من أعظم ثمار هذا الشهر الكريم، أنه أفضل دورة تدريبية لفن إدارة الوقت، وحفظه واستثماره بشكل دقيق ونافع، فلا ينتظر الناس رؤية هلال شهر كشهر رمضان، فمعرفة بداية الشهر وترقبه بداية عملية تنظيمية لترتيب أوقات المسلم فيما يأتي من أيام.
إدارة الوقت في رمضان تختلف عن سائر الشهور، إذ يبدأ الصائم تحري وقت الإمساك عند الفجر، ثم وقت الإفطار عند الغروب، ثم وقت الصلوات المفروضة، ووقت السحور، فيصبح لديه ملكة شيئاً فشيئاً وإتقان لبرمجة أوقاته طيلة شهر كامل، فيكون مؤهلًا لأن ينظم ويرتب أوقاته ويحافظ عليها بالخير طيلة العام لو استشعر ما يفعل. تزداد قيمة وأهمية الحفاظ على الوقت في رمضان، كونه موسماً من مواسم الحصاد والخيرات، يقول أحد الصالحين: “العمر قصير فلا تقصره بالغفلة”، حول أهمية الوقت ودقائقه في شهر رمضان المبارك التقينا الأستاذ محمد الخاشب خطيب جامع الحسن بن علي رضي الله عنهما.
رمضان وتغيير الواقع
يقول الأستاذ محمد الخاشب إمام جامع الحسن بن علي رضي الله عنهما: شهر رمضان هو محطة إيمانية تربوية لتهذيب النفوس وتزكيتها وإعادتها إلى طريق الحق عن طريق الصيام الذي فرضه الله تعالى من أجل عباده الذين يحتاجون دائماً إلى هداية الله لهم، والقرآن الكريم كتاب هداية ونور بصيرة ومن خلال التطبيق العملي للقرآن نستطيع تغيير واقع الفرد والمجتمع والأمة كلها.
غاية الصوم
ويضيف الخاشب: يجب علينا الاهتمام الكبير بأوقاتنا وخاصة في هذا الشهر الكريم والاستفادة من كل ساعة وكل دقيقة فيما يعود علينا بالنفع في هذه الدنيا وكذلك يزيدنا قرباً من الخالق عز وجل، لأن الغرض من الصيام هو تحقيق التقوى قال تعالى: “يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون”.
نظرة خاطئة
ويشير إمام جامع الحسن إلى أن هناك نظرة خاطئة لبعض الناس إلى هذا الشهر الكريم، فمنهم من ينظر إليه على أنه شهر للنوم فيقضي معظم نهاره في النوم ولا يستيقظ إلا بعد صلاة العصر، ومنهم من ينظر إليه إلى أنه شهر للأكل والشرب فيقضي ليله في الأكل والشرب والإسراف فيهما، ومنهم من ينظر إليه أنه شهر للترفيه وتضييع الأوقات أمام شاشات القنوات الفضائية أو أمام الجوالات الذكية وشبكة الإنترنت فتجده يضيع معظم أوقاته في هذا الشهر الكريم والتي هي من أفضل الأوقات وأشرفها أمام تلك الوسائل الهدامة والتي يسمونها وسائل التواصل الاجتماعي، ونحن إذا لم نستغلها استغلالاً إيجابياً تصبح وسائل هدم ووسائل نشر الفساد الأخلاقي في أوساط المجتمع.
فشبكات التواصل الاجتماعي وغيرها بات لها حضور قوي في أكثر الأوقات بما يشبه “الإدمان”، فتسرق الوقت المتبقي من اليوم الرمضاني الذي كان يجب أن يخصص للعبادة، ونجد أن ارتباط أغلب الأشخاص بوسائل التواصل الاجتماعي يتمحور حول اللهو عن طريق المحادثات ومتابعة المشاهير وقراءة بعض المواضيع والرد عليها والنقاش حول المسلسلات المعروضة وغيرها من الأمور الدنيوية؛ ليس هذا فحسب بل إن البعض ينساق من خلال وسائل التواصل الاجتماعي إلى اكتساب الآثام، حيث ينجر البعض لشجار يدفعه للوقوع في آثام اللسان، كالسب، أو القذف، أو الغيبة والنميمة وغيرها.
سلاح ذو حدين
ويضيف الخاشب: وبما أن هذه الوسائل قد أصبحت جزءاً من حياتنا فيتوجب علينا استخدامها فيما يفيد وينفع، وهناك طرق نستطيع من خلالها توظيف هذه الوسائل توظيفاً إيجابياً كنشر ما هو مفيد والتحفيز على فعل الخير والتكاتف بين أفراد المجتمع، مع مراعاة التقليل من استخدامها في هذا الشهر الفضيل.
القرآن كتاب هداية
ويؤكد الأستاذ محمد الخاشب أن الطريقة الصحيحة للتعامل مع هذا الشهر الفضيل تكون أولاً من خلال التوجه الصادق إلى الله والعزم على التوبة، وثانياً من خلال الاهتمام بذكر الله وبالقرآن الكريم مع التدبر لآياته والنظر إلى القرآن ككتاب هداية وليس ككتاب للقراءة فقط.
وكذلك الحرص على الدعاء وطلب الهداية من الله واللجوء إليه، لأن هذا الشهر موسم عظيم لقبول الأعمال ومضاعفة الأجر والثواب.