اليمنيون يقودون ثورة لإحياء «البُن» كمورد اقتصادي قومي

الثورة /تقرير /خاص
قديماً، كان محصول البن في اليمن هو الثروة السيادية للبلد الذي سُمّي «البلاد السعيدة»، وأدت تحولات ومتغيرات لاحقة إلى تخلي اليمنيين عن الاهتمام بهذا المورد الاقتصادي، وفي التاريخ المعاصر والحديث، تزايدت أشكال الإهمال الرسمي، حد تكريس الاعتماد على البن المستورد من الخارج.
المفارقة المثيرة، أن يستعيد اليمنيون تاريخية الحضور اللامع للبن ورمزيته الحضارية اليمنية، في قلب لحظات تاريخية حاسمة، وفي معترك عدوان شرس وحصار جائر، تقوده ضد اليمن، المملكة السعودية والإمارات ومن ورائهما الفاعلون الدوليون منذ حوالي سبع سنوات.
في صنعاء، تتواصل المبادرات التي من شأنها أن تقود إلى إعادة الاعتبار لشجرة البن، وللقيمة التاريخية والحضارية لهذا المحصول النقدي بكونه هوية واقتصاداً في آن واحد.
الأربعاء الماضي، بدأت- في مدينة صنعاء القديمة- فعاليات مهرجان ومعرض «ثورة البن اليمني»، تحت شعار «تنمية وحماية البن مسؤوليتنا جميعاً»، بهدف تشجيع زراعته ودعم مزارعيه، الذين تضرروا خلال سنوات العدوان ، مع تراجع الطلب عليه من الخارج.
وأعلن القائمون على المهرجان أن المشاركين في فعالياته يمثلون اتحاد منتجي البن والمصدرين ورواد أعمال، كما يقدم المهرجان معرضاً لمنتجات جمعيات منتجي البن، وبه أجود أنواعه التي يشتهر بها اليمن، ويتم التعريف بكل نوع وأماكن زراعته، وعرض نماذج له، كحبوب ومحمّص، بالإضافة إلى شتلات زراعية.
ويمكن أن يكون البن مصدر دخل جيد للكثير من اليمنيين وعائداً قومياً للبلاد، خاصة وأنه يُعدُّ أهم منتجات اليمن، ويتمتع بشهرة في أنحاء العالم.
لكن الحرب ألقت بظلالها على إنتاجه، وتراجعت زراعته جراء عوامل منها شحة الأمطار وانعدام الحواجز المائية وشحة الوقود المساعد على ري تلك النبتة، فضلاً عن تفضيل البعض لزراعة نبتة «القات».
وبسبب العدوان أيضاً تضاءلت زراعة البن، بعد عزوف المزارعين عنه لعدة أسباب تتعلق أغلبها بالمعوقات التي أحدثها العدوان، لكن الآن، وبعد نحو سبع سنوات من العدوان، برز توجه متزايد لدى المزارعين نحو زراعة البن، مصحوباً بحركة من رجال المال والأعمال داخل البلاد وخارجها للاستثمار في تسويق المنتج الزراعي وتصديره.
ونقل موقع «إلترا صوت» عن مزارعين يمنيين قولهم: «علمتنا الظروف القاسية التي أنتجها العدوان أن نعود إلى مهنة الأجداد، وهي الزراعة التي نأمن الجوع من خلالها».
وفي مارس من عام 2019، احتفى نشطاء يمنيون بيوم البن اليمني، الذي أسموه بـ«عيد موكا». وفي الفعاليتين، ركز القائمون على مسألة تشجيع المزارعين المحليين على زراعة البن.
وتنمو أشجار البن في الوديان حيث المناخ الدافئ والأكثر رطوبة، وكذا في السفوح والمدرجات الجبلية، وعلى ارتفاعات تتراوح بين 700 و2400 متر فوق سطح البحر.
وتعد مناطق: «حراز وبني مطر والحيمتين وعمران وأنس والعدين وبرع وبني حماد»، من أشهر المناطق التي يزرع فيها البن اليمني، بأشكاله وأحجامه وأسمائه المتنوعة، التي عادة ما تنسب إلى مناطق زراعته.
قال رئيس الحكومة في صنعاء، الدكتور عبد العزيز بن حبتور، في كلمته خلال تدشين المهرجان: «لو ركزنا على زراعة البن والاهتمام به لما احتجنا إلى الغاز والنفط في اقتصادنا، مؤكداً أن تصدير البن سيحل لنا جزءاً كبيراً من مشكلة العملة الصعبة».
وأكد وزير الزراعة والري المهندس عبدالملك الثور، أن وزارته عملت على تعزيز البنية الأساسية لمشاتل الوزارة، لإنتاج شتلات البن بغرض زيادة المساحة المزروعة منه، حيث يصل إنتاج مشاتل الوزارة حالياً إلى أكثر من مليون شتلة بن في السنة. وقال «هناك استراتيجية لتطوير زراعة البن وتعزيز إنتاجيته كمحصول ومورد اقتصادي هام يسهم في رفد الاقتصاد الوطني». وأضاف: «لدى اليمن فرصة لزيادة إنتاج البن عالي الجودة الذي سيعطي عوائد كبرى للاقتصاد القومي».
وتعود جودة البن اليمني إلى اعتدال مناخ البلاد على مدار العام وتنوّع تضاريسها، بجانب المهارة المتوارثة لدى المزارع اليمني.
وبحسب إحصائيات رسمية، تقدر المساحة الزراعية المخصصة للبن حالياً، في مختلف أنحاء اليمن، بنحو 34.5 ألف هكتار (345 كيلو متراً مربعاً).. ولا يزال غالبية المزارعين اليمنيين، يستخدمون الطرق القديمة نفسها، التي تعود لمئات السنين، في زراعة وحصاد البن.
ويبلغ الإنتاج المحلي من البن في الوقت الحالي، أكثر من 20 ألف طن، وفقاً لسمير العتمي، مدير إدارة البن بوزارة الزراعة والري بصنعاء، في تصريحات صحافية.
وبحسب العتمي فإن وزارته تطمح للوصول بالإنتاج إلى 50 ألف طن. وقال «من أجل ذلك، اتجهت الوزارة لغرس مليون شتلة بن، والاهتمام بالبرك وصيانة المشاتل». في الآونة الخيرة، تزايد الطلب عالمياً على البن اليمني ذي الجودة العالية، وارتفع ثمنه حتى وصل سعر الكيلو منه إلى 20 دولاراً أمريكياً في الأسواق الأوروبية. كما وصل ثمن كوب قهوة البن اليمني المباع في المقاهي الأمريكية إلى 16 دولاراً.
ومنذ مئات السنين، تزدهر زراعة وتجارة البن في اليمن. ومنذ القرن الـ 17، عرف البن اليمني طريقه لأوروبا عبر الشركات البريطانية والفرنسية والهولندية.
واستمر التنافس بين هذه الشركات على البن اليمني حتى القرن الـ 18، عندما بلغ إنتاج البن ذروته، بعد أن أنشأ الهولنديون مصنعاً للبن في مدينة المخا، ومنها بدأوا في تصديره. وكان البن اليمني سلعة أساسيةً عابرة على موانئ العالم.
لكن ذلك لم يدم طويلًا، بسبب نقل شجرة البن من اليمن إلى مناطق أخرى أخذت تنافس في إنتاجه وتصديره، إضافة إلى إهمال المزارعين اليمنيين لزراعته، وتركيزهم على زراعة القات.
ومنذ تسعينيات القرن المنصرم، كان يعمل في زراعة وتصدير البن ما يقارب مليون يمني، وفقاً لإحصائيات وزارة الزراعة اليمنية. لكن ذلك العدد تراجع خلال السنوات التي سبقت الحرب الجارية، بسبب ندرة المياه في اليمن، وعدم تطور الأساليب الزراعية المتبعة في إنتاج البن، وتنامي زراعة القات المربحة لسهولة زراعته وحصاده وبيعه.
ومنذ عام 2009، تراجع إنتاج البن في اليمن من 17 ألفاً و300 طن إلى 15 ألفاً و200 طن، وانحسرت مساحته المزروعة من 33 ألفاً و500 هكتار (الهيكتار يساوي 10 آلاف متر مربع) إلى 27 ألف هكتار، وفق بيانات لوزارة الزراعة والري وجمعية البُن اليمني.

قد يعجبك ايضا