تحقيق/ نجلاء علي الشيباني –
شاب قتل نفسه لحرمانه من الزواج بمن أحب.. وزوجة أحرقت نفسها حتى الموت لتتخلص من قسوة حماتها
علم النفس:
تزداد الظاهرة كلما ازدادت الأزمات الاقتصادية والنفسية والأسرية على الفرد
علم الاجتماع:
الأرقام الحالية للانتحار تعد مؤشراٍ خطيراٍ يدفعنا للبحث عن حلول سريعة
* بعد أن أصبح قتل النفس عند ضعاف النفوس هو الملاذ الأخير وطريقة للفرار لكل من قست عليه الحياة وأشبعته مرارة وسولت له نفسه قتل روحه التي وهبها الله له فهل الموت الذي اعتبره هؤلاء قارب النجاة هو الحل السليم للهروب من معاناة تجرعوها¿ علماء النفس والاجتماع يبررون الانتحار .. بسوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وبعض من الأمراض النفسية .. أما علماء الدين فهم يرفضون كل تلك التبريرات ويعللون ذلك بالبعد عن الرحمن .. الانتحار أحد أخطر الظواهر الدخيلة على بلد الإيمان فقد حصدت نحو (253) روحاٍ خلال العام الماضي حسب احصائيات رسمية.. تفاصيل أكثر عن الظاهرة وأسبابها تجدونها في هذا التحقيق …!!
السبب هو الرغبة في الزواج فكانت البداية من الفراق والنهاية كانت الموت .. هذا ما جسده تماماٍ أيمن حينما قرر الانتحار عندما سمع خبر زواج من أحب ولم تخالفه (ف-أ) فهي أيضاٍ لم تقو على التحمل حينما عاكستها أمواج الحياة ..
أيمن و(ف-أ) لم يقدر لهما الزواج بمن تمنوا ..أ يمن كان شاباٍ قوياٍ عندما أحب أحد جاراته لسنوات عدة ولكن رغبة والده كانت أقوى منه مما جعله ينصاع في النهاية لها وتزوج ابنة عمه ومرت الأيام ومازال قلب أيمن معلقاٍ بابنة جاره خاصة عندما لاحظ الفرق بينها وبين زوجته.
كذلك (ف-أ) هي الأخرى صمدت لعدة أشهر وحاولت إسعاد زوجها ولكن كلمات من أحبته أثناء الدراسة وأسلوبه المخلق معها صعب عليها نسيانه لتعيش في ضيق ونكد طيلة فترة زاوجها.
فكان القاسم المشترك بينهما اختيار طريقة وأداة واحدة للانتحار .. أيمن بعد أن علم بأن جارته قد تم عقد قرانها بشاب آخر ذهب مسرعاٍ لغرفته وأخذ مسدس والده وقتل نفسه بعد أن أدرك أن من يحب قد تزوجت .
(ف-أ) نتيجة لتعنت والدها وأصرره على تزويجها جعلها هي الأخرى تتجه في آخر المطاف إلى مسدسه الشخصي لتقتل نفسها في بيت أبيها بعد أن كتبت له أنا الآن مت وأتمنى أن تكون قد ارتحت.
(إهانة مستمرة)
كانت الوجبة الأخيرة التي يتناولها محمد مع أبيه فقد توجه بعدها إلى غرفته ليعلن عن ساعته الأخيرة في هذه الحياة ..البداية كانت مع زواج محمد ليتوالى بعدها سيل الشتائم التي كان والده يوجهها إليه أمام زوجته وجميع أفراد أسرته لعدم حصول محمد على عمل يساعد به والده الذي يتحمل كافة مصاريف الأسرة .
لم تتوقف هذه المعاناة عند هذا الحد فقد استمرت الإهانات لتصبح شبه يومية طيلة فترة زواجه لتتحول تلك الإهانات إلى ضغوط أثقلت كاهله ودفعته للتوجه صوب غرفته وينفذ محمد بالإعدام على نفسه شنقاٍ لتدخل زوجته الغرفة بعد الغداء فتجده قد فارق الحياة بعد أن أعلن للجميع أنه لم يعد يتحمل أكثر.
(الموت حرقاٍ )
عانت (فاتن) الأمرين طيلة حياتها من زوجة أبيها التي كانت تعاملها كخادمة لها وقسوة أبيها التي أعمت زوجته بصيرته لتفتح بعدها كل تلك المعاناة طاقة القدر.. هذا ما كانت (فاتن ) تتخيله خاصة عند إقدام أحد الشباب للزواج بها فوافقت على الفور هروباٍ من واقعها الأليم ولتبدأ بذلك حياة جديدة .
هذا ما حدث بالفعل ولكن لشهر واحد بعدها بدأت عجلة الحياة تلف بها إلى الخلف بكل قسوتها وهذه المرة من أم زوجها التي كانت تداوم على البكاء والنواح والشكوى لولدها من زوجته فتتلقى فاتن بعدها سيل الشتائم وصنوف المعاناة من زوجها لتدخل رحلة جديدة من الأسى لم تصمد أمامها للواقع وبين غضب زوجها عليها لتتوجه بكل صمت إلى المطبخ الذي أغلقت بابه وأحرقت نفسها بداخله والنهاية هي الموت بعد أن فشل الزوج في إنقاذها حين لفضت أنفاسها الأخيرة في طريقها إلى المستشفى..
(ارتفاع مخيف)
في ظل تزايد نسب الفقر في اليمن وتردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادي والسياسية وضعف التوعية الدينية تجاه الظاهرة التي ارتفع معها عدد المنتحرين في الأعوام الأخيرة في بلادنا .. تقول التقارير الإعلامية أن الحكومة اليمنية سجلت وقوع حادثي انتحار منفصلين في صنعاء أقدم عليها شابان تتراوح أعمارهما بين(24و30) عاماٍ أحدهما انتحر في صنعاء القديمة بشنق نفسه بشال أما الشاب الثاني فهو من سكان منطقة آزال وقد استخدم الطريقة نفسها .
وفي الحديدة رجل عمره 65 عاماٍ شنق نفسه على شجرة جوار منزله وكان أعلى معدل انتحار سجله اليمن هو انتحار ثلاثة شباب في عدن وتعز وإب خلال شهر واحد كما رصدت الداخلية وقوع 31حالة انتحار بينهم ثمان إناث وثلاثة أطفال في عموم محافظات الجمهورية حيث بلغت الذروة في عام 2010 . فيما تشير إحصائيات وزارة الداخلية أن الانتحار أودى بحياة (6000)شخص بين الأعوام من عام 1995 و حتى عام 2009م ومنها (118)حالة تنوعت بين الشنق بالحبل والأقمشة أو بواسطة الأسلحة النارية المختلفة وأيضاٍ عن طريق السموم وكذلك إحراق النفس وأخرى ارتكبت عن طريق استخدام الآلات الحادة .
(الاضطرابات النفسية )
القلق والخوف والوسواس وغيرها من الأمراض النفسية التي يتعرض لها الإنسان من أهم الأسباب التي قد تؤدي إلى الانتحار بما في ذلك سوء التوافق الانفعالي والعاطفي والاجتماعي.. هذا ما قاله علم النفس .
أما الدكتور عبد الجليل التميمي أستاذ علم النفس الإكلينيكي /بجامعة صنعاء كلية الآداب يضيف بالقول: تشير الدراسات العلمية إلى أن هذه الظاهرة المؤسفة تزداد في المجتمعات التي تعاني من أزمات اقتصادية واجتماعية وأسرية .
ويضرب الأمثلة بالقول: فالشخص الذي يعاني من الناحية الاقتصادية ..غالباٍ ما يشعر باليأس والإحباط وقد يبحث عن منافذ وحين يفقدها يضطر إلى القيام بأفعال غير شرعية ..فيعيش في حالة الشعور الدائم بالإحباط واليأس والشعور العميق بالفشل مما يؤدي به إلى القيام بأعمال سلبية كالانتحار مثلاٍ .
(الظروف المحيطة )
لم تخف الدكتورة عفاف الحيمي أستاذة علم الاجتماع بجامعة صنعاء تفاجأها حين قالت إن أحد الصحفيين جاء إليها قبل عام ليسألها عن هذا الموضوع .. وترى بأن الأرقام الحالية لهذه الظاهرة تعد مؤشراٍ خطيراٍ يدفعنا للبحث عن الأسباب وإيجاد الحلول المناسبة موضحة بأن هناك ظروفاٍ اجتماعية واقتصادية وأسرية تدفع بالإنسان إلى أن يحكم على نفسه بالقتل منها اليأس الشديد سواء كانت تلك الظروف سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية وصعوبة العيش خاصة وأن التعليم حالياٍ لم يعد يلبي احتياجات سوق العمل فعندما يتخرج الشاب من الجامعة لا يستطيع الحصول على فرصة عمل مما يجعله يحس أن العمر يضيع بدون فائدة إلى جانب أن المجتمع ووسائل التنشئة بمختلف اتجاهاتها لا تغرس مفهوم المسئولية الاجتماعية في الشباب وكيفية تجاوز مشكلاته من خلال البحث عن العمل بعد إكمال الدراسة. كما أن وسائل التنشئة لا زالت تهتم بالغرائز ولا تهتم بالعقل .
ونوهت الحيمي إلى أن القهر الاجتماعي أحد الأسباب التي تدفع النساء بشكل خاص والرجال والشباب بشكل عام للانتحار.
(حلول مقترحة )
وحول ايجاد الحلول المقترحة يضع لنا الدكتور عبد الجليل التميمي أستاذ علم النفس نقاط مشتركة مع أستاذ علم الاجتماع الدكتورة عفاف الحيمي حيث يتفقان على ضرورة الاهتمام بالشباب في التعليم والرعاية الصحية وتربيتهم تربية سليمة وتوفير فرص العمل لهم ووسائل الترفيه المختلفة في كافة محافظات الجمهورية لكي يتمكن الشباب من إخراج طاقاتهم الكامنة والمواهب المخزونة لكن ضمن تعاون المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والدولة كإدارة سياسية ولتحديد فرص العمل وتوزيعها وتوفير الضمانات الاجتماعية والاقتصادية للفقراء واليتامى والعجزة وكافة الشرائح داخل المجتمع.
(ضعف الإيمان )
ضعف الإيمان وعدم معرفة الإنسان بالحكم الشرعي لهذه المسألة هو السبب للانتحار وهذا ما أكده الشيخ محمد الحزمي الذي يقول : إن من يقتل نفسه ظناٍ منه أنه سيرتاح من الهموم التي تلاحقه هو آثم عند الله ومصيره الخلود في النار قال تعالى (من أجل ذلك كتبنا على بني اسرائيل أنه من قتل نفساٍ بغير نفس أو فساداٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاٍ ) صدق الله العظيم .. وإن ضعف الإيمان هو أكبر الآفات التي قد يمر بها الإنسان في حياته .. وأن قوة الإيمان في الفرد تدفعه إلى أن يصبر ويستعين بالله تعالى ويعلم أن كل شدة في الدنيا تصيبه مهما كانت شديدة فإن عذاب الآخرة أشد منها فكيف يفر من ضيق وشدة مؤقتة لابد لها من نهاية إلى عذاب دائم لا نهاية له .. وعلى الشاب المسلم أن يتذكر بأنه ليس الوحيد الذي يصيبه البلاء والشدة فقد أصاب البلاء الأنبياء والرسل والصالحين فالبلاء سنة كونية لا يكاد يسلم منها أحد .