفلسطينية التي لم يكن يحسب أردوغان أي حساب لها، وفيما كانت مطالباته من الصهاينة تتركز في الاعتذار عن حادثة مرمرة رفض الصهاينة وحتى اللحظة تقديم أي اعتذار، ومع ذلك ذهب أردوغان ليصافح الرئيس الصهيوني ويستقبله من جديد، بعد أن رمى بكل المبادئ وراء البحار، أكان منها ما يتعلق بتركيا نفسها التي ترى حقها في الاعتذار الصهيوني، أو ما يتعلق بقضية الأمة الإسلامية فلسطين التي قدم أردوغان نفسه على أنه خليفة الإسلام العادل.
ومن أجل التعرف على الأسباب التي جعلت أردوغان يتنكر هذا التنكر المكشوف ويستدير هذه الاستدارة القوية، من دعمه لحماس والإخوان ومناهضته لدويلة الإمارات والسعودية، وادعاءاته ضد الصهاينة، والتهجم على من أسماهم في وقت سابق بالمطبعين العرب، إلى استقبال رئيس العدو الصهيوني، والحفاوة البالغة في الضيافة ومراسيم الاستقبال، والإشادة بالزيارة من قبل الإعلام التركي، لا بد من العودة قليلا إلى الوراء لمعرفة حالة التنكر الأردوغانية والانسلاخ الذي بدا أردوغان واقعا فيه.
في البداية حاول أردوغان التمظهر بمظهر المدافع الأول عن القضية الفلسطينية، وإلى قبل عامين من الآن، وذلك عندما شن هجوما لاذعا على دويلتي الإمارات والبحرين، واستخدم عبارات في غاية القسوة ضدهما، بسبب إعلانهما التطبيع مع العدو الصهيوني.
نجح أردوغان في تحقيق شعبية كبيرة بين الشعوب العربية والإسلامية بخداعه وخطبه الرنانة، وانطلت على الفلسطينيين ادعاءاته الكاذبة، وبسبب مواقفه المؤيدة للقضية الفلسطينية واحتضانه لقيادات الإخوان المسلمين التي كانت ترفع شعارات القضية الفلسطينية نفسها وتروج بأن الملاحقات التي تتعرض لها في بلدانها على خلفية موقفها الداعم لفلسطين، نجح أردوغان في تسويق الدعاية التي تبدو الآن كأفظع حالة تهريج حصلت حينما روج لأردوغان في المنابر والفضائيات والصحف والفعاليات «خليفة المسلمين العادل».
استخدم أردوغان شعاراته التي أشهرها حول فلسطين لمنح الدعاية قبولا في الأوساط العربية والإسلامية وحتى التركية، فقد هاجم أردوغان خصومه بما فيهم المعارضين له في الداخل بأنهم صهاينة يقيمون التحالفات مع العدو الصهيوني، واستخدم أردوغان الجماعة الإخوانية في الدول العربية لخدمة طموحاته السياسية، وهي طموحات كان من الصعب تحقيقها عمليا بسبب إمكانيات أردوغان المحدودة وقوة المعارضين له، واليوم ينكث بكل ما قاله وما ادعاه دفعة واحدة وبلا خجل وبلا أي مواربة.
إلى قبل عامين كان أردوغان يعيد ذات الشعارات والتهريج على الهواء في سبيل كسب الشعبية، يهاجم المطبعين ويدعو لقضية فلسطين ولمقاومتها، لكنه منذ عامين انقلب رأسا على عقب في أقواله، وبدأ سلسلة من الإجراءات، كانت على النقيض من الشعارات التي رفعها خلال السنوات الماضية، ويوم أمس بان أردوغان وهو يحتفي بشكل مبالغ فيه برئيس العدو الصهيوني الذي أتى إلى أنقرة بدعوة من أردوغان نفسه.
قبل ذلك كان أردوغان قد عمل على تحسين علاقاته بمن وصفهم ذات مرة بالمطبعين العرب، فقد تقرب من الإمارات والسعودية والبحرين وزار المغرب، وعمل على إرضائهم جميعا عبر اتخاذ إجراءات ضد قادة الإخوان المسلمين الذين يعارضون هذه الأنظمة من داخل تركيا، لكنه رأى أن ذلك لا يكفي لتثبيت دعائم رئاسته المطلقة لتركيا وتحسين وضعه الاقتصادي وحلحلة العواصف الاقتصادية التي تضرب الأتراك، ولا يضمن له الفوز بالانتخابات القادمة، فلجأ إلى كيان العدو الصهيوني لكسب الود الأمريكي التي خسرها أردوغان بفعل فشله في سوريا.
كما أن لجوء أردوغان إلى العدو الصهيوني، لا ينحصر سببه في الجانب السياسي والنفوذ والدعم، بل هناك جانب اقتصادي مهم، وهو محاولة إقناع الصهاينة باستخدام الأراضي التركية لمد أنبوب للغاز الصهيوني إلى أوروبا، وهو مشروع سيدر على أردوغان بموارد مالية، وكذلك يحصل أردوغان على حاجة تركيا من الغاز، لا سيما أنها تستورد 90 بالمائة من الغاز الذي تحتاجه من الخارج.
تورط أردوغان في الحرب على سوريا، واعتداءاته على العراق بإقامة قواعد عسكرية شمال العراق، وإرسال مقاتلين إلى ليبيا، والتدخل المباشر في الحرب التي نشبت بين أذربيجان وأرمينيا، وصراعاته على ثروات البحر المتوسط مع قبرص واليونان ومصر، ووضعه الداخلي المهزوز والمأزوم ارتدت سلبا عليه، فتأزمت الأوضاع الاقتصادية، وانهارت العملة التركية، وازداد عدد العاطلين عن العمل، وتفجرت الاحتجاجات الشعبية ضد سياسات أردوغان، وهو ما تلقفته أحزاب المعارضة التركية التي حملت وتر الاستياء الشعبي ووسعت من دائرة السخط على أردوغان، ودفع الآلاف من أعضاء حزب العدالة والتنمية الذي يقوده أردوغان، إلى الانشقاق عن الحزب، أشعر أردوغان بخطر بات يهدد مستقبله السياسي القريب، لا سيما أنه لا يفصلنا الكثير عن موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وهو الذي جعل أردوغان يرتمي إلى الحضن الصهيوني بهذا الشكل المكشوف وبلا خجل.
فهل سيربح أردوغان الصهاينة وتركيا، أم أنه نصيب المنحوس على خائب الرجاء، فارتماؤه في الحضن الصهيوني لن يوفر له ما يريد، لأن الصهيوني نفسه بحاجة إلى من يرتمي إلى حضنه هو الآخر، وفي الأول والأخير ما فعله أردوغان فعله ابن زايد وآل خليفة وملك المغرب وعسكر السودان حينما طبّعوا وخانوا فلسطين وذهبوا لمصافحة العدو الصهيوني، لكن أردوغان يظن بأنه الأذكى منهم جميعا، وهو في الحقيقة واهم وخاسر بكل المقاييس.

قد يعجبك ايضا