الزراعة التعاقدية ضمانة التسويق المستدام

تخفيض ما يقارب 80% من قيمة فاتورة استيراد الثوم

 

 

الثورة / يحيى الربيعي
بشائر تجربة الزراعة التعاقدية بدأت تؤتي خيرها حبّاً وثوماً ولحماً طرياً، ففي صنعاء وُقعّ مؤخراً على مذكرة تفاهم لتنفيذ مشروع زراعة تعاقدية لإنتاج وشراء 10 آلاف طن من الدواجن اللاحمة بتكلفة 13 مليار ريال.
وقبل ذلك تم حصاد ما يقرب من 1200 معاد زرعت بمحصول الذرة الشامية من أراضي تهامة الخير قامت بتنفيذه الجمعيات التعاونية في الجراحي والمراوعة واللحية والزهرة، وفي الجوف تم زراعة قرابة 20 هكتارا بالذرة الشامية، ويقدر حصاد الهكتار الواحد بحوالي طن إلى نصف طن.. وفي محاصيل الثوم تكاد اليمن أن تحقق اكتفاء ذاتيا في هذا المنتج الذي كانت أغلب وارداته تأتي من الصين، حيث كانت اليمن تستورد قرابة 20 ألف طن سنويا، ووصلت قيمة فاتورة استيراده إلى حوالي سبعة مليارات و200 مليون ريال يمني سنويا.. وتفيد المعلومات أنه تم زراعة قرابة 50 ألف لبنة من الثوم لهذا العام، أي ما يعادل 222 هكتارا في عدد من المحافظات بما يساوي تقليل قرابة 80 % من قيمة فاتورة الاستيراد وتحويلها إلى جيب المزارع اليمني.
إن النهوض بالقطاع الزراعي يستلزم التنسيق والتكامل بين سياسات الإنتاج الزراعي والتسويق، ومن ثم خلق علاقات تشابكية بين الجمعيات الزراعية وشركات التصنيع الزراعي والمنتجين الزراعيين، لرفع القيمة المضافة من الحاصلات الزراعية، وتقليل الفاقد منها، وزيادة عرض المنتجات الزراعية، على مدار السنة، وزيادة دخل المزارعين، وتطوير أساليب الزراعة لتدعيم القدرة التنافسية للمنتجات الزراعية.
وفي ذلك، تسعى اللجنة الزراعية والسمكية العليا ووزارة الزراعة والري ومؤسسة بنيان التنموية لتطبيق منظومة الزراعة التعاقدية بالتعاون مع الجهات المعنية كي تواكب كل ما هو جديد في مجال الإنتاج الزراعي والحيواني، وتهتم برفع جودة المنتج المحلي بحيث يصل بشكل مرضيٍ إلى يد المستهلك.
إن الزراعة التعاقدية تعد آلية هامة للحد من معاناة المزارعين، خصوصاً في مجالات التسويق، وتطوير نظم الإنتاج، وجذب الاستثمار للقطاع الزراعي، كما أنها آلية رئيسية في تجميع صغار المنتجين الزراعيين باعتبارهم أحد المحركات الأساسية للنمو والتنمية الزراعية، ويعد الاهتمام بصغار المزارعين ضرورة ملحة للنهوض بالقطاع الزراعي، باعتبارهم العصب الأساسي لتحقيق التنمية الزراعية.
تتمثل خاصية الزراعة التعاقدية في إنها تعمل على إنتاج سلع زراعية بموجب اتفاقات أو عقود مستقبلية النفاذ، وعادة ما تكون مصحوبة بأسعار متفق عليها مسبقاً، وتتأسس العقود على التزام المزارع بإنتاج وتسليم منتج زراعي معين بكميات ومستويات جودة متفق عليها في خلال فترة زمنية محددة، وتشمل تلك العقود التزام المشترى سواء كان مُصِدّراً أو مصنّعاً أو تاجراً بتقديم بعض الخدمات الإرشادية المتخصصة أو الخدمات التمويلية، وذلك في حدود يتفق عليها ومدونة بالعقد.
تعد الزراعة التعاقدية ضمانات تسويقية مستقرة، يطمئن المزارع معها إلى تسويق منتجاته بأسعار مرضية قبل اتخاذ قرار الزراعة، وتتيح- أيضا- الفرصة للمزارعين لاستخدام تقنيات زراعية متطورة تحقق زيادة في الإنتاجية أو تحسيناً من مستويات جودة المنتجات أو كليهما، الأمر الذي يؤدى إلى تحسين مستويات دخول المزارعين، كما أنها توفر مصادر تمويلية إضافية حيث يمكن لصغار المزارعين- من خلال العقود المبرمة- الحصول على قروض زراعية.
تتيح الزراعة التعاقدية الظروف التسويقية الملائمة لإقامة العديد من عناصر البنية التسويقية مثل المخازن المبردة ومحطات الفرز والتعبئة، وذلك في صورة مركزية اعتماداً على العمل الجماعي التطوعي الأمر الذي يحقق وفورات هامة في اقتصاديات تشغيل هذه التسهيلات التسويقية.
وتسهل الزراعة التعاقدية إمكانية إقامة مناطق زراعية متخصصة بما يساعد على نجاح عمليات الحد من انتشار الأمراض والأوبئة الزراعية.. إضافة إلى أن الزراعة التعاقدية تنتج فرصاً ملائمة للمزارعين لتنمية مهاراتهم وخبراتهم في مجال تطبيق تقنيات الزراعة الحديثة.
وفي السياق، هناك مزايا للتجار والمصنعين حيث تتيح لهم إمكانية التعاقد المسبق على إنتاج كميات محددة من المنتجات الزراعية، مما يساعد على الاستفادة من الفرص التسويقية الملائمة في الأسواق الخارجية، وكذلك زيادة معدلات التشغيل في وحدات التصنيع الزراعي، الأمر الذي يقلل من سلبيات الطاقة العاطلة، ويقلل من تكلفة عمليات التصنيع، ومن ثم يزيد من القدرة التنافسية للمنتجات المصنعة، إضافة إلى زيادة القدرة على التحكم في نوعية وكمية المحاصيل المنتجة و السلع المسوقة أو المصنعة ودرجة تجانسها، ومستويات جودتها، وذلك بالتعاقد على محاصيل وأصناف محددة، ودرجات جودة مسبقا، الأمر الذي يزيد من كفاءة عمليات التسويق أو التصنيع.
الزراعة التعاقدية أصبحت نمطاً شائعاً في العديد من دول العالم لما تتمتع به من مزايا عديدة لكافة أطراف التعاقد حيث أن هناك نسبة عالية من مزروعات الحبوب والبقوليات والفاكهة في دول أمريكا الوسطي وبلدان شرق آسيا واستراليا ولبنان وتركيا وقبرص وغيرها يتم زراعتها، كما أن أكثر من 75 % من زراعات الشاي في كل من تايلاند، واندونيسيا والفلبين، وماليزيا، وكينيا يتم استناداً إلى نظم الزراعة التعاقدية.
وحققت المغرب نجاحاً ملموساً في مجال الإنتاج الزراعي باستخدام عدة عناصر أهمها: تشجيع المزارعين على تكوين مؤسساتهم الطوعية (تعاونيات المزارعين)، والتطبيق الواسع لنظم الزراعة التعاقدية، كذلك الاعتماد على نظم الإرشاد الزراعي المتخصص، واستخدام عقود الزراعة كأساس لتوفير احتياجات المزارعين من القروض.
إضافة إلى أن أنها أصبحت تغطي نحو 95 % من الزراعة والإنتاج الزراعي في مختلف دول العالم، فقد أثبتت الزراعة التعاقدية فعالية في الربط بين قطاع صغار المزارعين من ناحية ومصادر المشورة الإرشادية، والميكنة الزراعية، ومدخلات الإنتاج الملائمة ومؤسسات الإقراض، والأسواق المضمونة من ناحية أخرى.
ويستفاد- أيضا- من الزراعة التعاقدية في إمكانية تغيير الشراكة من أجل النمو، حيث تحقق الزراعة التعاقدية الحد من المخاطر بالإضافة إلى ثبات معدلات دخول المزارعين عنها في الزراعة غير التعاقدية.

قد يعجبك ايضا