غزة تحاول سحب البساط من سلطة عباس وتضع أسس تعاط صهيوني ودولي مع القضية الفلسطينية
استمرار المواجهة أو وقفها .. خيارات جميعها مُرّة أمام “إسرائيل”
من كواليس التفاوض ..المقاومة الفلسطينية تشترط على إسرائيل وقف إطلاق النار أولاً والقدس في مقدمة الشروط
الثورة / إبراهيم الوادعي
تسريبات إعلامية صهيونية عن توجه المؤسسة الرسمية الإسرائيلية إلى وقف من جانب واحد لإطلاق النار بعد أيام عصيبة عاشها الكيان في جبهته الداخلية وانهمار مئات الصواريخ خلال أسبوع من المواجهة المختلفة عما سبقها من مواجهات ، واستحالة العودة كذلك إلى اتفاق وقف إطلاق النار عام 2014م بعد جولة من المواجهات مع المقاومة الفلسطينية دامت آنذاك 22 يوما .
الكيان الصهيوني في مأزق حقيقي، فأي اتفاق لإطلاق النار لا يمكنه تجاهل الأسباب التي أدت إلى اندلاع المواجهة الحالية والتي انطلقت نتيجة الاستفزازات الصهيونية في القدس ونصرة للمسجد الأقصى بوجه الاقتحامات الصهيونية والتضييق على المصلين ، ومواجهة لأعمال التهويد القسري في أحياء القدس الشرقية وخاصة في حي الشيخ جراح، حيث أن 22 عائلة مهددة بالطرد من منازلها في إطار سياسة صهيونية واضحة لتهويد القدس، وتحقيق صفقة ترامب على أرض الواقع .
من الصعب بحسب سياسيين ومحللين دوليين وصهاينة على إسرائيل القبول بأي شكل لوقف إطلاق النار يعالج أسباب اندلاع المواجهة ، كما لا يمكن لها في ذات الوقت الاستمرار في المواجهة وبناء اتفاق غير طويل الأمد لا يعالج جذور التصعيد الحاصل ، وذات الوضع بالنسبة للطرف الفلسطيني ، كما لا يمكن الاستمرار في المواجهة أياما طويلة مقارنة بعملية الرصاص المصبوب 2014م. الوضع بحسب هؤلاء هذه المرة مختلف تماما عن المواجهات السابقة مع غزة، حيث كيان العدو بأكمله تحت النار وحجم الشلل الاقتصادي كبير ويكاد يكون كلياً بعد أن وصلت صواريخ المقاومة الفلسطينية إلى مدى 220 كيلو متراً إلى مطار رامون في إيلات على البحر الأحمر، فيما مطار بن غوريون في اللد معطل تماما منذ أسبوع ، كما أن الكثافة النارية وحجم التدمير ودقة الإصابة كان واضحا فاعليتها الكبيرة، والفصائل الفلسطينية امتلكت قدرات مذهلة.
وسائل الإعلام الصهيونية تتحدث بشكل واضح عن الهزيمة في المواجهة الحالية مع غزة ، وأن الحكومة الصهيونية تكذب وتتكتم على أعداد القتلى الحقيقي، وتقول القناة الـ2 العبرية إن عدد القتلى من المستوطنين وصل إلى 98 مع نهاية الأسبوع الأول للمواجهة وأكثر من 300 مصاب .
وفي الجانب الآخر لا يمكن للمقاومة الفلسطينية التراجع عن الخط الجديد الذي رسمته ، والمعادلة التي أرستها مع رشقة الصواريخ الأولى باتجاه القدس في أول دقائق المواجهة ، حيث عطلت مسيرة الأعلام للمستوطنين الصهاينة لوضع حجر الهيكل في داخل الحرم القدسي بعد شهر من الاستفزازات المتواصلة ، وأي وقف للنار ولو من جانب الكيان الصهيوني، لن يكون بمقدور المقاومة الفلسطينية السماح أو السكوت مجددا بعودة الانتهاكات للمسجد الأقصى والتضييق في أبوابه على الفلسطينيين، واستمرار انتزاع بيوت المقدسيين .
بحسب التسريبات عما يدور في كواليس المفاوضات فإن أهم عثرة تقف أمام تحقيق وقف إطلاق النار رفض الفصائل الفلسطينية قطعيا وقفا لإطلاق النار هذه المرة لا تسبقه إسرائيل ، كما ترفض تماما تجاوز شروطها بإدراج القدس والأقصى ضمن الاتفاق عبر وقف الاقتحامات للأقصى ووقف استفزازات المقدسيين والتهجير القسري لهم .
ومن الواضح أن الفصائل الفلسطينية قد استعدت تماما لهذه المرحلة من المواجهة ، حيث يعترف ضباط الكيان الصهيوني بأن لديهم فشلاً استخبارياً كبيراً ينم عنه عشوائية الضربات وفشل القيادة العسكرية الصهيونية في توجيه ضربات موجعة للمقاومة الفلسطينية كاغتيال قادة ، وتحول الرد الصهيوني إلى مجرد استعراض للقوة وهدم للأبراج .
المواجهة الحالية كرست منذ اليوم معاجلة تكون فيها صواريخ غزة مظلة حماية وإسناد للأقصى وللشعب الفلسطيني من البحر إلى النهر ، وما زاد هذ المعادلة تعميقا هو إذكاؤها من جديد جذوة المقاومة للشعب الفلسطيني خاصة في مدن الـ48 ، ورصدت وسائل الإعلام فرحة فلسطينيي 48 مع كل إطلاق صاروخي وهروب المستوطنين إلى الملاجئ بشكل واضح.
وتعترف القيادة الصهيونية بأن الواقع الناشئ في ما يسمى الخط الأخضر، أشد خطرا على بقاء ” إسرائيل”، وهو ما جعلها تدفع بالعصابات الصهيونية التي جرى إعادة أفرادها من مناطق الضفة لقمع الفلسطينيين، وعاشت العديد من المناطق المختلطة أجواء شبيهة بتلك التي شهدتها في عام 48م، مع فارق أن معنويات الفلسطينيين أقوى في المواجهة الحالية عوضا عن الإسناد الغزاوي وانفضاح الأنظمة العميلة التي طبعت مع كيان الإسرائيلي.
ظن الكثيرون أن 73 عاما منذ النكبة الفلسطينية وتأسيس دولة الكيان قضت على الشعور الوطني الفلسطيني الخط الأخضر ونشأة جيل جديد في ظل الاحتلال الصهيوني أقل انتماءً لأصله العربي من الجيل الذي سبقه ، لكن المواجهات في اللد والرملة ومناطق أخرى خصوصا داخل الخط الأخضر أظهرت عكس ذلك ، ونقلت وسائل الإعلام الدولية مشاعر الفرحة للشباب الناشئ عند كل زخة صاروخية تسقط على رؤوس المستوطنين ، فيما شكل فرقاً لحماية الأحياء العربية ضد القوى الصهيونية الرسمية والعصابات التي جرى جلبها .
يشير خبراء إلى أن القيادة الصهيونية تواجه اليوم معضلة النهوض الفلسطيني من تحت الركام والوحدة، التي استطاعت المقاومة الفلسطينية بعثها من جديد بين فئات الشعب الفلسطيني بما يتجاوز الحدود والمحددات التي صنعها الاحتلال وأنظمة عميلة عربية ودولية متواطئة معه لتدجين الفلسطينيين ومحو القضية الفلسطينية ، بحيث ضاقت خياراتها في إذلال الفلسطينيين وانتزاع الأرض ، وخطورة ذلك على مستقبل الكيان و “يهودية الدولة”.
إذا ما توقفت المواجهة الحالية وهي حتما ستقف غدا أو بعد غد ، ستصحو المنطقة نفسها أمام واقع مختلف ليس على صعيد الجغرافيا الفلسطينية في الداخل والشتات، حيث تهاوت كل جهود التدجين ومحو القضية الفلسطينية والحق الفلسطيني بما في ذلك وضع القدس التي نشأت بسببها موجة المواجهة الحالية ، وإنما دوليا حيث تهاوت أيضاً اتفاقيات التطبيع التي حاولت القفز على القضية الفلسطينية ، وانهارت صفقة القرن إلى الأبد بشكلها الحالي ، بما في ذلك ما جرى استحداثه بشأن القدس التي استجلب توتير الأوضاع فيها ومحاولة المس بوضعها القانوني والجغرافي بشكل سافر المواجهة الحالية ، وهي قضايا بدأ الحديث عنها في عواصم دولية فاعلة.
ولعل أحد أهم المتغيرات بحسب محللين في الأيام التالية للحرب هو سحب ملف القضية الفلسطينية من أيدي السلطة الفلسطينية في رام الله ، وانتقاله عمليا إلى غزة، حيث فصائل المقاومة الفلسطينية التي تتمتع بحلفاء أقوياء جادين وصادقين، وهو أمر سيفرض بطبيعة الحال تغييرا جوهريا في تعاطي القيادة الصهيونية كسلطات احتلال مع حقوق الشعب الفلسطيني وانخفاض واضح في سياسات التنمر والتعالي والتلاعب بالفلسطينيين على مدى سنوات مفاوضات أوسلو، أو منذ الاحتلال الشامل لجغرافية فلسطين في 67م بشكل عام.