ب◌َنـي القصــر بطــوابقــ ــه الـ20 فــي الوقــت الــذي كـــــان العـــالم يسكـن الكهــــوف..


تحقيق / هشام المحيا –
> استحداث مبان داخل فناء القصر وسطو من الخارج.. ولا خجل

> وزارة السياحة نحن بلا صلاحيات

تعد “حبات الكدم” آخر الملوك الذين سكنوا قصر غمدان في صنعاء وما تزال متربعة على عرشه حتى اليوم فضلا عن كونه مخزن للأسلحة لتكون بذلك خليفة للملك التبعي سيف بن ذي يزن … القصر الذي يعد أول ناطحة سحاب في الأرض بتصميم هندسي عجيب وذاع صيته في الشرق والغرب ولم تغفله شهرزاد من حكاياتها ” ألف ليلة وليلة ” يتعرض اليوم لعملية تخريب صارخة حيث أخذت وزارة الكهرباء جزءاٍ منه لإنشاء موقع للمولدات فيما قام أحد المتنفذين بالبناء في حرم القصر وقامت إدارة القصر هناك بإنهاء ما تبقى من روح ونفس تاريخي للقصر باستحداث بعض المباني وقيامها بترميم عشوائي لبعض الأماكن … أما الجهات المسئولة فتبقى عاجزة أمام سطوة الكدم والسلاح فوزارة السياحة تقول أنها بلا صلاحيات ووزارة الثقافة طفح بها كيل الملاحقة أما أمانة العاصمة فلها أجر محاولة استعادة القصر … تفاصيل أكثر دقة في التحقيق التالي:

ذكر المؤرخ الهمداني أن أول من بنى قصر غمدان هو سام بن نوح عليه السلاح وقال “إن سام بن نوح ارتاد البلاد حتى صار إلى الإقليم الأول فوجد اليمن أطيبه مسكنا وارتاد اليمن فوجد حقل صنعاء أطيبها فبنى ذلك القصر” والظاهر أن الإدارة المتعاقبة على القصر في هذا العصر طبقت نفس العملية حيث جابت كل المحافظات فوجدت صنعاء أفضلها وجابت شوارع وأحياء صنعاء فوجدت قصر غمدان أفضلها كفرن للكدم ومخزن للسلاح وبهذا يكون رجال هذا العصر قد اتفقوا مع رجال العصر القديم من حيث اختيار أفضل الأماكن واختلفوا بشيء بسيط هو أن القدامى صنعوا التاريخ ونحن دفنا التاريخ
مسلسل الدمار
استمرار لمسلسل الهدم والتخريب والتهريب لتاريخ اليمن والذي ــ على ما يبدو ـ لن تشهد الحلقة الأخيرة منه إلا عند القضاء على آخر المواقع الأثرية فمنذ قرار تحويل قصر غمدان التاريخي إلى موقع عسكري وفرن كدم تعرض القصر لعدد كبير من المخالفات أبرزها:
إهمال المباني المتبقية من القصر واستخدامها بشكل غير منظم أدى إلى فقدانها صورتها التاريخية وإهمال السور الخارجي للقصر مما أدى إلى تساقط أغلب أحجاره ولم يتبق إلا الطين الذي يختلط بالمجاري ” التي تصب أوساخها أسفل السور كما تحول المكان القريب من السور إلى مقلب للمخلفات غير العضوية وأيضا قيام وزارة الكهرباء ببناء موقع للمولدات على مساحة قدرها 500 متر مربع تقريبا وعلى بعد 100 متر فقط عن السور الشرقي داخل حرم القصر وعلاوة على ذلك فإن هذا المبنى شيد بالحجارة السوداء والصلل الأبيض الذي أظهر المكان التاريخي بشكل مزعج ومؤذ للغاية علما بأن وزارة الكهرباء أخذت ترخيصا من أمانة العاصمة ووزارة الدفاع حينها¿
كما قام أحد تجار الدرجات النارية ببناء هنجر داخل حرم القصر ويبعد عن السور 500 متر وبناء هناجر تابعة للمعسكر داخل القصر تستخدم للأغراض العسكرية بالإضافة إلى استخدام الغرف التي خلدت أسماء الملوك وقادة الدول اليمنية القديمة التي سكنت القصر كسكن للجنود” الذين نكن لهم عظيم الاحترام” إلى جانب كل ذلك هناك مخالفات أخرى يندى لها الجبين ارتكبت بحق هذا القصر وعلى رأسها الترميم العشوائي.
ترميم ” موضة جديدة”
في قصر غمدان العديد من مشاريع الترميمات استهدفت أكثر من مبنى إلى جانب ترميم أجزاء من السور الخارجي للقصر إلا أن هذه الترميمات هي بالأصل مخالفة جملة وتفصيلا لمواصفات ترميم المباني الأثرية ومن هذه المباني مسجد القصر الموجود بالقرب من الجهة الشرقية للسور الذي بني بالحجر والاسمنت أما السور فقد تم ترميم أجزاء منه من الناحية الجنوبية بمواد مخالفة حيث رمم بالحجر الحبش السوداء كما هو موضح في الصور الملحقة بهذا التحقيق.
القادم أفظع
لم يقف الحال هنا .. بل تشير بعض التقارير وعلى رأسها تقرير وزارة الثقافة إلى أنه سيتم عمل طريق لمبنى الكهرباء الأمر الذي اعتبره تقرير الوزارة تهديداٍ لمبنى القصر من حيث المنظر الجمالي له وسيؤدي إلى زيادة أطماع الآخرين ” المتنفذين بالاستيلاء على الأراضي التابعة للقصر المجاورة للسور الخارجي وإذاٍ لم يكن تقرير الوزارة مجرد توجس فقد أكدت إدارة القصر في نفس التقرير أنها أوقفت الكثير من المتنفذين الذين يريدون الاستيلاء على أجزاء من أراضي القصر.
قرارات في الأدراج
أكثر من عشر سنوات والقرارات تتوالى بشأن استرجاع قصر غمدان كونه موقع عسكري ليعود إلى مكانه الطبيعي كمعلم تاريخي وعلى أساس أن يكون تسليمه إلى وزارة الثقافة هذه القرارات بدأت تتوالى منذ العام 2002م حيث قضت توجيهات رئيس الجمهورية السابق علي عبد الله صالح بأنه لا مانع من تسليم القصر إلى وزارة الثقافة ـ كما جاء في مذكرة مكتب رئاسة الجمهورية السكرتارية الخاصة والمقيدة برقم ( 2017) للعام 2002م وتوجيهات وزارة الدفاع برقم ( 1092)عام 2002م الموجهة إلى قائد لواء غمدان والتي تقضي بإخلاء مخازن السلاح وتسليم القصر وبناءٍ على ذلك وجه الرئيس السابق في العام 2004م بمذكرة رقم (5563) باعتماد تكاليف الدراسات والتصاميم اللازمة لإعادة بناء القصر وإدراجها ضمن موازنة العام 2005م ورغم هذه التوجيهات العليا إلا أن القصر لم يسلم لذا أعادت وزارة الثقافة الكرة مرة أخرى ونجحت في الحصول على توجيهات رئيس الجمهورية في العام 2007م بأنه لا مانع من تسليم القصر وملحقاته لوزارة الثقافة لإعادة تأهيله كمعلم أثري تاريخي وكان ذلك بمذكرة رقم ( 2208) من مكتب رئاسة الجمهورية وتمت الموافقة على هذا القرار من قبل وزارة الدفاع يذكر أن آخر توجيه من رئاسة الجمهورية كان في العام 2008م إلا أن تنفيذ التوجيهات ظل بعيد المنال.
البلاء الحسن
وزارة الثقافة كجهة مسئولة عن الآثار في اليمن حاولت جاهدة استخراج القصر من ثنايا السلاح والكدم إلا أنها لم تستطع فعل شيء حتى اللحظة فحسب الوثائق التي زودتنا بها الوزارة فإنها جاهدت بكل ما أوتيت من قوة فاستخرجت التوجيهات تلو التوجيهات من جهات عدة وعلى رأسها رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ووزارة الدفاع والمالية التي تم التوجيه إليها اعتماد مبالغ إعادة الترميم بعد إخلاء القصر يذكر أن مطالب وزارة الثقافة تعاقبت عليها ثلاث حكومات ابتداء من حكومة باجمال ثم الدكتور مجور وأخيراٍ حكومة باسندوة الذي تلقى ـ شخصيا ـ طلبا من وزارة الثقافة باستعادة القصر وكان ذلك بتاريخ 9/5/2012م إلا أن كل هذا الكفاح لم يرِ النور بعد من جهة أخرى حاول عبد القادر هلال أمين العاصمة استعادة القصر لوضعه في مكانه الطبيعي إلا أن هذه المحاولة ــ في اعتقاد الكثير ـ ستذهب أدراج الرياح ..
أما وزارة السياحة التي يقع على عاتقها جزء من المسئولية فأوضحت أنها لا تمتلك أي صلاحيات تخول لها حماية الآثار وقال وكيل الوزارة لقطاع العلاقات الدكتور سمير البعداني إن الوزارة تعيش بلا صلاحيات حيث وأن الحكم أصبح محليا أي لا مركزياٍ وبالتالي تقع المسئولية على عاتق المجالس المحلية والمكاتب التنفيذية في المحافظات ـ حد تعبيره.
شهرزاد والقصر
في الوقت الذي كان فيه العالم يسكن في الأكواخ والخيام والكهوف بني قصر غمدان لهذا ظل القصر عبارة عن أعجوبة تتحدث عنها الأمم وزاد من دهشة العالم التصميم الهندسي الفريد الذي يتمتع به القصر إضافة إلى طوابقه التي بلغت عشرين طابقا الأمر الذي جعله أسطورة تترد على ألسنة الكبار والصغار في كل دول العالم وعلى مر العصور ومن هؤلاء شهريار الهند في إحدى لياليها المسماة “ألف ليلة وليلة ” مع زوجها أيضا في أوربا حيث يذكر المؤرخون الأوربيون أن قصر غمدان في صنعاء اليمن من خير ما صنع الإنسان منذ تاريخه الأول كذلك لم تخل أغلب كتب التاريخ من الحديث عن هذا القصر الناطق ـ قديما ـ في كل أرجاء العالم باسم اليمن والصامت اليوم والسبب ابن اليمن .
وبحسب المصادر التاريخية يذكر المؤرخون أن أول من بنى قصر غمدان سام بن نوح عليه السلام وكان آخر من سكنه الملك التبعي سيف بن ذي يزن يذكر أن القصر تعرض للهدم المتعمد خلال فترات زمنية متفاوتة أولها فترة حكم الأحباش لليمن وكان ذلك على يد أبرهة الحبشي وقد اختلفت الروايات في المرحلة الثانية لهدم القصر إلا أن أقرب الروايات تقول أنه تعرض للهجر الأمر الذي أدى إلى تهدمه على مر السنين
بكل اللغات “رجاءٍ”
ثلاث حكومات متعاقبات أصدرت حزمة من القرارات قضت بإخلاء قصر غمدان من السلاح والكدم وتحويله إلى معلم أثري إلا أن ذلك لم يتم الأمر الذي أصاب وزارة الثقافة بالإحباط وأمانة العاصمة بالملل والسياح المتعطشون لرؤية القصر من الداخل بفقدان الأمل لذا نوجه ” رجاء خاص ” وبكل اللغات واللهجات ” نيابة عن كل من حاول استرجاع القصر إلى مكانه الطبيعي نتوجه به إلى قيادة معسكر قصر غمدان بأن يشعلوا “فانوس “الضمير ويسلموا القصر كما أمروا لتعود صورة القصر العظيم كما تحكيها كتب التاريخ.. والله من وراء القصد .

قد يعجبك ايضا