حقائق ووقائع تؤكد خلفية العداء الأمريكي الإسرائيلي للأمة الإسلامية (1-3)
البعد العقائدي في السياسة الأمريكية وسيطرة اليهود على مفاصل القرار الدولي
في هذه الحلقات الاستقرائية الصحفية سلطت صحيفة “الثورة” الضوء على مجريات وشواهد وحقائق عن البعد العقائدي في السياسة الأمريكية، وكيف استطاع اللوبي الصهيوني اختراق القرار الأمريكي والدولي، ليسيطر على العالم، من خلال قوة أمريكا الاقتصادية والتكنولوجية والنووية. لكننا سنقف في الحلقة الأولى مع قراءة سريعة للرؤى الواضحة في كلمة قائد الثورة سماحة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، المعمدة بالدلائل والشواهد الحية للحرب الأمريكية الإسرائيلية القائمة على معتقد ديني وثقافة لدى اليهود. إلى التفاصيل:
الثورة /إدارة التحقيقات
منذ وقت مبكر حذر الشهيد القايد السيد حسين بدر الدين الحوثي، من المسار العدائي والمؤامراتي تجاه الأمة الإسلامية، من قبل اللوبي الصهيوني الذي توغل في المؤسسات الأمريكية وبات يسيطر على قرارات الإدارة الأمريكية الموصولة بشن الحروب والمؤامرات على شعوب أمتنا الإسلامية وعلى العالم، ففي محاضرة له بمناسبة ذكرى استشهاد الإمام علي-عليه السلام، ألقاها في صعدة في الـ19 من رمضان 1423هـ، أي قبل عشرين عاماً من الآن، أشار فيها إلى نقطة بدايات اختراق اليهود للنصارى، وقدراتهم على تحريف الحقائق وتزييف الواقع، والعمل العدائي المزدوج ضد المسيحيين والمسلمين، حيث قال الشهيد القائد : لقد سمعنا بعض المحللين من قساوسة المسيحيين يقول: إن ما جعل المسيحيين على هذا النحو هو تأثر بثقافة يهودية اخترقت صفوف المسيحيين فقال: (لدينا مسيحيون يهود، وأنتم عندكم – قال- مسلمون يهود، لكنكم لا تجرؤون على أن تقولوا هذا، فكما لدينا مسيحيون يهود أنتم لديكم أيضا مسلمون يهود)؛ لأن اليهود عملوا في الخطين: داخل المسيحيين من قبل، وداخل هذه الأمّة وما زالوا يعملون على هذا النحو إلى اليوم.
أكد الشهيد القائد رضوان الله عليه أن اليهود عندهم خبرة مئات السنين من قبل جربوا مع المسيحيين، ومن قبل عندهم خبرات في مسألة التحريف، مسألة التضليل، كيف يقدم بشكل مصبوغ بصبغة دينية”.
واقع الأمة ومجريات العداء
في كلمته الأخيرة بمناسبة ذكرى استشهاد السيد القائد حسين بدر الدين الحوثي عليه السلام، سلط سماحة السيد عبد الملك الحوثي حفظه الله، الضوء على قضية الحرب العقائدية التي يشنها اليهود على المسلمين، متطرقاً إلى الدور المبكر للسيد حسين بدر الدين الحوثي “رضوان الله عليه، للتنبيه لخطر تلك الحرب العقائدية وعبر مشروعه القرآني العظيم، الذي جعله عنواناً جلياً لقضيته المحقة العادلة الواضحة البيِّنة، في مرحلةٍ كانت الأمة تعيش فيها التحديات والأخطار التي تحرَّك الشهيد القائد لمواجهتها، والتصدي لها، برؤيةٍ قرآنيةٍ، وعلى بيِّنةٍ واضحة، وبإحساسٍ عالٍ بالمسؤولية، وابتغاءٍ لمرضاة الله “سبحانه وتعالى”.
واستعرض السيد عبد الملك الحوثي في كلمته التاريخية، ما عاناه الشهيد القائد “رضوان الله عليه”، وما حورب لأجله، وما تمثله تلك المعاناة من صورةً تقريبيةً لما تعانيه أمتنا وشعوبنا في هذه المرحلة، وما تعانيه المقاومة في فلسطين وفي غير فلسطين، وما يعاني منه أحرار الأمة، وهم يتبنون الموقف الصحيح، الذي يفرضه عليهم انتماؤهم للإسلام، ويفرضه عليهم انتماؤهم لهذه الأمة، ويفرضه عليهم الحق في كل اعتباراته وصوره، وتفرضه الفطرة الإنسانية السليمة، في التصدي لأعداء الأمة، في حملتهم التي يستهدفون بها الأمة استهدافاً شاملاً في دينها ودنياها.
وأشار قائد الثورة إلى أن فلسطين هي قضية الأمة الإسلامية الواضحة التي شهدت في مراحل معينة من تاريخ الأمة شبه إجماعٍ على أنها قضية حقٍ، وأنه يجب على الأمة بكلها أن تلتف حول هذه القضية، وأنَّ الكيان الإسرائيلي الغاصب هو عدوٌ مبطلٌ، مغتصبٌ، مجرمٌ، استهدف الأمة بشكلٍ عام، واستهدف الشعب الفلسطيني الذي هو جزءٌ من هذه الأمة، واستهدف أرضاً هي للشعب الفلسطيني، وهي جزءٌ- أيضاً- من بلدان هذه الأمة، ومن البلاد الإسلامية بشكلٍ عام، واستهدف مقدَّسات هي من مقدَّسات هذه الأمة.
وفي سياق استنكاره الشديد لمواقف الدول العربية النفطية في الخليج كأنظمة الإمارات والبحرين والسعودية التي تنكرت للقضية الفلسطينية، أكد السيد القائد عبد الملك الحوثي أن المرحلة الراهنة، كشفت عن حقائق ومواقف مغايرة، متنكِّرة لهذا الحق الواضح البيِّن، فتتجه للتطبيع مع العدو الإسرائيلي، وإقامة العلاقات معه، وإقامة التحالفات معه، وتحاول أن تغيِّر الصورة التي كانت تمثل الحقيقة الثابتة عنه كعدوٍ لهذه الأمة، وكمجرمٍ له سجلٌ إجراميٌ حافلٌ بالجرائم البشعة، التي يهتز لها الضمير الإنساني في كل العالم، فتحاول أن تزيف له صورةً مختلفةً، وتغيِّر في هذه الصورة من الواقع والحقيقة؛ لتقدمه صديقاً يجب التحالف معه، التعايش معه، التعاون معه، وتفترض بواقع الأمة أن تتجه بكلها إلى إقامة علاقاتٍ معه، علاقاتٍ كاملةٍ وشاملة، ثم وصولاً إلى إقامة تحالفات معه.
وقال قائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي: في نفس الوقت تتجه بنظرةٍ سلبية إلى المقاومة الفلسطينية، التي تمثِّل الحق الفلسطيني، والموقف الفلسطيني الصحيح، في الثبات على ذلك الحق، في الموقف من ذلك العدو القاتل، المجرم، المغتصب، المنتهك لكل الحرمات، المستهدف للشعب الفلسطيني في كل شيء، في دينه ودنياه، والعدو لهذه الأمة بشكلٍ عام في دينها ودنياها، فتعادي الحركات الفلسطينية المقاومة، وتصنِّفها بالإرهاب، وتوجِّه إعلامها بالاستهداف الممنهج السلبي المعادي لحركات المقاومة في فلسطين، وللمجاهدين في فلسطين، وتقدِّم صورةً سلبيةً حتى عن الشعب الفلسطيني بشكلٍ عام، وليس فقط عن حركات المقاومة في فلسطين.
تأصيل واقعي
وقدم سماحة السيد عبدالملك بدر الحوثي في كلمته المستفيضة بحقائق الواقع، تأصيلا تاريخيا حديثاً لملامح واقع الأمة وما تحيكه أمريكا ومن خلفها اللوبي الصهيوني من مؤامرات ودسائس وهجمات شرسة وجرائم بشعة بحق شعوبنا وأمتنا؛ مستدلا بالهجمة الأمريكية المستعرة ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، والتي ترافق معها تصعيدٌ إجراميٌ عدوانيٌ إسرائيلٌ في فلسطين، في تلك الأحداث التي تزعَّمها (شارون) في تلك المرحلة المعروفة، وفي تلك التحديات التي دخلت من خلالها الأمة في مرحلة جديدة من الهجمة الأمريكية الإسرائيلية الغربية على أمتنا، والتي توجه معها الكثير من الأنظمة، وجمدت في ظلها الكثير من الشعوب، اتجه الأعداء في خطوات خطيرة للغاية، وفي ظل التماهي الرسمي لكثيرٍ من الأنظمة العربية، كان ذلك سيحقق لأمريكا ولإسرائيل ما تريده وما تسعى له من سيطرةٍ تامة على أمتنا الإسلامية، وعلى شعبنا اليمني، سيطرة مباشرة شاملة تصل بنا إلى مستوى الاستسلام التام، وأن نعيش حالةً من العبودية والذل والهوان، وأن نخسر ديننا ودنيانا.
وأكد قائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي أن الحركة التي قادتها أمريكا وإسرائيل هي حركة عدائية، وإن تحالف معها البعض تحت العناوين التي قدمت، مثل: عنوان مكافحة الإرهاب وكان هو العنوان الأبرز آنذاك، لكنها مجرد عناوين تبريرية، تقدم كذريعة ووسيلة تصل بأمريكا وإسرائيل إلى السيطرة المباشرة، خلفية هذا الموقف العدائي المستهدف لأمتنا، والذي تهيب منه الكثير واستسلم أمامه الكثير، وارتبك أمامه الكثير، والذي كان الاستسلام له سيمكن أمريكا من السيطرة المباشرة لأمدٍ طويل ثم تكون عملية التحرر منه مكلفةً جداً وبطيئةً وبثمنٍ باهظٍ للغاية، وقد تتأخر لفترةٍ طويلة، ويكون لذلك تبعات خطيرة جداً، أولئك الأعداء الذين يتحركون كأعداء عقدت معهم التحالفات من معظم الأنظمة الرسمية العربية، وفي مقدمتها النظام الرسمي آنذاك في اليمن، وكان من المسارعين {يُسَارِعُونَ فِيهِمْ}[المائدة: من الآية52]، ومن السباقين، ومقتضى تلك التحالفات والارتباطات والاتفاقيات فتح المجال للأمريكي، في موقفه العدائي، في سياساته العدائية أن يأتي وأن يفرض ما يشاؤه ويريده، من سياسات، من توجهات، من مواقف رسمياً وشعبياً، وأن يأتي بقواعده العسكرية، وأن يكون النظام جزءاً وأداةً من الجهات التي تنفذ ذلك المشروع، وتلك الأجندة، وتلك المؤامرات، والتي هي كارثية وتدميرية وتشكل خسارةً كبيرةً على مستقبل الأمة، ثم فجأةً يتجه الحديث عنهم وكأنهم أصدقاء نتحالف معهم، وكأن الذي يفعلونه ويسعون لتحقيقه في واقعنا وواقع أمتنا ليس عملاً عدائياً، كأنه إنما هو بتلك العناوين التي يقدمونها كعناوين مخادعة لمصلحة أمتنا، وبجهد مكثف يتم العمل على تغيير الصورة الحقيقية للأعداء كأعداء، وكأنهم أصدقاء يجب علينا أن نطيعهم، أن نعرف أنهم يسعون لما هو مصلحةٌ لنا، أن نقبل بسيطرتهم علينا، أن ننفذ ما يريدونه من سياسات وتوجهات، ألَّا يكون هناك في المقابل أي صوتٍ حُرٍ، أو أي تحركٍ جادٍ وصحيحٍ يعيق شيئاً من مخططاتهم، أو يحد من نجاح مؤامراتهم، فإذا برز صوتٌ هنا، أو صوتٌ هناك، أو تحركٌ هنا، أو تحركٌ هناك، يتجه اتجاهاً مخالفاً لما عليه التوجه الرسمي، فإنه يجب أن يحارب، أن يمنع، أن يتم التعامل معه كعدو، مخرب، كممقوت، أن يعزل، أن يحارب بكل أشكال المحاربة، إعلامياً، فكرياً، ثقافياً، عسكرياً، اقتصادياً… إلى غير ذلك.
استراتيجية العداء للأمة
تقوم استراتيجية اللوبي الصهيوني الذي يحرك القرار الأمريكي في الحروب المدمرة التي شهدتها أفغانستان والعراق وسوريا واليمن وغيرها من شعوب أمتنا، محاولات التأثير على ثقافتنا وعقائدنا في كل المجالات، وتحريف وتزييف الحقائق والوقائع التاريخية والدينية والربانية، عبر استخدام الأنظمة العميلة، وضخ الأموال والحروب الناعمة عبر وسائل إعلام تلك الأنظمة، كل هذا بغرض العداء الشامل للأمة والسيطرة المطلقة على ثرواتها ومقدراتها، وفي هذا السياق قال السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي: “عندما نعود إلى الحقيقة التي هي حقيقةٌ واضحة، مهما تنكر لها عملاء أمريكا وإسرائيل، ومهما تنكر لها، أو تجاهلها، ناقصوا الوعي من أبناء هذه الأمة، الحقيقة الواضحة البينة أن أولئك هم أعداء بكل ما تعنيه الكلمة، وأنهم يسعون للسيطرة على أمتنا من خلفيةٍ عدائية، وبسياسةٍ عدائية، وبممارساتٍ عدائية، ولأهدافٍ عدائية، وعداؤهم لأمتنا، وعداؤهم لنا كمسلمين، هو معتقدٌ دينيٌ يؤمنون به، وهو أيضاً ثقافةٌ معتمدةٌ لديهم، ورؤيةٌ فكريةٌ راسخةٌ عندهم، وهو أيضاً استراتيجيةٌ أساسيةٌ يبنون عليها مخططاتهم، ويبنون عليها برامجهم العملية التي يتحركون على ضوئها في واقع أمتنا”.
وأكد السيد عبد الملك الحوثي أن ذلك العداء بكل أشكاله وصوره معتقدٌ دينيٌ لديهم، المحرك الأساسي للاستهداف لأمتنا هو اللوبي الصهيوني اليهودي في العالم، والكيان الإسرائيلي الذي اغتصب فلسطين واغتصب أجزاء أخرى من بلدان أمتنا وبلداننا العربية. هو ذراعٌ من أذرعة اللوبي اليهودي الصهيوني الذي يحرك أمريكا، وبريطانيا، وهو الذي يتحرك بالغرب لدعم التوجهات والمواقف والأهداف التي يعتمدها، وهو ما قبل أن يتجه إلى أمتنا الإسلامية بهذا المستوى من التحرك، وبهذه الإمكانات، وبهذه القدرات، تمكن من الاختراق الكبير للنصارى وللعالم الغربي، ووصل إلى مستوى التحكم في السياسات الغربية والتوجهات الغربية إلى حدٍ كبير، وصنع قناعات دينية لدى المجتمع الغربي، حتى لدى النصارى المسيحيين، حتى لديهم، هو تمكن من القيام بعملية تحريف واسعة، وصناعة مفاهيم ومعتقدات دينية تتبنى في أساسها تعظيم اليهود وتقديسهم، وتتبنى العداء الشديد للمسلمين، وتتبنى أيضاً المصادرة لفلسطين وللمقدسات في فلسطين، والدعم للعدو الإسرائيلي من السيطرة التامة عليها، وتمكين العدو الإسرائيلي لبناء كيانٍ معادٍ ونافذٍ وقويٍ في أوساط أمتنا الإسلامية وفي قلب العالم العربي، كل هذه الأمور أصبحت معتقدات دينية، هي بالنسبة لليهود أمرٌ واضح، معتقدات دينية يتشبثون بها مع تنكرهم للتدين والدين، لكنهم يحتفظون بالأشياء التي تخدمهم، والتي تمكن من نفوذهم، والتي تحافظ لهم على هوية ونمط معين يوظفونه لمصالحهم السياسية وأهدافهم السياسية على نحوٍ من أشكال الاستغلال، فهناك في كتبهم الدينية نصوص محرفة تبيح لهم المسلمين، تبيح لهم غيرهم، تعزز نظرة الكراهية إلى المجتمع البشري بشكلٍ عام، وإلى المسلمين بشكلٍ خاص، هناك في كتبهم المعتمدة دينياً، مثل: التلمود، ما يبيح لهم ارتكاب أبشع الجرائم بحق المجتمع البشري- كما قلنا- بشكلٍ عام، والمسلمين بشكلٍ خاص، هناك في كثيرٍ من كتبهم المعتمدة، وكتاباتهم المعتمدة، ومدارسهم وكنائسهم الدينية، ما يرسخ تلك المفاهيم التي يبنى عليها نظرة عدائية بشكلٍ كبير في عالمنا الإسلامي، للمسلمين عموماً، حتى يرى فيهم الصهيوني اليهودي، أو الصهيوني من النصارى، من أصبح موالياً لليهود، يرى في المسلم العدو الطبيعي، العدو الذي يجب معاداته، يجب استهدافه، يجب التآمر عليه، يجب العداء له…إلخ.
انحياز أمريكا لإسرائيل
اعتاد الناس في المنطقة العربية والعالم الإسلامي أن يفسروا التحيز الأمريكي والغربي لإسرائيل بأسباب سياسية واقتصادية، كتأثير المال في الحملات الانتخابية، والإعلام اليهودي المتلاعب بالرأي العام الأمريكي، والصوت اليهودي الموحد في الانتخابات، وموقع “إسرائيل” كرأس حربة في المنطقة العربية، ذات الأهميّة الاستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة.. إن تفسير هذه السلوك لا يستند إلى معطيات المصالح الآنية في الشرق الأوسط، بقدر ما يقوم على تاريخ ضارب في عمق الزمن اليهودي المعروف بطفرة تحريفه للحقائق في الكتب السماوية السابقة التورات والانجيل، وفق الباحثين والدراسين لأسباب الصراع مع أهل الكتاب.
فتحت عنوان اختراق اليهود للنصارى والمجتمع الأمريكي والغربي، وفي كتابه طبيعة الصراع مع أهل الكتاب، أرجع الباحث والمؤرخ السياسي الأستاذ محمد حسين تاريخ الاختراق اليهودي للنصارى والغرب إلى وقت مبكر من القرن الأول الميلادي على يد شاول اليهودي، الذي عرف مؤخرا بـ”بول الرسول والقديس بولس، وبولس الطرسوسي” فقد أصبح فيما بعد أحد قادة الجيل المسيحي الأولى وينظر إليه البعض على أنه ثاني أهم شخصية في تاريخ المسيحية بعد المسيح نفسه، وما زالوا إلى اليوم يعتبرون انضمامه إليهم عيدا يسمى (عيد اهتداء بولس).. مشيرا إلى أن بولس ولد وترعرع في كنف أسرة يهودية منتمية لسبط بنيامين بحسب شهادته في رسالته إلى أهل روما، فأقولُ: أَلعلّ الله رفض شعبه ؟ حاشا ! لأني أنا أيضا إسرائيلي من نسل إبراهيم من سبط بنيامين”. وكان اسمه عند الولادة شاول، وكان مهتما بدراسة الشريعة اليهودية، حيث انتقل إلى أورشليم ليتتلمذ على يد غامالائيل الفريسي.
وأضاف الفرح: وبعد أن أصبح شاول نفسه فريسياً متحمساً ذا ميول متطرفة، عمل على محاربة المسيحية الناشئة، في بدايتها، ويتحدث عن نفسه أنه كان يعين من يرجمونهم وهو راض بما يقومون به وعندما شن اليهود حملة اضطهاد بحق كنيسة أورشليم متسببين في تشتت المسيحيين في كل مكان كان بولس المعني بتتبع المسيحيين الذين كانوا يمسون بأناس الطريق حتى مدينة دمشق ليسوقهم موثقين إلى أورشليم.. وفجأة تحول المسيحية بطريقة غريبة، فسّر ذلك بقوله إنه رأى رؤيا غيرت حياته، ودفعته إلى اعتناق النصرانية، وعرف شاول باسم بولس بعد اعتناقه المسيحية.. لقد تحول فجأةـ ودون تمهيد، إلى النقيض تمام، من مطارد غليظ القلب لا يرحم، قاس في تعصبه وخصومته ضد النبي عيسى –عليه السلام- وأتباعه، إلى مؤمن ورع محب للمسيح، ورسول من أكرم رسل المسيحية قدرا، وأعظمهم أثرا في تاريخها، وذلك إثر نوبة روحية عنيفة داهمته، على طريق دمشق في رحلة من رحلاته المشهورة، في اصطياد اتباع عيسى –عليه السلام- وبطريقة مريبة، يبدو أنه خطط لها مع حنانيا؛ حيث يعلن إيمانه بالمسيح، بل ورسولاً منه إلى العالم، ومكرزا بإنجيل خاص به، تلقاه بإلهام من المسيح نفسه، بتعاليم جديدة مخالفة تماما لما عرفه الناس والحواريون، وأهمّ تلك التعاليم –التي كانت بكل معنى الكلمة انقلابا تاماً، وقاعدة لدين جديد- يقوم على دعامتين: الأولى: إعلان إلهية عيسى –عليه السلام- والثانية: أن موت عيسى وصلبه كان تكفيرا عن خطايا البشر. إضافة إلى هذا كله، فهو كاتب الرسائل الأربع الواردة في الإنجيل، وتسمّى بالأسفار التعليمية، وهي مصدر من المصادر التشريعية في النصرانية. ومن بين كتب العهد الجديد التي عددها 27 تنسب 14 منها بشكل مباشر إلى بولس الطرسوسي، وهكذا جمع بين الخبرة اليهودية في التحريف وبين الحقد اليهودي على النصارى.
تتابعون في الحلقة القادمة، مساراً من محطات التاريخ الشاهدة على مساعي اليهود الصهاينة على التحريف والتزييف، من أجل السيطرة على النصارى، من تلك المحطات حركة الألفية السعيدة، والحركة الاسترجاعية وأسطورة هرمجدون، وحركة الإصلاح البروتستانتي، والصهيونية المسيحية، ومرتكزاتها العقائدية (المسيحية اليهودية).