حصن ” بيت بوس” التاريخي يحتضر

على بعد حوالي 10 كيلومترات من العاصمة صنعاء ومن على قمة جبلية شامخة يطل حصن بيت بوس التاريخي الذي يحكي لنا قصة إنسان عاش خلال الحقبة الحميرية وما بعدها حتى جاءت النهاية التي حولته إلى سكن كالأشباح لتذهب كل نداءات الاستغاثة من اجل إنقاذ الحصن من الإهمال في مهب الريح وما يبقي هذا الحصن عظيم هو عظمة تاريخه العريق فقط.

تحقيق مصور/ هشام المحيا

يعيش حصن بيت بوس اليوم أتعس أيام حياته منذ بنائه على يد الملك الحميري ذي بوس بن ايرل بن شرحبيل- حسب النقوش الحميرية- فبعد أن كان مقرا للملوك نظرا لموقعة الاستراتيجي المطل على صنعاء والمحصن من أي هجوم محتمل من قبل الأعداء أصبح اليوم في حالة من الأسى .. بعد أن جار عليه الدهر وحوله إلى ركام ذكريات.
“الثورة” زارت المواقع والبداية كانت من الشارع العام الذي خلا من أي لوحة إرشادية تحدد للزائر وترشده إلى الطريق الصحيح للحصن لنضطر حينها للطواف عدة مرات حول الحصن بحثا عن طريق نتمكن من خلالها زيارة هذا المعلم التاريخي العريق ليهدينا بعدها رحل في الخمسين من عمره إلى المكان لننطلق صوب الجبل أو الهضبة الجبلية التي تحتضن حصن بيت بوس وعلى نهاية الطريق وقفنا لنواجه الحصن بالهضبة المقابلة وجها لوجه لنشاهد مبانيه المترهلة التي أكل الدهر عليها وشرب .

الحضارة تحتضر
نحو الحصن انطلقنا مسرعين لتستقبلنا رائحة التاريخ العظيم التي تنبعث من جدرانه فما زالت بصمات الحميريين ومن بعدهم الدولة الصليحية واضحة هذه البصمات جعلتنا نتخيل أننا في عهد دولة حمير وكنت منتظرا خروج الملك إلينا مستقبلا ولم يعيدني إلى القرن الحادي والعشرين سوى نظرتي إلى حجم الدمار الذي لحق بالمباني فبعضها استنجدت بالحكومات ولم تجبها فأسلمت حجارها الطاهرة إلى العوامل الطبيعية فسويت بالأرض البعض الآخر منها ما زال يقاوم على أمل أن يأتي من ينظر إليه بعين الرحمة.
لم تكن المباني وحدها من تعرضت للإهمال فالمواقع الدفاعية أو ما تسمى اليوم بنوبات الحراسة الواقعة على شفا السور التي كان يستخدمها الملوك لغرض الحماية تعرض بعضها للاندثار والبعض الآخر في قائمة الانتظار وإلى جانب المنازل ونوبات الحراسة كان خط المياه السري على موعد مع دفنه حيا علما بأن هذا الخط المائي السري كان يستخدم أثناء حصار الحصن من قبل الطامعين بالسيطرة عليه.
طفح الكيل
أهالي وسكان الحصن طفح بهم الكيل والسبب مواعيد الترميم التي تكيلها الجهات المختصة لهم وبالتالي هجروا مسقط رأسهم متجهين صوب المدينة بحثا عن منازل وخدمات .. خالد الطل أحد ساكني هذا الحصن أكد لنا أن سبب مغادرة السكان للحصن غياب الترميم وإهمال الدولة مؤكدا أن الحكومة لا تعير الأمر اهتماما .. ويستدل خالد على حديثه بالقول” قبل أيام جاء أحد المتنفذين إلى الحصن يريد الاستيلاء عليه ولم يكن منا إلا أن اشتبكنا معه بالنار وأخرجناه من الحصن” يذكر أن الحصن شبه خال من السكان باستثناء بعض الأسر الفقيرة التي جاءت من محافظات أخرى وسكنت بإذن من أصحاب المنازل كموقف إنساني من المالكين”.

وداعا للترميم
لقد وفرت الطبيعة لحصن بيت بوس موقعا جغرافيا جعلته قبلة للطامعين على مر القرون فكان كلما استولت عليه دولة ما تقوم هذه الدولة بإضفاء المزيد من التحسينات ليشهد الحصن عبر تاريخه سلسلة من التحديث والتطوير فبعد أن بناه الملك ذي بوس بن ايرل بن شرحبيل الحميري الذي سماه باسمه ظل الحصن موطن تنازع بين الطامعين للسيطرة عليه حتى استقر الأمر إلى يد آل طريف الذين قاموا بترميمه لأول مرة واستمروا فيه فترة طويلة حتى سيطر عليه الإمام الهادي بن الحسين وبنى فيه مسجدا في العام 911 ميلادية وأضفى عليه بعض التحسينات فجاءت من بعده الدولة اليعفرية تليها الدولة الصليحية التي بدورها قامت بترميم الحصن عام 504هـ وذلك في عهد الملكة أروى بنت أحمد الصليحي وقد أقام في الحصن زوجها أحمد بن علي الصليحي إلى أن توفي ودفن هناك يذكر أن آخر ترميم للحصن كان على يد الدولة الطاهرية عام 910هـ وهكذا تناوبت الدول والممالك على هذا الحصن إلى أن جاءت دول التحضر وتركته يقاسي ألوان العذاب ليغدو شاهدا حيا على إهمال غير مبرر لمعلم تاريخي هو رصيد إيجابي في الحضارة اليمنية المتعافية.

قد يعجبك ايضا