الثورة /
تحظى اليمن بموقع متعدد التضاريس والمناخات النادرة في العالم، ومن ضمنها الساحل التهامي والذي يحتوي على مساحات كبيرة من الأراضي التي يمكن استصلاحها واستغلالها واستثمارها اقتصاديا.
ويأتي هذا التنوع المناخي المتعدد في ظل وجود تعدد نباتي يتناسب نموه مع كل مناخ، وفي ذلك حكمة تساعد في تنوع الموارد الطبيعية للاقتصاد المحلي، وبالتالي تتوافر إمكانية تفعيل وتحريك طاقات وإمكانات المجتمع نحو الاهتمام والتحسين في زراعة النباتات ذات العائد الاقتصادي، الأمر الذي يبشر بإمكانية نشأة الحرف والصناعات المحلية لمخرجات هذه النباتات والتي يمكن من خلالها تغطية احتياجات البلاد للعديد من المنتجات التي يتم استيرادها بالعملة الصعبة.
ولا تبدو المشكلة بذلك البعد غير الممكنة معالجته، بقدر ما أنها بتعبير بسيط ترجع إلى سبب واحد هو الإهمال.. على سبيل المثال، عدم استغلال لأشجار الدوم (النخيل المروحي) في سهل تهامة لسنوات مضت، ما يعني أن هذه الأشجار كانت مستغلة بصورة أو بأخرى قبيل سنوات هذا الإهمال.. إذن، المطلوب ليس أمرا في غاية الصعوبة كي نعيد الاهتمام بهذه الشجرة.
في سهل تهامة في عزلة الجعلية مديرية المنيرة بمحافظة الحديدة كانت لـ “الثورة” الصحيفة برفقة أعضاء فريق الدراسات والبحوث بمؤسسة بنيان التنموية وقفة استطلاعية على نباتات أشجار الدوم (النخيل المروحي)، تلك الشجرة التي تبدأ نموها بساق واحدة وبعد ذلك يتفرع ذلك الساق إلى فرعين، وهي صفة تميز بها النبات، ولها أوراق مروحية الشكل، وأزهار وحيدة الجنس ثنائية المسكن (تحتاج إلى تلقيح صناعي)، ويتكاثر نبات الدوم إما بالبذور، أو الفسائل، أو التقسيم، أو عن طريق زراعة الأنسجة.
الدوم والنحل
عند حصول الأمطار في المنطقة تبدأ الأشجار بالإزهار وعادة تزهر في بداية شهر يناير، حيث يأتي النحالين من مناطق مختلفة ويعيده بخلايا النحل ووضعها في منطقة أشجار الدوم وهذه الخلايا تقوم بامتصاص رحيق الازهار المؤنثة.
أبناء المنطقة غير مستغلين لهذه الميزة في الأشجار، والسؤال الذي يفرض نفسه هنا.. لماذا لا يوجد خلايا نحل مع أبناء المنطقة رغم المعرفة المسبقة بأهمية الأشجار والأزهار وكيفية الاستفادة من خلال ما يشاهدونه من اقبال النحالين عليها من مناطق محيطة؟.
طبعا، الإجابة على السؤال ليست بالصعوبة التي يتخيلها عاقل، فأبناء المنطقة فقراء، إن لم يكونوا تحت خط الفقر، والمطلوب لجعل هؤلاء السكان قادرين على استغلال هذه الميزة في الاشجار التي تحيط بهم من كل جانب وبكثافة هو تدريب مجموعة من شباب المنطقة ليشكل نواة فرسان تنمية ولجاناً زراعية لنشر الوعي بين أبناء المنطقة بأهمية ما لديهم من فرص يمكن استثمارها في تحسين وتنمية دخل الأفراد المعيشي، ومن ثم التحرك في اتجاه تحفيز وتشجيع التجار والمحسنين وهيئة الزكاة والأوقاف وصندوق رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة، وصندوق تنمية المهارات، وغيرها من الجهات القادرة على إقراض أبناء المنطقة قروضا بيضاء تمكنهم توفير خلايا النحل والاستفادة منها من موارد المنطقة في عدة مجالات، فالمنطقة زراعية خصبة وشاسعة.
الأمطار والدوم
عند زيادة الأمطار في المنطقة وامتصاص النبات كميات كبيرة من المياه لا يتم قطع السعف واستخدامه في الحرف اليدوية لأن جودته في هذه الحالة تكون رديئة مما يدل على أن لديهم خبرات انتقلت من الآباء الى الأبناء حيث يستخدم السعف في تصنيع وحباكة الحبال ويستخدم كذلك في تصنيع السفر لمائدة الطعام وفي صناعة السجاد وفي تغطية عشش المنازل وله استخدامات عديدة.
كما يقوم أبناء المنطقة بقطع أشجار الدوم وتجهيز السيقان (الرواكب) ووضعها في أسقف البيوت ويميلون إليها لأنها الأكثر مقاومة لدودة الأرضة من أخشاب السدر والسيسبان، وهذه ظاهرة منتشرة بنسبة قليلة لأن أبناء المنطقة يدركون أنهم بتقطع الأشجار سيحرمون من الحصول على عائد ثمارها من السعف.
وتنتج شجرة الدوم كميات كبيرة من ثمار السعف المستخدم كوقود وفحم عالي الجودة وطويل الأمد حيث يحتاج لفترة طويلة كي يتحول إلى رماد.
مبادرات مجتمعية
لفت انتباه فرسان التنمية في المنطقة إلى ضرورة إعداد دراسة سلسلة القيمة لأشجار الدوم (النخيل المروحي) ورفع مستوى الوعي بأهمية استغلال مواردها لدى أبناء المنطقة والحفاظ عليها وإكثارها كونها ستدر عليهم بدخل وفير، ومن التحريك نحو إطلاق عدة مبادرات في مجال الإكثار من بذور وشتلات أشجار الدوم والتوسع في زراعتها، كما يحبذ نشر الوعي في صفوف طلاب مدارس المنطقة بأهمية وضرورة المشاركة في المشروع من خلال تبني وتنفيذ مشاتل مدرسية مقابل درجات نشاط.
وبناء على ذلك قام شباب أبناء منطقة المنيرة بإطلاق مبادرة تجميع عشرين ألف بذرة من ثمار أشجار الدوم وسيتم زراعتها في مشتل والعناية بها من ري وغيره وتم الاتفاق بأنه سيتم توفير التسويق لهم حتى يكون هناك عائد مادي لهم ولأسرهم ويستفيد المجتمع من هذه الأشجار من كلا الجانبين الاقتصادي والجمالي.