همدان درعي ورمحي:
يورد الشيخ “أصغر منتظر” في كتابه “أثر القبائل اليمنية في نُصرة أهل البيت عليهم السلام في القرن الهجري الأول” – وهو عبارة عن رسالة ماجستير – الكثير من المواقف عن مكانة الإمام علي- عليه السلام، عند اليمنيين، ومكانتهم عند الإمام علي، وأثرهم في تشكيل وظهور التشيع، ودورهم في مبايعة ومناصرة الإمام علي “ع”، ومشاركته في كل المعارك التي خاضها، مؤكداً بأن لهم مواقف قوية ومؤثرة منذ اليوم الأول لمبايعة الإمام بالخلافة بعد مقتل عثمان بن عفان بالمدينة المنورة سنة 35 للهجرة، حيث بلغ عدد المبايعين من اليمنيين 40 شخصاً في حين لم يتجاوز عدد المبايعين من النزاريين “القرشيين” 17 رجلاً.
وفي هذا دلالة على المكانة الرفيعة للإمام علي لدى اليمنيين، وهي امتداد لما لقيه عليه السلام من حفاوة لدى الهمدانيين عندما أتاهم داعياً للإسلام، فأسلموا جميعاً حباً وطواعية، وكانوا منذ رحيل الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وآله وسلم، مياّلين للإمام علي، لعدة أسباب كما عرفنا آنِفاً، وبعد مقتل عثمان أرسلوا وفداً من أكابرهم إلى المدينة المنورة لمبايعة الإمام علي والتعبير عن سرورهم بولايته.
ولعظيم مكانتهم لدى الإمام علي عليه السلام أرسل منهم في ولايته 37 رجلاً إلى الأقاليم المختلفة في المجتمع الإسلامي، توزعوا ما بين إيران والعراق والجزيرة العربية وبلاد الشام، مما يدل على سلطتهم التي تزيد كثيراً عن نسبة الوجود العدناني “القيسي”، وفي معارك الجمل وصفين والنهروان، يظهر لليمنيين الأثر البارز، بحيث أن من بين 35 قائداً من قادة الإمام علي عليه السلام في معركة الجمل، 13 قائداً من أصل يمني، و18 من أصل نزاري “عدناني”.
ومما يفتخر به اليمنيون، شنهم في حرب صفين حملة واسعة بقيادة مالك الأشتر النخعي اليماني على جيش الخصم، شارك فيها من أبناء قبيلة همدان اليمنية 800 فارس، وثبتوا في المعركة حتى استشهد منهم 180.
ومما يفتخر به اليمنيون في معركة صفين شهادة الصحابي الجليل عمار بن ياسر العنسي المذحجي اليماني وبعض الأصحاب من اليمنيين، ويُعَدُّ استشهاده رضي الله عنه دليلاً على كون الإمام علي عليه السلام إمام “الفئة العادلة”، ومعاوية إمام “الفئة الباغية”، مصداقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ” عمار مُلئ إيماناً من رأسه إلى أخمص قدميه وستقتله الفئة الباغية”، وكان عمار يومها يقاتل في صف الإمام عل علي عليه السالم.
وممن استشهد من اليمنيين إلى جانب عمار من القادة الكبار، والذين كان لاستشهادهم أثر بالغ في إضعاف موقف الإمام علي عليه السلام، خزيمة بن ثابت وعبدالله بن بديل الخزاعي وأبو الهيثم بن التيهان.
وفي همدان يقول الإمام علي عليه السلام، كما يروي العلامة الحُجة “مجدالدين بن محمد المؤيدي” في كتابه “التحف شرح الزلف”: “يا معشر همدان أنتم درعي ورمحي، وما نصرتم إلا الله ورسوله، وما أجبتم غيره”.
ومن ذلك قصيدته الغراء سلام الله عليه، التي قلّد فيها قبائل اليمن في معركة صفين، كما يذكر المؤرخون “وسام الفخر” إلى يوم القيامة:
ولما رأيتُ الخيل تقرع بالقنى .. فوارسها حُمرُ النحور دوامي
ونادى ابنُ هند في الكلاع ويحصب .. وكندة في لخم وحي جذام
تيمَّمتُ همدان الذين هُمُ هُم .. إذا ناب أمرٌ جُنّتي وسهامي
فناديتُ فيهم دعوةً فأجابني .. فوارسٌ من همدان غير لئام
فوارس ليسوا في الحروب بُعزَّلٍ .. غُداة الوغى من شاكر وشبام
ومن أرحب الشُم المطاعين بالقنى .. ونهم وأحياء السبيع ويام
ووادعة الأبطال يخشى مصالها .. بكل صقيل في الأكُفِ حسام
ومن كل حيٍ قد أتتني فوارسٌ .. كِرامٌ لدى الهيجاء أي كرام.
الى أن قال سلام الله عليه:
جزى الله همدان الجنان فإنهم .. سمام العدا في كل يوم سمام
لهم تُعرفُ الرايات عند اختلافها .. وهم بدؤا للناس كلَّ لحام
رجالٌ يحبّون النبي ورهطه .. لهم سالفٌ في الدهر غير أيام
همُ نصرونا والسيوف كأنها .. حريقٌ تلَظَّى في هشيم ثُمام
لهمدان أخلاقٌ ودينٌ يُزينُها .. وبأسٌ إذا لقوا وحدُّ خِصام
وجدٌّ وصدقٌ في الحديث ونجدةٌ .. وعلمٌ إذا قالوا وطيبُ كلام
فلو كنت بوَّاباً على باب جنة .. لقلت لهمدان ادخلوا بسلام.
ومن روائع رسائل الإمام علي عليه السلام إلى ولاته، رسالته إلى مالك الأشتر النخعي اليماني، والتي كانت بمثابة الدستور المنظم لعمل الحكام، وتنظيم العلاقة بين مكونات الدولة المختلفة وبينها وبين الرعية، والحقوق والواجبات التي تخص كل فئة، وهي من أهم الوثائق التي تُدرّس لطلاب العلوم السياسية في أعرق الجامعات الغربية.
هؤلاء هم اليمنيون أهل الولاء والعشق للحق وأربابه، وذلك هو إمام المتقين، الحاكم الذي حكم الناس 5 سنوات تحت شعار: “المال مال الأمة والفقراء مسؤولية الحكومة”.
وكانوا عنده في الحق سواء، وخاطبهم: “إنما أنا رجل منكم، لي ما لكم، وعلي ما عليكم”.
جاع مع شعبه، وعاش بين الفقراء، وضد الفقر، ومع المحرومين، وضد الحرمان، ومع الجماهير، وضد الطغيان.
وقاوم كل أشكال الظلم، والعنصرية، والاستحواذ، والفساد، والاستغلال، والاحتكار، والاستعباد.
ورفض النصر بالجور، والحكم بالمخادعة، والاستقرار بالاستسلام.
وخاض أكثر من 60 حرباً، ولم يكن لديه أي مانع من أن يقاتل جيشاً كاملاً، إذا تعدّى هذا الجيش على مظلومٍ واحدٍ حتى يأخذ حقه منهم.
فأين نحن من سيرته وأين حكام العرب والمسلمين من نهجه، ومما يفعله شذاذ بني “سعود” وبني “نهيان” باليمنيين، للسنة السابعة على التوالي، من مجازر وجرائم وفظائع، تقشعر لها أبدان جن بني الأصفر، ولا يرف لها جفن أحدٍ من حكام العرب والمسلمين المتخمين بالخزي والعار والشنار؟؟.