التقنيات أثبتت التسلسل الزمني للفخار وشارع السلال يضج بصناعته


لا يزال صالح الزبيري يعمل في صناعة الفخار حتى اليوم.. شارع السلال في منطقة القاع هو الشارع الوحيد الذي يضج بهذه الصناعة .. حيث يقع في نهايته المتجر في بداية الشارع يوجد متجران فيهما القليل من الدلالات الفخارية المستخدمة للمياه و”المزهريات” والبعض من الأواني الصغيرة المستخدمة لأغراض مختلفة في المأكل المشرب فيما تتوزع رفوف المتجر لصناعات أخرى من العسف وصناعات حديثة للأواني.
أبو عبدالله يأتي بهذه الأواني الفخارية من منطقة المراوعة لكنه يصطدم على الدوام بعدم إقبال الناس عليها.
ويقول: “كنا في السابق نشتري كميات كبيرة من الأواني الفخارية ونبيع الكثير منها بسبب الإقبال المتزايد”.
ويضيف: “هذه الأيام يقل الطلب على هذه الأواني” باستثناء دلات الماء يجد أبو عبدالله صعوبة في تسويق بقية الأواني الفخارية لأن الناس كما يقول لم يعودوا يهتمون بقيمة هذه الأواني التي لها علاقة بالتاريخ اليمني.
أبو عبدالله مستوعب جيداٍ للتسلسل الزمني لهذه الصناعة حتى اللحظة .. على اعتبار أن هذه الصناعة هي الوحيدة التي ربطت الماضي بالحاضر ما عدى ذلك مجرد تدوينات قد تصدق فيما تصف وقد تخطئ فيما تقول تارة أخرى.
صالح الزبيري صاحب المتجر الأكبر في نهاية شارع السلال لا يشتري هذه الأواني من أماكن صناعتها إنه يعمل في هذه الصناعة منذ ستين عاماٍ وورث المتجر عن جده وأعمامه وأبيه.
الزبيري لا يبيع مصنوعات أخرى غير الفخار .. في الغرفة الخلفية للمتجر خصص مكان لصناعات الفخار التي تتم في المساء وينتهي منها صباحاٍ وفي النهار يعمل في بيع تلك الأواني.
يقول الزبيري: “نأتي بالتراب الخالي من الشوائب من منطقة الطويلة في المحويت كلفة القلاب الصغير الذي يجلب التراب من الطويلة 5000 ريال ناهيك عن إيجار النقل”.
ويضيف الزبيري أن أسرته عملت في صناعة الفخار منذ ستين عاماٍ كون الصناعة لا تكلف الكثير من المال كما هو حال الشراء من أماكن أخرى وإعادة بيعه مجدداٍ.
شارع السلال كان مساراٍ للكثير من المظاهرات في العام 2011م وواجه المتظاهرون فيه مضايقات كثيرة.. اليوم يبدو الشارع صباحاٍ أكثر هدوءاٍ.. لا ضجيج يخنق المارة ولا باعة يصرخون في آذان الناس فقط الفخار يعلق التاريخ على رفوف ثلاثة محال تجارية هي قوام المتاجر التي تبيع الفخار حصرياٍ.
على بعد عشرات الأمتار توجد كلية الآداب التي يتفرع منها قسم الآثار إذ توجد في مخازنه لقى أثرية من العصر البرونزي في الألف قبل الميلاد.
الدكتور محمد محمود الثور أستاذ آثار ما قبل التاريخ “العصر البرونزي” في قسم الآثار يقول: اللقى الموجودة في مخزن القسم من موقع أْثري في سنحان عمل فيه طلاب وأساتذة من قسم الآثار كلية الآداب عملوا في مواسم “1998 – 2001م”.
ويضيف تنقيبات الطلبة تلك عثرت على لْقى أثرية لكن دون تحديد زمن تلك اللقى الفخارية.
في مواقع أْثرية عدة توجد لْقى فخارية لم يحدد زمنها لأنه لا يوجد على تلك اللقى نقوش بعينها .. فقط في حالة وجود الفخات الدائرية لتلك اللقى يمكن تحديد زمن لها غير أن وجود أثار أخرى في نفس الطبقات التي يوجد فيها الفخار يمكن تحديد زمنها.
لكن بالعودة إلى تاريخ الفخار إجمالاٍ فإن المصادر التاريخية تشير إلى أن الفخار يعود إلى الألف الثامن قبل الميلاد.
وتشير المصادر ذاتها إلى أن صناعة الفخار تعود في اليمن إلى الألف ومائتين قبل الميلاد الإيطاليون نقبوا في وادي يناعم خولان الطيال ولأول مرة في بداية الثمانينيات تمكنوا من معرفة العصر الحجري ووجود عصر برونزي لأن الاعتقاد السائد حينها ذهب إلى وجود فجوة بين العصر الحجري الحديث وبداية العصور التاريخية سبأ مثالاٍ.
أثبتت التنقيبات تلك وجود تسلسل زمني لثقافات اليمن القديم .. ووجدت في ذلك الموقع لْقى فخارية كثيرة.
وفي صبر بمحافظة لحج وجدت أثناء التنقيبات بموقع أثر أوانُ فخارية سليمة “مائة %” يعود تاريخها إلى الألف الثاني قبل الميلاد ووجدت معامل وورش بكميات كبيرة ويقول الدكتور الثور: هذا يعطينا فكرة عن العلاقة بين حضارة وأخرى.
الأمريكيون أيضاٍ عملوا مسوحات أثرية في منطقة معبر بذمار ومناطق المرتفعات وكان الهدف من هذه المسوحات هو وضع تسلسل زمني لما قبل التاريخ وإحدى الاهتمامات في هذه التنقيبات كانت تصب في تتبع التسلسل الزمني للفخار.
وفي زبيد وجدت بعد التنقيبات الأثرية أوان فخارية تعود إلى العصر الإسلامي.
يقول الدكتور محمد الثور: مادة صناعة الفخار كانت متوفرة لدى كل فئات المتجمع والأواني المصنوعة من الفخار كانت في متناول شرائح المجتمع.
الثور عمل في موقع أثري بعمران .. الموقع يعود للعصر البرونزي في الألف الثاني قبل الميلاد ووجد في الموقع لقى فخارية.
ويقول: “كل المواقع الأثرية التي تم التنقيب فيها لا تخلو من “اللقى” الفخارية الأثرية.
في التسلسل الزمني حتى اليوم ظلت الصناعة الفخارية هي المادة الوحيدة التي ربطت التاريخ بالحاضر صحيح كما يقول العاملون في صناعة الفخار أنها قلت لكنها على الأقل لا تزال موجودة ولعل مناطق تهامية (كيس والمراوعة) هي أصل هذه الصناعة.
في صنعاء الصناعة محدودة وتكاد تكون مقتصرة على منطقة مذبح وفي شارع السلال القاع في متجر صالح الزبيري.
نوافير مزاهر دلات أكواز تناوير مواقد برم هذه الأواني الفخارية هي المتواجدة في السوق اليمنية بشكل محدود وبعض من هذه الأواني يتم زخرفتها بأشكال مختلفة لإظهار الجمال الذي تبحث عنه الذائقة الإنسانية عامة.
أسعار هذه الأواني ليست مرتفعة بل مناسبة للأسر متوسطة الدخل فيما تمر صناعتها ولاسيما الأواني الكبيرة كما يقول الزبيري على مرحلتين في اليوم الأول تصنع الآنية حتى المنتصف وفي اليوم الثاني تكتمل صناعتها.
أدوات الصنع لهذه الأواني الحالية هي ذاتها في العصور التاريخية المختلفة مثل أفران الحرق والعجلة واليد وطريقة السندات.
ويقول الثور: ربما التقنية متسلسلة في الأساليب التقليدية.

قد يعجبك ايضا