عبدالسلام الذراحي
الشهيد هو الشاهد العظيم على سعة كرم الله ورحمته، سُمي شهيداً لأنه أول سكان الأرض شاهداً على عظمة الله في فترة الحياة الدنيا، ولأنه يستبشر بمن لم يلحقه على سبيل الحق، وطريق الخير والسعادة الدائمة والحياة الأبدية.
نجد ذلك جلياً في قوله الله تعالى: (وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ).
وقال تعالى: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ).
ذلك توصيف الله تعالى حول مسألة الشهادة بأنهم أحياء، ومع هذا الوصف المرتبط بالحياة كان الشهيد حياة لنفسه ولغيره، بل ولأمته.
فمع كل شهيد تتجدد حياة أمته، وبتضحيته العظيمة تولد أمة عظيمة بعظم التضحية، تولد أمة عظيمة وبقدر ما تفهم الأمة هذا المفهوم الذي يتحول إلى ثقافة مقدسة تترسخ في أذهان وعقول وقيم المجتمع الذي بفضل هذه الثقافة القرآنية التي تتوافق مع فطرة الله التي فطر الناس عليها القائمة على عدالة القضية، ومناصرة الحق، ونصرة المستضعفين، ومواجهة المتكبرين والبغاة والمتجبرين حتى لا تكون الساحة مستباحة لشهواتهم ونزواتهم وأطماعهم، والتي لا يخلو مجتمع ولا عصر ولا زمان منهم، حتى في وقت الأنبياء والرسل، هذه العصابات كان لهم الدور الأبرز في السعي إلى استعباد الناس ونشر الباطل ومحاربة الحق، فكان لا سبيل لتطهير المجتمعات والسعي لاستقامتها إلا بتضحيات الشهداء الذين هم قادة الحق، وشموس التنوير، وقيادات التغيير عبر كل زمان ومكان، لذا فتضحياتهم هي بمثابة شموس تنير دروب الحق والعدالة والمساواة.
لذا المفهوم الذي يجب أن يترسخ في أذهان الأمة والأجيال أن الشهداء هم الذين بدمائهم الطاهرة ينيرون درب الحياة، وبدمائهم الزكية تصلح الحياة، ولذا أكرمهم الله بكرامة لا مثيل لها ولا يرتقي لها إلا من اختارهم الله لها واصطفاهم مثل اختياره للأنبياء والصالحين فقال: (وليتخذ منكم شهداء) كما قال عن اصطفائه لإبراهيم: (واتخذ الله إبراهيم خليلاً).
فواجب المجتمع ترسيخ هذه القيم، وهذه المفاهيم، وواجب المجتمع العناية بأسرهم والاهتمام كل الاهتمام بهم، كونهم من قدّموا أنفسهم نيابة عن الأمة في مواجهة ومقارعة الطاغوت.