رئيس الهيئة العامة للأوقاف العلاَّمة عبدالمجيد الحوثي لـ”الثورة “: 75٪ من أملاك الوقف يستحوذ عليها نافذون
أكد رئيس الهيئة العامة للأوقاف العلامة عبدالمجيد الحوثي أن هناك مئات اللبن من أراضي الوقف في صنعاء يتم استغلالها منذ سنوات خارج إطار الوقف، وأن الوقف كان يشهد وضعا خاطئا انحرف به عن ما كان لأجله.
وأوضح العلامة عبدالمجيد الحوثي في حوار لـ”الثورة” أن الوقف هو رافد إنساني واجتماعي وجزء من التكافل الاجتماعي والقيم الإنسانية التي دعا إليها الإسلام، ولا يجوز فيه أي تصرف خارج عما أوقف له..
ولفت إلى أن الهيئة بدأت بتحليل الوضع الراهن للوقوف على الإشكاليات من كل الجوانب، سواءً الجوانب التنظيمية أو جوانب الحصر وتقييم الأوقاف، أو الجانب القانوني.
كما أكد رئيس الهيئة العامة الأوقاف أن الوقف كان في السابق يشهد نهباً للوثائق من قبل النافذين، كما كان يشهد البسط والسطو على هذه الأموال بدون أي حق شرعي أو قانوني ولا عقد استئجار ولا دفع مأذونيات.
وأشار إلى أن الهيئة دشنت في الأيام الماضية مشروع تحديث الرؤية الشرعية والقانونية للجانب الوقفي.. إلى تفاصيل الحوار:حاوره/
عبدالجليل الموشكي
في نهاية يناير الماضي صدر قرار جمهوري بإنشاء الهيئة العامة للأوقاف.. فما الذي يهدف إليه إنشاء الهيئة؟
– إنشاء الهيئة العامة للأوقاف كان حلماً يراود الجميع منذ فترة طويلة وهو أحد مخرجات الحوار الوطني وأحد محددات الرؤية الوطنية لبناء الدولة، وفي الأول والأخير كانت رؤية السيد القائد حفظه الله منذ سنوات طويلة، والحديث جارٍ منذ أربع سنوات وكان يرى أنه لا بد من فصل الأوقاف وجعلها هيئة مستقلة كي تستطيع استعادة مكانتها ودورها الحيوي للوقف والحفاظ على ممتلكاته وهذا لا يتم إلا بتغيير الوضع بشكل نهائي وجذري لأن الوضع السابق كانت قد تراكمت فيه الإشكاليات والسلبيات في الأنظمة والقوانين والأشخاص والبيئة التي كان العمل يجري فيها، وعليه لا بد من إيجاد بيئة صحية جديدة تضطلع بالدور الريادي والتنموي للوقف.
للتوضيح للناس والعامة – ما هو الوقف؟ والانتفاع بمال الوقف؟
– الوقف هو رافد إنساني واجتماعي وجزء من التكافل الاجتماعي والقيم الإنسانية التي دعا إليها الإسلام، وهو أن يخرج الإنسان جزءاً من ماله الخاص لله تعالى بشكل دائم ومستمر لا يجوز تحويله ولا تبديله “فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ”، فأنا حينما أوقف أرضاً أنا أوقفها لله سبحانه وتعالى، بمعنى أن العين هذه هي لله لا يجوز أن تباع ولا تشترى ولا توهب ولا يجوز فيها أي تصرف، وغلتها تذهب في ما أوقفه الواقف له، فالوقف مأخوذ من الثبات، اللزوم، عدم التغير، والأرض الوقف ستبقى وقفاً إلى يوم القيامة، والتصرف فيها يعتبر أمراً يناقض معنى الوقف، فالوقف هو الثبات والدوام واللزوم على الحالة التي وضعها عليها الواقف، لأنه أراد أن يبقى له من الأجر ما يصل إليه إلى أن تقوم الساعة، لأنه كما قال النبي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) والوقف تضمن هذه الثلاث بكلها، صدقة جارية وعلم ينتفع به وولد صالح يدعو له، لأنه يربي الجيل القادم على التقوى وعلى مرضاة الله تعالى.
تعتبر اليمن عن غيرها من البلدان بأن فيها أنواعاً مختلفة من الوقف.. هل لديكم إحصائية بعدد أنواع الوقف في اليمن؟
– نعم هناك الكثير من الأوقاف وأنواعها مختلفة منها في الجانب الاجتماعي وفي الجانب الصحي والتعليمي، ومنها في جانب المبّرات الخدمية كالطرق والمناهل والبرك والسبل والمدارس العلمية والهِجَر والأربطة، ويقال إن في اليمن ما يزيد عن مئة نوع من أنواع الوقف، حتى أن هناك وقفاً يتعلق بالحيوانات، فالوقف يعبر عن جانب إنساني عظيم، لا تصل إليه الدول الغربية اليوم بما تدّعيه من حقوق الإنسان وحقوق المرأة والطفل والحيوان.
تخيل أن هناك وقفاً للمرأة الحامل التي تشتهي بعض الأشياء في وقت الحمل ولا تستطيع أن تحصل عليها، وهناك مثلاً وقف في الجانب الصحي لمؤانسة المريض، عندما يكون وحيداً لا يجد من يؤانسه أو يجالسه أو من يزيل عنه الهم والغم، هناك وقف خاص بهذا الجانب، ووقف آخر خاص بجانب ما يسمى بمغالطة المريض وهو مرتبط بالجانب النفسي، كيف ترفع معنويات المريض، وتشعره أنه بحالة جيدة، فكان يؤتى بشخصين يتحدثان جوار المريض، بأن الطبيب يقول إن حالته جيدة وهناك الكثير من الجوانب الإنسانية للوقف في كل المجالات، وكان الآباء والأجداد لديهم من الإنسانية والتكافل الاجتماعي ما جعلهم ينذرون حتى للحمار الأعرج، للدابّة الضالة، لأشياء لا تخطر في بال الإنسان.
لا شك أن قضايا الأوقاف في اليمن قضايا متعرجة، ومتشابكة ومعقدة في آن، هناك اختلالات في إدارتها سابقا بفعل فساد النظام السابق، وهناك اختلالات ناتجة عن ثقافات مغلوطة لدى الناس إذ يتصرفون في الأوقاف بالبيع والشراء، وأيضا يعتبرونه غنيمة وملكاً خاصاً، فهل لديكم حصر لهذه الإشكالات؟
– نعم نحن في الهيئة بدأنا في تحليل الوضع الراهن، واستشفاف الإشكاليات الموجودة في الوقف من كل الجوانب، سواءً الجوانب التنظيمية أو جوانب الحصر والتقييم للأوقاف، أو الجانب القانوني، أو الجوانب الخارجية المتعلقة بالجهات الأخرى وبالأفراد والمنتفعين، ومما لا شك فيه أن الوقف تعرض في الفترة الماضية، لتدمير ممنهج من خلال والسطو عليه وجعله نُهبة للفاسدين وللنافذين ولكل من يريد النظام أن يستجلب رضاهم ودعمهم له في مركزه ودولته، يمنحهم من الأوقاف ويعفيهم من الرسوم، حتى أصبح الوقف المال المباح الذي يتقاتل الناس للحصول عليه، بعد أن كان الآباء والأجداد يخرجونه من حر أموالهم، أصبح الأبناء للأسف يتسابقون على نهب هذا الوقف وأكله بالباطل، هذا كله خلّفه لنا النظام السابق، أيضاً عملية الحصر لم تمر في النظام السابق، إلا بمشقة شديدة كما حكى لنا الأستاذ قاسم الأعجم، الذي كان في مرحلة ما وزير الأوقاف، وبدأ عملية الحصر، ورغم المشقة لم يتم استكمال الحصر ولا إدخاله في الأنظمة الإلكترونية بشكل كامل، ولا ربط المعلومات ببعضها البعض، فالتدمير كان ممنهجاً للأوقاف وللزكاة ولكل ما كان جانباً مشرقاً من ديننا الإسلامي الحنيف، حتى يظهر مشروع الإسلام وكأنه دين لا يخدم المجتمع ولا الأمة والبشرية.
هل بالإمكان أن تضعونا في صورة أوضح لما كان عليه الوقف سابقا من إهمال وعبث ولما تعرض من ممارسات وفساد من قبل النظام السابق؟
– أولاً فيما يتعلق بالوثائق، كان هناك نهب للوثائق من قبل النافذين أمثال علي محسن وغيره في السلطة السابقة، كانوا يأخذون المسودات والبصائر المتعلقة بالوقف كي يستطيعوا البسط على أموال الوقف ولا يجد الوقف حجة يقارعهم بها أمام القانون، المتولون السابقون للأوقاف والنُّظار والحكام، كثير منهم لا زالت المستندات عندهم، واليوم ولله الحمد، الكثير يتوجه إلى الهيئة لتسليم ما عليه، وكأن الذي منعهم هو فساد النظام السابق.
أيضاً ضياع المستندات الوقفية وخروجها إلى أيدي العاملين والنافذين وغيرهم أيضاً كان مشكلة كبيرة، المشكلة الثانية هي البسط والسطو على هذه الأموال من قبل النافذين منذ عشرات السنين بدون وجه حق شرعي أو قانوني ولا عقد استئجار ولا دفع مأذونيات، ولا دفع وجه حقوق أو إيجارات تتعلق بالأوقاف، وكأنها ملك خاص، بل للأسف البعض يقوم بتسويغ البيع وإخراج الوقف عن ما وقف له وجعله حراً وتداول بيعه وهذا مخالف للشريعة الإسلامية ولما أوقفه الواقفون، الكثير من الأحكام للأسف سوغت للناس نهب الأوقاف والبيع والشراء فيها، وما بقي في العروق بعد الذبح من أراضي الوقف فإنها كانت تؤجر بسعر لا يكاد يذكر ولا يقوم بشيء، وما أُخذ من هذه الأموال البسيطة كانت توضع في سلة والمسؤولون والنافذون في الدولة من المحافظين والوزراء يحولون من هذا الصندوق لمن يريدون بدون حساب، بدون نظر إلى مقاصد الواقفين، فلم يكن هناك تحديد هذا الوقف يتبع الجامع الفلاني، أو المدرسة الفلانية أو الوقف الفلاني.
اليمن هذا البلد الزاخر تراثه ومبراته وإحسان الواقفين فيه بما يميزه عن العالم في مسألة الوقف وثقافتها ومصارفها، ما هي أنواع الوقف ومصارفه في اليمن؟ هل لديكم إحصائية؟
– اليمن تحتل الموقع الأول على مستوى الأمة بأكملها، فلا تكاد توجد محافظة أو عزلة أو قرية إلا وفيها قرابة الثلث وقف، فالوقف ممتد على مستوى رقعة الجغرافيا اليمنية بما لا يكاد يوجد في أي بلد آخر، ولو فُعل الوقف كما قصده الواقفون، وتم استثماره وتنميته لكان رافداً كبيراً للتنمية ومظهراً إنسانياً واجتماعياً من مظاهر الإحسان في ديننا الحنيف، ولقام بتلبية الكثير من تطلعات المجتمع، ولسد ثغرة كبيرة في الوطن، ونحن نحتاج لأن نعيد للوقف مكانته ودوره ونظرة الناس إليه، فعندما يرون أنه أصبح يؤتي ثماره واتضحت بركته وجهوده في بناء المجتمع، حينها تعود ثقة الواقفين بالوقف ويعود المجتمع له، لأنه توقف للأسف منذ أكثر من خمسين عاما بسبب فساد السلطة والعاملين على الوقف، بحيث أن الواقف لم يعد يرى أن وقفه سيصل إلى ما سيوقفه له.
نسمع فيما يتعلق بالوقف عن (بيع وشراء) هل يعد لفظ البيع والشراء مصطلحاً غير صحيح وغير قانوني في التعاطي مع الوقف؟ أم أنه يجوز بيعه وشراؤه؟ وما طبيعة الإشكالات القانونية في الوقف؟
– هذا هو من الثقافات المغلوطة التي ترسخت في أذهان الناس ونتيجة للكثير من الأنظمة الفاشلة والإجراءات الفاسدة التي كانت تمضي عليها الأوقاف، ومن هذه الإجراءات المترابطة ببعضها البعض، أولاً ضعف الموارد والإيجارات أدى إلى اختراع شيء يسمى المأذونية، وهذه المأذونية كما في لائحة التأجير، يكون هناك ما يقارب 25 % من قيمة الأرض حراً مقابل الانتفاع بها، إذا كنت تريدها في جانب سكني أو تبني عليها بناءً وتسمى مأذونية بناء، طبعاً هذا ليس له وجه وينبغي التخلص منه، لكن الذي دفع إليه هو رمزية الأجور وعدم وجود أجور مجدية من التأجير السنوي والشهري لهذه الأراضي ولو ارتفعت إيجارات الأراضي إلى حد معقول لأصبحت المأذونية هذه ملغية.
مسألة البيع والشراء، قلنا إن الوقف يتصف بالثبات واللزوم، وهنا لا تجوز فيه بشكل نهائي أي تصرفات إنما جوّز العلماء والفقهاء في حالة استثنائية، وهي إذا كان نقل الوقفية من هذه الأرض إلى أرض أخرى بشرط أن تكون الأرض المنقولة إليها الوقفية أفضل من الأرض السابقة وتكون مصلحتها للوقف أفضل وأعم من الأرض السابقة، لكن للأسف الكثير من عمال الوقف والحُكّام يعملون أحكام تسويغ لا مصلحة للوقف فيها، تخيل أنه يسوغ بيع ألف لبنة أو آلاف اللبن مقابل أن يعطى الوقف غرفة أو غرفتين في مبنى معين، في ضحك واستهزاء بمكانة الوقف وحقوق الواقفين، وهذه إن شاء الله سيتم النظر فيها من الناحية القانونية وإبطال مالا يصح وما لا تقبله الشريعة الإسلامية والقوانين النافذة.
ما طبيعة الإشكالات القانونية فيما يتعلق بالوقف؟
– هناك الكثير من الدراسات حول هذه الاختلالات، والهيئة دشنت في الأيام الماضية مشروع تحديث الرؤية الشرعية والقانونية للجانب الوقفي، وهي تتضمن النظر في كافة القوانين والأنظمة واللوائح والسياسات والإجراءات التي تخدم الوقف وتحقق مصلحته العامة وترتقي به ليكون عاملاً نهضوياً وتنموياً للمجتمع، وإن شاء الله خلال الفترة القادمة ستكون هناك إصلاحات قانونية وإصلاحات تنظيمية وتشريعية في الجانب الوقفي تلبي احتياجات العصر ومتطلبات المرحلة، ولا شك أن جانب التسويغ هو من أبرز إشكالات هذا الجانب، إضافة إلى إشكالية عدم تطبيق القانون، كثير من القضاة والعاملين في الوقف للأسف لا يطبقون القانون، فمثلاً مسألة تسويغ البيع هي جاءت باعتبار أنه يجوز للحاكم تسويغ البيع إذا كان في ذلك مصلحة ظاهرة للوقف وبموافقة المجلس الأعلى للأوقاف، وهذا المجلس لم يوافق على أي تسويغ، والحاكم يسوغ ويبيع بدون الرجوع إلى المجلس الأعلى، وهذه ثغرة قانونية يمكن أن تكون مدخلاً للإفساد بكثير من التصرفات غير الشرعية التي نهبت بها أموال الأوقاف وسوغ بيعها وشراءها وتداولها وكأنها ملك خاص لا ملك عام.
ماذا عن طبيعة الإشكالات في الجوانب الأخرى، كيف تعمل الهيئة على تجاوزها؟
– الإشكالات نوعان داخلية منها عدم وجود الأنظمة واللوائح والتعليمات والسياسات في جميع المعاملات الداخلية للوقف، الثاني منها الكوادر للأسف لا زالت تعيش بعقلية النظام السابق الفاسدة، وغياب التقنية الحديثة كالأنظمة والبرامج التي تُسهل عمل الوقف والعمل الإداري، ورغم أنه يوجد أكثر من عشرة أنظمة منذ عشرين عاماً، إلا أنها لم تُفعَل ولم تُربط ببعضها أو تدمج بنظام موحد، ولم يتم التعامل عبرها، لازال التعامل ورقياً إلى 2021م في المعاملات المالية وغيرها.
أما الإشكالات الخارجية، فهي تنقسم إلى إشكالات تتعلق بالجهات الحكومية التي للأسف قامت بالبسط على أموال الوقف ولم تدفع أي استحقاقات، تخيل أن استحقاقات الوقف لدى هذه الجهات قد تصل إلى أكثر من 100 مليار ريال يمني، هذا ما هو مسجل وموثق، دع عنك ما هو غير مسجل، وأخرى تتعلق بالنافذين والتجار الباسطين على أموال الوقف منذ عشرات السنين، ولم يدفعوا استحقاقات الوقف، وهذا هو ما لن نسكت عليه إن شاء الله، سنعمل جاهدين على إرجاع هذه الأموال لما أوقفت له.
أطلقت الهيئة مشاريع تحت اسم “الوقف لما أوقف له” ما هي رؤيتكم لاستعادة أموال الأوقاف، وصرف إيراداتها فيما “أوقف له”؟
– رؤيتنا هي هذا الشعار، ولا نريد إلا أن يصرف الوقف فيما أوقف له، ونحن في هذه المرحلة صدد حصر لكل الأشياء الموقوف لها من مساجد ومقامات ومبرات ومدارس علمية وأربطة، حتى نعيد هذه المشاريع الحيوية لأداء دورها في المجتمع، باعتبار صرف الوقف فيما أوقف له.
نحن نريد من خلال النظام الالكتروني الذي نعمل عليه أن نجعل لكل موقوف مركز تكلفة، فكل ما يتعلق بالموقوف له، مثلا الجامع الكبير في صنعاء لديه أوقاف في صنعاء أو صعدة أو تعز، سيصب كل ما يتعلق به في صندوق واحد، حتى نعرف كم رصيد هذا الجامع من الأوقاف التي أوقفت له، وهل لديه فائض أو عجز، وكم ورد إلى هذا الصندوق وكم خرج منه، وكذلك بالنسبة لكل الموقوف له كجامع الجند أو جامع زبيد أو غيرها من الجوامع التي لها أوقاف، وذلك لكي يتسنى لنا التصرف وفق رؤية واضحة.
ما تقييمكم لمؤسسة الوقف سابقاً، إيراداً وصرفاً؟
– عندما نتحدث عن السنوات السابقة نتحدث عن تراكم كبير والجميع يعلم أن الوقف طوال السنوات الماضية تعرض للنهب والتضييع والتقصير من القائمين، ما عدا النزر اليسير الذين كان لهم بصمات واضحة في العمل والكل يعرف من الذي أحسن ومن الذي أساء، التاريخ لا يرحم أحداً، ويعرف كل أحد بمواقفه، ولا نريد أن نذكر الأسماء، هناك محسنون أحسنوا وكانوا قلة، وهناك مسيئون أساؤوا وكانوا كثرة، للأسف هناك تركة ثقيلة من التراكمات الإدارية والحصرية والمستندية والتقنية تحتاج إلى فترة طويلة حتى يستعيد الوقف عافيته ويقف على قدميه مرة أخرى، وهناك كوادر جيدة في الوقف يجب الاستفادة منها وهم معروفون بإخلاصهم داخل الوقف وخارجه، كتب الله أجورهم، ولن نستغني عنهم.
ماذا عن السطو والنهب الذي تعرضت له أملاك الوقف خلال السنوات الماضية؟
– السطو والنهب كان بشكل كبير ومدمر وأفقد الوقف حيويته ودوره، وشل حركته وفاعليته، نحن لدينا خطة لاستعادة هذه الأموال، وقد بدأنا باستعادة الكثير من الأوقاف، آخرها ما فعلته محكمة الأموال العامة مشكورة، بنزولها إلى فرزة باب اليمن، التي هي مئات اللبن في قلب العاصمة تستغل منذ أربعين عاماً وهي تستغل خارج إطار الوقف ولم يعط الوقف منها شيئاً، رغم صدور حكم لصالح الوقف قبل 23 عاماً، بأن الأرض للوقف ويجب أن تسلم للوقف مع مستحقاتها، إلى قبل أسبوع تقريباً نزلت محكمة الأموال العامة واستلمت الأوقاف هذه الأرض وتعمل على تصحيح الوضع.
لمن كانت تسلم عائدات هذه الأرض؟
– كانت تسلم لجهات محلية وجهات أخرى منها ما يسمى بنقابة النقل وغيرها من الجهات، إلا أن الأوقاف هي الجهة الوحيدة التي لم تتسلم ريالاً من عائدات هذه المنطقة الحيوية رغم أنها تابعة له.
تخيل أن أحد التجار كان لديه عقد إيجار ب 4000 لبنة سعر الألف لبنة في السنة عشرة آلاف ريال يمني، والعقد هذا مؤبد، مع العلم أن قانون الوقف يقول إنه لا يزيد عقد الإيجار للوقف عن ثلاث سنوات، هذا نموذج بسيط من العبث والنهب لأموال الوقف في النظام السابق.
كذلك كان الكثير من النافذين يبسطون على آلاف اللبن ومنذ أربعين سنة وهي غير مستغلة ولا يدخل للوقف منها فائدة، وإنما هذا يحجزها حتى ترتفع الأسعار ثم يقوم ببيعها أو بيع اليد العرفية كما يقولون لجهات أخرى وهذه للأسف في كل المحافظات ولا يزال النافذون حتى اللحظة باسطين على ملايين اللبن من أموال الوقف، ونحن بصدد استعادتها جميعا وتفعيلها فيما يخدم مصلحة الوقف.
هل يمكن القول إن الثابت في الوقف خلال السنوات الماضية كان السطو والنهب؟
– لا يوجد سوى ما نسبته 25 ٪ من أملاك الوقف تحت إدارة الوقف والباقي هو مبسوط عليه ومنهوب من قبل النافذين.
هل حصل هناك أي تداخل بين أموال الوقف وأملاك الدولة؟
– هناك بعض التداخلات والإشكالات نسعى في المنظومة العدلية لجنة العقارات التي شكلّها السيد محمد علي الحوثي، لحل هذه الإشكاليات والتعاون على ما من شأنه المصلحة العليا للبلد.
ما هي المسارات التي تعملون عليها في الهيئة لتصحيح وضعية أموال الوقف؟
– نحن عند بداية إنشاء الهيئة العامة للأوقاف اتخذنا عدة مسارات منها ما يتعلق بالبناء التنظيمي وبناء اللوائح والهياكل والأدلة والإجراءات بشكل علمي ودقيق وواضح وشفاف، وجانب آخر بما يتعلق بالمنظومة القانونية بما يكفل إصلاحها وتأهيلها وتطويرها وتحديثها بما يسهم في النهضة بالمجال الوقفي، والجانب الثالث في جانب الحصر والتوثيق لممتلكات الأوقاف ووثائقها وهو استكمال للحصر السابق الذي بدأ في 2002م واستمر حتى 2008م وما بعدها ولكنه لم يستكمل، وبدأنا بالحصر الوثائقي لحصر وثائق الأوقاف ليتم جمعها ودمجها في نظام الكتروني موحد، وأيضاً في الجانب التقني عملنا على دراسة لإنشاء نظام الكتروني حديث يشمل ويربط كل الوقف بنظام موحد وقاعدة بيانات عامة تربط المحافظات ورئاسة الهيئة، بحيث يكون العمل مؤتمتاً 100 % خلال أقل من سنتين إن شاء الله.
على ذكر المحافظات، هل يتم التركيز على العاصمة فقط أم أن الجهود متوازية في كل فروع الهيئة بالمحافظات؟
– الجهود متزامنة في كل المحافظات وكانت الخطوة الأولى التي قمنا بها بعد إنشاء الهيئة هي الاجتماع برؤساء فروع الهيئة بالمحافظات وإعطائهم بعض الموجهات والتعميمات الخاصة بالعمل خلال المرحلة القادمة بغرض الحفاظ على أموال الأوقاف، هناك عمل جيد في المحافظات ولا يمكن القول إنه يتم بالشكل المطلوب ولكن لا بأس به، والأولوية لدينا الآن هي بناء المركز الرئيسي للهيئة وقطاعاتها ومن ثم سيمتد العمل إلى الفروع في المحافظات.
ما حجم مشكلات الوقف في المحافظات مقارنة بالأمانة؟
– الإشكالية الأساسية في المحافظات والأمانة هي أن لكل محافظة فرع، ونحن هنا في رئاسة الهيئة لا يوجد لدينا مشاكل كبيرة إنما بسيطة تتعلق بالتنظيم الإداري واللوائح والأنظمة والسياسات والإجراءات، لكن المشاكل الأساسية في الفروع لأنها تقوم بالتأجير ومتابعة حقوق الأوقاف والعمل على استعادة المنهوب من أراضي الأوقاف، وهذا العمل بجري يوميا للاستعادة ومنع الاستحداث والبسط، للأسف ما زال هناك حتى اليوم من يريد البسط على أموال الوقف، والمشاكل ترفع إلينا يومياً باستحداثات وانتهاكات لحرمة أموال الوقف.
يشكو البعض من إجراءات قاسية أو غير عادلة في معالجة قضايا الأوقاف، سواء بتقدير الإيجارات الجديدة، أو استعادة عقارات من المواطنين.. ما رأيكم؟
– من يصف تلك الإجراءات بالقاسية عليه أن ينظر فعلاً كم هي هذه الإيجارات والمبالغ التي فرضت على المنتفعين، وإذا لم نصحح الوضع فسيبقى الحال على ما هو عليه، لدينا خطة ورؤية للعمل بسياسات وإجراءات تراعي حقوق الوقف وحق الضعيف والمسكين وتعطي لكل شخص ما يتناسب مع وضعه الاجتماعي ومكانته المالية ووضعه العملي في الأرض المستأجرة من الوقف، هذه السياسات ستنشر إعلامياً عما قريب وستكون منصفة وعادلة وستتضمن مراعاة لوضع البلد، ومراعاة لوضع الفقراء والمساكين، فالذي لديه خمس أو عشر لبن بنى عليها منزلاً خاصاً به، نحن نعكف على دراسة هذه السياسات لإنزالها بالشكل اللائق، ويكون هناك استفادة من الجوانب الاستثمارية والتجارية وغيرها.
طبعاً لو سألت هذا الذي يقول إن الإجراءات قاسية أنا شخصيا اجتمعت مع مجموعة من التجار الذين يشكون من ارتفاع إيجارات المحلات التجارية المؤجرة، وطلبت منهم أن يعطوني رقماً، كم تريدون أن تكون نسبة إيجار الوقف مقارنة بالحر، لم يقدروا أن يعطوني رقماً ولا حتى 5 % أو أقل، لأنهم يعلمون أن ما يدفعونه لا يساوي شيئاً مقابل الحر، البعض يقول هناك زيادة 1000 %، طيب كم المبلغ؟ كم نتيجة هذه الزيادة؟ عندما يكون الإيجار خمسين ريالاً وتزيد عليها عشرة أضعافها مثلاً، معناه أنه سيصل إيجار اللبنة الواحدة إلى 500 ريال، وهذا لا يصل إلى جزء بسيط من نسبة إيجار الحر، فهم يضخمون الأمور ويهولونها، ولكن نحن بصدد إعداد سياسات وإجراءات عادلة تضمن حقوق الوقف وتراعي أوضاع المواطنين والظروف التي يمر بها الشعب اليمني.
هناك آخرون ينتقدون اعتمادكم على أطقم خاصة بالأوقاف، لتنفيذ بعض الإجراءات، دون الرجوع للأجهزة القضائية.. لماذا تلجأون لهذه الإجراءات؟
– أولاً القانون كفل للوقف حق الضبطية القضائية لحماية أموال الوقف وهي ممنوحة من وزارة العدل، ثانياً نحن لدينا تواصل مستمر مع النيابة والأمن العام ولا نخرج إلا في الحالات الضرورية والقصوى للحفاظ على الوقف من النهب أو السطو حتى تأتي الأجهزة الأمنية وتستكمل عملها، لم يحدث أنه تم حبس أحد في حبوس خاصة بالأوقاف لأكثر من 24 ساعة، هناك توقيف لا يزيد عن يوم لمن يعتدي على مال الوقف أو يمنع الموظف العام من أداء وظيفته في حماية مال الوقف، ومن ثم بعد الحجز يتم إحالته مباشرة إلى النيابة ويطلب من الأمن التدخل.
وللأسف أن الجميع حين يرى الأطقم تخرج يقول هذه الأوقاف نزلت، وقد ذكرت لك ما حدث في فرزة باب اليمن، نحن لم ننزل، من نزلت هي محكمة الأموال العامة، وفي أي حال قد تكون الأطقم من المحكمة أو من الداخلية، نحن لا ننزل إلا في الحالات القصوى التي تستوجب ذلك، حتى تأتي الجهات المختصة وتستلم عملها.
وقف الذرية.. هل هو وقف خاص، وما هي الأوقاف الخاصة؟ وما هي الأوقاف العامة، أمثلة على ذلك؟
– الوقف بطبيعته ينقسم إلى أربعة أقسام منها ما هو وقف عام وولايته عامة وهذا كأن يكون هناك وقف على مسجد ولم يخصص الواقف المتولي على الوقف، وتكون ولايته إلى ولي الأمر، وهناك وقف عام ولايته خاصة كأن يكون هناك وقف على مسجد ويكون الموصي أوصى أن يكون المتولي لهذا الوقف فلان أو ذريته، وهناك وقف خاص وهو ما يسمى بالوقف الذري كأن يكون موقوفاً على شخص أو على ذرية معينة، وقد تكون ولايته عامة أو خاصة وغالباً ما تكون خاصة، وما تكون ولايته عامة يكون المتولي عليه ولي الأمر، أما ما كانت ولايته خاصة بحسب وصية الواقف فإن دور الهيئة في هذه الحالة هو الرقابة والإشراف على تنفيذ وصية الواقف وعلى صرف الوقف فيما أوقف له، وعلى إرشاد القائم على الوقف بكيفية استثمار الوقف والحفاظ عليه، ودعم هذا المتولي ضد هذه الاعتداءات التي قد تطال هذه الأرض وتسجيل هذه الأرض في خانة الأوقاف الخاصة ولا تكون الهيئة هي من تقوم بالتنفيذ العملي لهذه الأوقاف.
يدَّعي البعض أن هناك إجراءات تتعلق بوقف الذرية.. كيف تصرفت الهيئة مع هذه الأوقاف؟
– نحن إلى الآن لم ندخل في وقف الذرية، نحن أنشأنا إدارة في الهيئة تسمى بإدارة الوقف ذي الولاية الخاصة، بحيث يكون دور الهيئة هو الإشراف والإرشاد والرقابة والمعونة المالية والأمنية للمتولي للوقف كي يتمكن من القيام بدوره في حماية الوقف وفي إيصال الوقف إلى مستحقيه.
ترميم الجوامع الأثرية التي توجد لها أوقاف كثيرة وكذلك الأضرحة والجوامع التي يوجد فيها أئمة علم وهي كثيرة جدا.. هل بدأتم مشاريع ترميمها؟
– نمتلك في اليمن الكثير من الجوامع الأثرية والمقامات والمعالم الأثرية، وقد بدأنا بالنماذج الرئيسية بدأنا بمشروع في الجامع الكبير بصنعاء خطته وموازنته جاهزة، ومشروع في جامع الإمام الهادي بصعدة والعمل فيه جارٍ، ومشروع في جامع الجند، ومشروع لجامع زبيد خطته ودراسته جاهزة، ومشروع في الجامع الكبير بإب العمل فيه جارٍ، والمدرسة الشمسية في ذمار هنالك عمل قد تم إنجازه خلال فترات طويلة، وهنالك عمل في جامع الروضة لاستعادة منظر الجامع ورونقه الذي يعود إلى ما قبل 400 عام، نحن إن شاء الله نهتم بالتراث الوقفي، وأنشأنا إدارة خاصة في الهيئة تسمى إدارة المبّرات والتراث الوقفي، لكي يكون هناك اهتمام بهذا التراث، ومحافظة على الطابع الأثري، سواءً داخل صنعاء القديمة أو غيرها من المدن أو المعالم التاريخية.
هل لكم أن تطلعونا على المشاريع التي نفذتها الهيئة العامة للأوقاف للعام 1442هـ؟
-ضمن مشاريع الهيئة العامة للأوقاف للعام 1442هـ، (( وتحت شعار الوقف في ما وقف له ))، تم تنفيذ مشروع «إنما يعمر مساجدَ الله» بمبلغ مليار ريال.
المشروع هدف إلى ترميم عددٍ من المساجد ، وعددها ألفٌ وسبعُمائة وسبعةٌ وستون مسجداً في مائةٍ وسبعَ عشْرةَ مديرية في ثلاثَ عشْرةَ محافظة.
كما دشنت الهيئة العامة للأوقاف مشروع (ويطعمون الطعام) بمبلغ 400 مليون ريال، مستهدفا 38 الفاً من الفقراء والمعدمين والمرضى وجرحى العدوان والمرابطين وأسر الشهداء وفئاتٍ أخرى في خمس عشرة محافظة.
وكذا مشروع (وقل رب زدني علمًا) بتكلفة 600 مليون ريال، حيث تم من خلاله توزيع إكراميات للعلماء ودعم طلبة العلم والمراكز التعليمية والمسابقات القرآنية لاكثر من 10 ألف مستفيد في 10 محافظات.
تطرح رؤى حول استثمار الأوقاف.. لكن البعض يطرح أن الوقف فقط لما أوقف له، ويفسَّر أن الوقف فقط لبناء أو ترميم جامع، فهل هناك إشكالية شرعية في استثمار الأوقاف؟
– ليس هناك إشكالية في الاستثمار لأن معناه أن ننمي إيرادات هذا الوقف لما أوقف له، نحن في اليمن حينما تكون لدينا جوامع لها أوقاف، خطتنا المستقبلية أن يكون لكل موقوف مركز تكلفة خاصة، وعندما يكون لدينا مشروع استثماري ولهذا المشروع فائض من إيرادته سنأخذ بنسبة أسهم لهذا الجامع في المشروع، نقوم مثلا بمشروع أبراج سكنية يدخل مثلا الجامع الكبير بعشرين سهماً باسمه وتعود فائدتها إليه، ويدخل جامع الجند وجامع زبيد وجامع الإمام الهادي كل منها بـ20 %، يعتبر هذا المشروع تنمية لموارد الموقوف له، وزيادة في أجر الواقف، وتعظيم لمصلحة الوقف، فالاستثمار لا يخرج الوقف عن كونه يصلح فيما أوقف له.
ماذا عن استثمار أموال الوقف، ورؤيتكم في هذا الجانب؟
– نحن في الهيئة نعد الجانب الاستثماري أول الأولويات في العمل الوقفي بعد إرجاع الوقف إلى ما أوقف له، الاستثمار هو المورد الأكبر الذي سيعود بالعائدات الكبيرة على الوقف، لتفعيل دوره والمصالح التي أوقف لها، وقد أنشأنا قطاعاً كاملاً في الهيئة يسمى قطاع الاستثمار وتنمية الموارد، هذا القطاع مهمته دراسة الوضع الاستثماري لكل العقارات الخاصة بالأوقاف في كل المحافظات وحجز أي أرض استثمارية لصالح الهيئة مهما كان وضعها، وإنهاء عقود المتعاقدين معها أو عند انتهاء العقد.
رؤيتنا في الاستثمار هدفها النهوض بالجانب الوقفي في الاستثمار الحيوي بما يكفل النهضة التنموية وتشغيل الأيدي العاملة واستغلال الممتلكات العقارية الضخمة والكبيرة التي لا يمكن أن يمتلكها أحد في اليمن ولا الدولة، إذا استطاعت الهيئة أن تبسط يدها عليها فإنها ستكون رافداً كبيراً لعملية التنمية، خصوصا في الوضع القادم إن شاء الله بعد النصر وبعد انتهاء هذا العدوان.
حالياً .. ما حجم الاستثمارات للأوقاف وما أنواعها؟
– الاستثمارات حالياً ضعيفة وغير مجدية وتتمثل في بعض الأسواق بالمحافظات وبعض الفنادق البسيطة التي للأسف لا تستغل من الأوقاف نفسها، الاستثمارات لا تكاد تذكر في الجانب الوقفي طوال الفترات الماضية.
أموال وعقارات الأوقاف، مؤجرة بأسعار زهيدة، وما هو مزارع غلتها زهيدة أيضاً.. ما تقييمكم لهذا الأمر؟
– الرؤية الاستثمارية والتنموية من أولوياتنا ونحن عاكفون على تقييم كافة أراضي الوقف الزراعية وغير الزراعية والمباني، تقييمها وخرصها وتقييم إيرادتها، لدينا إدارة عامة تسمى إدارة الخرص والتقييم، أنشأناها لهذا الغرض؛ لإعادة النظر في مدى الاستغلال الأمثل لأراضي وعقارات الأوقاف، وإعطاء رؤية للقيادة حول الاستثمارات ومدى جدوائيتها، ومدى إمكانية تغييرها إلى أنواع أخرى، فمثلاً الخرص هو تقدير الغلة لكن للأسف البعض يأتي في آخر السنة ويعطيك قدحاً من البر وهو يزرع المزرعة قاتاً ويأخذ الملايين طوال السنة، ويأتي ليعطيك عشرة آلاف، تعوَّد أن أباه وجده كانا يعطيان قدحاً من الحب على هذه الأرض، فهذه الإدارة تعنى بتقييم وخرص الثمار وتحديد المبلغ والربط على المزارع بالمبلغ بعد الاتفاق على النسبة التي يجب أن تكون للوقف من الغلة الزراعية من هذه الأرض فالبعض بالنصف والبعض بالربع والبعض بالثمن، حسب العرف الجاري في الزمان والمكان.
مما طرحتم ومن خلال الوضع القائم للوقف، نحن نشدد على رفع الغبن عن أموال الوقف.. كيف يمكن حماية هذه الأموال في ظل الوضع القائم؟
– الغبن موجود نعم، لكن المشكلة حينما نبدأ برفعه، فتبدأ بعض الجهات بالضجيج والتظلم وكأن الوقف قد أخذ قوت المواطن، نحن نعد آلية عادلة ومتوازنة تحقق تنمية إيرادات الأوقاف وتراعي وضعية المواطن الضعيف، طبعاً الذين يعملون الضجيج ليسوا من المواطنين بل هم من النافذين ومن التجار والهوامير الذين يمتلكون شبكات إعلامية ويحركون الرأي العام، أما المواطن فنحن ننظر إليه بعين الرحمة ولا نريد أن نثقل كاهله، وللأسف أن من يتعاطى مع موضوع الأوقاف يتعاطى من خلال تصريحات النافذين واللوبيات التي كانت تنهب الأوقاف منذ عشرات السنين، نحن نريد من جميع الإخوة في الجمهورية اليمنية التعاون معنا سواء الجانب الرسمي أو الجانب الشعبي في أن نرفع من قيمة وإيرادات الأوقاف ونراعي في ذات الوقت الضعفاء والمساكين، لكي تعود الفائدة على المجتمع لا إلى جيوب النافذين.
أسهم الوقف منذ ما يزيد عن 1000 عام في التكافل والتنمية الاجتماعية.. اليوم كيف يمكن أن يسهم في التنمية بشتى جوانبها؟
– للوقف جوانب خيرية وتنموية مختلفة، لدينا جانب وقف لمبرات خيرية تعود للمواطنين مباشرة والضعفاء والمساكين، كالوقف على الطعمة والوقف للفقراء والمساكين، والوقف للزواج، والوقف للجانب الصحي أو الجانب الاجتماعي، وأيضاً الوقف الذي يتعلق بالعلماء والمتعلمين وبالمدارس العلمية وبإحياء العلوم الدينية وتعليم الناس، وهذا سيعود على المجتمع بالتقدم والنمو، لأن العلم أساس الحضارة، أيضاً الجانب الاستثماري الذي سيكون عاملاً في النهضة وتشغيل الأيدي العاملة وتوفير الفرص الاستثمارية، فالوقف رافد خيري وإنساني وتنموي لو فُعِّلَ بالشكل المطلوب لكان من أكبر روافد التنمية الشاملة في بلادنا.
نحن لا زلنا في الخطوة الأولى ولا زلنا نرمم المبنى من الداخل ونبني الهيئة في جانب ونواكب المشاكل والمستجدات في جانب آخر، ولكن هدفنا وتطلعنا هو أن تكون الهيئة والأوقاف رافداً تنموياً، سيلمس الجميع آثاره الإيجابية.
الأوقاف تمتلك مزارع كبيرة، فلماذا لا تبحث عن ممولين وتدخل في شراكة مع قطاعات تزرع هذه المساحات وتساهم في إيجاد أراض استثمارية للمستثمرين؟
– هناك الكثير من النقاشات مع أكثر من جهة حول هذا الموضوع والجانب الزراعي والاكتفاء الذاتي هو من أولويات المرحلة القادمة لليمن بشكل عام، ونحن سنكون -إن شاء الله- حاضرين للإسهام في هذا الجانب كون الوقف يمتلك الكثير من الأراضي الزراعية، وسنعمل مع الجهات المختصة على إيجاد مشاريع عملاقة في هذا المجال.
ما هي الفرص الاستثمارية الآن في ظل هذه الظروف؟
– الجانب الزراعي كما ذكرنا من الأولويات، وأيضاً التنمية السكنية بمعنى عمل مشاريع مدن وأبراج سكنية وأسواق تجارية، وفي كافة المجالات، وما زال قطاع الاستثمار في الهيئة يعد الخطة ويرتب الأولويات في سلم الاستثمار.
كان حواراً شيقاً معكم، وقبل الانتهاء ما رسالتكم التي توجهونها للعاملين في الأوقاف؟
– رسالتنا للإخوة العاملين في الهيئة العامة للأوقاف هي أن نتقي الله جميعاً وأن نعلم أننا محاسبون أمام الله عن كل ريال يدخل هذا المورد الهام من موارد البلد والدين، هذا المال هو لله وهو لبيوت الله، حينما نأكل حق الله وحق بيوت الله فإننا سننزع البركة، وسيحل علينا السخط والنقمة من الله تعالى، وندعو لتغيير النظرة والعمل بشكل إيجابي وبشكل مؤسسي والالتزام باللوائح والأنظمة والعمل على الارتقاء بالجانب الوقفي لأن هذا يعتبر جهاداً في سبيل الله وخدمة للبلد وخدمة لبيوت الله وشرف كبير، فقد جعل الله نبيين من أنبيائه قائمين على تنظيف وتطهير بيت الله تعالى ” أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ”، ونحن حينما نحظى بهذا الفخر والاعتزاز يجب أن نؤدي الأمانة إلى أهلها، فالله يقول “إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها”، “والذين هم لأمانتهم وعهدهم راعون”.
هل من رسالة توجهونها لوكلاء الوقف؟
– أنتم الأذرع التي تستطيع الهيئة أن تنهض بها، فإذا عملتم بجد وإخلاص ليلاً ونهاراً للنهوض بهذا المشروع الحيوي فأنتم أساس نجاح هذا العمل وأنتم من ستنهض على سواعدكم الهيئة والعمل الوقفي وسيكتب الله لكم الأجر إلى أن تقوم الساعة فالإنسان كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم “من سنَّ سُنَّة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة” فعندما تساهمون في بناء هذه الهيئة وتساهم الهيئة في الحفاظ على أموال الأوقاف وصرفها في مصارفها تكونون مشاركين في كل ريال يرجع إلى حقه ومستحقه.
ما رسالتكم للمنتفعين من أموال الوقف؟
– نقول لهم كما قال السيد القائد حفظه الله اتقوا الله وخلصوا ذممكم من أموال الوقف، وأن تخلصوا ذممكم اليوم أفضل من أن تواجهوا الله وذممكم غارقه، بحقه، نحن لا نريد أي إساءة إلى أي مواطن ولا نريد أن نبسط على أي حق، كل ما نريده هو أن نخلص ذممنا وذممكم أمام الله سبحانه وتعالى، وألا نأتي يوم القيامة وغريمنا الله وبيوت الله التي نراها اليوم للأسف مهملة ومضيَّعة والفائدة تعود إلى التجار والنافذين والباسطين، ولنعلم أننا حين نكون باسطين على أموال الوقف فإن الله سينزع منا البركة ومن أولادنا ومن رزقنا وحلالنا ومالنا في الدنيا والآخرة.
ما رسالتكم للقضاء؟
– رسالتنا أن العدل هو أساس الحكم وأن أول وأوجب ما يمكن أن نعدل فيه هو حق الله سبحانه وتعالى، فحينما نظلم بيوت الله ونظلم المستضعفين والمحاسن والمبار التي أوقفها الواقفون فإننا قد ظلمنا أنفسنا وظلمنا المواطن الذي نعطيه حق الوقف باطلاً ويكون القاضي هو المسؤول أمام الله سبحانه وتعالى، فليحكموا كما قال الله تعالى ” يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ” فعلى القضاة أن يتقوا الله ويتعاونوا من أجل إحقاق الحق وإعادة الوقف واستعادة حقوقه، وعليهم أن يتحملوا المسؤولية أمام الله لإنصاف الوقف الذي تعرض للنهب على مدى عقود ماضية.
هل من رسالة توجهونها للأجهزة الأمنية؟
– هم اليد التي تحقق العدالة وهم القوة التي قال الله سبحانه وتعالى “لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ” هذا الحديد هو عبارة عن القوة التي تمتلكها الأجهزة الأمنية لتحقيق العدالة ولإعادة الحقوق إلى أصحابها، أنتم المسؤولون أمام الله في العمل على تنفيذ ما يعيد الوقف إلى ما وقف له واستعادة أراضي الوقف المنهوبة ومنع البسط أو نهب أراضي الأوقاف، وأنتم مأجورون حينما تقومون بخدمة بيوت الله وإعادة هذه الحقوق إلى مستحقيها.