نجدة أمريكا

يكتبها اليوم / حمدي دوبلة

 

عملت أمريكا بجهد كبير على اصطناع التصعيد في الملف الأوكراني وصب الزيت على نيران التوتر ما بين الجارتين روسيا وأوكرانيا، ولطالما حذرت موسكو من فتح باب جهنم على نفسها إذا ما فكّرت في مهاجمة كييف، وكانت تريد بذلك الظهور في عباءة الحامي والحصن المنيع لحلفائها، وأن تنسب لنفسها نصرا على الورق في حال عدم حدوث العملية العسكرية الروسية من خلال إيهام الآخرين بأن مجرد التهديد الأمريكي هو من أعطى الأمان لأوكرانيا ووضع حدا لغطرسة وجموح القيصر الروسي، ولكن جُل ما كان بوسعها عمله عقب الهجوم الروسي هو عرض اللجوء على الرئيس فلاديمير زيلينسكي ومساعدته على الفرار من عاصمته والاستعداد لاستقبال اللاجئين الأوكرانيين .. قبل أن تشرع في سرد ما قدمته من مساعدات عسكرية سخية لأوكرانيا قيمتها مئات الملايين من الدولارات وهي المبالغ التي كشف عنها وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن وكأنه يمُنّ على حكومة كييف ويخلي مسؤولية بلاده عمّا وصلت اليه من دمار وانهيارات وهي من انحازت كليا إلى أمريكا والغرب في مناصبتها العداء لشقيقتها الكبرى.
-ربما لم تتوقع إدارة بايدن العملية الروسية على الرغم من تقاريرها الاستخباراتية التي كانت تؤكد غير ذلك دائما ولعلها انصدمت كثيرا باستيقاظها على التقدم الروسي وعلى حقيقة ما تعيشه من ضعف في زمن تراجعها الاستراتيجي وعجزها الواضح عن تحقيق أي انتصارات فعلية في أي من المعارك والمواجهات التي دأبت على إشعالها هنا وهناك من العالم. وممارستها الاستفزازية ومحاولتها المحمومة لاختبار قوة وصلابة نظرائها في البلدان العظمى على غرار روسيا والصين.
– دولة عظمى مثل روسيا وما تملكه من رصيد عظيم على صعيد الحضارة التاريخية العريقة وما تحوزه من إرث إنساني تليد، ما كان لها أبدا أن تسمح بقيام وبنفوذ وتوسع حضارة منافسة على حدودها، أو التغاضي عن إنشاء قواعد عسكرية أمريكية وغربية معادية على تخومها، وهذا هو الهدف الواضح والمعلن من قبل السلطات الروسية فيما يتعلق بالأزمة مع كييف، وليس كما يحاول الغرب أن يقول بأن التخوف الأمني لروسيا مصدره أوكرانيا وغيرها من بلدان ما كان يسمى الاتحاد السوفيتي التي أخذت تنبهر بشعارات وتخرصات الغرب حول الديمقراطية وحقوق الإنسان وغيرها من المفاهيم التي لطالما جعلتها أمريكا مبررا لتدخلاتها في شؤون الآخرين وبسط نفوذها وهيمنتها على خيرات ومقدرات وثروات الشعوب.
-لن نخوض كثيراً في خلفيات وأبعاد الأزمة الروسية والأوكرانية.. فذلك واضح أمام الجميع، وكل ما نريد قوله هنا أن رهان البعض على جوار وحماية أمريكا في خسران مبين، وأن المنبهرين ببأسها وقوتها، لن يكون مصيرهم بأفضل ممن سبقهم، وستكون نجدتها المنتظرة في ساعة الخطب والشدة وبالا وخيبة عليهم، وحينها لن يجدي الندم نفعا، وفي أحداث وتجارب العديد من الدول والأنظمة السياسية في تاريخنا المعاصر الكثير من الدروس والعبر وما نهاية النظام الأفغاني العميل وسقوطه المدوي ومآلاته المخزية عنّا ببعيد.

قد يعجبك ايضا